فيس بوك
جوجل بلاس
الدكتور عبدالله العليمي: 6 أكتوبر ذكرى عظيمة وفرصة للاعتزاز بالدور المصري في الانتصار لثورة 26سبتمبر
طلابية الإصلاح بسيئون تقيم الأمسية الشبابية احتفاءً بأعياد الثورة اليمنية وذكرى التأسيس
إصلاح تريم يقيم لقاءً موسعا بمنطقة عيديد بذكرى التأسيس وأعياد الثورة
في ندوة سياسية.. رئيس إصلاح المهرة يؤكد حضور الحزب في كل ميادين النضال
حضرموت.. إصلاح الديس الشرقية والحامي يقيم حفلاً وندوة بذكرى التأسيس والثورة
إصلاح البيضاء يختتم الدوري الأول لكرة القدم احتفاء بذكرى التأسيس وأعياد الثورة
أمين عام الإصلاح يعزي عضو الكتلة البرلمانية «الشقذة» في وفاة زوجته
كانت القبيلة اليمنية ومازالت محل جدل في الأوساط الفكرية والثقافية من حيث تقييم دورها ومكانتها ومدى وانعكاسهما في الواقع على مر التحولات التي شهدتها اليمن منذ القرون الهجرية الأولى لحضارة الاسلام وحتى اللحظة الحالية من زمن اليمن التي تلعب فيها القبيلة دورا رئيسا في المشهد اليمني سلبا أو إيجابا.
ورغم هذا الجدل فقد اثبتت الوقائع الأخيرة على مدار عقد من الصراع أن القبيلة اليمنية قد تجاوزت في أهميتها مجرد كونها ورقة بين فرسي رهان الى الحد الذي اصبحت فيه فرس الرهان الوطني في كبح مشروع الحوثيين فكريا وسياسيا وافشال سيطرته على البلاد.
وقد كان لحزب الاصلاح نصيب الأسد في تحويل القبيلة اليمنية من كونها حشو مدافع لحروب الامامة ضد خصومها وايضا ضد بعضها البعض ضمن صراعات طويلة وحروب مؤلمة على السلطة والسيطرة على الرقاب الى كونها قوة وطنية رئيسة في صناعة الحضارة بانخراطها في تركيبة الدولة والمساهمة في مشروع التنوير الحضاري والخدمي للبلد وحماية القيم الاساسية للمجتمع اليمني والحفاظ على القيم الدينية والعربية الاصيلة كقيم العدل والمروءة والكرم والتسامح ونجدة المظلوم، رغم جنوح بعضها عن المشروع الوطني وانتقاله للمشروع الاخر المناقض تحت منطق الترهيب والترغيب الذي يستخدمه الحوثيون بفعل سيطرتهم على الامر الواقع واجبار القبيلة تحت اغراء المال او الابتزاز او المساومات او التهديد بالقوة في حال الفشل.
لكن هذا الاختراق النسبي للقبيلة لم يمنع القبائل اليمنية من الرفض والنضال لكل ما يهدد عقيدتها الدينية والوطنية والتداعي لحماية مكتسبات الثورة اليمنية من كل مناطق اليمن بما فيها صعدة المعقل الاول للحوثيين ،وبرغم ما شكلته القبيلة اليمنية من الحامل البديل لمشروع الدولة بعد انهيارها على يد جماعة الحوثي وانخراطها في المعركة الوطنية حيث شكلت الثقل الكبير في مشروع استعادة الدولة وحمل لواء المقاومة تحت عنوان المقاومة الشعبية ودخول عدد كبير من تشكيلاتها في الجيش الوطني لاتزال القبيلة عرضة للاستهداف والكيد المحلي والاقليمي والدولي، ونستعرض ضمن هذا السياق مكانة القبيلة ووظيفتها في المجتمع اليمني، وطبيعة دورها باستعراض اهم المحطات التاريخية للقبيلة وكذلك الظروف والتحديات التي واجهتها في سياق حروبها مع الامامة واسباب التحولات مواقفها السياسية والدينية والاجتماعية وبالأخص منذ بزوغ فجر الحضارة الاسلامية وحتى اللحظة الحالية في زمن اليمن.
القبيلة في اليمن
القبيلة هي كيان اجتماعي تحكمه أعراف وأسلاف متوارثة، وتعيش القبيلة على مساحة من الأرض ، لها حدودها مع القبائل الأخرى ، داخل الدولة الواحدة .
