الجمعة 26-04-2024 15:18:10 م : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

نهب الحوثيين للمساعدات.. ثراء على حساب أنين الجوعى

الإثنين 14 يناير-كانون الثاني 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت -خاص

 

وجه برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة اتهاما رسميا للحوثيين بسرقة المساعدات الإنسانية التي يقدمها لليمنيين، الذين يعيشون في ظل الحرب ظروفا مأساوية منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وهدد برنامج الغذاء العالمي بإيقاف المساعدات إلى اليمن والتي تصل إلى قرابة 3 ملايين يمني، في حال استمرار المليشيات بممارساتها تلك، وكذلك التوقف عن التعاون معها، بعد أن ثبت تورط الحوثيين بسرقة المواد الإغاثية المختلفة، متهما بعض الشركاء المحليين بـ"الاحتيال".

كان غريبا الرد الحوثي الذي ورد على لسان رئيس ما يسمى بـ"اللجنة الثورية العليا" محمد الحوثي، الذي هدد بمقاضاة برنامج الغذاء العالمي في محاكم الحوثيين، بحجة عدم تقديم أدلة على اتهامهم لهم بسرقة المساعدات والتلاعب بها، والأدهى من ذلك مطالبة الجماعة باستبدال المساعدات بالسيولة النقدية "الكاش".

الخارجية اليمنية طالبت المجتمع الدولي بإدانة نهب الحوثيين للمساعدات الإنسانية، منددة بتجاهل وصمت بعض المنظمات العاملة في المجال الإغاثي في اليمن عن ممارسات الحوثيين المتمثلة في نهب المساعدات، واعتقال وتهديد العاملين في المجال الإنساني، واستخدام شركاء محليين يعملون لصالحها، وتسخير المعونات لدعم مقاتليها في الجبهات، واعتبرت ذلك يخل بمصداقية العمل الإنساني ويعقد الوضع ويطيل أمد الحرب في اليمن.

ومنذ بداية الحرب، أثار نهب الحوثيين للمساعدات الإنسانية غضب اليمنيين، الذين كانوا يستغربون من صمت المجتمع الدولي إزاء تلك الجريمة التي تفاقم معاناتهم ورفعت معدل الفقر في البلاد.

  

تواطؤ

برغم التصريحات الأخيرة التي أثيرت مؤخرا ضد جماعة الحوثي، إلا أن كثيرا من الناشطين وجهوا أصابع الاتهام لبعض موظفي الأمم المتحدة بوصفهم متواطئون مع تلك المليشيات في سرقة المساعدات الإنسانية.

واستدلوا بذلك على تسيير المنظمات التابعة للأمم المتحدة للمواد الإغاثية بتعز عبر طرق يسيطر عليها الحوثيون، برغم وجود أماكن أخرى يمكن السير عبرها وإيصال الإغاثة إلى المواطنين، وبالطبع كان يتم مصادرة المساعدات من قِبل الانقلابيين واستمر هذا المسلسل حتى اليوم.

السفير السعودي إلى اليمن محمد آل جابر قال إن الأمم المتحدة غير قادرة على إيصال المساعدات في مناطق سيطرة الحوثيين، مؤكدا أنها لم تنفق سوى 50% من إجمالي مليار و250 مليون دولار سلمتها السعودية والإمارات والكويت ضمن خطة الاستجابة الإنسانية التي أطلقتها الأمم المتحدة.

كذلك أدى اختفاء 600 ألف سلة غذائية بتعز، إلى وضع علامات استفهام كثيرة حول ما يجري، وتم توجيه اتهامات مباشرة من قِبل ناشطين للجنة العليا للإغاثة المشرفة على توزيع الإعانات.

جاء الرد حينها من اللجنة العليا للإغاثة التي قالت إنها لا تستلم إغاثة عينية وليس لديها مخازن، وسمّت عدة جهات تعمل في الجانب الإنساني، باعتبارها هي التي تسلمت إغاثة تعز منذ بداية الحرب. لكن ظلت تهم الفساد تلاحق تلك اللجنة حتى اليوم خاصة مع استمرار ارتفاع أعداد المحتاجين.

  

المجاعة العنوان الأبرز

كما هو معروف فقد زعم الحوثيون قبيل انقلابهم أن ما يقومون به يهدف إلى تخفيف معاناة المواطنين آنذاك، وكشفت ممارساتهم عقب ذلك زيف شعاراتهم ولجوئهم إلى سياسية التجويع التي وظفوها بأمور كثيرة بينها التجنيد، ومحاولة الاستفادة من ذلك الملف في محادثات السلام للخروج بمكاسب.

فبرغم الظروف الإنسانية الصعبة التي تمر بها اليمن، لم يتوانَ الحوثيون عن محاربة اليمنيين بلقمة العيش التي تبقيهم أحياء، واستحدثوا لأجل ذلك العديد من المنظمات التابعة لهم.

