الجمعة 26-04-2024 15:47:06 م : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

قطع الحوثيين للرواتب.. جوع وموت على رصيف البطالة

الأربعاء 24 إبريل-نيسان 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص- زهور اليمني

 

تبرز الحرب والأحداث السياسية في الواجهة بشكل يومي، بينما تعود إلى الظل سلسلة الأزمات الإنسانية، التي أحدثها انقلاب الحوثيين منذ أربعة أعوام، وتتزايد معاناة الناس، وتتسع دائرة الفقر والحاجة لدى ملايين الموظفين، في ظل انقطاع الرواتب في المحافظات التي تسيطر عليها هذه الميلشيات.

لا شك أن ملايين الأفواه الجائعة تعتمد على هذا الراتب، الذي يمنح هذه الأسر هامشا من صبر، وقدرة على مواجهة متطلبات العيش، ومحاولة استمرار الحياة، في ظل تردي الأوضاع التي وصلت حدا مأساويا.

تلك هي الأزمة الأشد إنهاكاً لمئات الآلاف من الموظفين، في الوقت الذي تستفرد فيه ميلشيات الحوثي بالفساد، ونهب رواتب وإيرادات مؤسسات الدولة، وآخرها رواتب المتقاعدين، والتي تقدر بترليوني ريال.

"صفية" امرأة كبيرة في السن حدثتني بأنه بعد انقطاع راتب زوجها المتوفي، أصبحت تعيش على صدقة الناس المحيطين به، وأضافت بحزن بادٍ على وجهها: "إنني امرأة كبيرة لا قدرة لي على العمل، ومعاش زوجي رغم قلته إلا أنه كان يكفيني سؤال الناس، أما الآن فقد أصبحت كالمتسولة التي تقف في الشارع، لا فرق بيني وبينها".

وأضافت: "والله إنني أقوم آخر الليل أدعو على الحوثيين بقلب محروق، فهم من أهانوني في نهاية عمري، وجعلوني أنتظر صدقات الناس عليَّ، وأنا المرأة العفيفة التي لم تمد يدها لأحد".

تجاهل واستمرار الجباية

لا يكترث الحوثيون لمصير الكثير من المواطنين الذين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد، في ظل ندرة كافة البدائل المتاحة للحصول على المال، إذا لم تكن معدومة عند غالبية الناس، في الوقت الذي تستمر فيه المليشيات في جباية الأموال تحت عدة مسميات، إضافة إلى الصرامة في تحصيل ما يسمى إيرادات الضرائب.

يقول "صالح" الذي يملك بقالة متواضعة: "الحوثيون فرضوا علي رسوم ضرائب تساوي ما يدخل من أرباح للبقالة وزيادة، لذا أصبحت البقالة فارغة من البضاعة، لعدم قدرتي على شراء المزيد من المواد الغذائية، فالأرباح تذهب كلها للحوثيين تحت مسمى الضرائب، واذا لم أدفع فسيتم إغلاق البقالة أو حبسي".

وأضاف: "إنهم يمارسون الابتزاز بأقبح صورة، ويفرضون سطوة صارمة، حيث يعتقلون أي شخص أمامهم، حتى لو كان صاحب كشك صغير، فقد تم سجن صاحب الكشك الذي أمامي، ومصادرة البضاعة التي داخل الكشك، عندما عجز عن دفع ما يسمى بالضريبة".

الموت أهون عليّ من حياة الذل التي أعيشها

قطع الرواتب من أخطر المواضيع التي تمس حياة أكثر من سبعة إلى ثمانية ملايين يمني، وهي آخر الأمور التي تربط الموظفين بالدولة، وبالتالي توقف الرواتب يشكل خطورة، وسيضاعف من حدة الفقر، ويزيد من عدد الفقراء.

"أم أحمد" هي مثل الآلاف من الموظفين الحكوميين العاملين في وزارة الكهرباء، المتوقفة رواتبهم منذ ثلاث سنوات، باعت أثاث منزلها قطعة قطعة، لتأمين قوت عائلتها.

تحدثني قائلة: "لم أكن أتصور أن يصل بنا الحال إلى ما وصل إليه الآن، لم أكن أتخيل أن يمضي الشهر ولا تدخل بيتي قطعة لحم، وأن معظم غذائنا سيكون الشاي والخبز فقط، حتى قطعة الخبز هذه أصبح هم توفيرها ثقيل عليّ وعلى زوجي، بعد ارتفاع أسعار الدقيق وانعدام الغاز".

وتضيف: "لا أدري عن ماذا أتحدث، وكيف ينظر إلينا الحوثيون، ألم يفكروا بهذا الشعب المطحون من أين سيأكل؟ ومن أين سيوفر ما يشبع جوعه في ظل انقطاع الرواتب؟".

وتابعت تقول: "كل شهر يحمل زوجي قطعة أو أكثر من أثاث البيت، ويذهب بها للحراج لبيعها بثمن بخس، لنشتري بثمنها بعض المواد الغذائية، وها هو الأثاث أوشك على الانقراض من منزلنا كما ترين، فكيف سنعيش؟ والله إن الموت أهون عليّ من هذه الحياة الذليلة".

