الخميس 21-11-2024 18:46:23 م : 20 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
نحو فقه ثقافة الاقلاع الحضاري
بقلم/ عبدالعزيز العسالي
نشر منذ: 7 سنوات و 3 أسابيع و 6 أيام
الأربعاء 25 أكتوبر-تشرين الأول 2017 02:36 ص

ــ إعلاء للمبادئ

ـــ تجسيد للمعنى

 ــــ تأسيس حضارة إنسانية

   

دور الهجرة في البناء الحضاري

 

1-يتفق علماء الحضارات -مؤرخوها :ان الحضارات التي غيرت مجرى التاريخ وطال امده عطائها :

بلغت سبعة وعشرين حضارة ـ وفي الوقت ذاته يتفق مؤرخو الحضارات ان هذا الحضارات ال27 كلها مهاجرة؟!

هذا الاتفاق الصادر عن قامات علمية متخصصة: يجعلنا نقول مطمئنين :

ان من سنن نجاح الحضارت القوية (سنة الهجرة) ـــ سنه كونيه .

ولسنا هنا بصدد اثبات حقيقة علمية، بقدر ما نقول هذا هو الغالب لدى علماء تاريخ الحضارات، وبناء على الاتفاق الآنف نستطيع تقرير مايلي:

 
  • (الهجرة النبوية من مكة الى المدينة: كانت احد العوامل البارزة في (المبادئ وتجسيد المعنى وتاسيس الحضارة)
 

ب-أن البعد الحضاري بأبعاده الانسانية، والقيمة والاجتماعية والمادية كان حاضرا في مخيلة الرسول (ص) من وقت مبكر - في فجر الدعوة ــ لاسيما بعد نزول سورة الشورى ، وكذلك بعد نزول سورة ( يَس ) التي تضمن صدرها (لتنذر قوما ما انذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول على اكثرهم فهم لايؤمنون)

  

ج-ان سورة الشورى التى نصت بل غرست في خيال المؤمن والسامع لها آنذاك ان مجتمعا قادما هاهو يتشكل وسيكون من صفاته وقيمه :صلاة ، شورى ، إنفاق، سماح وعفو ، وقيم انسانية قادمة من اصول مقدسة ومعصومة.

 

د-يلاحظ ان: الآية التي يستشهد بها الشيعة (المودة في القربى)

وردت في نفس سورة الشورى ، الأمر الذي يعني ان ( الحكم شورى) لاعلاقة له بالقرابة ابدا، والمودة في القربى الواردة الآية هي خطاب عقلاني اجتماعي مألوف عند كل القبائل ، مفاده : ياقومي ياقريش : ان لم تتبعوني باختياركم للدين فعاملوني كسائر القبائل في حماية ابنائها - احموني وخلّوا بيني وبين الناس ، وهذا اقل المواقف ايجابيه تجاه القريب لقريبه كما هو مألوف.

 

هـ- ولان السورة قد تضمنت مبدأ المبادئ الحضارية وقريش يدركون ابعد هذا المبدأ الحضاري: وضعوا في اذن طينا والأخرى عجينا كون هذا المبدأ التوجيهي يعني المساواة التامة بين البشر..

 إذن :

 مبدأ المساواة هو السبب الأبرز وراء رفض قريش للدعوة الإسلامية وتكذيبهم للرسول (ص) ونعته بالجنون ....الخ.

و-الامرالذي يضحك الثكالى:هو الاستدلال الاحمق بآية القربى ان المودة في القربى: هي الولاية العلي، وهي دعوى اكبر من الدليل - دعوى لا تصمد امام النقد العلمي؛ ذلك ان قريشا لم تعترف بعد برسالة الرسول ص حتى عام فتح مكة، فكيف يأتي الرسول ليقول لهم اكفروا برسالتي لكن سلموا بولاية على والذي لم يبلغ سن العاشرة ، قريش لم تومن بعد ولم تعترف بالاصل فكيف ستوافق على الفرع ؟

ثم من اين جاؤوا بان معنى المودة هي الولاية والحكم ، بل كيف يصح عقلا ودينا وشرعا: ان الرسول ص لم يطلب من قريش اي شيء لا اسلام ولا ايمان برسالته ، فقط كل ما يطلبه منهم فقط ان يحبوا قرابته، هكذا هو المسخ الفارسي الذي لا يعرف العربية ولا معانيها ثم جاء بهذا التفسير الفج من المذهب الباطني الفاسد.

