الخميس 21-11-2024 12:16:46 م : 20 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
واحدية الثورتين
بقلم/ د. ثابت الأحمدي
نشر منذ: 7 سنوات و شهر و 12 يوماً
الأحد 08 أكتوبر-تشرين الأول 2017 05:37 م
  

قال لي اللواء علي السلال عضو مجلس الشورى، ونجل أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية المشير عبدالله السلال رحمه الله في مقيل معه بمنزله عام 2011م، بعد أن قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م هب إخواننا الجنوبيون لمناصرتنا من أول يوم، وقد قاتلوا تحت قيادتنا بخولان، حين كلفني الوالد بقيادة إحدى الجبهات هناك، لمواجهة الأمير الإمامي عبدالله بن الحسن، وحين اشتعلت ثورة 14 أكتوبر عام 63م كان بعض من الأخوة الجنوبيين في جبال خولان معنا جنبا لجنب، فأرادوا الاستئذان والالتحاق بجبهاتهم في الجنوب مع أسلحتهم التي صرفت لهم، ولم أوافق لهم، وحصلت مشادة قوية، رفعنا الأمر على إثرها إلى قيادتنا السياسية ممثلة برئيس الجمهورية، حيث سمح لهم باصطحاب أسلحتهم وما يكفيهم من المؤنة لمواجهة المحتل في الجنوب. مضيفا: لا فرق بين شمال الوطن ولا جنوبه.


وقد لفت انتباهي من واقع الحادثة واحدية الثورتين اليمنيتين 26 سبتمبر 62م في شمال الوطن، و14 أكتوبر 63م في جنوبه. بصرف النظر عن النظامين الرسميين القائمين يومها، فهما نظامان من إفرازات مستبدي الشمال، ومن صنع المحتل البريطاني في الجنوب، لا علاقة له بالشعب الواحد الموحد ثقافة ولغة ودينا ومصلحة مشتركة.
وكما قاتل إخواننا الجنوبيون مع ثورة 26 سبتمبر في ربوع صنعاء قاتل أبناء تعز ـ المحسوبون على الشمال يومها ـ في مختلف جبهات الشطر الجنوبي باستماتة ووفاء، معتبرين الوطن واحدا والأرض واحدة.


ووفقا للبردوني: عندما أحست الجماهير في الشطرين فرار الإمام المخلوع من صنعاء عام 62م تألبت الجماهير على ترسيخ العهد الجمهوري في الشمال، فأقبلت الجموع من عدن وتعز ومن يافع والبيضاء ومن لحج وخولان ومن دثينة والحديدة دون أن تحس من أين جاءت، وإنما تعرف إلى أين جاءت، فقد انخرطت كل الجماهير في سلك الحرس الوطني، فكونت جيش الثورة عام 63م، وازداد هذا الجيش أفواجا إلى أفواج، فقاتل العدوان في شمال الشمال، وأشعل فتيل الثورة في جنوب الوطن..إلخ.


لعقود طويلة ظلت العلاقة سيئة بين نظامي الشطرين بحكم نظام الطغيان الإمامي في الشمال والاحتلال في الجنوب، فقد كان نظام صنعاء في عهد الإمامة على عداء مع عدن، لأكثر من سبب، منه احتضان عدن للمناضلين الفارين من حكم الكهنوت في صنعاء، إلى حد مهاجمتهم في الصحف والإذاعة، كما أشار إلى ذلك البردوني في كتابه رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه، حيث كلف الإمام أحمد الشاعر عبدالله حمران بتخصيص عمود أسبوعي في إذاعة صنعاء للتشنيع بالجنوب ومهاجمته، وأيضا كان نظام الإمامة لا يسمح أن يتملك الإخوة الجنوبيون بيوتا أو عقارات في صنعاء، كما ذكر المناضل أحمد حسين المروني، وأشار إليها المناضل حسن مكي في مذكراته. وهذا التوجه أو النظام رسمي لا شعبي، من خلق ثقافة الإمامة لا من خلق ثقافة الشعب، وخاصة صنعاء التي لا تضيق بأحد. وذات الشأن أيضا من قبل الجنوب فلم يكن يتم السماح لزيارة عدن إلا لماما وخاصة حين ساءت العلاقة بين الإمام والنظام البريطاني.


إنما ـ وبشكل عام ـ كانت الثورتان المتقاربتان زمانا ومكانا، والمؤتلفتان أهدافا وغايات، والموحدتان بمعاناة واحدة نافذة الأمل الجديد وكوة الضوء المشرق لعهد جديد يخطه اليمنيون بصرف النظر عما حصل من نظام عدن عقب أحداث 69 في عدن. أو ما حصل بين النظامين في 72م. وكما كانت عدن ملجأ لمناضلي الشمال أيام الإمامة، فقد كانت صنعاء وتعز بدرجة أولى الملجأ الأول للفارين من بطش الاحتلال البريطاني في عدن، بل وحتى ملاذا للفارين جراء الخلافات المتفاقمة بين الرفاق المتشاكسين عقب ثورة اكتوبر وعقب الاستقلال..


وظلت الوحدة اليمنية حلم الجميع بلا استثناء في الشمال والجنوب، هزجت بها الأناشيد الوطنية والأغنيات الجماهيرية شمالا وجنوبا على حد سواء، وكان لها أكثر من محطة توقفت عندها حتى تكللت بوحدة عام 90م التي كانت ضحية حماقة بعض قيادة الجنوب ولؤم صنعاء على حد سواء.


لقد كانت التحديثات ماثلة أمام الثورتين، غير أن القيادات من الاتجاهين لم تكن على مستوى المهمة، وعلى مستوى اللحظة التاريخية، فأضاعوا مجدا كانوا في طريقهم إليه جميعا، واليوم يدفع الجميع الثمن بلا استثناء للأسف.


لقد كانت ثورة سبتمبر في الشمال الثورة الأم لثورة أكتوبر في الجنوب، أتت الأخيرة منها متأثرة بها، وبدعم الزعيم العربي جمال عبدالناصر الذي كان السند الأول لثورة 26 سبتمبر، وخطابه التاريخي في تعز عام 64م شاهد على موقفه التاريخي، وموقف مصر تجاه الشطر الجنوبي من الوطن. وعلى أية حال، ومهما اعترى العلاقة من توتر فلا يعدو أن يكون شغب الأخوين داخل البيت الواحد، خاصة مع التوجه الجديد لبناء اليمن الاتحادي الذي يعمل على تجاوز سلبيات الماضي ومآسيه بروح جديدة، بعد أن يتجاوز الشعب عنق الزجاجة التي يعيشها اليوم.