السبت 11-05-2024 22:47:11 م : 3 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإرهاب الإلكتروني.. الحوثيون والتوظيف الرخيص لوسائل التواصل الاجتماعي

الأربعاء 09 ديسمبر-كانون الأول 2020 الساعة 07 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ زهور اليمني

شكلت وسائل التواصل الاجتماعي أهمية كبيرة في الكثير من المجالات، من بينها المجال السياسي، حيث لم يقتصر استخدامها وتوظيفها على فئات الجماهير المختلفة، بل امتد إلى مختلف القوى والمؤسسات السياسية والفكرية والرسمية، لتصبح إحدى أهم محركات التفاعل مع الأحداث الجارية والقضايا العامة، وإنتاج محتوى إعلامي بديل يعبر عن خطاب الجماهير، والتأثير على اتجاهات وسلوكيات الشباب، والاقتراب بهم بصورة أوثق من العملية السياسية، في ظل الهيمنة على المشهد الإعلامي الذي تحوَّلت معظم وسائله إلى أدوات لخدمة أجندة ملاّكها، والعمل في إطار سياساتهم الإعلامية. وسائل التواصل تقوم بدور فاعل في تشكيل رأي عام دولي: تشير العديد من الدراسات إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت بدرجة كبيرة في الرأي العام، سواء بشكل مباشر من خلال متابعيها، أو بشكل غير مباشر من خلال تأثيرها في وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، خاصة بالنظر لما تتمتع به من سرعة في الاستجابة للأحداث ومن قدرة على الانتشار بشكل كبير، بل إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تقوم بدور فاعل في تشكيل رأي عام دولي موحد تجاه قضايا بعينها نتيجة التفاعل بين مستخدميها الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة، لكنهم يؤمنون بمنظومة مشتركة من القيم، ولعل المثال الواضح على ذلك التأثير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه الرأي العام الدولي تجاه الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مسجدين في نيوزيلندا في مارس من العام 2019، وتوصيفه باعتباره عملاً إرهابياً، مما أجبر شركتي فيسبوك وتويتر على إزالة المحتوى الرقمي الذي يحض على الكراهية، ويحرض على العنف ضد المسلمين في الدول الأوروبية.

وتشير الدراسات الحديثة إلى أن استعمالات وسائل التواصل الاجتماعي في الدول التي تصنف بأنها غير ديموقراطية، ساعدت في كسر الطوق على عدد من الجماعات السياسية، مما دفع قسماً من هذه الدول إلى الاعتقاد بأن التكنولوجيا الحديثة لوسائل الاتصال ومنها الإنترنت، أصبحت عدو النظم السياسية التي تنتهك حقوق الأفراد، وذلك لأن الإعلام الجديد أضحى يؤثر في الحياة السياسية في المجتمعات، ويساعد في بناء أفراد يمتلكون مستويات عالية من الديموقراطية والمشاركة السياسية.

صفحتنا تغشاها السكينة: من خلال وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، تنامي دور الفرد في التأثير على الرأي العام، وأصبح من خلالها يلعب دوراً مهماً في نقل الأخبار وصناعتها وتحريرها، فضلاً عن التأثير في تكوين القناعات حول بعض القضايا.

من خلال تجربته، يحدثنا الشاب أحمد السعيد حول هذا الموضوع قائلا: "لا شك أن هذه المنصات باتت مصدراً هاماً وفاعلاً في تشكيل الرأي العام في اليمن، على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، نظراً لارتباط فئة الشباب بها، وتفاعلهم عبرها مع القضايا العامة والتعبير عن أرائهم المختلفة، حيث أتاحت لأي فرد أن يمتلك حساباً على موقع التواصل الاجتماعي، يعبر عن وجهة نظره إزاء مختلف القضايا، وأسهمت في بروز قادة رأي مؤثرين سواء في اليمن أو في العالم العربي، لهم منابرهم الإعلامية التي تحظى بالمتابعة من ملايين المستخدمين في العالم، وتمكن هؤلاء في أحيان كثيرة من القيام بدور رقابي على أداء الحكومات، وكشف مظاهر الفساد المستشري، والتأثير في متابعيهم بدرجة أو بأخرى فيما يتعلق بالقضايا المثارة".