منذ القدم والقبيلة اليمنية لها تأثير كبير على الأوضاع السياسية والعسكرية داخل الدولة في حال وجود الدولة، وتقوم مقام الدولة في حالة غيابها .
كان للقبيلة اليمنية دورٌ بارزٌ وايجابيٌ في نصرة الإسلام ونشره في مشارق الأرض ومغاربها ، وتكوين دولة إسلامية تمتد من الصين شرقا حتى الأندلس غربا ، ولقد عبر شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الدور بقوله : ( ولقد أيد الله الصدّيق بأهل اليمن ، الذين يحبهم الله ويحبونه ، فقاتل بهم أهل الردة ، وفتح بهم ابو بكر وعمر الشام والعراق ).
واستمر هذا الالتفاف طوال القرون الثلاثة الأولى ، وانتقلت عشرات الآلاف من الأسر اليمنية إلى البلاد التي فتحت بسيوف اليمنيين في العراق ،والشام، ومصر، وشمال افريقيا ،والاندلس .
ضعفت الخلافة العباسية ، فانتعشت الحركات الشيعية التي كان لها دورٌ بارزٌ في إضعاف الخلافة .
كانت عيون الطامحين الشيعة تنظر إلى اليمن بأنها الأرض التي يأملون أن تتحق فيها آمالهم في تأسيس دولٍ لهم ، يساعدهم على ذلك بعدها من مركز الخلافة بغداد ، وصعوبة تضاريسها ، وقوة قبائلها في حال الاستجابة لدعوتهم.
القبيلة في مواجهة إرهاب الرسي
دخل الهادي يحيى الرسي قبيلة خولان صعدة عام ٢٨٤ هجرية وبدأ حروبة مع القبائل لإخضاعها في طاعته لكنه واجه مع من جاء معه من الطبريين مقاومة شرسة ، كانت الحرب سجالاً بينه وبين قبائل كعب بن الحارث بنجران ، وكذلك قبيلة همدان ( حاشد وبكيل ) بزعامة أحمد بن الضحّاك ومقره خيوان وريدة وابن الدعام ومقره الجوف ، وقد حمل رأية المقاومة زعيم همدان أحمد بن الضحاك الحاشدي ، ذكر الحسن الهمداني أن الضحاك خاض اكثر من مائة معركة ضد يحيى الرسي ثم تصالح مع ابنه الناصر وهو من قال للأخير أنا إن صالحت أصالح وإن عاديت أعادي وأنت اختر ما تشاء ، خاض الضحاك حروبا ضد القاسم بن الناصر واقتحم صعدة ثلاث مرات ودمرها ، ودخل صنعاء مرتين ، أثنى عليه الحسن الهمداني كرمز لليماني المقاوم الذي ما خضع يوماً للرسي ومذهبه ، ارتبط بالهمداني رائد المقاومة الأول وبأفكاره المعارضة لفكرة حصر الولاية في السلالة العلوية ، وعارض تعصب الناصر لعدنانيته وأظهر الهمداني فضل وعظمة الأمة القحطانية في الماضي وبعد ظهور الإسلام ،وقد امتدحها في قصيدته الدامغة التي تحوي ستمائة بيتاً ، كان الرسي يمارس مع معارضيه.
أبشع الانتهاكات أو ما يعرف بالعرف العسكري (سياسة الأرض المحروقة )، حيث تهدم البيوت، وتقطع الأشجار ،وتردم الآبار ،ويقتل معارضوه صلباً ، كما حدثت مواجهات كثيرة مع دولة آل يعفر في صنعاء ، استمرت المواجهات المسلحة لعشر سنوات ، دخل خلالها صنعاء مرتين ما يلبث أن يخرج منها بفعل مقاومة آل يعفر وحلفائهم من القبائل ، انزوت الهادوية في صعدة وقامت دولة للإسماعيلية بقيادة علي بن الفضل ، ماتت طموحات الرسي واستقر بصعدة ، ليكتب مؤلفاته التي اصبحت مذهباً يدرس للقبائل بعد أن وطن الطبريين والعلويين في مناطق صعدة والمناطق المحيطة بها ، سميت تلك الاماكن ب (الهجر العلمية) التي تقوم بتدريس المذهب الهادوي ، مات الرسي عام ٢٩٨ هجرية وفي عهد ابنه الناصر حدثت مصالحة بينه وبين أسعد بن يعفر وزعماء القبائل ،وتفرغوا جميعا لقتال الإسماعيلية حتى تم هزيمة الأخيرة في مناطق حجة ومسور التي أسسها ابن حوشب ، كما كان لأسعد بن يعفر الدور البارز في القضاء على دولة الإسماعيلية التي أسسها علي بن الفضل والتي استمرت عشر سنوات ، أتاحت هذه المصالحة بين الناصر وابن يعفر فرصة ذهبية لنشر المذهب الهادوي في كثير من مناطق الشمال رغم مقاومة وتحذيرات رائد المقاومة الأول الحسن بن احمد الهمداني ، مات اسعد بن يعفر عام ٣٣٢ ه فضعفت دولته التي ساعد هذا الضعف على انتشار أفكار الهادوية ، ولعل أهم المؤثرات في نشر افكار الهادوية هو التحالف بين العلويين وشريحة ما سمي بالفقهاء والقضاة الذين سكنوا الهجر التي زاد انتشارها ، فكانوا للقبائل بمثابة زعماء الدين ، والشيخ الزعيم الاجتماعي الذي يخصص له الإمام جزءاً من الجباية مقابل أن يدخل في طاعة الإمام.
