الجمعة 26-04-2024 03:31:17 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

11 فبراير.. جماليات الثورة والسقوط السياسي.. عصابة الحكم وإرهاصات الثورة

الإثنين 11 فبراير-شباط 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت- خاص / أ. عبد العزيز العسالي
 

 

(الحلقة الثانية)

رأى الثورات غلطة كل شعبٍ
فنصّب كل قتّالٍ يصحح
يصوغ المسرحية كل يومٍ
ويبدو شاهدا وهو المسرِّح
حماقة ذي القوى أقوى عليه
واقتل للتبجُّح والمبـجِّــح
تُرى مافي بلادي في سواها
أنرضَى الجُرْحَ إن عظُم المجرِّح؟
أيُجدي الشعب أن له شبيها
وأن هناك مثل نقيل يسلِح؟

البردوني رحمه الله، من قصيدة "توابيت الهزيع الثالث".

لعل القارئ سيدرك عنوان هذه الحلقة ومضمونها من خلال أبيات البردوني الآنفة، ذلك أن استعلاء زعيم العصابة وتبجحه دفع به إلى سد منافذ اللقاء التي يمكن من خلالها أن تصل هموم الشعب إلى أذن المفسد، بل وضع في كل منفذ جندلاً، كتلة خرسانيةً، وموانع وحواجز، لينعم هو وعصابة الفساد بعيدا عن أي إزعاج.

لنعد إلى مطلع أبيات البردوني: رأى الثورات غلطة كل شعبٍ
فنصّب كل قتَّال يصحح

ثورات الشعوب طيلة القرن العشرين كلها غلط في نظر زعيم الإفساد. إذن، لا بد من تصحيح الغلط الذي وقع فيه الشعب اليمني.

  

الإرهاصات

زعيم الفساد يسوق الشعب نحو المزيد من التأزم.

أولا، خلق جوا خانقا لا يساعد الشعب على التقاط الأنفاس، ورفع شعار "يا شعب قل ماشئت، وسأفعل ما أشاء".

ليس هذا نسج خيال، وإنما تصريح بلسان زعيم الفساد قائلا: صعب أن نجمع للشعب فقرا وقيودا على الكلام.

البعض اعتبر هذا التصريح ديمقراطية، والمشكلة هي أنه صدَّق نفسه أن كلامه هذا هو الديمقراطية، وأنه سيفرغ الاحتقان والحمى المتزايدة شعبيا.

ثانيا، ثقافة التناحر التي يحملها رأس الفساد أنتجت بطبيعة الحال وليدا تناحريا تمثل في اختراق مسلح داخل الحراك السلمي في الجنوب والذي رفع شعار الانفصال، والهدف واضح هو تعليق وسام الإرهاب والتمرد والانفصال، بهدف إسكات المطالب الحقوقية لأبناء المناطق الجنوبية، والنتيجة ارتفاع سقف المطالب من حقوقية إلى سياسية وتقرير المصير.

باحثون وسياسيون بارزون ومهتمون ذوو صلة بالحراك السلمي قالوا إن صوت الانفصال لا يتعدى 5%،
لكن لماذا صوته قوي؟ سؤال جوهري يستدعي إعمال العقل، لكن هيهات.

ثالثا، تصفية رجال الثورة، وهنا الباب مفتوحا بدءًا من الهيلوكس، أو موتورات، أو سقوط طائرة، حوادث مرور، العبوات، فالملصقات، بل والقتل المباشر، جار الله عمر رحمه الله نموذجا، ناهيك عن الموت في أقبية المعتقلات، كما وصفها البردوني:
أأشهد كل أمسية طريحا
بلا روح ولا أضعُ المطرّح

رابعا، إشعال حروب قبلية

مركز الدراسات والبحوث اليمني قام بتوثيق للحروب القبلية، حيث تتبَّع الباحثون الأسباب والعوامل التي أشعلت الحروب، فكانت النتيجة:

أ- 483 حربا قبلية وسياسية خلال فترة حكم المفسد علي صالح.

ب- أثبت الباحثون بالأدلة أن السبب الأبرز زعيم الفساد، كونه المموّل لفريقي الاحتراب.

ج- نموذج حرب قريتي المرزوح وقُراضة صبر الموادم، ظاهرها حرب قبيلة أي نزاع حول الماء، علما أن الماء موزع بين القريتين منذ ثمانية عقود تقريبا والأمور تمضي بشكل طبيعي، وفجأة اشتعلت الحرب وكان قائد أحد الألوية العسكرية بتعز يمول فريقا، وقائد لواء آخر يمول فريقا آخر. هكذا هو دور حماية الجيش والأمن للمجتمع.

