الجمعة 26-04-2024 07:27:16 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

بمناسبة عيد الاستقلال الناجز.. اتجاهات خارطة العمل السياسي والنضالي في اليمن (الحلقة الأولى)

الخميس 30 نوفمبر-تشرين الثاني 2017 الساعة 02 مساءً / التجمع اليمني للاصلاح - خاص - أ / عبده سالم

 

(أشكال النضال – أجندة الصراع-حتمية التوافق)

(الحلقة الأولى)

تعددت اتجاهات خارطة العمل السياسي النضالي في اليمن، ما بين اتجاه يساري، واتجاه إسلامي، واتجاه قومي، فضلاً عن وجود اتجاه رابع تقليدي وطني ولكن بطابع فئوي، أو جغرافي، إضافة إلى الا تجاه السلطوي (حزب السلطة او سلطة الحزب).

 

أشكال النضال
مع ارتفاع وتيرة العمل النضالي اتسعت رقعة التباينات في إطار الاتجاه الواحد حيث أخذ كل اتجاه عدة أشكال نضالية، فالاتجاه اليساري ـ برز في الحياة السياسية بعدة أشكال نضالية، كاليسار القومي المتبني لأفكار الاشتراكية اللينية، والقومي اليساري كالطليعة الشعبية، واليسار الأممي كالاتحاد الشعبي، إضافةً إلى الديمقراطيين الثوريين، والمقاومين الثوريين، وحزب العمل، وغير ذلك.


وكذا الحال بالنسبة للاتجاه القومي الذي تجسد في الحياة السياسية بعدة أشكال نضالية كالقومي الناصري، والقومي البعثي، فضلاً عن القومي التقليدي الشعبوي غير المؤطر.


أما الاتجاه الإسلامي ـ هو الآخرـ لم يبقَ على أصله الأول الذي تأسس عليه في ثورة 48م كشكل لحركة الإخوان المسلمين وحلفائهم في شكل الإمامة الدستورية، إذ برزت عدة أشكال نضالية أخرى بعد فشل ثورة 48م أقرب ما تكون إلى المدارس الفكرية لابن الأمير الصنعاني والشوكاني، والتي تبلورت مؤخراً في شكل الحركة الإسلامية العاملة في اليمن.


وبالنسبة للاتجاه الرابع (التقليدي)، فيتمثل في اشكال المخرجات الفئوية، والمناطق الجغرافية للعمل الوطني التي يجمعها العمل النضالي الفئوي والمناطقي أكثر من العمل السياسي العام بأبعاده الأيدلوجية، كحال الأحزاب المحلية والفئوية والجماعات القبلية، والروابط الجهوية والجبهات الشعبية، وغير ذلك.


أما الاتجاه السلطوي فهو اتجاه لاحق لعملية النضال الوطني؛ كونه مرتبط بعملية بناء الدولة وليس بحركة التحرر كما هو الحال لحزب السلطة الحاكمة أو سلطة الحزب الحاكم بأشكالها الأمنية، والسياسية، ولكن بالنظر إلى أن بعض مفردات هذا الاتجاه هي مفردات نضالية ذات صلة بالحركة الوطنية، إضافة إلى المسؤولية القانونية التي يتحملها هذا الاتجاه لمجمل تبعات الحكم بصفته السيادية والسياسية فقد تم اعتباره من اتجاهات العمل السياسي والنضالي في اليمن.


