الجمعة 17-05-2024 11:53:06 ص : 9 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحارس القضائي.. بين نهب الممتلكات وشرعنة النهب

الثلاثاء 20 سبتمبر-أيلول 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص | صادق عبد المعين

 

لا يزال الكثير ممن صودرت أملاكهم وعقاراتهم متمسكين بوثائقهم وأوراقهم الثبوتية لتلك الأملاك والعقارات المصادرة من قبل المليشيا الحوثية الانقلابية على أمل استعادتها واسترجاعها، على الرغم من استصدار المليشيا الحوثية أحكاما قضائية مسيسة كذريعة للبسط على تلك الأموال والعقارات.

وتتعدد طرق النهب -التي يمارسها الحوثيون في مناطق سيطرتهم وأساليب الفيد التي تنتهجها المليشيا للبسط والسيطرة على الأملاك ومصادرة الأموال- إلى طرق شتى وصور متعددة، لتشمل العقارات والأراضي العامة والخاصة، والمؤسسات الخيرية والجامعات الخاصة والمعاهد والمستشفيات والمستوصفات الأهلية وشركات الاتصالات والحدائق والمنتزهات والمنازل التابعة لقيادات سياسية وشخصيات برلمانية، وغيرها من العقارات والأموال والممتلكات التي تم تأميمها وتخصيص إيراداتها لتغذية الحرب، أو تحويلها إلى أملاك خاصة لقيادات المليشيا، أو مخازن للأسلحة والعتاد العسكري أو مقرات أمنية، أو سجون سرية لإخفاء المختطفين، وممارسة كافة أنواع التعذيب الوحشي بحق المعارضين.

وتعكس الممارسات الحوثية بحق المواطنين صورة أكثر قتامة وبشاعة، يخلص المواطن جراء هذه الممارسات إلى نتيجة مفادها أنه بات من المستحيل الاستثمار أو التملك أو ممارسة أي نشاط تجاري أو حتى بناء مسكن في مناطق سيطرة المليشيا.

تطور لافت

ويعتبر الحارس القضائي (هيئة حوثية استحدثت مؤخرا) أخطر وسيلة ابتكرتها المليشيا الحوثية حتى الآن، لغرض النهب ومصادرة الأموال والممتلكات، إذ لم يعد يقتصر ما يتم أخذه ومصادرته على فرض إتاوات وجبايات ومبالغ تفرضها المليشيات كما كانت تفعل في السابق، وإن كانت تلك المبالغ باهضة وخيالية، بل وصل الأمر إلى مصادرة تلك المؤسسات والشركات والجامعات والتي كانت تفرض عليها تلك الجبايات بشكل كامل عن طريق ما يسمى بالحارس القضائي والذي بسطت المليشيا الحوثية من خلاله يدها على كل شيء يمكن الاستفادة منه.

ويرى مراقبون أن استحداث هذه الهيئة يعتبر تطورا لافتا في أساليب النهب التي تنتهجها المليشيا الحوثية في الاستحواذ على أملاك الآخرين وأموالهم، فبدل أن كانت المليشيا تنتشر في المدن والأسواق لاقتحام المؤسسات والمحال التجارية على طريقة اللصوص والمجرمين، فقد عمدت إلى طريقة أخرى أكثر مكرا، حيث عمدت إلى إنشاء نظام جديد بات يعرف بـ"الحارس القضائي" واستصدار من خلاله أحكاما قضائية من قبل جهات رسمية تتبع القضاء وعبر قضاة يدينون بالولاء للمليشيا، حيث تقضي تلك الأحكام بمصادرة العقارات والمؤسسات الخاصة، بتهم ملفقة وذرائع واهية أبرزها العمالة والارتزاق.

جرائم مقننة

وقد اتخذت المليشيا الحوثية القضاء أداة لاستصدار الكثير من الأحكام الجائرة بحق المخالفين لسياساتها، وتمرير الكثير من التهم الملفقة ضد خصومها ومعارضيها، كمحاولة لشرعنة جرائمها وممارساتها الإرهابية، لتبدو بتلك الجرائم ومن خلال تلك الأحكام الجائرة أكثر احتراما للقضاء وتطبيقا للقانون.

ونتيجة لرغبتها الجامحة وإصرارها على تطويع القضاء فقد أعلنت مليشيا الحوثي، في منتصف أغسطس الماضي، إيقاف 70 قاضيا وعضو نيابة عن العمل، تمهيدا لمحاكمتهم في صنعاء وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.

ووفقا للقيادي في المليشيا محمد علي الحوثي، فإن 70 عضو نيابة جرى تعليق أعمالهم ومنعهم من النظر في أي ملف، زاعما بأن ذلك القرار خطوة في الاتجاه الصحيح حتى تكتمل الأدلة لمحاكمتهم.