معلمون خارج المدارس

تعكس قصة وفاة أحد المعلمين جوعًا في أحد أرصفة صنعاء، ما وصلت إليه معاناة معظم المعلمين اليمنيين، جراء توقف صرف رواتبهم منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وهو ما تدهورت معه أوضاعهم، وصولاً إلى تشريد ونزوح وانتقال بعضهم للعمل في مجالات أخرى، بعد أن تفاقمت عليهم ديون الإيجارات والمعيشة.

"كريمة" معلمة تحدثني عن معاناتها بحرقة بادية في كلامها: "بعد 25 عاما من الخدمة في مجال التدريس، والتنقل بين عدة مدارس، تنكر لي ولي الأمر قبل رئيس الحكومة، أنكر جهودي التلميذ قبل رئيس الجمهورية، صارت مدرستي بجدرانها كئيبة المنظر، مظلمة الفصول.. المجتمع يسخر مني، ويشمت بحالي، ويتشفى بوضعي، فأنا لا أتقن مهنة سوى الطباشير، وتنميق العبارات، وتقليب أوراق الطلاب".

ورغم تلك المعاناة ترفض الأستاذة كريمة مغادرة مهنة التدريس قائلة: "سأستمر في التعليم، لعله تتخرج من مدرستي طبيبة حاذقة، أو مهندسة بارعة، أو قاضية ورعة، أو معلمة مخلصة".

يذكر أنه وبسبب انقطاع الرواتب، توفي جوعا المدرس محمد قحيمي، من مديرية الحوك بمحافظة الحديدة، نتيجة انعدام الغذاء في بيته، بعد 7 أشهر بلا راتب، ظل خلالها يصارع الجوع مع أسرته، لكنه سقط أخيراً.

قحيمي الذي لم يكن يمتلك أي دخل سوى راتبه، سبقه آخرون إلى نفس المصير، فقبله مات المدرس محمد إبراهيم، في مديرية الحوك أيضا من الجوع، تاركاً خمسة أطفال وزوجة ووظيفة حكومية، ظل يخدم فيها بلا راتب منذ سبتمبر 2016.

وضمن هذه المعاناة تناقلت وسائل الإعلام، أواخر العام الماضي، نبأ وفاة أحد المعلمين جوعًا في قصة مأساوية تعرض فيها للطرد من الشقة بسبب عجزه عن دفع الإيجار، فاختار رصيف أحد شوارع العاصة صنعاء ملاذا، ولعجزه عن التسول تلقفه الموت جوعًا.

وكانت تقارير أممية حديثة أعلنت أن 19 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية طارئة، ويفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة اليومية، نتيجة انقطاع الرواتب.

نحن نموت

يحدثنا "أشرف"، الموظف في إحدى المؤسسات الحكومية، قائلا: "من المؤسف أن تتحول رواتب الموظفين إلى مادة للصراع السياسي، ما ذنب مئات آلاف الموظفين أن يجدوا أنفسهم فجأة بلا دخل؟".

وأضاف: "بعت كل ما أملك لتغطية إيجار المنزل، ورسوم مدارس الأطفال والأكل والشرب وغيرها.. لم يعد هناك ما أبيعه".

وتابع: "هذا الشهر التاسع بدون نصف الراتب الذي يتصدقون به علينا، نعيش على الاستدانة من البقالة، الآن صاحب البقالة يرفض إعطاءنا ويريد فلوسه، ومالك البيت يطالب بإيجار الشقة، وزاد من المشكلة وجود أختي معي بعد وفاة زوجها، ومعها خمس بنات وأمي المريضة".

وختم كلامه بالقول: "نحن نموت، فكل الأبواب أقفلت في وجوهنا، بعد أن أصبحت الرواتب ورقة في الحرب".

انتشار السرقة

يحدثنا "عامر" عن الآثار التي ترتب عليها انقطاع الرواتب قائلا: "انقطاع الرواتب كان له أثر كبير على كل شخص (الغني والفقير)، مثلاً لو نظرنا إلى الحالة المعيشية لدى الكل، أتوقع هناك من لا يمتلكون شيئا في منازلهم من الغذاء، ووضعهم صعب جدًا".

وأكد "عامر" أن السرقة ازدادت في مناطق كثيرة، قائلا: "تقف بسيارتك في مكان قريب لسكنك أو لعملك، تفاجأ بسرقة بطارية السيارة أو أشياء أخرى، وهذه الظاهرة ازدادت في ظل انقطاع الرواتب، والفقر، وعدم توفر المال لدى المواطن".

إنه الهم الذي يقتلني كل يوم ألف مرة

يعيش نحو مليون موظف في القطاع المدني الحكومي بالعاصمة صنعاء، وبقية المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، في جحيم ومعاناة لا تنتهي منذ أن توقفت رواتبهم بشكل شبه تام في شهر سبتمبر/أيلول 2016.

مع العلم أنه يبلغ إجمالي عدد موظفي الدولة نحو 1.2 مليون موظف، منهم نحو مليون موظف يتركزون في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بينما لا يتجاوز عدد الموظفين بمناطق الحكومة الشرعية 200 ألف موظف، يستلمون رواتبهم بانتظام.

