الأربعاء 15-05-2024 00:13:12 ص : 7 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

إصلاح الخطاب الإسلامي.. منطلقاته، أولوياته (4-5)

الخميس 19 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي

 

في الحلقات الثلاث السابقة قمنا بتحديد أزمة العقل المسلم، وتم تشخيص الأزمة في مفهومين خطيرين هما الجمود والتقليد.

الجمود والتقليد نتج عنهما كارثة فكرية وسلوكية خطيرة تمثلت في:
- تدمير الإنسان واستلاب كرامته.
- غياب ثقافة التعاطي مع سنن الله في الكون والنفس والاجتماع.

وانطلاقا من المفهوم الثقافي القائل: لكل زمن همومه وتطلعاته، إذن لنا أن نتساءل:
- ما هي أولويات همومنا؟
- من أين ننطلق في إصلاح الخطاب الإسلامي؟
- ما هي المدخلات الفكرية لإصلاح الخطاب الإسلامي؟
- ما هو المستند الشرعي لإصلاح الخطاب؟
بصيغة موجزة: من أين نبدأ؟

والجواب: أولا، مقاصد القرآن: عندما نقول مقاصد القرآن فإننا نقصد "إرادة الله التشريعية".

ثانيا: تتمثل إردة الله التشريعية في المحاور المركزية التالية:
1- مركزية عقيدة التوحيد.. "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".
2- استخلاف الإنسان وعمارة الأرض..
"أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها".
3- إرادة الله التعليمية..
"هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة".

هذا النص قد حدد وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تكرر في القرآن خمس مرات.. سنفصل أهمية هذا المقصد التشريعي لاحقا.

4- إرادة الله الكونية..
يعني التعاطي مع السنن التي سخرها الله للإنسان في الكون والاجتماع..
"وسخر لكم ما في السمٰوات وما في الأرض جميعا منه".

5- إرادة الله التكريمية للإنسان..
"ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".

6- إنزال تشريع مقدس قرر كرامة الإنسان -دينا، ونفسا، وعقلا، وعرضا، ومالا، وحرية، وإرادة، وفوق ذلك هو تشريع يرشد الإنسان كيف يعبد الله روحيا.. وسلوكيا.. واجتماعيا..
وحضاريا- عمارة الأرض.

ثالثا: الإنسان محور إرادة الله التشريعية..
إذا تأملنا مقاصد القرآن التشريعية سنجد أن الإنسان هو محور التشريع المقدس.. فهو المخاطب بالتكاليف الشرعية، وهو المستخلف في عمارة الأرض، وهو الذي سيتعاطى مع السنن الكونية، وهو الذي جاء التشريع المقدس لحماية كرامته وحريته، وحقوقه، وحماية مصالحه دنيا وأخرى.

رابعا: الإنسان مكرم:
ما سبق حول إرادة الله التشريعية يعطينا قرارا حاسما:
1-الإنسان مكرم.
2- أن كرامة الإنسان ولوازمها هي الكلية المركزية، الناظمة للمنهج التشريعي المقدس، أي أن المنهج التشريعي ينطلق من الكرامة الإنسانية وإليها يعود.

وعليه نقرر: إننا إذا أردنا إصلاح الخطاب الإسلامي إصلاحا متينا يجب أن ننطلق من "إرادة الله التشريعية"
المتمثلة في مقاصد القرآن المركزية التي قررت قدسية كرامة الإنسان وحماية حريته وإرادته، واختياره وكافة حقوقه ومصالحه دنيا وأخرى.

خامسا: أولويات الخطاب:
إذا تقررت كرامة الإنسان ولوازمها كما سبق.. وعرفنا أن التخلف الضارب في ثقافتنا وأزمة العقل المسلم وصلت إلى كرامة الإنسان وحقوقه، فإننا نقرر أن كرامة الإنسان الشاملة يجب أن تكون في صدارة أولويات إصلاح الخطاب الإسلامي.

