الجمعة 17-05-2024 13:19:55 م : 9 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

تصعيد الحوثيين ضد السعودية.. انتحار على أعتاب المصالح الإيرانية..!

الأربعاء 26 يونيو-حزيران 2019 الساعة 07 مساءً / الاصلاح نت - خاص - عبد السلام قائد

 

 

بالتزامن مع التصعيد الأمريكي-الإيراني في منطقة الخليج، صعدت جماعة الحوثيين من عملياتها العسكرية ضد السعودية، من خلال قصف أهداف مدنية بواسطة صواريخ وطائرات مسيرة إيرانية الصنع، وتهدد بمفاجآت عسكرية جديدة، مؤكدة بأن هجماتها القادمة ستطال العديد من الأهداف داخل الأراضي السعودية. ورغم محدودية التأثير العسكري الذي تتسبب به تلك الهجمات، إلا أن طبيعة التصعيد وتوقيته يكشفان العديد من الدلالات التي توضح مدى تشابك ملفات الصراع الساخنة في المنطقة وأبعادها، وتوضح أيضا كيف تدير إيران حروبها بالوكالة ومدى إخلاص المليشيات الطائفية الموالية لها.

وأبرز ما يكشفه تصعيد الحوثيين الأخير ضد السعودية، أنهم يعملون من أجل خدمة إيران أكثر من عملهم من أجل مشروعهم الخاص داخل البلاد، وأنهم مخلصون لإيران وأهدافها الخاصة بها أكثر من إخلاصهم لأنفسهم وللأهداف الخاصة بهم، ذلك لأنه لم يسبق لهم أن صعدوا من عملياتهم العسكرية ضد السعودية منذ بداية الانقلاب وعملية "عاصفة الحزم" كتصعيدهم الأخير ضدها، حتى أثناء اشتداد المعارك في بعض جبهات الداخل، لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، وهذه الظاهرة (ظاهرة الإخلاص للحليف أكثر من الإخلاص للنفس) تعد من أغرب الظواهر السياسية عبر التاريخ.

 

- انتحار سياسي وعسكري

يمكن وصف تصعيد الحوثيين العسكري ضد السعودية بأنه انتحار سياسي وعسكري وأخلاقي تقدمه المليشيات الحوثية كقربان لإثبات مدى ولائها لإيران، ذلك أن هذه المليشيات تدرك بأن تصعيدها مغامرة غير محمودة العواقب بتجاهلها لردة الفعل السعودية والتي -في حال تمت- لن تقوى المليشيات على تحملها، نظرا للتفوق العسكري للسعودية، وامتلاكها ترسانة كبيرة من الأسلحة الحديثة، وقدرتها على إنشاء تحالفات عسكرية طارئة متى ما أرادت، وبالتالي قدرتها على سحق المليشيات الحوثية خلال مدة زمنية قصيرة في حال أرادت ذلك.

لكن الحوثيين يبدو أنهم غير مبالين بمثل هكذا عواقب، في حال وردت لهم التعليمات من طهران بأن يصعدوا ضد السعودية عسكريا، خاصة أن هذا التصعيد سيكون لصالح إيران، التي تسعى للتخفيف من الضغوط الأمريكية عليها بتلويحها بالورقة الطائفية وإشهارها في وجه خصومها من خلال تصعيد المليشيات الطائفية الموالية لها، والمتواجدة في أكثر من بلد عربي، وتوجيه رسائل سياسية وعسكرية مفادها بأنه في حال شنت أمريكا حربا عليها، فإن المليشيات الطائفية في المنطقة لن تقف مكتوفة الأيدي، وأنها ستتحرك من مختلف المحاور، وستغلق المضايق البحرية، وستهاجم ناقلات النفط، وستربك الاقتصاد العالمي من خلال قطع طرق التجارة والتأثير على تجارة النفط.

والمثير للجدل هو أن ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" بدأ يصعد سياسيا وعسكريا ضد السلطة اليمنية الشرعية في بعض المحافظات المحررة، بالتزامن مع التصعيد الأمريكي-الإيراني في منطقة الخليج، وهو التصعيد الذي تزامن معه تصعيد مختلف حلفاء إيران في المنطقة ضد السعودية إعلاميا، إضافة إلى تصعيد الحوثيين ضدها عسكريا. فما علاقة تصعيد "الانتقالي الجنوبي" ضد السلطة اليمنية الشرعية التي تدعمها السعودية وتساندها في الحرب على الانقلاب، فهل يعني ذلك أن بعض قيادات وأعضاء "الانتقالي" أحيوا تحالفهم القديم مع إيران عملا بسياسة "تنوع الحلفاء" بعد أن بدا لهم أن السعودية لم تساعدهم من أجل تحقيق الانفصال؟

إن تشابك مختلف أزمات المنطقة وتقاطع المصالح الذي يفرضه تعدد أطراف الصراع يجعل كل الاحتمالات واردة، ساعد على ذلك ضبابية الموقف الأمريكي من أزمة العرب مع إيران، وانحصاره حول برنامجها النووي فقط وضمان أمن إسرائيل. يضاف إلى ذلك تخاذل العرب وتمزقهم، وعدم قدرتهم على اتخاذ موقف موحد وقوي رادع لإيران يضع حدا لمشروعها التخريبي في المنطقة. كما أن تخاذل العرب إزاء مشروع إيران التخريبي، شجع المليشيات الطائفية في المنطقة على تعزيز تحالفها مع إيران وإخلاصها في ذلك، حتى وإن كانت نتيجة ذلك دمار الأوطان وهلاك الحرث والنسل.

 

- مغامرات غير محسوبة

إن ما تقوم به إيران والمليشيات الطائفية الموالية لها في أكثر من بلد عربي، يعد مغامرات غير محسوبة، وتجر المنطقة بشكل عام إلى سيناريوهات قاتمة، خاصة أن ذلك يتم في وقت تجاوز فيه العالم موروثات سنوات الصراع على النفوذ والثروات، وساد فيه مفهوم سيادة الدول وتجريم وإدانة أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية كيفما كان، وفي وقت علا فيه مفهوم الدولة الوطنية وتجريم ظهور مليشيات أو جماعات داخلها تعمل على تخريبها من الداخل خدمة لمصالح دول أجنبية.

والظاهرة المحيرة هنا هي كيف أن مليشيات الحوثيين ظهرت من بين ركام التاريخ وغبار الجغرافيا لتكون أبرز حليف لإيران في المنطقة، وتقدم خدماتها لها بأكثر مما هو مطلوب منها، وتنتحر سياسيا وعسكريا وأخلاقيا على أعتاب مصالح إيران بشكل لم تفعله المليشيات الطائفية الأخرى في المنطقة، رغم أنها الأقرب إلى إيران عقائديا وتاريخيا وجغرافيا وثقافيا، وفي المقابل تعد المليشيات الحوثية هي الأقل حصولا على الفتات الذي تقدمه إيران لمليشياتها في المنطقة.

والخلاصة، يمكننا القول بأن إيران لا يمكن أن تتوقف عن تدخلها في شؤون الدول العربية إلا في حال تم القضاء على المليشيات الطائفية الموالية لها والتي تنتشر في أكثر من بلد عربي، فهي الآن تقاتل العرب بمواطنين عرب، مستغلة الانقسام الطائفي الذي زرعته هي وروجت له طوال السنوات الماضية، وفي حال تم القضاء على تلك المليشيات، فإن إيران لا يمكن أن تجرؤ على عمل أي شيء خارج حدودها.