وتشير الإحصائيات إلى تخطي نسبة الفقر 83% في اليمن، كما تذكر إحصائيات حديثة أن اليمن تعيش أكبر أزمة إنسانية في العالم، فمع بداية عام 2018 وصل عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية إلى قرابة 22.2 مليون شخص، بزيادة 3.4 ملايين عن عام 2017. كما يوجد أكثر من 12.9 مليون شخص يعيشون الآن دون الحصول على ما يكفي من المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك ستة ملايين يعانون من خطر المجاعة.

  

اتهامات سابقة

يوم السبت الخامس من يناير الجاري، اتهم وزير الإدارة الملحية رئيس اللجنة العليا للإغاثة عبد الرقيب فتح جماعة الحوثي باحتجاز 72 شاحنة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، كانت في طريقها إلى محافظة إب، محملا المليشيات المسؤولية الكاملة عن النقص الغذائي أو الكارثة الغذائية الإنسانية التي قد تحدث للمواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والمسؤولية المباشرة عن أي تلف للمواد الإغاثية المحتجزة.

فيما جددت الحكومة اليمنية اتهامها للحوثيين الثلاثاء (1 يناير)، باحتجاز 88 سفينة إغاثية وتجارية ونفطية في مينائي الحديدة والصليف بمحافظة الحديدة، خلال الفترة من مايو 2015 وحتى ديسمبر 2018، موضحة أن من بين تلك السفن 34 سفينة احتجزتها الجماعة لأكثر من 6 أشهر حتى تلفت معظم شحنتها.

وقالت اللجنة العليا للإغاثة التابعة للحكومة إن الحوثيين نهبوا واحتجزوا 697 شاحن إغاثية في الطرق الرابطة بين محافظات الحديدة وصنعاء وإب وتعز وحجة وذمار، ومداخل المحافظات الخاضعة لسيطرتهم، آخرها احتجاز شاحنة تزن ٣٢ طنًا في ميناء الحديدة كانت متجهة إلى محافظة صنعاء يوم 29 ديسمبر المنصرم، مبينةً أن "بعض تلك الشاحنات المنهوبة كانت تحمل أدوية خاصة بوباء الكوليرا ولقاحات الأطفال".

وأوضحت اللجنة أن الحوثيين قاموا خلال أكتوبر الماضي باحتجاز 51 ألف طن من القمح المقدم عن طريق برنامج الأغذية العالمي والذي يكفي لأكثر من 3 ملايين و700 ألف شخص، لمدة تزيد عن 4 أشهر، وقاموا بقصف وتفجير 4 شاحنات إغاثية في مأرب مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية كانت في طريقها للمستحقين في محافظة البيضاء، فضلاً عن إحراق مخازن برنامج الأغذية العالمي وإتلاف أكثر من أربعة آلاف طن من القمح من محتويات المخزن في مدينة الحديدة غربي اليمن.

وتعدى الأمر إلى خطف العاملين بمجال الإغاثة واقتحام المستودعات التابعة لتلك المنظمات كما حدث في يونيو 2018، وسبقه استهداف 7 سفن إغاثية وتجارية في البحر الأحمر، واحتجاز أكثر من 85 سفينة إغاثية وتجارية ونفطية، ونهب ومصادرة 700 قافلة إغاثية في المناطق المسيطرة عليها، وتحويلها للمجهود الحربي.

وتتهم اللجنة العليا للإغاثة التابعة للحكومة الحوثيين باحتجاز 88 سفينة إغاثية وتجارية ونهب 697 شاحنة إغاثية، فضلا عن مصادرتهم مساعدات إنسانية كثيرة للمحافظات الخاضعة لسيطرتهم، وهو ما جعل هيئة علماء اليمن تدين تلك الممارسات، خاصة أنها وصلت حد نهب الأدوية أيضا.

في تعز التي كثيرا ما نهب الحوثيون المساعدات الإنسانية فيها، تم إتلاف في الرابع من الشهر الجاري 16 "دينة" من دقيق الإغاثات بعد أن انتهت صلاحيته في مخازن تجار الإغاثات بتعز.

وتتعرض الكثير من الشاحنات المليئة بالإغاثة للاحتجاز والمصادرة، ولا تحصل آلاف العائلات في هذه المدينة على المعونات اللازمة.

وقد أدى عثور الجيش اليمني على مخازن تحتوي كميات كبيرة من المساعدات الإغاثية بالحديدة، إلى مطالبة الحكومة والتحالف الأمم المتحدة بإيقاف إشراف الحوثيين على الميناء. وتشير تقديرات نشطاء إلى أن معونات برنامج الغذاء العالمي في مناطق سيطرة الحوثيين يذهب 60% منها للسوق السوداء، و20% لجبهات القتال، و15% لأسر المقاتلين في صفوف الجماعة، و5% تصل إلى بعض العاملين والفقراء.

وبشكل عام تشير التقديرات الأولية إلى استفادة الحوثيين ما نسبته 59% من الإغاثة، و25% لصالح منظمات وهيئات عاملة باليمن، و1.5% منظمات تتبع الحوثيين، و12.5% شرعية، و2% فقط تذهب للمستحقين.

