الخميس 16-05-2024 17:56:59 م : 8 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

ملفات مفتوحة.. لماذا تسعى إيران لإجراء مصالحات هشة في أزماتها مع المشرق العربي؟

الأحد 27 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 08 مساءً / الاصلاح نت - خاص / عبدالسلام الغضباني

 

بدأت إيران في الآونة الأخيرة العمل على إجراء مصالحات في مختلف أزمات منطقة المشرق العربي، سواء التي تمثل هي طرفا رئيسيا فيها أو التي يمثل وكلاؤها (جماعات طائفية إرهابية) الأطراف الرئيسية فيها، وتزامُن محاولات إجراء هذه المصالحات يثير الريبة والشكوك حول الهدف الآني منها وحول السيناريو القادم الذي ترسمه إيران وحلفاؤها بخصوص مستقبل مختلف ملفات الصراع في المنطقة. فقد طغت في الآونة الأخيرة أخبار التهدئة بين السعودية وإيران، خلال الجولة الأخيرة لرئيس وزراء باكستان عمران خان التي شملت طهران والرياض، بهدف نزع فتيل التوتر بين البلدين، خاصة بعد هجوم أرامكو، وتخلل الجولة تصريحات إيجابية من الجانب الإيراني بشأن الحوار وحسم الخلاف مع السعودية، وتزامن ذلك مع إعلان الحوثيين وقف إطلاق النار من جانب واحد على الأراضي السعودية، وطلبهم من السعودية رد فعل مماثل، وهو الإعلان الذي تعاملت معه السعودية بحذر، رغم إبدائها رد فعل إيجابي إزاءه.

 

تحركات متسارعة

بدت التحركات نحو نزع فتيل التوتر متسارعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، خاصة بعد تداعيات وردود الأفعال الإقليمية والدولية على الهجمات التي طالت منشأة أرامكو النفطية السعودية في 14 سبتمبر الماضي، وهي الهجمات التي تبناها الحوثيون، في حين أن أصابع الاتهام كانت وما زالت توجه لإيران. وجاءت الهجمات على أرامكو بعد أن اشتدت الأزمة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بعد انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي مع إيران، والتلويح بفرض الحصار عليها، فردت إيران بتصعيد مماثل يستهدف المصالح الأمريكية في المنطقة ومصالح حلفائها، خاصة إمدادات الطاقة، فبدأت بمهاجمة بعض ناقلات النفط في مياه الخليج العربي، ثم هاجمت منشأة أرامكو السعودية، ونفي مسؤوليتها عن الهجمات في كلتا الحالتين، والهدف خلط الأوراق والتلويح بالورقة الطائفية والمليشيات التابعة لها، لكي تتخفف عليها الضغوط الأمريكية بشأن برنامجها النووي واحتمالات الحصار على صادراتها النفطية وغيرها.

ولأن تداعيات الهجوم على أرامكو ونتائجه بدت أنها ليست في صالح إيران، فعادت إيران إلى سياستها التقليدية مجددا، والمتمثلة في "خطوتين إلى الأمام تعقبهما خطوة إلى الخلف"، حيث أوعزت للحوثيين الإعلان عن وقف هجماتهم على الأراضي والمنشآت السعودية من طرف واحد بغرض التهدئة، كون مثل هذا الإعلان سيعطي الحوثيين نوعا من المصداقية بخصوص تبنيهم هجوم أرامكو، في حال توقفت الهجمات على المنشآت السعودية، والهدف الحقيقي هو تخفيف الضغوط على إيران. وقد شكل إعلان الحوثيين، في 20 سبتمبر الماضي، وقف استهداف الأراضي والمنشآت السعودية، تطورا لافتا في مسار الحرب في اليمن.

وجاء الإعلان على لسان مهدي المشاط، رئيس ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" للحوثيين، وشمل "وقف استهداف الأراضي السعودية بالطيران المُسير والصواريخ الباليستية والمُجنحة وكافة أشكال الاستهداف"، واستدرك ذلك باحتفاظ جماعته بـ"حق الرد".

وأرجع القيادي الحوثي هذه الخطوة إلى إطلاق مبادرة سلام هدفها إتمام مصالحة وطنية شاملة، حسب زعمه. لكن السعودية لم تصدر ردا رسميا على مبادرة الحوثيين، إلا أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خرج عقبها في أول تعليق رسمي، نهاية سبتمبر الماضي، في حديث عبر قناة "سي بي إس" الأمريكية، مشترطا وقف إيران دعمها لجماعة الحوثيين لكي يصبح الحل أسهل.

وفي حين اعتبر ابن سلمان مبادرة الحوثيين "خطوة إيجابية" للدفع باتجاه حوار سياسي أكثر جدية، فإنه أكد أن بلاده تفتح جميع المبادرات للحل السياسي في اليمن، وتأمل أن يحدث ذلك "اليوم قبل الغد". من جانبهم، لم يتأخر الحوثيون في الرد، فبعد يوم واحد فقط رحب عضو المجلس السياسي للحوثيين، محمد علي الحوثي، بتفاؤل بن سلمان لوقف الحرب في اليمن واعتبره "إيجابيا"، وأشار إلى أن تحويل المناقشة إلى تفاوض يحتاج جدية من السعودية وواقعية بعيدا عن الإملاءات.

