الجمعة 26-04-2024 14:59:53 م : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مشكلة تعز.. صراع بلا بوصلة(1) (دفاعًا عن جيش الشعب وليس عن الإصلاح)

الثلاثاء 09 إبريل-نيسان 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - محمد المياحي - خاص

 

تكاد تكون تعز المحافظة اليمنية الأولى التي تتخذ فيها المشكلات منحى تصاعدياً لافتا للنظر، في كل مرة نكون فيها أمام قضية ما أو صراع من أي طابع كان، حيث سرعان ما تتضخم القضية وتنزلق نحو مدارات بعيدة ويتم توظيفها سياسيًا، للنيل من الخصوم، وبشكل متعمد وبما يجعلنا أمام صراع متشابك بلا أي سقف تأطيري أو كوابح وطنية من أي مستوى، الأمر الذي يكشف حالة تيه تأريخي وشتات في الخطاب وضياع للوجهة والهدف لدى أطراف يفترض أن بينها مشتركات نضالية جامعة وتشتغل لهدف واحد يتمثل في إسقاط الانقلاب واسترداد الدولة، إلا أن الواقع يقول بأنها تسدد في اتجاهات خاطئة وتعمل على تفتيت عضدها بنفسها وخوض معركة ضد أطراف في صفها، في مشهد يعمق حجم المأساة ويطيل عمر الشتات كثيرًا.

في هذه الوقفة سنتناول مشكلة تعز وصراع نخبتها الفاقد لأي بوصلة، متخذين من قضية الجيش كما أثارتها الأحداث الأخيرة أنموذجًا لشرح المشكلة وتبيان جذور الخلل وجوهره، وطابع الخطاب المغرض والمنفلت الذي حاول البعض ترويجه ضد مؤسسة الجيش، وخطره على مستقبل البلاد ككل.

* الأهداف المشبوهة.. وشماعة الإصلاح

(عبث المتصارعين بالثوابت)

المتتبع لمشكلة تعز في الفترة الأخيرة، والمتعلقة بإشكاليات الوضع الأمني والعسكري المعقد في المدينة، يدرك بوضوح أن هناك أطرافا تتعمد سحب الصراع نحو مربعات مشبوهة ولأغراض سياسية معروفة، وأعني هنا حملة التشويش التي أدارها البعض تجاه صراع السلطات المحلية في المدينة لبسط سيطرة الدولة.

حيث لاحظنا محاولات حثيثة لتمييع أصل المشكلة الحاصلة ومنحها طابع مغاير لحقيقتها الجوهرية، وتجلت أمامنا نغمة متعمدة ومكررة، يرددها البعض؛ بهدف حرف القضية عن مسارها، تلك النغمة تتعلق بحشر حزب سياسي في معركة لا علاقة للحزب بها، وأعني هنا حزب الإصلاح، وهو حزب لا يكف عن التأكيد في كل بياناته أنه يشتغل بأدوات سياسية، وملتزم بالنهج المدني في كل سلوكياته ويرفض بشكل مستمر إقحامه في أي صراع ذي طابع مليشاوي مفارق لحقيقته السلمية ونزوعه المدني الكامل، إلا أنهم -وكما كل مرة- يصرون على استخدام لافتة الحزب كشماعة جاهزة لتمرير أهداف خاصة حتى لو تعلق الأمر بالعبث بإحدى ثوابت الدولة المؤسسية تلك المتمثلة بمؤسسة الجيش باعتباره ركيزة وطنية، المساس بصورتها ينسف أرضية الدولة من جذورها.

هذا النوع من العمل الإعلامي ليس بريئا، وبقدر ما هو مغرّض هو أيضًا يكشف أننا أمام أطراف تخوض صراعًا بلا بوصلة وتفتقد لأدنى المحددات الوطنية في خصومتها، لدرجة أنها مستعدة للعبث بثوابت، المساس بها يعد مساسًا بالمكتسبات الوطنية، وتحويل الصراع لحالة مفتوحة بلا أفق ولا أرضية ثابتة تساعدنا على الخلاص.

* ملكية الجيوش وخطر تصنيفها

الجيوش مملوكة للشعوب، وسواء كانت من اليمين أو اليسار أو خليط من هذا وذاك، فهي قوة يتوجب عزلها عن التصنيفات الانتمائية باستثناء انتماءها الجمعي للشعب، وتذويبها داخل هوية جديدة، والاشتغال على تعزيز هذه الهوية وفصلها عن سياقات التكون الأولى.

الجيش ليس مملوكًا للإصلاح ومن غير المقبول أن يكون كذلك، بل ومن العبث أن نردد هذه النغمة التي تعمم صورة ذهنية كارثية عن الجيش وتُسهم في تنميطه بشكل يُسقط عنه هويته الوطنية العامة وعقيدته العسكرية المحايدة، أو هذا ما يفترض أن يكون عليه.

هذا النوع من المواقف التي تتخذ اليوم ضد الجيش في تعز، من هذه الجهة أو تلك، يمكننا القول عنها إنها سلوك مراهق وعبثي ونوع من حركة التدمير الذاتي تطال أحد أهم المؤسسات الوطنية المحايدة والتي يفترض أن تُنتزع من أي تأطيرات وتُحرس صورتها شعبيًا وتسند كمؤسسة جامعة ولاؤها للشعب وليست حفيدة لهذا الحزب أو ذاك.

