الأحد 19-05-2024 01:15:04 ص : 11 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون والهدنة.. من إغراء المكاسب إلى الابتزاز والمتاجرة

السبت 08 أكتوبر-تشرين الأول 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبدالسلام الحاتمي

 


رفضت مليشيا الحوثيين جميع الوساطات والدعوات الدولية لتمديد الهدنة في اليمن للمرة الثالثة، بعد انتهاء تمديدها الثاني في 2 أكتوبر الجاري، ووضعت شروطا تعجيزية مقابل موافقتها على تمديدها. وفور انتهاء الهدنة شنت المليشيا هجمات على مواقع الجيش الوطني في جبهات تعز ومأرب والجوف والضالع، ودعت الشركات النفطية العاملة في اليمن إلى المغادرة، كما دعت جميع الشركات النفطية العاملة في السعودية والإمارات إلى المغادرة، وغير ذلك من المطالب الهزلية التي تعكس ابتزاز المليشيا للمجتمع الدولي من خلال تهديد مصادر الطاقة، لجني المزيد من المكاسب المجانية من الهدنة.

لقد شكل فائض المكاسب التي ربحتها مليشيا الحوثيين من الهدنة عامل إغراء دفعها للتعنت ورفض جميع الوساطات والدعوات لتمديد الهدنة، بل فالواضح أنه كلما ازدادت الدعوات تشعر المليشيا الحوثية بالزهو، وتعتقد أن الحاجة الدولية لتأمين مصادر الطاقة وأزمة الغاز بفعل تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا، ستجعلها في موقع القوة، وتتوهم أنها قادرة على لي أذرع الوسطاء الدوليين ودفعهم للضغط على الحكومة اليمنية الشرعية لتقديم المزيد من التنازلات للمليشيا الانقلابية، التي تمادت في شروطها لدرجة المطالبة بدفع رواتب لمقاتليها مقابل موافقتها على تمديد الهدنة.

- الحوثيون والهدنة.. ميزان المكاسب والخسائر

لم يسبق أن وافقت مليشيا الحوثيين الإرهابية على التهدئة وتنفيذ هدنة إنسانية منذ بداية الحرب وانقلابها على السلطة الشرعية، لكن بعد أن خسرت معركة مأرب، التي استمرت أكثر من عام، وتكبدت خلالها المليشيا خسائر باهظة في الأرواح والعتاد، أدرك الوسطاء الدوليون أنه حانت "لحظة الاستواء" لتنفيذ هدنة يمكن البناء عليها لتحقيق السلام والحل السياسي للأزمة، وبالفعل وافقت مليشيا الحوثيين على الهدنة، لكن ليس بدافع التهدئة الدائمة ووقف الحرب وأن تكون الهدنة رافعة لتسوية سياسية، ولكن بهدف استغلال الهدنة لتعويض خسائرها الفادحة في جبهات مأرب وشبوة وحجة وتعز، والاستعداد لجولة جديدة من الصراع والعنف.

ظلت معادلة الأرباح والخسائر حاضرة في سلوك المليشيا طوال الأشهر الستة الماضية (مدة الهدنة)، فأحيانا تلوح بإنهاء الهدنة والعودة للخيار العسكري، وأحيانا تزعم أنها لن توافق على تمديد الهدنة إلا في حال الاستجابة لجميع مطالبها، مع أنه لم تكن هناك هدنة فعلية في جبهات الداخل، وكانت خروقات الحوثيين اليومية للهدنة لم تُقابل باستنكار المجتمع الدولي، ولم تلتزم المليشيا بتنفيذ بنود الهدنة من جانبها، مثل فتح الطرقات الرئيسية إلى مدينة تعز ورفع الحصار عنها، ولم تسلم رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها من عائدات النفط عبر ميناء الحديدة، واستغلت فتح مطار صنعاء لصالحها.