صراعات الإمامة
إن اهم عامل ساعد على ترويض القبيلة ونشر افكار الإمامة ومعتقداتها هو تحالف أدعياء الإمامة مع بعض المشائخ والفقهاء المتشيعين وسمي بالفقية الهجرة وكذلك قاضي الشرع ، وهؤلاء هم القوة المؤثرة في تحريك القبيلة ، فمن خلال الشيخ الذي يحدد له جزء من الجباية ، والفقية الذي يمثل الزعيم الديني ومفتي القبائل ومعلمهم وخطيبهم وتورث هذه المهنة للأبناء وهكذا ، وقاضي الشرع المعين من الإمام لفصل النزاع ، كل هؤلاء هم الذين جعلوا من القبيلة قوة عسكرية بيد الإمام يسلطها على من يشاء ، فاستخدموا القبائل استخداماً سلبياً لتحقيق أطماعهم ، كما أنعشوا فيهم عقيدة الفيد، والنهب كعقيدة لدى أتباع المذهب ضد خصوم الإمامة ومخالفيها ، مادام من يبيح ويأذن لهم بذلك هو الإمام ، وصار هذا عرفاً سائدا عبر القرون .
نشب الصراع بين احفاد الرسي على الإمامة لعشرات السنين حتى منتصف القرن الرابع كان وقودها القبائل ،ثم دخلت أسر أخرى وفدت على شمال اليمن غير بيت الرسي ك القاسم بن علي العياني والقاسم الزيدي. وابي الحسن بن أبي هاشم جد الحمزات ، وأبي الفتوح الديلمي ، نشبت الحروب بين هذه الأسر الهادوية كان وقودها أيضاً هم القبائل الذين يوالون هذا الكاهن او ذاك ، في هذه الحقبة من الصراع الهادوي الهادوي مع بداية القرن الخامس الهجري ظهر مقاوم جديد رفع لواء المقاومة أحد قادة الدولة الزيادية والي تهامة البطل الحسين بن سلامة الذي كانت له إنجازات كبيرة ، فقد حفر الآبار ،وبنى المساجد من حضرموت إلى مكة ستين مرحلة ،في كل مرحلة يبني مسجداً ويحفر بئراً ، المرحلة مسافة يوم ، ومن حضرموت إلى عدن عشرون مرحلة ومن عدن إلى مكة أربعون مرحلة عبر صنعاء وصعدة ،ومن عدن إلى مكة عبر الساحل ، وإن تعثر حفر البئر ، انشأ حصاداً أو بركة للماء ، واتسعت وقويت الدولة الزيادية في عهده ، استمرت ولايته ثلاثين عاماً ، قاوم الامامة وكان يدعم مشائخ القبائل من همدان وخولان صنعاء، ويتحالف معهم ويحرضهم على محاربة الأئمة ومنعهم من دخول صنعاء ، وأحياناً كان يتدخل بنفسه وينتقل برجاله من تهامة لتحرير صنعاء من أيدي الإماميين ، مات عام ٤٢٦ هجرية.
