الأربعاء 18-09-2024 16:18:32 م : 15 - ربيع الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
روح سبتمبر وأمان الشعب
بقلم/ عبدالله المنيفي
نشر منذ: 6 أيام و 12 ساعة و 3 دقائق
الخميس 12 سبتمبر-أيلول 2024 04:15 ص
 

في الذكرى الـ34 لتأسيس التجمع اليمني للإصلاح، لا زلت أتذكر أجواء التأسيس وأنا طالب في المرحلة الإعدادية، أشاهد رجالاً وشباباً من منطقتنا يذهبون إلى العاصمة صنعاء للمشاركة في حفل الإشهار، لحزب سياسي يمني، سيكون علامة فارقة في الحياة السياسية اليمنية.


لم يأت الإصلاح من الأبراج العاجية ولم يتخلق في قصور السلطة، بل نبت من التربة اليمنية، ولذلك فقد كان مهيباً في حضوره من أول لحظة، كانت شاهدة على ميلاد عهد جديد، عرفت فيها البلاد الحياة السياسية التعددية والديمقراطية لأول مرة بشكل حقيقي منذ قيام النظام الجمهوري، ولعل العبارة التي أطلقها الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام الدكتور عبد الملك منصور في المؤتمر العام للإصلاح عام 1998، تختصر ظروف هذه النشأة، حينما قال إن "الإصلاح حزب ولد عملاقاً"، ذلك أنه جاء للحياة امتداداً للحركة الإصلاحية اليمنية المعبرة عن هوية الشعب وعقيدته وحضارته.


هذا العملاق الوطني الشامخ لم يكن مستعلياً ولم يطلق خطاباً متغطرساً، لأنه من الشعب وللشعب، معبراً عن آلامه وآماله وتطلعاته.
وصل الإصلاح إلى كل مدينة وقرية وحي ومنزل، بالوسائل المشروعة، والطرح الواقعي، والخطاب الوطني، المنتمي إلى عقيدة الشعب وهويته، دخل إلى البيوت عبر وسائل الثقافة والمعرفة، بواسطة الصحف والمجلات، والمطويات الصحفية المتواضعة، حمله مشايخ ومعلمون وطلاب متنورون، حملة مشاعل التنوير في المجتمع.


دخل الإصلاح إلى القرى النائية فكان برداً وسلاماً، وفي مواجهته السياسية، كان سلاحه الحوار والتواصل، فكان بحق أمانا للوطن وللشعب.
أسرد هذه المشاهدات التي أحمل قصصها وذكرياتها طوال أكثر من ثلاثة عقود، وأنا الذي استهواه الحزب بديناميكية شبابه وإصرارهم وعزمهم على النضال، وحبهم للمجتمع والناس، كما استهواه حبهم للعلم والتعلم والثقافة والفنون التي وإن بدأت بسيطة لكنها ظلت تنمو وتتسع حتى أصبح الإصلاح أحد روافد الفن في اليمن، هذا الفن الذي أسهم لاحقاً في المعركة الوطنية ضد مخلفات الإمامة وحراسة الهوية الوطنية وقيم الجمهورية وثورة 26 سبتمبر.


وفي الحياة السياسية، كان الإصلاح أحد أبرز فرسانها، فعقد التحالفات الحزبية، وأسهم في إثراء العمل السياسي والنقابي والجماهيري، باذلاً وسعه في ترسيخ تجربة ديمقراطية حقيقية.
وإن يمكن أن ينسى شيء، فلا يمكن أن ننسى العمليات الانتخابية، التي أضفى عليها الإصلاح ديناميكية وحراكاً تنافسياً ديمقراطياً، رغم اختلال الموازين، والأرض غير المهيأة، ولكنه بضميره الوطني وحرصه على اليمن والشعب، منحها روحاً لعلها تنمو وتزدهر، وتكون بوابة أمان، تحفظ دماء اليمنيين وأمنهم واستقرارهم.
وطوال مسيرته السياسية والنضالية، كان الإصلاح جمهورياً سبتمبرياً، بل الحارس المخلص والأمين للنظام الجمهوري، فقد كان سبتمبر حاضراً في وجدانه، وفي إعلامه، وكان قادته يواجهون أفكار مخلفات الإمامة بكل السبل، وقد كان لصحيفة "الصحوة" الناطقة باسم الحزب دورها البارز في هذه المواجهة، في حين كانت أفاعي الفكر الإمامي تحشد كل إمكاناتها في محاولات بائسة لتشويه الإصلاح.


