السبت 07-12-2024 15:18:15 م : 6 - جمادي الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار

التغول الإيراني في البحر الأحمر وبحر العرب

السبت 04 نوفمبر-تشرين الثاني 2017 الساعة 04 مساءً / الاصلاح نت -خاص/ عبده سالم (الحلقة الثانية)

 
  • المرتكز المعاصر (زمن الحرب الباردة)

لقد تحول العالم بفعل الحرب الباردة إلى ساحة للتنافس بين الولايات المتحدة ومعها إسرائيل من جهة باعتبارهما ورثة (الرومان)، وكذا الاتحاد السوفييتي من جهة أخرى كإمبراطورية جديدة وارثة لمناطق الإمبراطورية الشرقية القديمة (فارس)، وعلى إيقاع هذه الحرب انتشر النفوذ السوفييتي في عدد من المناطق العربية والإسلامية محمولا على الأفكار والتنظيمات اليسارية، ومن هذه المناطق (جنوب اليمن) على ساحل بحر العرب، وهو ما أدى إلى احتدام الصراع الدولي مجددا في هذه المنطقة، وكان من نتائجه انفصال النظامين الأمنيين لمنطقة البحر الأحمر ومنطقة بحر العرب عن بعضهما.

ورغم التحرك الأمريكي ضد إمكانية سقوط اليمن الشمالي في أيدي الاشتراكيين من أنصار الاتحاد السوفييتي، إلا أن ذلك التحرك لم يكن من أجل الحفاظ على اليمن، كون اليمن لا تحتل أهمية كبيرة في الاستراتيجية الأمريكية، إلا من كونها منطقة الخط الفاصل بين المد الاشتراكي الثوري القادم من جنوب الجزيرة وبين منطقة وسط وشرق الجزيرة العربية والخليج حيث المصالح النفطية للولايات المتحدة الأمريكية.

أما على مستوى الضفة الإفريقية من منطقة البحر الأحمر فقد عملت الولايات المتحدة على مضادة الوجود السوفييتي في منطقة القرن الأفريقي بمنح دور أمني للكيان الإسرائيلي في هذه المنطقة التي خضعت قديماً لإمبراطورية الرومان في بحر الحبش، وهدف الأمريكان من منح هذا الدور لإسرائيل هو الحيلولة دون وصول الاتحاد السوفييتي إلى المياه الدافئة القريبة من الأطلسي غرباً.

في ضوء ما تقدم، نستطيع القول بأن منطقة العمقين الاستراتيجيين للبحر الأحمر وبحر العرب ظلت على هذا الحال المنفصم والمتصارع إلى أن انهار الاتحاد السوفييتي بكامل قوامه الاستراتيجي في المنطقة، وبهذا الانهيار يكون النظام الدولي (ثنائي القطبية) قد انهار هو الآخر ليتحول العالم إلى النظام الدولي الجديد (أحادي القطبية) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل في المنطقة، ومن ثم اندماج النظامين الأمنيين للبحر الأحمر وبحر العرب تحت سيادة دولية وإقليمية واحدة، وهو ما انعكس إيجاباً على تحقيق الوحدة الاندماجية بين شطري اليمن، وكذا انهيار النظام الشيوعي الأثيوبي بقيادة منجستو هيلا مريام في الضفة الإفريقية المقابلة.

 وقد ترجمت الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة في هذه المنطقة باعتماد سياسات موالية لإسرائيل وتأييد استقلال أريتريا، كل ذلك في إطار اندماج النظامين الأمنيين للبحر الأحمر وبحر العرب في النظام الدولي الجديد (أحادي القطبية) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