لقد حققت المليشيا الحوثية مكاسب مالية وسياسية كبيرة ما كان لها أن تحصل عليها لولا الهدنة، حيث عززت مواردها المالية بفضل تدفق سفن النفط عبر ميناء الحديدة، وتفرغت لحشد عدد أكبر من المسلحين وتدريبهم وإرسالهم إلى الجبهات، كما استغلت الهدنة لجمع إتاوات وجبايات مالية باهظة من التجار والمزارعين وصغار المستثمرين وشركات ومؤسسات القطاع الخاص، وتنمية اقتصادها الموازي على حساب إفقار الشعب اليمني، واستكملت إعادة هيكلة الجهاز القضائي لحصره بالسلالة، ومواصلة التغول الطائفي لتنشئة جيل جديد يدين بالولاء للمليشيا الحوثية ويقاتل لأجلها، ومواصلة التغيير الديمغرافي في المدن الرئيسية، وفي مقدمتها العاصمة صنعاء، لخلق حواضن اجتماعية على المدى البعيد في المدن الرئيسية التي تسيطر عليها المليشيا حاليا.

وهذا فائض الأرباح التي حققتها المليشيا من الهدنة جعلها في موقف مرتبك، فهي ما زالت بحاجة ماسة لتمديد الهدنة، لتعزيز مواردها المالية وقوتها العسكرية، وتتشدد في شروط الموافقة عليها لجني المزيد من الأرباح، وبنفس الوقت تخشى عدم الاستجابة لمطالبها التعجيزية والتي لا تنتهي، فتخسر بذلك كل شيء، فالهدنة في بدايتها مثلت مخرجا مشرفا لمليشيا الحوثيين بعد انكسارها في مأرب، وطردها من ثلاث مديريات في محافظة شبوة، وانسحابها من مواقع عدة في جبهات تعز وحجة.

وحاليا تخشى المليشيا أن يفضي تعنتها لعودة مذلة إلى ساحات المعارك، ولذلك فهي تتشدد في مطالبها تارة، وتارة تزعم أن العودة للهدنة ممكنة دون الحديث عن أي شروط، وتشن هجمات في بعض الجبهات كمجرد استعراض للعضلات، ولم تغامر بشن عملية عسكرية واسعة، وتكتفي بالتلويح بتهديد مصادر الطاقة والمصالح الدولية في المنطقة، لكن يظل ذلك مجرد تصريحات دون أفعال حقيقية على الأرض، لأن عواقب ذلك ستكون وخيمة، وكل ما تعمل من أجله هو تحسين شروط الموافقة على الهدنة وجعلها خاضعة لميزان الربح والخسارة.

- الحكومة الشرعية والبعد الإنساني للهدنة

كانت الحكومة الشرعية تدرك أن مليشيا الحوثيين لن تقدم أي تنازلات لتنفيذ الهدنة، وبنفس الوقت فقد تعاطت الحكومة مع الهدنة بمنطق التنازلات، حرصا منها على تخفيف معاناة المواطنين الناجمة عن الحرب التي أشعلتها المليشيا الحوثية الإرهابية، لكن المليشيا استغلت الهدنة لالتقاط أنفاسها، والاستعداد لدورة عنف جديدة قد تكون أسوأ من سابقاتها، وبذلك تفقد الهدنة بعدها الإنساني، خصوصا أن المليشيا رفضت تنفيذ جميع بنود الهدنة التي كان عليها التقيد بها، ومنها بنود تتعلق بتخفيف معاناة المواطنين، وفي مقدمتها فتح الطرقات إلى مدينة تعز ودفع رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية.

لقد وافقت الحكومة الشرعية في بداية الهدنة الماضية على جميع مطالب مليشيا الحوثيين، وأتبعت ذلك بالموافقة على مطالب أخرى، مثل اعتماد جوازات السفر الصادرة من سلطة المليشيا في صنعاء، رغم أن ذلك يعد انتقاصا من شرعية الحكومة، لكن المليشيا الحوثية لم تنفذ أي بند من بنود الهدنة رغم أن قبولها بالهدنة يعني الموافقة على مطالب الحكومة الشرعية.