الخلاصة: ان البعد الحضاري الانساني والمادي كان حاضرا في ذهن الرسول وهو يعرض نفسه على القبايل ولانه لاقى مواقف مختلفة الردود ، والله قد انزل عليه الكتاب والحكمة - الاخذ بالسبب فقد تبلور لديه تصور تام - انه لا مجال ولا مفر من البحث عن وسائل فاعلة تتمثل في مكان (حاضن) كما ان هذا المكان لا بد ان يكون اصحابه هم اصحاب القرار الصادر عنهم باقتناع تام ــ شورى اجتماعيه ذات اصول معصومة - مبدأ ديني تتأسس عليه اسس وقيم حضارية ، وهذا الخاضن ليس (مكة) ولا غيرها من القبائل ، وقد وجد البذرة في (يثرب وبيعة العقبة الاولى) وان الهجرة ( خياراجرائي استراتيجي ديني حضاري)ــــ ذراع حامل للمبادئ اعلاءً وتجسيداً وارساءً لقواعد متمثله في شبكه شروط ستقوم عليها حضارة ، وهذه الشبكه من الشروط لايمكن اهمالها فهي جزء من الدين والتدين كما سيتضح لاحقا !!

 بااختصار : 

(الهجرة، والبيعة) كانتا اقوى حامل - في اعلاء المبادئ ..الخ .

 

- نستطيع القول ايضا ان جيل فجر الدعوة بمكة تشبع بثقافة السنن الاجتماعية عايشها علميا وتجرع مرارتها ، وكذلك جيل الانصار طيلة فترة حياة الرسول بين ظهرانيهم ، وحتى ترسخ في الاذهان والوجدان تدينا وممارسة ان لانجاح بمعجزات وانما بمغالبة السنن وتوظيفها ، وان المعجزات لا مكان لها في التربية الاسلامية المحمدية الا بنسبة 1% نموذج (الريح في حصار الخندق) وقبلها في الغار لا تحزن ان الله معنا.

هذا التشبع - نظريا وممارسه ترسخ والقرآن يتنزل والرسول ص يطبق ويلفت الانظار الى مقاصد تصرفاته : يعطينا دلالة قاطعة ان : ( البعد الحضاري ) الذي كان في مخيلة الرسول ص قد انتقل الى عقول ووجدان الصحابة وترسخ بل تجذر مع معاني العقيدة الإيمانية. وبالتالي : فلا غرابة اذا وجدنا الفاروق ــ عمر رضي الله عنه يتخذ ( التاريخ الهجري ) معلما للحضارة والثقافه الاسلامية ، فلا مولد الرسول ، ولا يوم بعثته ، ولايوم بدر ولا يوم الحديبة ولا يوم الفتح ، وانما العام الذي حصل فيه هذا التحول

 (الهجرة).

  

الطريقة الثالثة:

الذراع الحامل للمبادئ

 

(دستور المواطنة المتساوية)

 

دستور المواطن المتساوية - وثــيــقــة الــمــديــنـــة:

هذا هو الذراع الثالث - الحامل للمبادئ فالهجرة تمت على اساس بيعه ، اذن : البيعة ادت الى الهجرة ، ذراعان توأمان ، والذراع الثالث (دستور المدينة).

لاشك سيطول الحديث حول هذه السنة الاجتماعية ـ الدستور الذي كان الذراع الثالث الذي عزز من اعلاء المبادئ ..الخ.

وتجنبا للاطالة : سيكون حديثنا فيما يتصل بإعلاء المبادئ وتجسيد المعاني وتاسيس شبكة الشروط الخضارية فنقول :

 

1- نص الدستور - وثيقة المدينة - على الاعتراف بكل كيان من كيانات المدينة، مهاجرين ، انصار ، الأوس على حدة ، والخزرج على حدة، واعترف ان لكل قبيلة اعرافها الاجتماعية، ومن حقها ان اي واحد من القبيله انصاريا كان اومن المهاجرين ان يتحدث بلسان كيان - القبيلة، اوالفئة.