أهم ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الوضع أن انهيار الاتحاد السوفييتي كان قد أحدث فراغا استراتيجيا هائلاً في منطقة الشرق الإسلامي، وهو الفراغ الذي سعت إيران إلى استثماره منذ وقت مبكر، ومن ثم قدمت نفسها كبديل استراتيجي للإمبراطورية المنهارة في منطقة الشرق الإسلامي، باعتبارها أهم مكون حضاري في هذه المنطقة الشرقية، ومن ثم ظهرت بمظهر الغيور والمدافع عن منطقة الشرق والرافض لأن يسلم الشرقيون مركزهم القيادي للغرب...ومن حينها بدأ الصراخ الإيراني المطالب بضرورة إبقاء الشرق مستقلاً بمركزه القيادي وتراثه الحضاري والديني عن الغرب. والقصد من هذا الصراخ الإيراني هو تهيئة الساحة الإقليمية والرأي العام في المنطقة لاستقبال الكيان الإمبراطوري الفارسي الجديد بمفهومه التاريخي باعتباره الكيان القائد للشرق.

 
  • المرتكز الراهن (زمن الفضاء الإمبراطوري الفارسي الجديد)

في أواخر عام 2001 م، وبالتحديد عقب أحداث 11 سبتمبر، وانطلاق الحرب الدولية ضد الإرهاب، بدأت اللجنة التي شكّلها القائد الأعلى للثورة الإيرانية من كل من الحكومة الإيرانية، ورئاسة الجمهورية، والمراجع الدينية، ومكتب قائد الثورة، تُعد مشروع الاستراتيجية الإيرانية لتحديد مستقبل إيران في الخارج، ومن ثم رسم الشكل الإمبراطوري لإيران في المنطقة. وفي أواخر عام 2004 م، أعلنت الحكومة الإيرانية أنها توصلت إلى صوغ استراتيجية إيرانية تحدد المعالم المستقبلية لوضع مستقبل إيران في منطقة جنوب غرب آسيا عام 2025 م، وتُعرف هذه الاستراتيجية باسم "الوثيقة الإيرانية العشرينية" (من عام 2005 م – عام 2025 م)، أو الخطة الإيرانية العشرينية "إي ا رن: عام 2025 ". وهي تُعتبر "أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني"؛ كونها تضع التصورات المستقبلية للدور الإيراني خلال عشرين عامًا، وتهدف إلى تحويل إيران إلى نواة مركزية لهيمنة إقليمية في منطقة جنوب غرب آسيا كلها، وهي منطقة ذات أربعة أضلاع تحدها الحدود الغربية للهند والصين والحدود الجنوبية لروسيا والحدود الشرقية لأوروبا وأفريقيا، والحدود الشمالية للمحيط الهندي.

هذه المنطقة التي تطمح إيران أن تكون فضائها الإمبراطوري بها خمس نظم تحتية هي: الخليج الفارسي، والقوقاز، وآسيا الوسطى، ومنطقة الشرق الأوسط وتحديداَ المنطقة العربية التي تشمل شبه الجزيرة العربية، وبلاد الشام، ومنطقة البحر الأحمر، وصولاً إلى صحراء سيناء المصرية، إضافة إلى شبه القارة الهندية، حيث تقع إيران في بؤرة هذا الفضاء الإقليمي المحوري للنظم الخمس، وفي وسط المنطقة الواقعة على ساحتي الحضارة الإيرانية والإسلامية أو ما يعرف باسم مشروع "حوزة إيران الحضارية" أو "إيران الكبرى"، والتي تشمل:

- وفقًا لما قاله مصمم الوثيقة العشرينية وكاتب خطها السيد محسن رضائي - المنطقة الواقعة على حدود الصين شرقًا والمحيط الهندي جنوبًا والخليج الفارسي غربًا، والقوقاز وبحر قزوين شمالاً. وفي هذه الحوزة -كما يقول رضائي- تحظى الثقافة الفارسية بأهمية خاصة لأنها ترتبط بالحوزة الحضارية الإيرانية (يقصد تاريخ الإمبراطورية الفارسية) والمكانة العلمية والاستراتيجية التي تحظى بها إيران في هذه المنطقة..