سادسا: مدخلات إصلاح الخطاب هي القيم:
القرآن العظيم زاخر بالقيم.. وهذه القيم صادرة عن العليم الخبير الحكيم.. إنها وحي مقدس أولا..
وهي معتقد ديني ثانيا.. وهي منهج يحدد بوصلة الأدلة الجزئية مقصدا وتنزيلا- زمانا ومكانا ثالثا.. وهي سنن حاكمة للاجتماع رابعا.. وهي معيار مصالح الإنسان دنيا وأخرى خامسا.

تنقسم القيم القادمة من الوحي المقدس إلى قسمين:
القسم الأول: القيم الكونية:
والمقصود بالكونية أنها فطرية.. أي أنها محل اتفاق بين البشر بمختلف أجناسهم وأديانهم، ولا خلاف حول فطريتها- مركوزة في وجدان الإنسان خلق معها.. "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم".

نعم الاختلاف يأتي من المرجعية.. فالمسلمون مرجعهم الوحي وغيرهم مرجعهم الفكر الوضعي.. وهنا تأتي
نسبية النظر والتعاطي.

القيم الكونية هي:
1- كرامة الإنسان.
2- الحرية - الإرادة والاختيار.
3- المساواة.
4- العدل.
5- الإحسان.
6- الرحمة.
7- الوسطية والتوازن.

هذا العدد ورد ضمن مقاصد القرآن المركزية.. قد يخالفنا البعض زيادة أو نقصان.. فنقول لا ضير.. ولكن نحن انطلقنا من خلال عملية مسح لنظام آي القرآن العظيم فوجدنا على سبيل المثال:
- الرحمة وردت 222 مرة.. ولا مجال هنا للتفصيل.. وإنما نقرر أن هذا العدد المهول يمكننا أن نجعله هدفا من أهداف الرسالة المحمدية.. "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".

- الإحسان ورد في القرآن 165 مرة، ووردت تصريفاته في 30 صيغة مما يعني أنه مقصد قرآني مركزي يتضمن معنى الجودة والإتقان والنظام والجمال والكمال.

القسم الثاني: القيم الخلقية:
بلغ عدد القيم الخلقية 20 قيمة.. علما بأنه ينضوي تحت كل واحدة عدد من القيم.. أما أدلة القرآن حول القيم الخلقية فقد بلغت 1504 آيات.. جمعها الفقيه أبو حامد الغزالي رحمه الله وسماها جواهر القرآن.

التقوى هي الناظم للقيم الخلقية:
نماذج للقيم الخلقية:
العلم والمعرفة، الاستقامة، القيام بالقسط، التراحم، التعاون، الإنفاق، الصبر، الحلم، الصفح، الكرم، العزة، التواضع، الإحسان للوالدين وللقريب، والزوجة، والجار والصاحب في العمل والصاحب في السفر، وابن السبيل، والمملوك، وما كان تحت رعاية الإنسان، الأخوة، التكافل، قول الحق، رفض الإمعة.
أكتفي بهذا القدر..

ربط القيم الخلقية بالعقيدة:
إصلاح الخطاب يستدعي تجذير هذه القيم كلها بالعقيدة بالتقوى بالإيمان لأنها من العوامل المرسخة للإيمان.. وهي دليل سلامة الإيمان.. المؤمن من أمنه الناس... إلخ.

ربط القيم بمصالحها:
قلنا أعلاه إن إرادة الله التعليمية هي وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم.. "ويعلمهم الكتاب والحكمة".. وإذا أردنا إصلاح الخطاب وتجديده يجب علينا الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم بتعليم الناس حكمة النص، حكمة القيمة الكونية وحكمة القيمة الخُلُقية، نعلمهم مصلحة النص الدينية والدنيوية، نعلمهم دور السنن الحاكمة للاجتماع وأنها قضاء الله وشرعه ودينه.

بكلمة موجزة، نعلمهم أن كل الأحكام هي مصالح الأنام، نرسخ هذه التعاليم حتى تصبح ثقافة عامة.

نلتقي مع الحلقة الخامسة "إرادة الله التشريعية في سنن العمران".

كلمات دالّة

#اليمن