وتأتي هذه الخطوة تمهيدا للسيطرة التامة على مفاصل القضاء، التي تقوم بها ما تسمى "اللجان العدلية"، وذلك بإحلال أتباع المليشيا الذين يجري تدريسهم وإعدادهم طائفياً.

تاجر سلاح وحارس جريمة

وقد عينت مليشيا الحوثي القيادي فيها "صالح مسفر الشاعر" رئيسا لما يسمى بالحارس القضائي، إذ يعتبر الشاعر أحد أبرز القيادات المالية والهوامير الاقتصادية في مليشيا الحوثي الإرهابية، ويرتبط بعلاقات قوية مع زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، وأحد أبرز تجار الأسلحة المشهورين في اليمن، والذي مول الحوثيين منذ بداية الحروب الست بالسلاح والمال، وقد ورد اسمه ضمن قائمة تقرير الخبراء الدوليين الصادر عن الأمم المتحدة.

وتعود علاقة الشاعر الذي منحته مليشيا الحوثي رتبة "لواء" بالمليشيا، إلى بداية الحروب التي خاضتها الدولة اليمنية ضد تمرد المليشيا الحوثية في صعدة شمالي البلاد (2004- 2009).

وبحسب مصادر فإن الشاعر الذي ينحدر من محافظة صعدة، يعد من أوائل المناصرين لمليشيا الحوثي، وعند تولي "عبد الملك الحوثي" قيادة المليشيا كان من أقرب المقربين له.

وقد عمل الشاعر البالغ من العمر حاليا 56 عاما، ضمن قائمة تجار الأسلحة الذين تولوا تزويد المليشيا بأصناف متنوعة منها، خاصة الأسلحة المضادة للدروع، غير أنه أوكل إليه مؤخرا دور "الحارس القضائي"، والذي يمثل نظاما اقتصاديا جديدا يهدف إلى سرقة أموال الناس ويعزز اقتصاد مليشيا الحوثي الموازي والخفي، لضمان الحصول على المال من أجل إطالة أمد الحرب، ووسيلة للتحايل وإضفاء الشرعية على عمليات غسل أموال منظمة ونهب ممنهج وواسع لثروات وممتلكات المواطنين.

سلطة موازية

واستنادا إلى الدور الذي يقوم به داخل المليشيا فقد فرض مجلس الأمن عقوبات ضد صالح الشاعر باعتباره المسؤول المالي واللوجستي لمليشيا الحوثي، في واحد من القرارت الأممية ضد الجهاز الاقتصادي للانقلاب، كما يعتبر المطلوب رقم 35 ضمن قائمة الـ40 شخصية المطلوبة لتحالف دعم الشرعية الذي رصد مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد على تحديد مكانه أو القبض عليه.

ويقول تقرير صادر عن مركز صنعاء للدراسات (غير حكومي) مطلع العام الجاري 2022 إن المليشيا الحوثية صادرت أموال وممتلكات 1223 شخصا من المناهضين لها، وعهدت لنظام الحارس القضائي بإدارتها.

ويضيف التقرير: "خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2019، صادر الحارس القضائي ملكية 37 شركة تابعة لشخصيات مناهضة للحوثيين مقيمة في الخارج، منها أموال وأصول لا تقل قيمتها عن 50 مليار ريال (83 مليون دولار أميركي)"، واصفا نظام الحارس القضائي بأنه "أداة سلطة موازية استخدمها الحوثيون لنهب أموال الآخرين، ويعكس عمله تدخلًا صريحًا في سلطات وصلاحيات السلطة القضائية، وتقويضا لمبدأ الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية".

صلاحيات واسعة

وقد مُنح "الشاعر" صلاحيات مفتوحة وحرية مطلقة في مباشرة الجريمة والنهب على نطاق واسع، وبالإضافة إلى عملية إشرافه على حصر واقتحام ونهب منازل وممتلكات قيادات الأحزاب السياسية ورجال الأعمال الذين لم يخضعوا لمليشيا الإرهاب، فقد أوكلت إليه المليشيا مهمة الاستيلاء ونهب أموال ومنازل الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر والعديد من قيادات الدولة والشخصيات المختلفة، وكذلك قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح، ومنازل وممتلكات الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وأقاربه.

كما تولى مهمة الإشراف على شركة "سبأفون" للهاتف النقال ومؤسسة الصالح الاجتماعية للتنمية بكل أصولها وممتلكاتها ومقراتها وهيئتها الإدارية وأموالها المودعة في البنوك، وكذلك جمعية الإصلاح الخيرية، ومستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، وجامعة العلوم والتكنولوجيا نفسها أول وأكبر جامعة أهلية في اليمن.

إجراءات عقابية

وقد أصدرت منظمة "سام" للحقوق والحريات مؤخراً، تقريراً جديدا بعنوان "إقطاعية الحارس وماكينة التضليل"، عرضت فيه المنظمة الإجراءات الحوثية المتخذة ضد شركة "الموارد للخدمات التعليمية والصحية" والتي تملك جامعة العلوم والتكنولوجيا ومستشفى العلوم كنموذج ضمن 49 حادثة استيلاء ووقائع حققت فيها المنظمة.