مع اختلاف هذه الاتجاهات السياسية بمجموعها، وتعدد أشكالها النضالية، إلا أنها تجسدت في إطار الحركة الوطنية اليمنية الواحدة كطليعة شعبية متقدمة تكفلت بمقاومة الاستبداد الإمامي في شمال اليمن، والاستعمار البريطاني في جنوبه، حتى تحقق لها النصر الأكيد بانتصار الثورة اليمنية الكبرى بجناحيها سبتمبر62م وأكتوبر63م، والتي توجت فيما بعد بالانتصار الثوري الكامل في الثلاثين من نوفمبر 1967م، وتحقيق الاستقلال الوطني الناجز؛ وبهذا الانتصار تكون الحركة الوطنية المناضلة قد تمكنت من الإعلان عن مشروعها الوطني المعبر عن تطلعات وآمال الشعب اليمني في الشمال والجنوب، وبالإعلان عن هذا المشروع الوطني؛ تكون القضية الوطنية قد حددت ملامحها، وأهدافها، كما حددت أعدائها بوضوح وهم (أعوان الاستعمار البريطاني في الجنوب والاستبداد الإمامي في الشمال)، فضلاً عن أنها حددت أصدقائها بوضوح وهم (الطليعة الشعبية المناضلة من جميع مفردات وعناصر الحركة الوطنية بمختلف اتجاهاتها السياسية وأشكالها النضالية التي قاومت الاستعمار في الجنوب والاستبداد في الشمال، في إطار الحركة الوطنية الواحدة، التي لا تقبل التجزئة بأي حال من الأحوال).

 

أجندة صراع
على الرغم من عظمة المشروع الوطني الكبير الذي تحقق بفعل الثورة والاستقلال، إلا أن عملية تحويله إلى برنامج وطني ثوري شامل لم تتحقق على النحو المأمول؛ وذلك بالنظر إلى ضغط العوائق التي انتصبت في طريق الثورة بعد قيامها، سواءً العوائق التي فرضتها ظروف الواقع اليمني الذاتية والموضوعية بما فيها ظروف النضال نفسه، أو تلك العوائق التي أفرزتها لاحقاً مشاريع الاستقطاب الدولي والإقليمي على شكل تداعيات عكست نفسها على برامج الحركة الوطنية بكل اتجاهاتها وأشكالها النضالية؛ لتبدأ بذلك دورة جديدة من الصراع بين مكونات الحركة الوطنية نفسها، وليس مع (الاستعمار والاستبداد)؛ وهو ما أدى إلى حدوث اختلالات عميقة أثرت على نمط العلاقة بين الاتجاهات السياسية فيما بينها من جهة، وبينها وأشكالها النضالية من جهة أخرى بفعل ذلك الصراع المحموم الذي توالت حلقاته وتعددت جولاته فيما بعد.

 

الجولة الأولى من الصراع
في جنوب الوطن، كانت قد أسفرت عملية الاستقلال إلى انقضاض اليسار الثوري في الجبهة القومية على كل اتجاهات مربعات العمل السياسي وأشكالها النضالية، مع إزاحة كل الاتجاهات والأشكال النضالية الأخرى، وتصفية قياداتها بما في ذلك الأشكال النضالية داخل الجبهة القومية نفسها عقب إعادة صياغتها على أسس ومبادئ الاشتراكية العلمية مع مطلع السبعينات.


أما في شمال الوطن، فعلى الرغم من دعم القيادة المصرية لمجلس قيادة الثورة في الشمال، ورغم هيمنة الاتجاه القومي على النظام الجمهوري الوليد، إلا أن الساحة الوطنية في الشمال لم تشهد استقراراً سياسياً، بل شهدت تفاعلات الحرب الأهلية المدمرة بكل صورها وأشكالها... ويبدو أن الأسلوب الذي اتبعته القوات المصرية في تثبيت دعائم الثورة اليمنية قد أثر سلباً على هذا الوضع غير المستقر، بل وخلق ميادين جديدة من المواجهات المناطقية الساخنة، كما أن الاهتمامات المصرية والسعودية بالقضية اليمنية والتي وصلت إلى حد التنافس والاحتكاك بين البلدين؛ قد شكلت هي الأخرى مادة هامة لطبيعة ذلك الصراع، أضف إلى ذلك، فإن حالة الإعدامات والاعتقالات التي شهدتها الساحة المصرية ضد قيادة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وما نتج عن ذلك من هجرات إخوانية متتابعة إلى المملكة العربية السعودية؛ قد عكست نفسها هي الأخرى على مستوى الصراعات اليمنية في شمال الوطن؛ وبالتالي ظل هذا الوضع الصراعي المتداخل بمؤثراته الإقليمية وعوامله الداخلية وتوجهاته الأيدلوجية هو الذي يحكم العلاقة السياسية بين الاتجاه القومي ومعهم أشكال اليسار القومي من جهة، والاتجاهين الإسلامي والتقليدي من جهة أخرى.