على هذا الأساس يمكن القول بأن عدد المناطق الاستراتيجية في إطار هذا الفضاء الجغرافي الملاصق لإيران والمحيط به هي: خمس مناطق استراتيجية بعناصرها الاستراتيجية ومواقعها الجغرافية وفقاَ للترتيب التالي:

 

المنطقة الأولى:

هي منطقة الداخل الإيراني، بكافة عناصرها الاستراتيجية المحددة بمساحتها الجغرافية، وتركيبتها الديموغرافية، ونظامها السياسي، ومشروعها الثوري، وثروتها الاقتصادية، وسلاحها النووي، باعتبارها منطقة العمق السيادي الداخلي لإيران ومرتكز مشروعها الإمبراطوري نحو الخارج.

المنطقة الثانية:

تشمل هذه المنطقة العمق الاستراتيجي الملاصق لإيران من جهة الغرب والجنوب، حيث يقع العراق وأجزاء من دول الخليج العربي، ومن جهة الشرق والشمال حيث تقع أفغانستان وتركمانستان وباكستان.

 

المنطقة الثالثة:

وهي المنطقة الاستراتيجية المحيطة بالموقع الملاصق لإيران من جهة الشمال والشرق حيث تقع دول القوقاز أحد مواقع حوزة إيران الحضارية، ونقطة تلاقي الحضارتين الإسلامية والمسيحية إضافةً إلى موقع آسيا الوسطى، الذي يربط إيران والصين بطرق الحرير الدولية.

المعلوم عن هذه المنطقة بأنها شكلت عبر التاريخ إلى جانب المنطقة الثانية الجسم الإمبراطوري الفارسي، حيث اللغة الفارسية التي لازالت هي السائدة حتى اليوم في دول هذه المنطقة.

 

المنطقة الرابعة:

وهي المنطقة المحيطة بالموقع الملاصق لإيران من جهة الغرب والجنوب حيث تقع شمال شبه الجزيرة العربية، والشام، وتظم هذه المنطقة سوريا كدولة محيطة بالعراق الملاصق لإيران، فضلاَ عن أنها تمثل مع لبنان رأس الحربة الإيرانية الموجهة نحو إسرائيل (كما تقول إيران وتدعيه).

تحتل سوريا ومعها لبنان الأهمية الاستراتيجية الأولى لدى إيران، باعتبارهما تشكلان ساحة صراع وهمية مع الغرب عبر الجبهة الإسرائيلية في الجولان وشمال إسرائيل، وهو الصراع الذي تريد إيران من خلاله الوصول إلى التسوية النهائية مع الغرب والتي بموجبها تعترف أمريكا بنفوذ إيران كقوة إقليمية رائدة ذات نفوذ إمبراطوري على منطقة جنوب غرب آسيا مقابل اعتراف إيران بإسرائيل.

 

المنطقة الخامسة:

هي منطقة وسط وجنوب الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، وتضم هذه المنطقة : المملكة العربية السعودية، وبحر عمان، اليمن، اريتريا، جيبوتي، الصومال، وأجزاء من مصر والسودان، وصولاً إلى صحراء سيناء، حيث تمثل هذه المنطقة ساحة الصراع الثانية مع الغرب واسرائيل عبر سيناء، وبالتالي فإن أهمية هذه المنطقة استراتيجيا تكمن في أنها تمثل الخط البحري الممتد من ساحل عمان المتاخم للمياه الإيرانية حتى خليج السويس المتاخم لصحراء سيناء المصرية، مرورًا بالمياه اليمنية في بحر العرب، وخليج عدن، وباب المندب، ومن ثم الدخول إلى البحر الأحمر وصولاً إلى خليج السويس؛ أي أن هذا الخط البحري بلغة الحروب هو خط التفاف يستخدمه المحارب الإيراني انطلاقا من إيران وبحر عمان واليمن عبر باب المندب والبحر الأحمر وصولاً إلى سيناء، حيث الجبهة الخلفية للصراع مع إسرائيل على محور غزة (كما تقول إسرائيل وتدعيه)؛ ولهذا تحتل منطقتي البحر الأحمر وبحر العرب الأهمية الأولى لإيران، باعتبارهما تمثلان الخط البحري الذي يربط إيران بسيناء المصرية، إضافة الى موقعهما الاستراتيجي المهم في آخر متر من مساحة غرب آسيا، فضلاً عن أنهما بوابة عبور نحو أفريقيا.