جذور المشكلة

إذا ما حاولنا البحث عن جذور التوترات التي تحدث في تعز باستمرار بين قيادة السلطة المحلية وقيادة المحور العسكري والأجهزة الأمنية من جهة وبين كتائب أبو العباس من جهة أخرى، سيتضح لنا أنها ليست مجرد صدامات عابرة ناتجة عن سوء تفاهمات إدارية بين الهرم وإحدى قواعده العسكرية، بل المشكلة تعود لخلل بنيوي يتمثل في وجود فصيل مسلح مفارق لتراتبية الجيش ويموضع نفسه على الضدّ من السلطات الرسمية ويعمل باستمرار على انتهاج سلوك صدامي تجاه الجميع.

هذا السلوك يؤكد غياب حالة التجانس بين هذا المكون وبين مؤسسة الجيش والأمن وبسبب تعنته الواضح منذ البداية؛ تغيب أي إمكانية لتحقيق اندماج حقيقي له تحت رؤية الجيش الموحدة والضابطة لتحركاته العسكرية وخططه الأمنية. إلى جانب هذا من الواضح أن لدى هذا الفصيل رغبات مشبوهة متجاوزة للجيش، يحاول البحث عن أي لافتة لتمريرها ومن ضمن هذه اللافتات ترديد تلك التهمة المتعلقة بتغليف الجيش بشعارات حزبية كي يسهل شرعنة التمرد عليه، بينما الحقيقة أن تمرد هذا الفصيل هو ما يولد باستمرار حالة تصادم دائمة كتلك التي تعيشها مؤسسة الجيش بين الفينة والأخرى معه.

ما هو مهم هنا، أن هذا الخلل الجذري سيظل منبع شقاقات مستمرة، ستؤثر بشكل أساسي على هيبة الجيش وتصوره كمجموعة قطاعات متكتلة حول نفسها وجزر معزولة عن بعضها البعض، بل ومتضاربة في توجهاتها في أحايين كثيرة، وهو بالطبع أمر له تداعيات كارثية، على الصعيد الشعبي، حيث سيفقد الجيش ثقة الناس به كأهم مؤسسة يعولون عليها حراسة مشروع الدولة والاتكاء عليها كلبنة أولى في طريق البناء، الأمر الذي يجعلنا أمام حاجة ملحة لحسم هذه المعضلة، والكرة في ملعب السلطة المحلية والقيادة العسكرية والأمنية بالمحافظة فهي وحدها المخولة بوضع حل جذري للمشكلة كي تتمكن من بسط سيطرة الدولة وتعزيز حضورها كميزان وطني ضابط ومحايد تجاه الجميع.

محاولة نزع الغطاء الوطني عن الجيش

صحيح أن المؤسسة العسكرية في تعز ما زالت في حالة من السيولة النسبية وهناك خطوط هوياتية متمايزة داخل الجيش، لكنها بالطبع جميعـا تتجه نحو التلاحم الهوياتي الوطني الجامع، وهذا طبيعي بالنظر لظروف نشأتها، ويبدو مفهومًا كون الجيش ما يزال في مراحل تشكله الأولى، لكن ما ليس مفهومًا هو إصرار البعض على ترسيخ صورة حزبية مغلوطة عن الجيش وتنميطه فيها بهدف تثبيت صورة ذهنية مشوشة عنه، وبما يؤدي لنزع الغطاء الوطني عن الجيش بشكل كامل وهنا تكون المأساة الوطنية قد اكتملت على الجميع ونعود لنقطة الصفر من البداية.

والسبب الذي قد يجعلنا نصل لهذه الكارثة هو عدم تورع بعض الأطراف عن توظيف المؤسسة العسكرية في مماحكات سياسية رخيصة، في مشهد يعكس غياب أي حس مسؤولية إزاء المستقبل وفقدان الحساسية الوطنية التي تدفعهم لضرورة الحفاظ على صورة الجيش وتجنيبها أي صراع تفتيتي من هذا النوع سوف يترك أثره على مصير البلاد ككل.

خطورة الاستقطاب على مستقبل المؤسسة العسكرية

من المعروف أن أي مؤسسة عسكرية تستمد قوتها من صرامة بنيتها التنظيمة، وأي اهتزاز في خطوط العلاقة التنظيمية لقوات الجيش يترك أثره على قوة المؤسسة ويضعف من فاعليتها في تحقيق مهمتها الجوهرية، تلك المهمة التي تتعلق بتكوين سياج صلب لحماية الدولة وحراسة إرادة الشعب وحدود البلاد.

وفي حالة بلادنا وكونها تمر بظرف يلعب فيه الجيش الدور الأبرز في استعادة الدولة، فإن خطورة الشقاقات التنظيمية تكون أكثر فداحة كونها تعرقل حركة التحرير الوطني وتطيل عمر الانقلاب. وحينما يحاول البعض تلبيس الجيش قسريًا صورة حزبية، فهو بهذا لا يضر هذا الحزب أو ذاك بقدر ما يدمر الصورة الكلية لأهم مؤسسة في البلد، وبما يعيق أي عملية تحول مستقبلية يكون فيها الجيش مؤسسة ناجزة ومفصولة عن أي إمكانية لتوظيف سياسي من هذه الجهة أو تلك.

إلى جانب أن هذه الشقاقات ستكبر داخل المؤسسة وستستمر إلى ما بعد التحرير، بما يجعل كل المكتسبات الوطنية قيد التهديد، وبما يضع علامات استفهام كبيرة حول نوعية المؤسسة الوليدة ومدى تلبيتها لطموحات الشعب في ميلاد مؤسسة أكثر تماسكًا وصلابة ترتكز على أسس وطنية راسخة.

يتبع...

كلمات دالّة

#تعز