وتقول "سام" في تقريرها إنه و"منذ أكتوبر 2019 بدأت الإجراءات العقابية تُمارس ضد إدارة الجامعة والمستشفى، فاحتجز مندوب الحارس القضائي كلاً من مدير المستشفى الجامعي فهمي الحكيمي والموارد البشرية عباس البنا والمستشار القانوني للجامعة خالد السلطان، وأُطلق سراحهم بعد إجبارهم على توقيع محضر بتلبية كل مطالب الحارس القضائي".

وتقدر الشركة خسائرها المالية نتيجة لسيطرة الحارس القضائي عليها وعلى أصولها المادية والعينية بنحو (108,295,834 دولار)، وفقا لتقرير المنظمة.

وقدرت الشركة الإيرادات السنوية التي استولى عليها الحارس القضائي قياساً على العام 2019 مباشرة لسنة الاستيلاء بـ(22,592,294 دولار).

كما أوقف الحارس القضائي سداد ضرائب الأرباح وضرائب الأجور والمستحق للواجبات والرسوم الأخرى، وبلغ المال المنهوب من هذه القطاعات قياساً على المسدد في العام 2018 مبلغ (2,452,665 دولار)، وفقا لمنظمة سام.

وتعذر على شركة الموارد تحصيل مديونيات الجامعة ووحداتها التابعة لدى الغير بمبلغ (5,863,600.87 دولار)، وتم تحصيل ونهب جزء منها من قبل الحارس القضائي بعد الاستيلاء على الشركة، وفقا لمنظمة سام للحقوق والحريات.

كل شيء للنهب

ووثقت تقارير حقوقية استيلاء الحوثيين على مليار و700 مليون دولار من قيمة الواردات والشركات والمؤسسات المنهوبة، وأن ما تم الاستيلاء عليه من قبل ما يسمى بالحارس القضائي يزيد عن أكثر من 100 منشأة ومؤسسة ومنزل خلال العام 2019، كما صادرت مليارات الريالات من الأموال المصرفية المحجوزة والتي يملكها أو يديرها أكثر من 1250 شخصا في العاصمة صنعاء، جميعهم من المعارضين لسياسة الانقلاب.

ولم يستثن الحارس الإجرامي شيئا إلا شملته نظرته وطالته يده، فقد استولى الحوثيون من خلاله على مستشفى سيبلاس ومستشفى الأم ومستشفى جامعة العلوم ومستشفى المنار ومستوصف الخنساء، واللافت في الأمر أن معظم ما تمت مصادرته هو ملك لأشخاص أو لهم حصص كبيرة فيه.

كما طالت يد النهب أيضا جامعة الجزيرة بحجة أن ملاكها لهم سياسة مناوئة لسياسة الحوثيين، وجامعة العلوم، ومستشفاها، إضافة إلى استيلائها على العديد من المخططات للجامعات الحكومية، كما بسطت على الأراضي المصروفة للموظفين، والساحات الخضراء ومواقف السيارات والحدائق العامة، ومؤسسة الصالح ومؤسسة يمن أرموند، وشركة سبأفون، ومؤسسة اليتيم، ومنازل العشرات من السياسيين وأعضاء مجلس النواب.

فكرة مستنسخة

وتقول مصادر إن جهاز "الحارس القضائي" الذي تم إنشاؤه من قبل مليشيا الحوثي هو عبارة عن فكرة مستوحاة من النظام الإيراني ويحاكي النموذج الإيراني والمتمثل بمنظمة إيرانية تحمل اسم "بنياد مستضعفان" والتي تعتبر ثاني أكبر مؤسسة إيرادية بعد شركة النفط الإيرانية.

وتقول المصادر إن هذه المنظمة مستثناة من أية مساءلة قانونية، ومعفية من الالتزامات الضريبية، وتمتلك أكثر من 200 مصنع في إيران وعشرات الشركات، بالإضافة إلى العديد من العقارات والأراضي في جميع أنحاء إيران، كما أن لها ارتباط مباشر بولي الفقيه "علي الخامنئي" وتمثل الذراع المالي له، وقد تم إنشاؤها تحت مظلة صناديق خيرية استخدمت للاستيلاء على أصول وأموال الشاه وأنصاره بعد قيام الخميني بثورة 1979، وتطور نظامه مع مرور الوقت ليصبح قوة اقتصادية نافذة، حتى بات موازيا للسلطة القضائية، ليصبح صاحب اليد الطولى إذ يمكنه مصادرة أموال من يشاء في الوقت الذي يشاء دون رقابة أو سلطة أو حكم قضائي.

كلمات دالّة

#اليمن