انتهت هذه العملية من الصراع بخروج القوات المصرية من اليمن ورحيل قيادات مجلس الثورة اليمنية إلى الخارج مع بعض قيادات الاتجاه القومي الناصري، ترافق ذلك مع قيام المصالحة مع القوى الملكية وإشراكها في الحكم مقابل تسليم أسلحتها للجيش الجمهوري، والاعتراف بشرعية النظام الجمهوري كمقدمة للانتقال بوضع الدولة في شمال الوطن من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية مع مطلع السبعينات.


النتيجة العملية التي أسفرت عنها هذه الجولة من الصراع في شمال اليمن هي سيطرة الاتجاه التقليدي(الجمهوري) على الأوضاع السياسية في شمال الوطن بمشاركة رمزية من الاتجاه القومي بشكله البعثي، إضافة إلى الاتجاه الإسلامي على إثر حركة 5نوفمبر 1967م لتدخل السلطة بعد ذلك في مواجهات ساخنة مع معارضيها من أشكال اليسار أسفرت عن بعض اغتيالات قياداتها واعتقال ناشطيها، إلا أن هذه الأشكال اليسارية قاومت واستعصت على السلطة نظراَ لوجودها المؤثر في مؤسسات الجيش والأمن والمخابرات وهو الوجود الذي ظل يشكل تهديداَ كبيراً للسلطة في الشمال في تلك المرحلة.

 

المشهد العام بعد الجولة الأولى من الصراع:
في مطلع عام 1970م كان المشهد العام في كل من الشمال والجنوب قد تحدد بشكل واضح على النحو التالي:- في جنوب الوطن وبعد أن تمكنت الجبهة القومية من تصفية معارضيها من قيادات وأعضاء جبهة التحرير، ورابطة أبناء الجنوب وبعض رموز اليمين في الجبهة القومية وفرار من تبقى منهم إلى شمال الوطن، أصبحت الجبهة القومية بعد ذلك هي الكيان التنظيمي العلني والحاكم في جنوب الوطن دون أن يكون له أي معارض أو منافس مع احتفاظ هذا الكيان بعلاقات حميمة مع الاتحاد الشعبي والطليعة الشعبية كشكلين يساريين اندمجا لاحقاَ في كيان الجبهة القومية، وبموجب هذه العلاقة أصبح لهذه الكيانات الثلاثة فروع في شمال الوطن بعضها بمسمياتها الحقيقية كالاتحاد الشعبي والطليعة والبعض الآخر بمسميات مختلفة مثل الديمقراطيين الثوريين كفرع للجبهة القومية في الجنوب(القوميون العرب) إضافة إلى المقاومين الثوريين وحزب العمل الذين يشكلون في مجموعهم الامتداد الطبيعي للنظام الحاكم في الجنوب الذي تكفل بإسقاط النظام في الشمال.
أما في شمال الوطن فقد بدا واضحاَ عقب خروج مجلس قيادة الثورة ورموز الاتجاه القومي إلى الخارج أن الوضع في الشمال قد استقر لصالح النظام الدستوري الجديد الذي يهيمن عليه الاتجاه التقليدي والاتجاه القومي بشكله البعثي، إضافة إلى مشاركة رمزية من الاتجاه الإسلامي في إطار سلطة حاكمة ودستور جديد مع وجود معارضة قوية وضاغطة تتمثل في الأشكال اليسارية المدعومة من الجنوب... وفي سبيل تخفيف ضغط هذه المعارضة اليسارية؛ فتح النظام في صنعاء أبوابه لاستقبال النازحين من الأشكال النضالية المعارضة للنظام في الجنوب لتصبح هذه الأشكال النضالية الطريدة من الجنوب مستوعبة ضمن سلطة الشمال لمناهضة الجبهة القومية والسلطة في الجنوب.