على هذا الأساس يمكننا توصيف الوضع الاستراتيجي لهذه المناطق الخمس باعتبارها مناطق الكيان الإمبراطوري الفارسي الجديد على النحو التالي:

1 - تعتبر المنطقة الأولى بكافة عناصرها الاستراتيجية: هي المنطقة التي يتحقق بها المركز الإمبراطوري الفارسي كونها منطقة العمق السيادي الداخلي للإمبراطورية ومحور ارتكاز لمنطقة الفضاء الإمبراطوري

الخارجي، ويعتبر البرنامج النووي الإيراني أهم عنصر استراتيجي من بين عناصر القوام الاستراتيجي التي تشكل هذه المنطقة باعتباره الحامي لهذا المركز من أي تهديد خارجي.

2 - تعتبر المنطقتان الثانية والثالثة هما المنطقتان اللتان يتحقق بهما المساحة الفعلية لمركز الكيان الإمبراطوري الفارسي كون هاتين المنطقتين تشكلان أهم المساحات الجغرافية، والمواقع الاستراتيجية، والشعوب الموالية، والتراث الحضاري، واللغة المشتركة، والتاريخ المشترك، لمنطقة الفضاء الإمبراطوري الفارسي في جنوب غرب آسيا.

3 - تعتبر المنطقة الرابعة هي المنطقة الضامنة والحامية للفضاء الإمبراطوري، وبالتالي فهي منطقة الاشتباك مع القوى الغربية المعادية ظاهرياً لإيران، وثورتها الإسلامية وفي المقدمة (إسرائيل) والهدف هو إحياء منطق الصراع الفارسي الروماني القديم باعتبار هذه المنطقة (بيزنطة الجديدة).

4 - تعتبر المنطقة الخامسة هي المنطقة الحاملة للرداء الإمبراطوري إلى نصف الكرة الأرضية في إفريقيا فضلاً عن أنها منطقة الالتفاف العسكري الموصل إلى جبهة الاشتباك الثانية، مع الغرب من خلال الجبهة الإسرائيلية انطلاقا من سيناء في حال فقدت إيران المنطقة الرابعة كمنطقة اشتباك مع إسرائيل من جهة أولى.

نظرا لأهمية هذه المناطق الخمس فإن إيران تنظر إليها باعتبارها مناطق نفوذ سيادي وفضاء امبراطوري لا يمكن المساومة بها او التسليم بفكرة الحوار عليها مع أي قوى دولية أو إقليمية ومن أجل ذلك عززت القيادة الإيرانية الحاكمة من قبضتها على المنطقة الأولى؛ باعتبارها العمق الاستراتيجي الداخلي، ومن ثم بدأت تنسج الاستراتيجيات والسياسات وتحشد الإمكانات المادية والعسكرية في اتجاه تصدير الثورة، ومن ثم التوسع في منطقة الفضاء الإمبراطوري الخارجي في إطار المناطق الأربع الأخرى.