الفترة الصليحية
مائة وستون سنة منذ دخول الرسي، حتى قتل آخر إمام وهو أبو الفتوح الديلمي على يد مؤسس الدولة الصليحية علي بن محمد الصليحي عام ٤٤٦ هجرية ، والحروب لم تهدأ في مناطق قبائل شمال صنعاء ، وللعلم فإن جميع الأدعياء لم يستطع أي منهم دخول صنعاء إلا إذا كان أحد مشائخ القبائل هو من يقوم بمناصرته لدخولها ويخرج منها في حال تخلى عنه وانقطعت الجباية أو انتقص منها حسب ما اتفق عليه من قبل .
هدأت الأوضاع وحصل استقرارٌ نسبيٌّ مع وجود تمردات إمامية ضعيفة طوال ٩٢ عاما من حكم الصليحيين ، استطاع المؤسس علي الصليحي أن يوحد اليمن للمرة الثانية منذ دخول الإسلام ،وقد ذكر المؤرخ المقريزي أن علي محمد الصليحي أحد مشاهير العالم في الشجاعة والدهاء ، رغم الانتصار العسكري الذي حققه الصليحيون وانزواء الهادوية عسكريا وضعفها ، لكن مازالت الهجر العلمية تنشر افكار المذهب الهادوي ، وهذا يعاب على كل الدول التي انتصرت عسكريا على الإمامة أنها تركت الفكرة والمذهب يترسخ لدى القبائل وينتشر ، مما رسخ لدى القبائل فكرة حصر الإمامة في ذرية الحسن والحسين في مناطق الشمال .
سقطت الدولة الصليحية عام ٥٣٢ هجرية، لتعود دوامة الصراع والحروب من جديد ، على يد الطاغية أحمد بن سليمان ، الذي ذاقت من وراء حروبة وتمرداته القبائل والمدن أبشع الدمار والقتل والتنكيل بعد أن أفتى بكفر مخالفية ومن لايؤمن بحصر الولاية في البطنين من ذرية الحسن والحسين ، وهو القائل:
ولأقتلن قبيلةً بقبيلةٍ ...
ولأ سلبنّ من العدى أرواحا،.
مات عام ٥٦٦ هجرية، عاصره علامة اليمن وثائرها نشوان بن سعيد الحميري ، معارضاً لفكرة حصر الولاية في العلويين ، ورفع لواء المقاومة ودعا لنفسه بالإمامة وبايعته المطرفية ومال إلى أفكارها الرافضة لولاية العلويين، وانتصر لقحطانيته ، طارده ابن سليمان ففر إلى مأرب وبيحان وتريم ،وخطب في مساجدها ، وبايعوه أميراً لثلاث سنوات ، ثم عاد إلى صعدة وعاش بها بقية حياته وانشغل بالتأليف، ومات ودفن في حيدان عام ٥٧٥ هجرية .
ثم ادعى الطاغية الاكبر عبدالله بن حمزة الإمامة ٥٩٤ هجرية ، ومات عام ٦١٤ هجرية ، سلط القبائل خلال فترته على بعضها بعضاً كما صنع أسلافة ، واجتث طائفة المطرفية ،وقتل منهم عشرات الآلاف ،وسبى نساءهم ، بعد أن أفتى بكفرهم لمخالفتهم فكرة الولاية ومقاومتهم لها ، ظهر هذا الطاغية بعد قيام الدولة الأيوبية ودخولها اليمن عام ٥٦٩ هجرية ، إذ استمرت ٥٧ عاما ، استطاعت أن توحد اليمن والحجاز والشام ومصر والعراق في دولة واحدة ، فأسقطت الدولة العبيدية الفاطمية بمصر ، وحررت بلاد الشام وبيت المقدس من الصليبيين ، خلفتها الدولة الرسولية العظيمة عام ٦٢٦ هجرية، وعاصمتها تعز ، حكمت الدولة الرسولية ٢٢٥ عاما وسيطرت في عهد ملوكها الأوائل من ظفار إلى المدينة المنورة لأكثر من مائة عام ، وكان الملك الرسولي هو من يكسي الكعبة اكثر من مائة عام وكان أشهر ملوكها هو الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول ثاني ملوك الدولة ، تقدمت الدولة في عهده في شتى المجالات ، وكانت دولة عظمى بحق .