 

الجولة الثانية من الصراع
في المؤتمر العام السادس للجبهة المنعقد في مارس من عام 1975م تم الإعلان عن توحيد الجبهة القومية مع الاتحاد الشعبي وحزب الطليعة الشعبية ليتحول مسمى الجبهة القومية إلى التنظيم السياسي الموحد (الجبهة القومية)، كما تم الإعلان عن تبني الاشتراكية العلمية كنهج للتنظيم مع إعادة بناء الأجهزة التنظيمية للجبهة بشكل يسمح بالمشاركة الجادة للتنظيمات الثلاثة، وذلك وفق النتائج التي أسفر عنها الحوار الذي قاده عبد الفتاح إسماعيل كممثل عن الجبهة القومية مع زعيمي هذين التنظيمين تمهيداً للإعلان عن الحزب الطليعي الجديد.

 

صراع نمطي
يبدو أن الرئيس سالم ربيع قد شعر بأن مركزه القيادي بفعل هذه القرارات بدأ يختل لصالح القوى المتبنية للتنظيم الطليعي بقيادة عبدالفتاح إسماعيل؛ مما دفعه إلى المزيد من التقارب مع سلطة الشمال، حيث كانت تربطه علاقة قوية بالرئيس إبراهيم الحمدي، كما استمرت هذه العلاقة إلى حد ما مع خلفه الرئيس الغشمي إلى لحظة اغتيال الرئيس الغشمي بحقيبة ملغومة حملها الموفد الشخصي للرئيس ربيعة في ظروف غامضة، ليتحمل الرئيس ربيع المسئولية عن هذه الحادثة من قبل السلطة في الشمال، كما أثارت هذه الحادثة خلافاً حاداً في قيادة الجبهة القومية في عدن ليتحول هذا الخلاف إلى صراع مسلح ومواجهة عسكرية أدت إلى تصفية الرئيس سالم ربيع مع زميليه علي سالم الأعور، وجاعم صالح مع طرد أتباعة من كافة الأطر القيادية للجبهة.


في حين يرى البعض أن الأسباب الحقيقية لهذه المواجهة تعود في الأساس إلى الخلاف في التوجهات الأيدلوجية بين نمطين يساريين، أحدهما بقيادة سالم ربيع الذي كان يميل إلى آلية سلطة الدولة كمرتكز للحكم أكثر من ميوله إلى آلية الحزب، إضافةً إلى تحفظه عن بناء علاقة استراتيجية مع الاتحاد السوفيتي، وإصراره على قيام علاقة متوازنة مع الصين التي وجد فيها مصدر إلهامه الأيدلوجي، والثاني بقيادة عبدالفتاح إسماعيل الذي كان يتهم سالم ربيع بالفوضوية والانتهازية اليسارية، وموقفه المتذبذب والطفولي من مسألة تحويل تنظيم الجبهة القومية إلى تنظيم طليعي متقدم.

 

فتاح رئيساً والتنظيم الطليعي قيد التشكل
عقب مقتل الرئيس سالم ربيع تولى عبدالفتاح اسماعيل الذي كان أميناً عاماً للجبهة القومية في حينها رئاسة مجلس الرئاسة في الجنوب خلفاً للرئيس ربيع، وذلك في 26يونيو 1978م، أي بعد يومين فقط من مقتل الرئيس الغشمي في شمال الوطن (حيث واصل جهوده الهادفة إلى توحيد جميع فصائل اليسار وصولاً إلى الإعلان عن الحزب الطليعي الجديد، أي أن عملية الإعلان عن تأسيس حزب طليعي لم تقتصر على الجنوب فقط، وإنما شملت أشكال اليسار في الشمال التي توافدت إلى عدن لتعقد مؤتمرها التوحيدي في 5 مارس 1978م ، حيث تم الإعلان عن اندماج كل من الحزب الديمقراطي، وحزب الاتحاد الشعبي، وحزب الطليعة، وحزب العمل والمقاومين الثوريين، في إطار حزب جديد سمي حزب الوحدة الشعبية).