واستدرك قائلا: "أتحدث عن الذين يعيشون خارج اليمن، والحرية التي يتمتع بها مستخدمو هذه الوسائل، إلا أننا في اليمن لا زلنا مقيدين ولا نستطيع التعبير عن آرائنا بحرية، خوفا من بطش الحوثيين بنا كما فعلوا بالكثيرين، لذا فصفحتنا تغشاها السكينة مكرهين، ولزاماً على المرء أن يؤثر سلامته على العيش في غياهب السجون".

وسائل التواصل تعمل تحت سيطرة الحوثي: في ظل التطورات التقنية الراهنة والانتشار الواسع لشبكات الإنترنت، مقابل تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اليمن، برزت مواقع التواصل الاجتماعي كأحد أهم الأدوات التي ساهمت في جذب المواطنين إلى الاقتراب بصورة أوثق من العملية السياسية، وإمكانياتها في إحداث التعبئة السياسية من خلال المعلومات التي تقدمها للأفراد، والتي تسهم في تكوين قيم واتجاهات سياسية، تحث الأفراد على المشاركة السياسية.

الدكتور (خ.ع) أستاذ الإعلام في جامعة صنعاء يتحدث حول هذا الموضوع قائلا: "يقاس تقدم المجتمعات سياسيا بمستوى وعيها السياسي، الذي يساعدها على تطوير تجربتها الديمقراطية، ويساهم في إثراء الحراك السياسي الذي تتمتع به. بالنسبة لنا أصبح الوعي السياسي مغيبا عن المجتمع اليمني، وحل محله التعصب والانحياز غير الواعي، نتيجة شعور أفراد المجتمع وبالذات فئة الشباب بأن الواقع السياسي الحالي لم ولن يحل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، وأن النخب السياسية منشغلة في الصراع على السلطة ومكاسبها، كل ذلك جعل الأفراد يعزفون عن المشاركة السياسية".

وأضاف: "لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي لها دور فاعل في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي في المجتمع، فهي تعكس طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين النخبة والجماهير، فدور هذه المواقع في تدعيم الديمقراطية وتعزيز قيم المشاركة السياسية وصنع القرار السياسي، يرتبط بفلسفة النظام السياسي الذي تعمل في ظله، ودرجة الحرية التي تتمتع بها داخل البناء الاجتماعي، وكلا الشرطين لا يتواجدان في مواقع التواصل باليمن، فهذه الوسائل تعمل تحت سيطرة الحوثي المستبد ووفق مصالحه، لذا كانت من أهم الوسائل التي ارتكز عليها في نشر العنف وأفكاره الطائفية سواء من خلال الدين أو المبادئ التي يروج لها، وزعزعة القناعات الفكرية والثوابت العقائدية والمقومات الأخلاقية والاجتماعية التي أحدثت بلبلة داخل المجتمع".

غرف إعلامية لأجندات سياسية تخدم الحوثي: أن تكون منصات التواصل الاجتماعي مصدر المعلومات لغالبية اليمنيين فذلك لا يعني أن ما يتم تداوله عبرها صحيحاً بالمطلق، وعلى العكس من ذلك فإن سهولة النشر والتداول في هذه الوسائل أسهم بشكل كبير في انتشار الشائعة واختلاق الأخبار وتلفيقها، وتقع على عاتق المواطن التمييز وغربلة الأخبار الحقيقية من الزائفة، هذا ما أكده الباحث (ل. ف) حيث قال: "للأسف تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى أدوات رائجة ومتاحة لبث الشائعات وتزييف الحقائق، وضخ أعداد كبيرة ومهولة من الأخبار الكاذبة والمضللة. ولعل ما هو أخطر من الأخبار الكاذبة، تلك التي تحتوي على جزء حقيقي من المعلومات، ويضاف إليه أجزاء أخرى من البيانات المغلوطة في إطار خبر موجه، معظمها ليست عفوية بل تتم صناعتها في غرف إعلامية لأجندات سياسية تخدم الحوثي، ونتيجة لعدم التدقيق يقع نشطاء وصحف عديدة ضحايا لهذه الشائعات وتتضخم حتى تصل إلى مستوى خطاب الكراهية والتحريض على العنف".