حاول السلاليون دفع القبائل للتمرد لكن كانت جيوش الدولة تسحق تمرداتهم في المناطق الشمالية ، لقد بلغ عدد التمردات على هذه الدولة عشربن تمرداً نجحوا بعد ثمانين عاما من فصل صنعاء ومناطق الشمال عن سيطرة الرسوليين بعد معارك كان وقودها القبائل ،
ثمانون عاما واليمن تعيش ازهى عصورها من بعد الإسلام قوة ووحدة وتقدما في كل مجالات الحياة ، وبعد انفصال مناطق الشمال شهدت تلك المناطق مائة وخمسين عاما من الصراع الهادوي الهادوي ، كان ميدان الحرب من صنعاء إلى نجران إلى الجوف إلى حجة وأحيانا يمتد إلى ذمار ويريم ، بسبب ظهور العديد من الأئمة في زمن واحد.
واستمر صراع السلاليين من بيت شرف الدين مع الدولة الطاهرية التي أعقبت الدولة الرسولية عام ٨٦٨ هجرية في أواخر القرن التاسع إلى منتصف القرن العاشر ، رفع لواء المقاومة السلطان الطاهري البطل عامر بن عبد الوهاب، الذي حقق الكثير من الإنجازات على مستوى اليمن وحقق الانتصارات كذلك ، باستشهاده ضعفت دولة الطاهرين ، ولا سيما بعد أن قويت شوكة الإمامة بتحالفها مع الدولة الصفوية والبرتغاليين ، وزاد من ضعفها اقتصاديا بتحول طرق التجارة عبر رأس الرجاء الصالح التي تم اكتشافها في تلك الآونة ، وفي عام ٩٤٥ هجرية دخل العثمانيون اليمن لمنع البرتغاليين من السيطرة على البحر الأحمر وموانئ اليمن بالتعاون بين الأخيرين والصفويين ،إذ نشبت حروبٌ يشيب لهولها الأطفال ، ثم حروبٌ بين آل شرف الدين بعضهم بعضاً، فنيت فيها القرى والبشر - حسب قول أحد الباحثين - .
فتأتي الدولة القاسمية عام ١٠٠٦هجرية على يد الطاغية القاسم بن محمد واستمرت إلى قيام ثورة ال٢٦ من سبتمبر ١٩٦٢ ، الموافق ١٣٨٢ هجرية بما في ذلك دولة بيت حميد الدين ، خلال هذه القرون والقبائل هم وقود المعارك التي أثارتها هذه السلالة الإرهابية ، بعد أن توسعت دائرة الصراع والفتنة لتشمل تهامة ومناطق إب وتعز ومأرب والبيضاء ، أما محافظات الجنوب فقد كانت بعيدة عن الصراع - في الغالب - خلال السبعة القرون الماضية ، ومن بعد قيام الدولة القاسمية وخروج الأتراك عام ١٠٤٥ هجرية بعد مائة سنة من دخولهم اليمن عمت الفتنة السلالية الهادوية كل اليمن ، ولا سيما فترة الطاغية المتوكل إسماعيل، ثالث إمام في الدولة، وهو الذي استطاع ان يكوّن جيشاً قوياً استطاع من خلاله السيطرة على كل الأراضي اليمنية ، بيد أن المحافظات الجنوبية تحررت سريعا كان آخرها عدن ولحج خرجت منها الإمامة بعد ٨١ سنة من الغزو والاحتلال ، مارست الإمامة خلال هذه الفترة كل أنواع الظلم، والبطش، ومصادرة الأرض ،وتحويلها من ارض عشرية إلى أرض خراجية يتملكها الإمام وحاشيته ، وسلطت الإمامة انصارها لنهب بلاد عرفت ببلاد الشوافع واعتبرت هذه الأرض في تهامة ومناطق الوسط والجنوب أرض غنيمة باعتبار أهلها كفار تأويل.
حقبة المصلحين في مواجهة القاسمية السوداء
لقد كانت حقبة الثلاثة القرون المتأخرة ، او الحقبة القاسمية ، هي الأكثر قتامة وسوداوية بما لحق من ظلم بسكان المناطق الوسطى وتهامة في تاريخها الطويل، اما مناطق الشمال فقد ترسخ لديها أفكار المذهب ومعتقداته الظالمة والعنصرية ، وعم الجهل ، ولولا أن قيض الله في هذه الحقبة علماء مصلحين ، كبحوا جماح التشيع بما حباهم الله من علم وفقه، وشجاعة ، نصر الله بهم دينه وسنة نبيه ، لاندثر الدين، ولضاعت السنة، ولكان الأمر مختلفاً جدا ، فظهر العالم الجليل محمد بن إبراهيم الوزير في منتصف القرن التاسع، والعلامة الكبير صالح المقبلي في القرن الحادي عشر ، والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير في القرن الثاني عشر ، وشيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني في القرن الثالث عشر ، لقد انهارت أفكار الخرافة الإمامية الهادوية امام قوة علمهم وحجتهم ، ولم يتجرأ علماء الهادوية وكهنتها أن يناظروا أحدهم ،او يناقشوه لأن علمهم وفقههم بني على الدليل الواضح من الكتاب والسنة، وليس على أقوال وتأويلات الأئمة أو الأدعياء .