وفي المؤتمر التوحيدي العام المنعقد في 15أكتوبر 1978م أعلن عن اندماج شامل بين التنظيم السياسي الموحد (الجبهة القومية) بتنظيماته الثلاثة ، وبين حزب الوحدة الشعبية بفصائله الخمس في إطار الحزب الاشتراكي اليمني (حيث عقد هذا المؤتمر أعماله على شقين الأول معلن بمندوبيه وتقريره السياسي وهذا الشق يخص الجنوب، والشق الثاني سري الذي يمنع عدم ظهور مندوبيه يخص الشمال وتم الاتفاق بان يكون البرنامج المعلن هو برنامج الحزب الاشتراكي اليمني للسلطة في جنوب اليمن كما تم الاتفاق على قوام أعضاء اللجنة المركزية وفق النسب لكل فصيل من الفصائل الثمان على أن يتم الإعلان عن الشق الخاص بالجنوب، ويظل الشق الذي يخص شمال الوطن غير معلن وتحت مسمى حزب الوحدة الشعبية في الجمهورية العربية اليمنية).


بعد سنتين من انعقاد المؤتمر التوحيدي وقيام الحزب الاشتراكي اليمني تم إبعاد عبد الفتاح إلى الاتحاد السوفياتي بعد عملية مواجهة سلمية وكان السبب غير المعلن لابعاده هو الحيلولة دون وقوع المزيد من الخلافات داخل صفوف الحزب.


أما في شمال الوطن فعلى الرغم من أن السلطة كانت قد تمكّنت في مطلع السبعينات من حسم قضية الشرعية الدستورية باعتبارها المنجز الوحيد للسلطة الحاكمة في تلك المرحلة.. إلا أن الاختلالات الواضحة في هيكل النظام الوطني نتيجة لحدة المواجهات الدائرة بين سلطة الشمال وأشكال اليسار، كامتداد طبيعي للمواجهة العسكرية التي حدثت بين الشطرين في عام 1972م قد أوصلت الشرعية الدستورية إلى طريق مسدود؛ لينقتل الوضع برمته إلى المؤسسة العسكرية ليتسلم السلطة الرئيس إبراهيم الحمدي في 13 يونيو 1974م بعد تعليق الدستور، وتجميد مجلس الشورى، وإعلان حالة الطوارئ؛ لتدخل البلاد في شرعية الظروف الاستثنائية والمرحلة الانتقالية.. ورغم حسن العلاقة التي بدت واضحة بين رموز الشرعية العسكرية الجديدة الممثلة بمجلس القيادة وبين رموز الشرعية الدستورية المختفية إلى الحد الذي كان يعتقد فيه بأن الشرعية العسكرية الجديدة قد جاءت بإيعاز من رموز الشرعية المختفية الذي أطاح بها الإنقلاب، وما عمّق هذا الاعتقاد هو حسن العلاقة بين الرئيس الحمدي والشيخ الأحمر على إثر العهود التي قطعها الحمدي على نفسه بإعادة الحياة الدستورية إلى وضعها في أقرب وقت إضافة إلى صدور قرار مجلس القيادة بإنشاء مكتب التوجيه والإرشاد وتعيين عبدالمجيد الزنداني على قمته وربطه إدارياً بمجلس القيادة مباشرة، لكنه ورغم ذلك فإن العلاقة بدأت بالتدهور لتشهد الخارطة السياسة تعديلات واضحة أهمها اختفاء الشرعية الدستورية كأهم منجز للثورة في الشمال مع انحسار نسبي لنشاط رموز الاتجاه الإسلامي، والاتجاه التقليدي، ومن أبرز مظاهر ذلك بقاء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في منطقة حاشد، فضلاً عن حادثة اغتيال القاضي عبدالله الحجري في لندن باعتباره من أبرز الرموز الوطنية لهذين الاتجاهين، إضافة إلى انحسار ملحوظ لنشاط الاتجاه القومي في شكل حزب البعث، ورحيل مجمل قياداته، وفي المقابل من تلك الاختلالات والإنحسارات فقد حدث تفوق واضح للاتجاه القومي بشكله الناصري الذي كان قد غادر الساحة بمغادرة مجلس قيادة الثورة إلا أنه عاد بفضل حركة يونيو حيث انتقل من شرعيته التنظيمية إلى شرعيته السياسية وأصبح يمارس الحكم في نطاق شرعية الفترة الانتقالية ودعم مجلس القيادة، وظل هذا الوضع في حالة تفوق مستمر إلى لحظة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي حينها أُصيب الاتجاه الناصري بصدمة بالغة لفقده فرصته الوحيدة للاحتفاظ بالحكم في ظل سلطة الرئيس إبراهيم الحمدي، تلك الصدمة التي دفعت الرائد عبدالله عبدالعالم، قائد قوات المظلات إلى مغادرة صنعاء والذهاب إلى مسقط رأسه في الحجرية لواء تعز مصحوباً بأعداد كبيرة من الجنود والعتاد.