ما يهمنا في هذا الوضع هو تسليط الضوء على المنطقة الخامسة ضمن مجموع المناطق التي تشكل هذا الفضاء الإمبرطوري، وتحديداً المنطقة الممتدة من بحر عمان إلى قناة السويس وصحراء سيناء كونها المنطقة التي تضم النظام الأمني لبحر العرب، وكذا النظام الأمني للبحر الأحمر وذلك لارتباط هذه المنطقة بموضوع وأهداف هذه الرؤية التحليلية...وانسجاماً مع هذا الاختيار سوف نستعرض مجمل الاختراقات الإيرانية السياسية والاجتماعية والدينية لمجتمعات وجغ ا رفيا هذه المنطقة وذلك وفقاً للتفصيل التالي:

أولا: على صعيد منطقة بحر العرب

1 - تسعى إيران حالياً من الاستفادة من مجمل الاتفاقيات الأمنية الموقعة بينها وبين الدول الأعضاء المطلة على بحر العرب خصوصاً عمان، واليمن، الصومال. فبموجب هذه الاتفاقيات تستطيع القطع البحرية الإيرانية أن تجوب ساحل بحر العرب للمراقبة والاستطلاع، وبحرية كاملة حتى تصل إلى خليج عدن من بحر العرب وكذا الساحل الصومالي المتاخم لخليج عدن، إلا أنها قد لا تتمكن من تجاوز هذه المنطقة والولوج إلى منطقة البحر الأحمر كون إيران لا تنتمي إلى النظام الأمني المخصص لدول هذه المنطقة.

2 - تسعى إيران من الاستفادة القصوى من الحالة العمانية رسمياً وشعبياً بحكم الموقع الذي تحتله عمان بالقرب من مضيق هرمز. ومن أوجه هذه الاستفادة ما يلي:

- من الناحية الرسمية: فإن سلطنة عمان كما هو معلوم لم تنخرط في التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية لتحرير اليمن من القبضة الإيرانية، والمبرر العماني هو أن السلطنة تشترك مع ايران في نظام أمني إقليمي واحد هو (بحر العرب)، وبموجب هذا النظام يصبح من المتعذر على السلطنة التوفيق بين المشاركة في التحالف العربي والتزاماتها الأمنية نحو إيران كشريك أمني في منطقة بحر العرب.

- تعمل إيران من الاستفادة من عدم هذه المشاركة العمانية بغية عزل عمان عن أخواتها في مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي يسهل على إيران ادماج عمان أمنيا في منظومة الأمن الإيراني إلى الحد الذي تصبح فيه عمان مجرد بوابة لإيران على بحر العرب.

- تعتبر عمان هي الدولة الوحيدة من دول مجلس التعاون الخليجي التي تطل على بحر العرب، ولهذا تحاول إيران بشتى الطرق إغراء عمان بهذا الموقع والاستفادة منه بمعزل عن أخواتها في مجلس التعاون، ولو بدفع عمان إلى الاستقواء بإيران بحكم شراكتها الأمنية في النظام الأمني لبحر

العرب...ومع ذلك فإن السلطنة ليست بهذه السهولة من الإغواء فلديها قيادة رصينة وعلى قدر من الدهاء الكافي الذي يمكنها من الاستفادة من موقعها كشريك لإيران في الوقت نفسه تعزيز وحدتها بدول مجلس التعاون الخليجي.

- أما على المستوى الشعبي فإن إيران تعمل جاهدة على الاستفادة من الحالة الأباضية والقيام بمزيد من التقارب مع المذهب الأباضي العماني وتوجيهه نحو مصادمة مذهب أهل السنة والجماعة في المنطقة...كل ذلك يتم تحت لافتة الحوار الديني والتقريب بين المذاهب.

3 - تسعى إيران من الاستفادة من الحالة الشعبية لجمهورية أرض الصومال (شمال الصومال) من خلال اختراقها للمجتمعات المحلية في هذه المنطقة، وإثارة النعرات السلالية في المكون السني والفرق الصوفية إضافة إلى إثارة النزعات العرقية، وعلى سبيل المثال بدأت العديد من الأصوات في شعب جمهورية أرض الصومال تطالب بالتسليم لإيران بالولاية الدينية على شعب هذه الجمهورية التي تنتمي إلى منظومة بحر العرب كون شعب هذه الجمهورية في نظر هذه الأصوات ينتمي إلى سلالة الأشراف الإسحاقيين من أصول (الأبناء) أي أنهم من أشراف آل البيت، ومن عنصر فارسي أيضا رغم عدم واقعية مثل هذا الطرح.