لم يكن الإصلاح في جمهوريته وحمله قيم ومبادئ سبتمبر، يرفعها مجرد شعارات، بل ترجمها واقعاً وجسدها بكل ما أوتي من قوة، وعمدها بالدماء الزكية، والتضحيات الباذخة، فكان حصن الجمهورية وركنها، حين خرجت حشود الظلام الإمامية الكهنوتية بفكرها السلالي البغيض، وتمثل الإصلاح مبادئ وأهداف ثورة 26 سبتمبر، وهو يعلن بوضوح انحيازه للشعب وإرادته الحرة، وللشرعية والجمهورية، فانخرط رجاله وشبابه للدفاع عن كرامة اليمنيين وهويتهم، واستنفر الحزب كل طاقاته في المعركة الوطنية، وباتت وسائل إعلامه رأس حربة في مواجهة مخلفات الإمامة والمشروع الإيراني، وهو مع كل ذلك يبذل جهوده لتلاحم القوى الوطنية وتحشيدها للقضية الوطنية والنضالية، التي هي امتداد لنضالات أحرار 26 سبتمبر.
لا يحتاج الإصلاح إلى إثبات لهذا السلوك المعبر عن نهجه الوطني وخطه الجمهوري وحضوره الشعبي، فكل ما على الأرض يشير إلى أنه يد حانية على الشعب، وروح فدائية عن ثوابته ومكاسبه، وكتلة مناضلة على درب الآباء السبتمبريين، وكيان ينتمي لليمن وللأمة العربية وهي في مواجهة مشروع إيران.


وفي كل مرة ونحن نحث الخطى في السير إلى يوم 26 سبتمبر، يوم اليمن الأغر الذي أخرجهم من ظلمات الإمامة إلى نور الجمهورية، يحتشد اليمنيون من أول أيام شهر سبتمبر معبرين عن احتفائهم باليوم الذي صنع أشعته الأبطال، يحتفلون بكل الصور والطرق رغم ما يواجهونه، وفي منتصف هذه المسافة الزمنية، وتحديداً في 13 سبتمبر، يحتفون بالإصلاح في ذكرى تأسيسه، الإصلاح الحزب السياسي والكيان الجمهوري الوطني، والمصلح الاجتماعي، والتجمع الشبابي والطلابي، وكل ما يمت إلى الحياة بصلة، وكأن الإصلاح هو الطريق إلى يوم 26 سبتمبر.


حتى خفافيش الظلام الإمامية تدرك ذلك جيداً، فكانت أولى سهامها موجهة نحو الإصلاح، ولا أنسى أن الجلاد الحوثي السلالي الذي كان يستشيط غضباً على صحفي مختطف وتحت التعذيب في سجون الإمامة، في إحدى ليالي شتاء 2016، وهو يقول: لولاكم "الإصلاحيون" كان الأمر انتهى.
ما سبق مجرد مشاهدات والتقاطات ومشاهد لتاريخ حزب ومحطات نضاله وعزمات شبابه في الميادين، ولا يعني ذلك أن هناك جوانب إخفاقات وقصور، محكومة بالظروف والأحداث على المستوى الوطني والإقليمي، لكننا على يقين أن الإصلاح قادر على القيام بالتقييم والمراجعات التي تصوب مسيره الوطني، وتتجاوز عوامل الإخفاق والقصور قدر الإمكان.


التهاني إلى كل إصلاحي وإصلاحية على امتداد الأرض اليمنية في ذكرى تأسيس حزبهم العريق، وإلى مناضليه الميامين في كل الميادين، وإلى أسر الشهداء والمختطفين والجرحى، والتحية لكل رجاله، وعلى رأسهم القائد المناضل الجسور الأستاذ محمد قحطان، آملين أن تحل الذكرى القادمة وهو بين إخوانه قيادات الإصلاح والعمل السياسي في البلاد، كما هو في قلوب الملايين.