وجاءت الانتخابات البلدية 2001، ووصل الزعيم مدينة تعز، وظل في القصر ينصب الفخاخ لحصد أكبر عدد من الأصوات، وسمع بكاء المحافظ واللجنة الأمنية العالمين بخفايا الكواليس، والذين قالوا: كيف ستكون انتخابات والطلقات تتساقط على سطوح بيوتنا؟ فتمعّر وجه الزعيم وقطّب، ثم عبس وبسر، ثم هدد القاضي الذي لم يحل المشكلة وأحاله إلى التحقيق، وأوقفه عن العمل، ثم كلف ذات القاضي مع رئيس المحكمة، وكلف قيادة اللجنة الأمنية بالمحافظة، كلفهم بالذهاب إلى مكان الماء المتنازع عليه، كي يرفعوا تقريرا ومقترحا للحل، وعاد الجميع بعد صلاة مغرب نفس اليوم وقد كتبوا حكما من واقع الحكم الصادر من ثمانية عقود.

هنا قام الزعيم بالتوقيع وختم، وقال: حلينا مشكلة صبر. وأضاف مخاطبا الجميع: قد اعتمدت الكلاب بدرجة مشايخ، وأريد فوزا ساحقا، واسمعوا مني تعميما غير مكتوب، إن فاز حزب الحاكم فإن إيرادات المكاتب الصغيرة في المحافظة ستبقى في خزينة المحافظة، وما لم نكتسح فأنا طالع الآن صنعاء إلى وزارة المالية لتشيكل لجنة تتابع فوز المؤتمر، فإذا لم نحصل على أغلبية كاسحة فإن أي مكتب بتعز تبلغ إيراداته خلال العام 20 مليون ريال سيتم رفعها إلى صنعاء.

ولأن المؤتمر لم يحصد الرقم الكاسح، فقد تم شفط موارد المحافظة إلى صنعاء، والكارثة هي أنه لم يمر على الانتخابات سوى أيام قلائل وإذا بالحرب تنفجر في صبر الموادم ولم تتوقف إلا بعد 11 فبراير.

  

لا تقرأ هذا الخبر

رئيس الغرفة التجارية بعدن قال: لم لا يتم تسليم جمرك البضاعة في كل محافظة باسم وزارة المالية مركزيا؟ متسائلا وبحرقة: أليس من العيب الإداري في القرن الـ21 إلزام التاجر بإيصال الشاحنات إلى صنعاء لتكون الجمارك في صنعاء؟ علما بأن الشاحنة تبقى هناك أسبوعين فأكثر، ثم العودة إلى حضرموت أو الحديدة أو المهرة.

ولما سأله الصحفي: هل هذا معقول؟ وإذا صح فما هو الحل بنظرك؟ أجاب: صعود البضاعة إلى العاصمة يعلمه الجميع، أما الحل في نظري فهو أن يجمع صالح بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء.

الصحفي مستغربا: ما دخل هذا بالحل؟ أجاب التاجر مراوغا: إن الفساد سيقل وسينكمش.

مهتمون استنتجوا أن الدوائر والحواجز التي سنذكرها لاحقا تستحوذ على نسبة 35% من الجمارك، و65% لرأس الفساد، وأن تصريح التاجر هنا يعني أنه مستعد أن يضحي بـ65% حفاظا على35%، مؤكدين أنه لا معنى لكلام التاجر غير هذا.

خامسا: حروب شرعب

إشتعال 7 حروب في شرعب السلام، وكان طرفا الحرب يتفاخران كلٌّ يقول إن الزعيم معه.

سادسا: لعنة انتخابات2001

اللعنة التي رافقت انتخابات 2001 هي التعديلات الدستورية، نقول تعديلات مجاراة للشائع والحقيقة هي ساطور نزع الجلد وفرى اللحم وحطم العظام، فقد صنعت صنما مقدسا داخل بيت بوس يمتلك 32 صلاحية، ليصبح لا راد لقضائه.

تم قصقصة الدستور وتفصيل القانون وفقا لمشيئة الحاكم بأمره علي صالح. وفي عام 1996 كان صدور قانون اتهام ومحاكمات كبار مسؤولي الدولة، وقد حفل هذ القانون بفضائع أقلها أنه وضع رأس الفساد والبرلمان والحكومة ووكلاء الوزارات والوكلاء المساعدين في أمن تام من أي محاكمات.