4 - كان بعض المراقبين في الماضي يسمعون همساً بأن إيران تتطلع إلى قيام اتحاد أو رابطة أو نسق تعاوني لدول بحر العرب، والهدف من ذلك هو شق مجلس التعاون الخليجي بسحب عمان وضمه مع اليمن إلى هذه الرابطة، إلا أن هذه الفكرة تبخرت بسبب عدم موافقة الدول الأخرى من دول بحر العرب لاسيما الهند وباكستان. ونتيجة لهذا الفشل الإيراني في الماضي بدأت إيران في الآونة الأخيرة، وتحديدا بعد عاصفة الحزم تعمل بصمت وسرية تامة لإنشاء رابطة شعبية باسم شعوب ما بين المضيقين (أي مضيق هرمز و باب المندب) ويبدو أن هذه الرابطة في الوقت الحالي ليست سوى نسق استخباراتي إيراني لتجميع بعض الكيانات الاجتماعية السواحلية في منطقة ما بين المضيقين...إلا أنه في حال تعزز الحضور الإيراني أمنيا وعسكريا في بحر العرب قد تشكل هذه الرابطة الشعبية نواة لمجلس تعاون إقليمي مناهض لمجلس التعاون الخليجي.

5 - يوجد في المنظومة الأمنية الإقليمية لدول بحر العرب ما يسمی بمنطقة البنادر وهي المنطقة التي تبدأ من بندر عباس في مضيق هرمز وصولا الی بنادر زنجبار في إفريقيا...وكلمة البنادر تعني مناطق التقاء المسافرين عبر البحر والتي ينزلون عندها للاستراحة، وعادة ما تكون مناطق تقاطع حركة السفن والملاحة؛ أي إنها بالمصطلح التقليدي هي (مقاهي بحرية) تلتقي فيها حركة السفن من كل الاتجاهات وفيها ينزل التجار لإبرام العقود مع الشركات العابرة التي عادة ما يكون لها مكاتب في هذه البنادر. في إطار اتفاقيات التجارة الحرة...ما نقصده من هذا التوصيف لهذه المنطقة هو الإشارة إلى نقطة مهمة وهي: أن مجتمعات هذه البنادر هي نتاج لاستقرار بعض الأقوام في قديم الزمان من

مختلف العالم حيث تناسل الفارسي من العربي، والعربي من الهندي، والهندي من الأوروبي، وبالتالي تشكل سكان هذه البنادر من هذا الهجين البشري وعادة ما يكون هذا الهجين المتداخل مهوی التدخلات الخارجية.

6 - من الواضح ان العنصر الفارسي مع العنصر السواحلي يكاد يشكل نسبة مهمة من سكان هذه البنادر وهو ما يعطي لإيران التي تجيد النبش العنصري والتاريخي حضور قوي في هذه المنطقة السواحلية الممتدة من هرمز إلى زنجبار في افريقيا.

7 - المعلوم أن سكان البنادر في منطقة بحر العرب يختلفون عن سكان ساحل البحر الأحمر الذين ينتمون الی قبائل عربية قحطانية راسخة ومستقرة كما هو الحال لقبائل (العفر) الذين يشكلون معظم سكان سواحل البحر الأحمر من باب المندب إلی خليج تاجورة في جيبوتي، وكذا قبائل (حكم) الممتدة من باب المندب وحتی سواحل جيزان...أي أن هذا التباين السكاني بين سكان البحر الأحمر وبحر العرب قد يؤدي إلي تنافر المنطقتين وخاصة في ظل التأثير الاستعماري والتدخلات الخارجية في منطقة البنادر.