وبعد انتهاء الهدنة تعلن المليشيا على الملأ عن اشتراطاتها التعجيزية ومطالبها المبالغ فيها للقبول بتمديد الهدنة، وبنفس الوقت لا تريد تقديم أي تنازلات أو الاستجابة لمطالب الحكومة الشرعية للتوافق على الهدنة، وإذا افترضنا أن الحكومة الشرعية استجابت لجميع مطالب مليشيا الحوثيين للموافقة على تمديد الهدنة، فإن المليشيا ستبتكر اشتراطات جديدة لا أحد يعلم إلى أي مدى تعجيزي وهزلي ستصل إليه، وستجعل من الهدنة أزمة جديدة، وستظل تتاجر بها إلى ما لا نهاية.

- ماذا عن الدور الإيراني؟

بدأت مليشيا الحوثيين برفع سقف مطالبها للقبول بتمديد الهدنة والتشدد في ذلك، منذ زيارة الناطق باسمها محمد عبد السلام إلى إيران في سبتمبر الماضي، وهو ما يعني أن لإيران دورا كبيرا في رفض مليشيا الحوثيين تمديد الهدنة، باعتبار المليشيا تابعة لها وتتلقى منها التعليمات والإملاءات. وقد أطلق المتحدث باسم المليشيا، محمد عبد السلام، تهديدات من طهران، في 11 سبتمبر الماضي، قائلا إن مليشياتهم تطالب بإعادة النظر في اتفاق وقف إطلاق النار، وإنها تشترط إنهاء ما وصفه بالحصار، وخروج القوات الأجنبية من اليمن، إلى جانب دفع رواتب الموظفين، مقابل الموافقة على تمديد الهدنة الأممية.

وجاءت تهديدات المتحدث باسم المليشيا خلال لقاءاته في طهران بمسؤولين إيرانيين، عقب زيارة المبعوث الأممي هانس جروندبرج إلى طهران، أوائل سبتمبر الماضي، لإقناع المسؤولين الإيرانيين بالضغط على المليشيا الحوثية لتمديد الهدنة والالتزام ببنودها. ومؤخرا، تحدثت وسائل إعلام إيرانية عن موافقة مبدئية لمليشيا الحوثيين على تمديد الهدنة الأممية، حيث قالت إن الناطق باسم المليشيا، محمد عبد السلام، أبدى استعداد جماعته لتمديد الهدنة، خلال اتصال هاتفي بمسؤول إيراني.

وذكرت وكالة "مهر" الإيرانية أن كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني أجرى مكالمة هاتفية مع الناطق باسم المليشيا، وأكدا استعدادهما لتمديد وقف إطلاق النار، وحلحلة القضايا الإنسانية في اليمن، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان مليشيا الحوثيين رفضها تمديد الهدنة. ومثلما أن تهديد المليشيا الحوثية بعدم تمديد الهدنة تم من داخل طهران، فإن موافقتها المبدئية على تمديد الهدنة تمت بعد التواصل الهاتفي مع مسؤولين إيرانيين.

وهكذا تثبت مليشيا الحوثيين أنها وكيل إقليمي مخلص للعمائم السوداء في طهران، بدليل أن التصعيد الأخير ورفع سقف المطالب والاشتراطات والتهديدات ورفض تمديد الهدنة، كل ذلك تم بعد الزيارة التي قام بها المتحدث باسم المليشيا محمد عبد السلام إلى طهران، والتي التقى فيها على نحو غير مسبوق بعدد كبير من المسؤولين والدبلوماسيين والبرلمانيين والأمنيين الإيرانيين، وكان أهم لقاء من بين تلك اللقاءات هو اللقاء الذي جمع بين محمد عبد السلام وعلى أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى، والذي بلور مسعى إيران لترسيخ وتعزيز دور المليشيا الحوثية كقوة أمامية لها على خط باب المندب والبحر الأحمر لتهديد الملاحة الدولية وأمن الطاقة ما احتاجت إيران لذلك.

كلمات دالّة

#اليمن