وأضاف: "ما يزيد من خطورة هذه الوسائل هو أنها تعد فضاءً مفتوحا لكل المرتادين، وفي ظل انعدام الرقابة وغياب المسؤولية المهنية والأخلاقية عند البعض، انتشرت الكثير من الحسابات والمواقع الوهمية التي تبث الإشاعات والأخبار التي قد تستهدف أشخاصا وربما المجتمع ككل، بما فيها الأخبار التي تؤدي إلى المزيد من العنف والتحريض والتعبئة السلبية، أو تلك التي تتجاوز الأمر إلى الحريات الشخصية، والتشويه للأفراد والنيل من السمعة والأعراض".

الخواء الفكري أبرز ملامح المرحلة اليمنية الحالية: في الوقت الذي تلعب فيه وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الأدوار الإيجابية، سواء في ما يتعلق بتنمية الوعي والتأثير في الرأي العام والدفاع عن قضايا الحريات العامة، إلا أنها في المقابل تم توظيفها من قبل الحوثيين كأداة لنشر الأفكار الطائفية والتطرف والتعصب، ونشر الشائعات وإثارة الفوضى والاضطراب في البلد. عن الأدوار الشائكة والخطيرة لهذه الوسائل، يحدثنا (ن.إ) الأستاذ في جامعة صنعاء قائلا: "مع أن وسائل التواصل الاجتماعي تسهم بدور رئيسي في صناعة الرأي العام وتشكيله، إلا أنها قد تتحول في بعض الأحيان إلى منصات للتضليل الإعلامي، وتوجيه الرأي العام بشكل معين، يخدم مصالح فئة أو جماعة بعينها، وهذا ما قام به الحوثيون، حيث قاموا بتوظيفها في نشر الثقافات المنحرفة وبث الطائفية والنزاعات وتكفير الناس ونشر العنف وتوسيع الشرخ المجتمعي، فضلاً عن جعلها منصة للتحريض وترسيخ فكر التطرف وغسل أدمغة الشباب وجذبهم للجبهات، خاصة مع وجود أدوات تزييف الصور وفبركة الفيديوهات، والتي تضفي بدورها حبكة محكمة على محتوى الشائعات تساعد في انتشارها".

وأضاف: "لعل ما ساعدهم في استغلال هذه الوسيلة ما يطلق عليه (البشر المتنكرون) الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء وهمية، ويروجون لأفكار الحوثي الهدامة، وهؤلاء البشر المتنكرون باتوا يشكلون خطراً متفاقماً، حيث أصبح الجهل والخواء الفكري من أبرز ملامح المرحلة اليمنية الحالية".

وسائل التواصل مرتعاً خصباً للمخبرين والعسس: تود المليشيات الحوثية لو بوسعها قمع وتعطيل حسابات كل الأقلام الناقدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وجعلها حكرا عليها، بعد أن حولتها إلى وكر مخابراتي، استخدمت من خلالها المئات من الإعلاميين والسياسيين، لمتابعة أرباب الأقلام من الساسة والمثقفين والناشطين المعارضين لها.

يحدثنا الصحفي (غ. أ) قائلا: "نعلم جميعا أن هناك العديد من الإعلاميين والكتاب، والذين يمثلون لسان حال الشعوب، تم اختطافهم من قبل المليشيات، وأُودِعوا في المعتقلات على خلفية منشوراتهم في تلك المواقع، وتعرضوا لأبشع طقوس التعذيب، في توظيف مبتذل لهذه الوسائل القائم على جذور التسلط، الذي انعكس سلباً على الوعي المجتمعي، وأفرز كبائر كالأمية والمناطقية والسلالية، وهي مخرجات ناتجة عن ترسب هرمون الفرعنة في كيان الحوثي".