غير أن القانون لم يجد له مستندا دستوريا، وهذه اللعنة المستندية جاءت بها تعديلات 2001. وأسوأ مما سبق هو الصمت المطبق من قبل الجميع: الأحزاب والمثقفين بل ودكاترة الجامعات ورجال القانون الدستوري والقضاء.

أول الكأس، بيضة دستورية قانونية جمعت منصبي رئاسة المحكمة العليا ومجلس القضاء الأعلى في منصب رئيس المحكمة العليا ويكون المنصبان تحت إشراف رأس الفساد، كان هذا بعد معركة هزلية في البرلمان الكسيح.

  

حواجز بشرية

زعيم الفساد وضع حواجز بشرية أشبه بدوائر كل واحدة تحمي الدائرة الأعلى منها.
- دائرة الصبية العائلية.
- دائرة الوزراء واللصوص تتموضع خارج دائرة الصبية.
- دائرة المحافظين ومدراء العموم، وهي خارج الدائرة الثانية.
- دائرة مدراء المديريات وموظفي المديريات.
- يشرف على الجميع قادة فروع حزب الحاكم وفوقهم عضو البرلمان، وهيهات لصوت المواطن اجتياز الموانع الآنفة الذكر.

كانت هذه هي منظومة الصد والحماية والعزلة كهدف مرسوم من منتصف التسعينيات، أي إقصاء ورفض الشراكة، ومهما شكا المواطن عبر صحيفة فهي مكايدات حزبية لا غير.

سابعا: انتخابات 2006

عبده الجندي أعلن النتيجة قبل ساعات من إغلاق الصناديق، لم يحترم هو وسيده أبسط الشكليات، أعني إغلاق الصناديق.

إعلان الجندي وعبثيته هي عين الصواب 1000%. ازداد رأس الفساد تيها وعلوا معلنا: أنا منتخب من الشعب.

بعد إعلان نتيجة 2006 بثمان ساعات، حصل عكس المتوقّع من مواعيد زعيم اليمن الجديد، فقد ارتفعت أسعار مواد القمح والدقيق والسكر والأرز بصورة مذهلة، فالقمح من 2200 إلى 5000 ريال، والدقيق بين 6 و7 آلاف ريال، والسكر تجاوز الـ7 آلاف ريال، والأرز العادي قريبا من الدقيق.

التجار يومها نطقوا قائلين بالفم المليان: سنعوِّض ما ابتزه رجالات الحزب الحاكم باسم الانتخابات.

صرخ الشعب، بكى، تألّم، كتب، تحدث، ويأتي الرد المتعالي: إنه الحسد لفارس العرب.

بعد مرور شهرين تقريبا كان التُّجار قد أكلوا لحم المواطن خلال شهري رمضان وشوال، وامتصوا دمه، فهبطت الأسعار تدريجيا بقناعة ذاتية من التجار.

ثامنا: سياسة الجرعات

عصر باجمال الأطهر من الطهارة، عصر نزوات الزعيم بشهادة بعض أعضاء الحزب، مبررين أن دور باجمال يأخذ حقه، مرددين مقولة باجمال: "من لم يغتن في عهد علي صالح فمتى سيغتني؟".

صرح باجمال أن قاروة شملان يومها بـ50 ريالا فلم النفط يظل رخيصا، وارتفع سعر النفط 100% والديزل مثله ثم تراجع الديزل بوساطة شخصية من المشايخ إلى 50%، فلا دستور ولا قانون ولا خجل.

تاسعا: الحراك الجنوبي السلمي

الظلم الفاحش بل الإجرام طال موظفي الجنوب، جهاز الجيش والأمن والجهاز المدني، وحرموا من حقوقهم وسط جحيم الأسعار.

الإقصاء والطرد والاستعلاء، توزيع للأرض البيضاء التي هي أملاك وبعضها صودرت، والأرض التي لم يطلها التوزيع فقد طالتها يد السطو. خرج شعب الجنوب سلميا، وأعلن ما عُرِف حتى اللحظة بالحراك الجنوبي.

عاشرا: إرهاصات التوريث

خطوات التوريث بدأت مبكرا منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث تمثلت خطوات التوريث في:

1- تدمير طائرة مروحية في منطقة العبر راح ضحيتها شخصيات من العيار الثقيل وضباط آخرين، وعلى رأس الضحايا أحمد فرج ومحمد إسماعيل، وكان هولاء بمثابة صخور تعيق التوريث في نظر رأس الفساد.

2- حادث مروري أودى بحياة الشيخ مجاهد أبو شوارب.

3- حادث مروري غريب أودى بحياة يحيى المتوكل (كاريزما السياسة الهاشمية المخضرم).