 

ضحايا الحجرية
يبدو أن الرائد عبدالله عبدالعالم، عندما قرر الخروج من صنعاء والذهاب إلى الحجرية بجنده وعتاده، قد استند في تصرفه ذاك إلى وعود من السلطة في الجنوب بدعمه عسكرياً وسياسياً، لكن السلطة في صنعاء كما يبدو كانت أسرع من هذه الوعود حيث سارعت بتحريك حملة عسكرية بقيادة علي عبدالله صالح قائد لواء تعز؛ أسفرت عن هروب عبد الله عبد العالم إلى عدن، وعودة علي عبدالله صالح إلى تعز منتصراً فيما ظلت جثث فريق الوساطة من مشائخ تعز مرمية على الأرض في أماكن متفرقة دارت فيها المواجهات.


وفي الوقت الذي أستقر فيه الرائد عبدالله عبدالعالم في عدن، فإن الرائد علي عبدالله صالح لم يدم في تعز سوى بضعة أشهر حيث انتقل إلى منصبه الجديد كنائب للقائد العام للقوات المسلحة ورئيساً لهيئة الأركان العامة، عقب اغتيال الرئيس الغشمي ومن ثم انتخب رئيساً للجمهورية في 17-7-1978م خلفاً للرئيس أحمد حسين الغشمي.

شهداء الناصريين
بعد شهرين ونصف تقريباً من تولي صالح من رئاسة الجمهورية، أقدم الناصريون في شهر أكتوبر على محاولة انقلابية دلت في حينها على مدى ثقة الناصريين بأنفسهم، وقدرتهم على إنجاح الانقلاب والانفراد بالسلطة، ولكن الحركة الانقلابية أجهضت في ساعاتها الأولى، وكانت النتيجة اعتقال قادة الانقلاب وإعدام بعضهم بعد شهرين من الاعتقال، وهي المدة التي قضوها في المحاكمات.


وبعد شهرين ونصف تقريباً من إعدام القادة الناصريين اندلعت حرب ثانية بين شطري الوطن تمكن فيها القوات الجنوبية من السيطرة على محافظة البيضاء الشمالية ، وهو ما أدى إلى تدخل الجامعة العربية ومن ثم إيقاف الحرب بين الشطرين بموجب اتفاق وقعه الرئيسان علي عبدالله صالح وعبدالفتاح إسماعيل في شهر مارس 1979م برعاية الكويت.

 

ضحايا المناطق الوسطى
يأتي هذا في الوقت الذي كانت فيه الجبهة الوطنية تتوسع في المناطق الوسطى وتخوض حرب واسعة النطاق مع الألوية العسكرية لجيش الشمال الذي كان في وضع لا يسمح له في كسر شوكة الجبهة الوطنية التي شهدت بعد تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني تطورا كبيراٍ باعتبارها الواجهة العالمية لواجهة الحزب في شمال الوطن (حزب الوحدة الشعبية) ، وبالتالي حظيت باهتمام متزايد من قبل سلطة الجنوب التي أغدقت عليها بالأسلحة والإمكانيات كما أدى العداء السياسي الذي نشب بين السلطة في الشمال والتنظيم الناصري الوحدوي على إثر محاولة الناصريين الانقلابية إلى رفد الجبهة لقوى جديدة، فضلاً عن تحسن علاقتها بسوريا التي استقر فيها عبدالله عبدالعالم وكذا ليبيا، وهو ما جعل الجبهة الوطنية في وضع مثالي متفوق يصعب على الجيش في الشمال مواجهته؛ الأمر الذي أدى إلى قيام تحالف بين الحركة الإسلامية والسلطة في صنعاء لمواجهة هذا الوضع المتفوق للجبهة الوطنية.