لقد نسفوا تأويلات الرسي وعبدالله بن حمزة وغيرهم من الكهنة واثبتوا للناس أنها مخالفة للدليل الشرعي ، فاقتنع طلاب العلم بمنطقهم ، وأصيبت حركة التشيع الهادوي بانتكاسات كبيرة وما حافظ على بقائها هو تعمق الجهل عند الكثير ، ووجود الدولة الداعمة لهذا الجهل والخرافة.
إن هؤلاء الأعلام من رواد حركة الإصلاح ومؤسسيها هم الذين أوجدوا الأرضية الفكرية والدعوية لمن جاء بعدهم من النخب المثقفة التي بنت على هذه الأرضية مشروع الانعتاق الوطني من ظلم الإمامة وسلالتها المتخلفة ، هذه الأفكار التي انبثقت من روح الاسلام الحنيف هي التي مهدت الطريق لرجال الثورة عام ١٩٤٨ وما تلاها من ثورات حتى توجت هذه النضالات بثورة ال٢٦ من سبتمبر الخالدة .
لقد كانت ثورة سبتمبر ميلاداً جديداً لهذا الشعب ، استعاد في هذا اليوم حريته وكرامته وعبوديته لله الواحد ، بعد قرون من الجهل والظلم والعبودية لصنمية الأئمة ، ادعياء الحق الالهي المكذوب .
حقَّ لليمنيين أن يحتفلوا بذكرى هذا اليوم الخالد الذي لن يمحى من ذاكرة الأجيال ، فهو اليوم الذي كان فرقانا بين الحق والباطل ، وبين العلم والجهل ، والحرية والعبودية ، والكرامة والهوان .
الفكر الهادوي الإمامي بعد ثورة سبتمبر
إن اكبر خطر يواجه الإمامة وافكارها الهادوية هو العلم ، وأكثر ما يساعد على انتشارها هو الجهل ، فمنذ قيام الثورة اليمنية أولت الحكومات الاهتمام بالتعليم وانتشار المدارس في كل البلاد ، فتعلم الناس ، واحتك اليمنيون بالعالم ولا سيما المغتربين في المملكة وزيارتهم للحرمين، كل هذه العوامل كان لها أثر في تغيير أفكار الناس من سكان المناطق الشمالية ، وكان للمعاهد وطلابها أثر كبير في نشر الوعي ، وتحريك القوافل الدعوية إلى القرى ومناطق القبائل في السبعينات والثمانينات وكان للشيخ الزنداني والحركة الإسلامية جهود كبيرة في هذا التحرك ونشر الدعوة الإسلامية وفق منهج سلف الأمة ، وغرس مبادئ الحرية والعدالة والمساواة بين أبناء المجتمع ، واجتثاث الافكار العنصرية و المذهبية.
حزب الإصلاح امتداد لحركة الإصلاح اليمنية
وكان لقيام التجمع اليمني للإصلاح كامتداد طبيعي لحركة الإصلاح اليمنية منذ المقبلي، وابن الأمير، والشوكاني والفقيه سعيد الهتاري، ورموز الثورات اليمنية ، كان للإصلاح دورٌ بارزٌ في صنع ثورة ثقافية وفكرية مرتبطة بعقيدة الشعب الإسلامية المعتدلة ، وصنع وعي وطني كبير ، لقد كان لدعاة الاصلاح وشبابه ومؤسساته ووسائله الاعلامية والتربوية الأثر الكبير في تصحيح المفاهيم الخرافية لدى مجتمع قبائل الشمال كفكرة الولاية والافضلية وكسر صنمية آل البيت المزعومة.