(س. ع) إعلامية لها باع طويل في مجال الإعلام، فصلت من عملها، وانقطع راتبها نتيجة معارضتها للحوثيين، ففضلت ملازمة منزلها بعد الخدمة الطويلة التي أمضتها في وزارة الإعلام.

تقول (س. ع): "لم أقلق بداية انقطاع راتبي، ودخلي الشهري الوحيد الذي كنت أعيل أسرتي به، وحدثت نفسي: هي فترة بسيطة وكل الأمور ستعود كما كانت من قبل، والذي كان يطمئنني أن لدي مدخرات سنوات عديدة من الخدمة في مجال الإعلام، لا شك أنني سأستعين بها إلى أن تعود الرواتب وتنتهي الحرب".

وأضافت: "لكن الحرب لم تنتهِ، والرواتب لم تصرف، لتتفاقم معاناتي ومعاناة الموظفين الذين كان قطع رواتبهم أشد عليهم من الصواريخ والقذائف القاتلة.. إننا نموت كل يوم ولا مخرج يظهر في الأفق".

لقد أصبح الهم السائد لدى الكثيرين هو: كيف سأوفر قوتا لعائلتي؟ ومن أين سأدفع إيجار هذا الشهر؟ ومن اين سآتي بالمواصلات لأولادي ليذهبوا إلى الجامعه؟ ومن أين سأوفر مستلزمات دراستهم؟ إنه الهم الذي يقتلني كل يوم ألف مرة.

الحوثيون يمتهنون كرامة الموظف

ما بين الحين والآخر تتكشف قصص المأساة، التي يعاني منها الموظفون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين جراء انقطاع رواتبهم، واستمرار ميلشيات الحوثي بالتعامل مع القضية باستفزاز كبير، من خلال التجاهل والتخلي عن المسؤولية.

(ع . ق) يعمل في أحد المستشفيات الحكومية في صنعاء، يحدثني عن الذل الذي عاشه عندما طالب براتبه قائلا: "أعمل في المستشفى بنصف راتب منذ أكثر من ثلاث سنوات، ومنذ عدة أشهر انقطع الراتب تماما، وفي إطار متابعتي بصرف راتبي، تحدثت مع مديري الحوثي عن معاناتي، فما كان منه إلا أن أمرني بالذهاب إلى أحد مساجد العاصمة، ليجمع لي أمام المسجد الحوثي التبرعات بما يساوي راتبي".

وأضاف بحرقة تطغى على صوته: "الحوثيون يمتهنون كرامة الموظفين، وكأنهم يتسولون منهم صدقة، متجاهلين أنها حقوق يجب أن تصرف كأولوية لاستمرار معيشة الناس".

هم لا يدركون حجم المشكلة، وما سيترتب عليها من ركود اقتصادي خطير، وانهيار كامل للدولة، وفوضى عارمة ربما يطول الوقت قبل وقوعها، لكنها ستقع بلا شكك.

لم نعد نجد ما نأكل

يُمثل الراتب المصدر الوحيد لتوفير متطلبات المعيشة لكثير من الموظفين الحكوميين، لذا خلق توقف صرف الرواتب معاناة كبيرة، مما اضطر العديد منهم لترك وظائفهم، والبحث عن مصادر رزق غير مرتبطة بوظائفهم الحكومية.

"محمد" موظف في إحدى المؤسسات الحكومية، مضى عليه في مهنته أكثر من (23) سنة لم يتوقع -كما أخبرني- أنه سيترك وظيفته في يوم من الأيام، ويعمل في بيع الخضروات على عربة يتنقل فيها بين الشوارع. 

وأضاف أحمد: "لقد وصل الحال بعائلتي إلى أننا لم نعد نجد ما نأكل بعد أكثر من سنة من توقف صرف الرواتب، فاضطررت تحت ضغط الظروف المعيشية للبحث عن عمل".

تحذير من انهيار الأنظمة والخدمات الأساسية في اليمن

في تقرير لليونيسف، صرحت المديرة الإعلامية الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة بأن 80% من الناس في اليمن يعيشون تحت خط الفقر، وهذا بطبيعة الحال مؤشر على الوضع الإنساني الكارثي في اليمن، وما يعني هذا بالنسبة للناس وبالنسبة للأطفال عدم توفر اللوازم الأساسية من ناحية طعام ومياه آمنة أو نظيفة.

وأضافت المديرة الإعلامية الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة: "بسبب اشتداد النزاع وبسبب الحرب وبسبب الفقر وبسبب تعرض أكثر من مليون شخص للنزوح، وهناك أيضا فقر في الأيدي العاملة وهناك أزمة الرواتب، قرابة 70 بالمئة من المدرسين والأطباء والممرضين والعاملين في القطاع العام لم يحصلوا على رواتب، وبالتالي كل هذه الأمور مجتمعة أدت إلى قرب انهيار الأنظمة والخدمات الأساسية في اليمن".

كلمات دالّة

#اليمن