ووفقًا لإحصائيات اللجنة العليا للإغاثة في اليمن، فإن ميليشيا الحوثي احتجزت 65 سفينة محملة بالمساعدات الإنسانية، خلال الفترة من عام 2015 وحتى 2018، كما استولت على 615 شاحنة إغاثية، وسرقت ونهبت 13 ألفًا و815 سلة غذائية، وتاجرت بها في السوق السوداء.

   

إتجار وثراء

كان نهب المساعدات الإنسانية بالنسبة للحوثيين وسيلة للإثراء، فهم يبيعون تلك المواد الإغاثية بالسوق السوداء المفتوحة وبأسعار باهظة، ويُلاحظ انتشارها بكثرة، ويستفيدون منها كذلك في تمويل حربهم.

ولا يقتصر الأمر على الإثراء فقط، فهم يقومون بإعاقة وصول المساعدات إلى مستحقيها، ومنع وصولها إلى المدنيين حتى تتعرض للتلف، أو يقومون بتوزيعها على قياداتهم وأتباعهم واستثناء باقي المواطنين.

وبرغم نفي الحوثيين قيامهم بتلك الممارسات، إلا أن تحقيقا استقصائيا أجرته وكالة "أسوشيتد برس" أثبت تورط تلك المليشيات في سرقة شحنات المساعدات الإغاثية من أفواه الجائعين في اليمن، والإتجار بها في السوق السوداء المفتوحة في مناطق سيطرتها ومنها صنعاء، فضلا عن توزيعها حوالى نصف المساعدات الغذائية التي تقدّمها الأمم المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بينما يتم توزيع النصف الآخر على مسلحيها أو تبيعها في السوق السوداء.

ويظهر بذلك أن الحوثيين هم المسؤولون بدرجة رئيسية عن سرقة المساعدات الإنسانية، وهو ما خلص إليه التحقيق الاستقصائي الذي قال إن الانقلابيين يسيطرون على تدفق المساعدات في مناطقهم، مما يشكل ضغوطاً على عمال الإغاثة، وبالتالي دفع الرشى مقابل السماح بمرور المساعدات.

وهناك سوق سوداء للمساعدات الطبية التي يتم نهبها ثم بيعها بأسعار خيالية، كما يتم توزيع المساعدات الإنسانية على مقاتلي الجماعة، والاستفادة من الأموال التي يتم الاحتيال للحصول عليها كتسجيل أسماء وهمية.

في أكتوبر 2018، اتهم عضو اللجنة الاقتصادية اليمنية والمتحدث باسمها فارس الجعدبي -في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط- مليشيات الحوثي باستحداث سوق سوداء تدير اقتصاد المناطق الخاضعة لسيطرتها، بينما ذكرت منظمة سياج لحماية الطفولة أن نهب المساعدات يتم من خلال تبييض أموالها من قِبل شبكة منظمات محلية ودولية وبمساعدة وتواطؤ مسؤولين حكوميين وسلطات محلية.

   

شفافية

ومن أجل وقف عمليات نهب المساعدات الإنسانية، طالب فتح برنامج الأغذية العالمي بتطبيق نظام البصمة الإلكترونية في مناطق سيطرة الحوثيين، لضمان التوزيع المنضبط للمواد الإغاثية ولتفادي قيام المليشيات المسلحة الحوثية بنهبها وعرقلتها.

من جهتها طالبت منظمة سياج لحماية الطفولة بضرورة إعادة النظر في السياسات التي يتم بموجبها إنفاق أموال المساعدات الإنسانية، بعد أن أثبتت السياسات الحالية عدم نجاعتها برغم الإمكانات المهولة المعلن عنها، خاصة أن متوسط من يحصلون على مساعدات إنسانية حقيقية لا يتعدى 10%.

وترى المنظمة أن ذلك سياسية ممنهجة قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، داعية إلى السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع مستحقيها وعدم فرض أي أجندة في توزيع المساعدات المنقذة للحياة أو فرض معايير غير مهنية أو تصنيف العاملين عليها وفق مبدأ التبعية من قبل أطراف الصراع الرئيسية.

كما دعت إلى محاسبة الأطراف والجهات التي تقوم بسرقتها، واستخدامها لخدمة أغراض عسكرية وللإثراء السهل على حساب ملايين الجائعين والمشردين وغالبيتهم من الأطفال والنساء.

في عام 2018 أنفقت عدة دول أكثر من 4 مليار دولار كمساعدات في اليمن، لكنها لم تصل إلى الفقراء والمحتاجين بسبب عمليات النهب التي تحدث.

ومن المتوقع أن تعقد الأمم المتحدة العام الجاري مؤتمرا للمانحين لجمع قرابة 4 مليار دولار لتخفيف الأزمة التي تمر بها البلاد، بينما يتحدث مركز الملك سلمان عن تقديم 17.6 مليار دولار كمساعدات للشعب اليمني خلال 3 سنوات.