كان للاصلاح الدور البارز في اجتثاث هذه المعتقدات التي رسخها ادعياء الإمامة طوال مئات السنين ، واستبدالها بالافكار الاسلامية الصحيحة المنبثقة من كتاب الله وسنة نبيه ، انه الانجاز الكبير والثورة الثقافية الكبرى التي احدثها الاصلاح بكل مكوناته واستطاع ان يحول تلك القبائل من حامل لمشروع الإمامة إلى حامل لمشروع الجمهورية والمدافع عنها ، ولقد تجسد هذا الوعي في الواقع، إذ هب الإصلاح للدفاع عن الجمهورية بعد أن عادت الإمامة في صورتها الحوثية الجديدة ، التي عادث بمساعدة قوى دولية وتحالفات داخلية وإقليمية.
دور مفصلي
هب الاصلاح وقاد القبيلة ليدافعوا جنبا إلى جنب عن الدولة والجمهورية ، وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الكبيرة ، خاض الاصلاح والقبيلة هذا المعركة على جبال صعدة مع قوات الجيش. ثم خاضها منفردا وإلى جنبه القبيلة على جبال حجة في كشر ، وفي الجوف وفي حاشد وفي عمران ومدافعا عن صنعاء مع الوطنيين من ابطال الجيش من المنتسبين للفرقة الاولى مدرع ، ومنذ سقوط صنعاء وللاصلاح وابناء القبائل الدور البارز في تشكيل كتائب المقاومة ، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع الجمهوري الإمامي ، لتدمج هذه المقاومة في الجيش الوطني في كل البلاد تحت مظلة الشرعية المعترف بها دوليا .
إن دور الاصلاح في الحفاظ على الجمهورية وهوية الشعب الاسلامية والوطنية وتلك التضحيات الجسيمة ، لتجعل المواطن اليمني ان يقف امام هذا الكيان السياسي والاجتماعي وتضحياته بكل حب وامتنان ، وإن التاريخ ليجثوا امام عظمة هذه المواقف والتضحيات النبيلة ، والتي يراها الاصلاح وكل المنتمين اليه واجب شرعي ووطني ، لن يمن بها على احد لانها جزء من واجبه تجاه الدين والوطن والجمهورية ،
ولاشك أن الشعب الملتف حول جمهوريته سينتصر على هؤلاء الطارئين وسيجتثهم من جديد .
لقد كان الاصلاح منذ التأسيس واعيا لأهمية ومكانة القبيلة ومدركا طبيعة دورها الوازن في التاريخ اليمني
وفي الوقت ذاته حاجتها لمشروع فكري وتوعوي يخرج بها من دائرة التأثير السلبي للأئمة تحت غطاء من التظليل الديني والفكري وابقاءها في حالة من التجهيل وعزلها حضاريا عن العالم ،وفي الوقت ذاته يحافظ على القبيلة كمكون اجتماعي رئيسي في الشعب وذات عمق حضاري وتاريخي وريادي قبل الاسلام وبعده غير متجاوز لها او متعال عليها أو متهادن معها اذا ماقررت بعضها التنكر لقيم القبيلة اليمنية واعرافها الاصيلة بالخروج على الاجماع الوطني والعبث بمشروع الدولة والهوية والسلم الاجتماعي.
لذا حرص منذ وقت مبكر ان يكون قريبا منها وحاضرا في اوساطها بمشاريع تنويرية وتعليمية وتوعوية وخيرية في مجالات الدين والحياة والهموم السياسية والاجتماعية المشتركة ،فحرص على ادماجها في الدولة وتطبيعها بالقيم المدنية بطريقة توازن في الحفاظ على القبيلة كركن اجتماعي مساند ورديف للدولة في حالات ضعفها واهمية انخراطها في سلك التطور الذي شهدته اليمن خلال الحقبة الأخيرة سياسيا وعلميا ونهضويا ،وكان للقبيلة اسهامها الفاعل والرئيس في النهوض الحضاري بما يضمن تفاعلها الايجابي مع الدولة والمجتمع وتحييد اي نوع من الصدام الذي قد يقضي على واحد منهما دون الاخر، وتبقى القبيلة اليمنية رغم دورها الحاسم في النضال وحماية الدولة والجمهورية ،وتعليق امال شعب عريضة عليها في اسناد المشروع الوطني ودحر الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة محط انظار قوى و أهداف متعددة ومشاريع متناقضة ،مايدعو الى اهمية استيعابها في الحقل السياسي والاقتصادي والوطني والتعليمي وترشيد دورها للتغلب على الكثير من التحديات الراهنة والمستقبلية وتعزيز وجودها الفاعل في شتى مجالات الحياة كونها صمام امان الهوية والدولة والوحدة .