وأضاف: "الجاسوسية في العالم الافتراضي لها طرق يجيدها الحوثي وأتباعه، أهم تلك الطرق الأسماء المستعارة، وهي إما أسماء منتحلة لأشخاص غير حقيقيين، وإما أسماء أنثوية وهي الأغلب، إذ يسهل على الجنس الناعم الإيقاع باليمني، واستنطاقه بأي شيء تستقضيه المهمة، وأدناها المتابعة الدائمة لما ينشر في صفحات المعارضين والنقاد، ومن ثم الإبلاغ عن صاحبها للجهاز الأمني الخاص بالنظام الذي أوكله بتلك المهمة".

وتابع: "لا أخفي عليك إذا ما أخبرتك أن أغلب الكتاب، إن لم يكن جميعهم، يعيشون في عزلة إجبارية خارج فضاءات التخصص، وبعيداً عن صفحاتهم في مواقع التواصل، بعد أن أصبحت الحياة الواقعية والافتراضية مرتعاً خصباً للمخبرين والعسس التابعين لسلطة موغلة في الإيذاء، منزوعة الوعي بالحقوق والواجبات التي تشكل حلقة دائرية بينها وبين المواطنين، بمن فيهم أرباب الأقلام".

تغيرت القناعات السياسية الخاطئة: باتت مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن فضاء يعج بالمواضيع السياسية، ويتجه أغلب الناشطين في موقعي فيسبوك وتويتر إلى المواضيع السياسية، أكثر من أي مواضيع أخرى، ويتناولونها وفقا لمقتضى الحال يحللون بعضها، وينتقدون بعضها، ويسخرون مما يستدعي السخرية.

وحول الأدوار السياسية التي لعبتها هذه المواقع في المجتمع، تحدثنا الدكتورة (س. غ) قائلة: "لعبت مواقع التواصل أدواراً سلبية إذ أصبح هناك ميول لدى المجتمع لتسييس كل شيء، وأصبحت السياسة في هذه المواقع رديفاً للانتهازية، والكذب، وتداول الإشاعات، وتلفيق التهم، لا شك أن لهذه المواقع أدوارا إيجابية عديدة في الجانب السياسي، فقد أتاحت لكل فرد التعبير عن وجهة نظره إزاء الأوضاع والأحداث السياسية بكل حرية، وأدت إلى تضارب الآراء، وفتحت مجالات للتحاور، كما عززت الوعي السياسي للأفراد، ووسعت مداركهم السياسية، كما قضت هذه المواقع على احتكار النخبة للحديث في الشأن السياسي، وبفضلها تمكن الكثير من الرجال والإناث من دخول معترك السياسة، وناقشوا الكثير من القضايا السياسية، كما تغيرت القناعات السياسية الخاطئة لدى كثير منهم، بفضل مواقع التواصل".

وتضيف قائلة: "مع كل هذه الإيجابيات إلا أن هذه الوسائل لعبت في المقابل أدواراً سلبية، إذ أصبح هناك ميول لدى المجتمع لتسييس كل شيء، وأصبحت السياسة في هذه المواقع رديفاً للانتهازية والكذب وتداول الإشاعات وتلفيق التهم، وتحولت أغلب المنشورات إلى نوع من أنواع الإرهاب الفكري، وتوظيفها بحملات تشهير وقمع منظم، مما أدى إلى الحد من سقف الحرية، وتجبر الكاتب على الكتابة وفق ما يريده الحوثي، ولو على حساب قناعاته وأفكاره ومعتقداته، وإلا سيتعرض للقمع وهذا يدل على تدني درجة الوعي واحترام الآخر والاختلاف لدى المليشيات، مقابل تزايد السطحية والعصبية وطغيان اللون والصوت الواحد المتطرف".