4- حادث مروري للشيخ عبد الله الأحمر في السنغال، وحسب الشيخ عبد الله الذي أزجى شكره وثناءه للزعيم الذي اتصل به فور الحادث.

5- محاولة اغتيال علي محسن الأحمر بطريقة إعطاء إحداثية خطأ وهي حادثة مشهورة.

6- إعطاء الصلاحيات المطلقة للوريث "أحمد" لتكون الجمهورية اليمنية "الجمهولكية اليمنية"، وهنا استكمل الوريث ما تبقى من صلاحيات هامشية في حكومة باجمال والمحافظين.

7- إعطاء الصلاحيات المطلقة للولد "أحمد" وبقية أولاد الأخ طارق وعمار وتوفيق ويحيى وعصام دويد... إلخ، وأي واحد من هؤلاء وبكلمة واحدة دون استثناء يمنع الحكومة والمحافظين من القيام بمهامهم.

  

سنحان ضد سنحان

بدأت الصراعات على النفوذ داخل الأسرة الحاكمة، غير أن الخزينة العامة رممت الصدوع نسبيا داخل العائلة.

استمرار الحرب التدريبية في صعدة كانت تسير في خدمة التوريث، ذلك أن رأس الإفساد يخطط لليوم الذي ستأتي فيه السلالية تقول: "حق البطنين"، وهنا سيظهر المفسد متباكيا على النظام الجمهوري، وأن الحل هو التوريث، توريث شخصية عسكرية شابة، وبالتالي البرلمان الكسيح سيقول "يعتمد"، ولم يقل البرلمان "نعم لتصفير العداد". ألم يصرح رئيس الكتلة الكسيحة بخلع العداد؟

باختصار، علي صالح بتصرفاته المستعلية بجهلها وتخلفها المتكئة على قوة السلطة والمال والإعلام، كانت تسوق الشعب صوب الثورة.

كانت حمى الشعب تتصاعد، وكانت القرءات تتوقع سقوطا لعصابة الحكم من داخل موسسات العسكر، الحرس العائلي أو من الأمن المركزي، ومعها بقية مؤسسات الدولة.

تزايد الخوف في الأوساط الثقافية وتزايد معه الاحتقان الشعبي والجماهيري، حتى خيم الخوف على المثقفين والأحزاب والتجار من سقوط لعصابة الفساد سقوطا متشظيا، الأمر الذي ستنعكس خطورته على الشعب المطحون.

 

ردود الفعل الشعبي

1- اللقاء المشترك وحوار الطُّرشان: لا شك أن الكثيرين لا زالوا يتذكرون اللجان المكوَّنة من 200 شخص، ثم 40، ثم 16، ثم 4، ثم شخصين (هادي والإرياني)، كون زعيم العصابة غير مستعد لمقابلة أحد.

والذي سيقول شيئا فرئيس الكتلة الكسيحة جاهز للرد عليه بأقذع ما في اللغة من ألفاظ نشأ عليها في مزرعته، مضافا إليها أنه أصبح ضبعا من ضباع العصابة.

 

الهبَّة الشعبية

تزايدت حدة الفساد والجرع والنهب وأزمات النفط والغاز والكهرباء والمياه وفوضى التعليم وهلم جرا، فكانت ردة الفعل الشعبي متمثلة في الهبّة الشعبية، والتي كانت اعتصامات سلمية عكست وعيا شعبيا حضاريا مطالبة بأبجديات الخدمات (خبز، كهرباء، ماء، تعليم، أمن)، مؤكدة أن السلطة تقع على عاتقها مسؤولية أخلاقية، الأمر الذي يحتم على السلطة تلافي الموقف والقيام بإصلاحات وتوفير أبسط الخدمات.

غطت الهبة الشعبية عواصم المحافظات أسبوعيا كل أربعاء وخميس من كل أسبوع، وامتدت الحمى الشعبية إلى مراكز بعض المديريات.

كان الخروج شعبيا مكثفا، وكان للقاء المشترك الدور الريادي المسؤول في توجيه خطاب وشعارات المعتصمين سلميا.

استمرت الهبة الشعبية خلال أواخر عام 2009 وعام 2010، ولجان الحوار تلاقي عبثا وعنتا وصلفا من قبل زعيم العصابة وغلمانه وجوقته الكسيحة دون أي اعتبار للشعب.

ليس أخيرا، التفاوض والمحاذير الثقافية، هذا الموضوع وغيره سيكون مضمون الحلقة الثالثة بعونه سبحانه.