بعد ذلك، بدأ وزير الخارجية الباكستاني عمران خان جولة شملت إيران والسعودية لنزع فتيل التوتر بين البلدين. وبعد مكوثه لأيام في طهران، وصل عمران خان الرياض منتصف أكتوبر الجاري، لنقل وجهة نظر المسؤولين الإيرانيين إلى المسؤولين السعوديين، بحسب تصريح للرئيس الإيراني حسن روحاني. ورغم التوقعات بإمكانية نجاح وزير الخارجية الباكستاني عمران خان بنزع فتيل التوتر بين السعودية وإيران، وبالتالي البدء في إجراء تسويات لبقية أزمات المنطقة، بما فيها الأزمة اليمنية، والرهان على علاقة خان الجيدة بمسؤولي البلدين، الأمر الذي قد يمكنه من تحريك المياه الراكدة بخصوص العلاقة المتوترة بينهما، لكن يتضح من خلال تصريحات مسؤولين سعوديين عدم التعويل كثيرا على مساعي إيران ومساعي حلفائها الحوثيين للتهدئة.

وكان آخر هذه التصريحات، ما قاله وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير -في مقابلة مع صحيفة ليبراسيون الفرنسية- عندما شكك بعدم جدوى التهدئة التي تسعى لها إيران، حيث قال: "نحن نعتقد أن التهدئة لن تجدي، الأفعال لا الأقوال هي ما يعوّل عليه. أفراد الحكومة الإيرانية يتحدثون لكن ليست لديهم سلطة، وأصحاب السلطة -مثل الحرس الثوري- لا يريدون التفاوض".

 

مصالحات هشة وأزمات مفتوحة

في الحقيقة، لا يبدو أن إيران أو أحد حلفائها على استعداد لإنهاء أي أزمة من الأزمات القائمة في المنطقة، من العراق إلى لبنان ومن اليمن إلى سوريا، فضلا عن تهديدها المباشر للسعودية، وهذا الأمر تؤكده المعطيات على الواقع، خاصة أن حالة الغليان في المنطقة لم تتوقف منذ أن بدأت إيران تحقق مكاسب سياسية وعسكرية على الأرض بعد الغزو الأمريكي لكلٍّ من أفغانستان والعراق، والقضاء على أبرز نظامين كانا يهددان إيران ويطوقناها من حدودها الشرقية والغربية. لقد عُرفت إيران بمراوغاتها مع مختلف الأطراف المتنازعة معها، سواء فيما يتعلق بملفها النووي وأزمتها مع الدول الغربية بسببه، أو ما يتعلق بأزماتها مع بعض دول المنطقة، وتوظيفها للورقة الطائفية وتشكيل الجماعات الطائفية الإرهابية لنخر بعض دول المنطقة من الداخل.

بينما عُرف الحوثيون بنقضهم لمختلف العهود والمواثيق التي وقعوها مع مختلف الأطراف خلال السنوات الماضية، وعرقلتهم المستمرة للمساعي الأممية لحل الأزمة اليمنية سلميا، وهذا نفس المسلك الذي تسلكه المليشيات الطائفية الموالية لإيران في العراق وسوريا ولبنان.

وبما أن إيران باتت تعاني خلال المدة الأخيرة من زيادة الضغوط الأمريكية والدولية عليها، جراء تصعيدها الأخير في المنطقة، واحتمال عودة مفاوضاتها مع الدول الغربية حول برنامجها النووي إلى نقطة الصفر، فضلا عن المخاوف من تعرض منشآتها النووية لهجمات مدمرة، كل ذلك أجبرها على التظاهر بالرغبة في نزع فتيل التوتر في المنطقة، وإجراء مصالحات هشة، وإبقاء مختلف الملفات مفتوحة دون حسم نهائي لوقت الحاجة. وتهدف طهران من ذلك للتفرغ لتسوية أزمتها مع المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي، وتخفيف الضغوط العسكرية عليها وعلى حلفائها، والحفاظ على المكاسب التي تحققت منذ سنوات وحتى الآن، وحتى لا يؤثر صخب الأحداث على تداعيات أزمتها مع المجتمع الدولي.

وبعد أن تصل إلى تسوية شاملة لأزمة برنامجها النووي، فإنها ستعود لسياستها العدوانية ضد دول الإقليم، وستحرك مليشياتها مجددا لنشر الفوضى والتخريب، وانتهاج سياسة "النفس الطويل" أملا في تحقيق طموحاتها الإمبراطورية، فهل سيعي العرب ذلك ويقطعون دابر الفتنة قبل أن تستفحل ويزداد خطرها؟!