 

2- نص الدستور حرفيا على الاعتراف بقبائل وبطون اليهود البالغة ( 12 بطنا ، وسماها : بنى جشم ، بنوا الحارث ، بنو عوف . الخ. واعطى كل فصيل وكيان حقوقه التامة ــ لهم عرفهم ، وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم ادناهم.

 

3- نصت الفقرة (ب) من المادة (20) على حرية كيان المشركين في المدينة (وان لايجير مشرك عير لقريش).

 

 4- نص الدستور على ان الدفاع المشترك على المدينة واجب الجميع ضد أي عدوان من خارج المدينة، سواء كان المقصود بالعدوان مسلمين اوغير مسلمين.

 

5- نص الدستور على ان النفقة في الحرب ضد العدوان :

 ( من بيت مال المسلمين )!

 بل نص حرفيا ان الاعتداء على اليهود من خارج المدينة وجب نصرتهم من المسلمين والنفقة من بيت مال المسلمين !

 

             النتائج :

 

أ/ يلاحظ ان الدستور اعطى حق المواطنة المتساوية لكل سكان المدينة بلا استثناء.

 

ب/ يلاحظ ان الدستور اعطى حق المواطنة على اساس جغرافي بحت وليس على اساس ديني !

 

ج/ نظم الدستور الحقوق بين المسلمين وغيرهم .

د/ يلاحظ من شهادة كتاب غير مسلمين : ان هذا الدستور لم يكتبه الرسول ص وانما جعل لكل كيان يكتب حقوقه كما يشاء .

 

هـ/ يتفق المؤرخون ــ مسلمون وغير مسلمين ان هذا الدستور استمر بين اخذ ورد مبدئيا من حيث وجود الدستور من عدمه اولا .

ثم و بعد طول الاخذ والعطا حول مبدأ وجود الدستور وحسم الامر على ايجاد الدستور استغرق سنتين ، ويرى الكاتب العسكرى ( مونتجمرى واط ) انه استغرق خمس سنوات ، وتم الاتفاق عليه سنه خمس للهجرة ، مستدلا بغياب قبيلتي النظير وقينقاع .

 

و/ الذي يهمنا هنا ان الدستور نابع من وسط المجتمع ولم يفرض ، وانه اخذ زمنا ليس بالقليل!!

 

ز/ يتفق الكتاب مسلمين وغيرهم على ان النص القائل {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ قائلين: ان هذا النص في ظاهرة يهدم كل النصوص - وان عقليات حرفيه سطحية ظاهرية هكذا فهمت وان الرسول فرض هذا النص بالقوة. غير ان كثير من الكتاب سخروا من هذا معللين قبول اليهود والمشركين بالنص الانف ليس خوفا ، وانما ثقة بالرسول كونه اعطاهم الحرية التامه ــ سنوات عده ليكتبوا حقوقهم التي يحمون بها انفسهم دون ان يعترض عليهم !! هذه الثقة المتبادلة والقائمة على الحرية التامة في صياغة الحقوق هي التي ادت الى قبول الجميع بالنص الآنف ؛ لان الرسول ص هو مؤسس هذه العدالة والحرية.

 

             الذراع الرابع

- اقامة بورصة مالية داخل المدينة - لان بني النظير ، وبني قينقاع ، وكذلك خبير البعيدة من المدينة لديهم اسواق.

هذا الذراع الاقتصادي الاهم قل من تعرض لذكره واذا ذكره لايعطيه اية بعد اًية في اعلا المبادئ و.و.الخ.

لعل هذه اللامبالاة قادمة من العقلية الفقهية الضحلة، باختصار كأن الرسول ص يقول لنا : اصنعوا واقعكم بأنفسكم، لاتسلموا قيادكم للغير . فمن ملك القوت وتحكم بالاقتصاد ملك القرار .

 

     موقف القرآن من الدستور

 

في سنة خمس للهجرة نزلت الآية ( يقولون لئن رجعنا الى المدينة ) اذن القرآن وافق علي الدستور على التسمية ليثرب بالمدينة ) بالمقابل استمرت مكة على اسمها قرية بنص القرآن رغم انها اكبر حاضرة اقتصادية دينية واجتماعية، لكن كون العقلية المكية ترفض الآخر فهي اذن قرية لاتستحق اسم مدينة، فالمدينة تطلق على مجتمع مختلف العقائد والديانات والاعراف والثقافات الخاصة.