الجمعة 26-04-2024 08:04:50 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تسييس الطائفية.. هل يجدي الحل السياسي مع جماعة الحوثيين؟

الإثنين 27 أغسطس-آب 2018 الساعة 01 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام قائد

 

منذ انقلاب مليشيات جماعة الحوثيين -بالتحالف مع الرئيس الراحل علي عبد الله صالح- ضد السلطة اليمنية الشرعية، تتواصل الجهود الأممية ودعوات أخرى متفرقة لحل الأزمة اليمنية سلميا من خلال الحوار السياسي. ويبرر البعض ضرورة الحل السياسي كونه الحل الوحيد بسبب تعثر الحسم العسكري وطول أمد الحرب، وتأثير ذلك على الوضع الإنساني للمواطنين جراء تدهور الاقتصاد الوطني وانهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.

ورغم تعثر جهود الحل السياسي، بدءا من مفاوضات "جنيف 1" و"جنيف 2" ثم مشاورات الكويت، بسبب تعنت مليشيات الحوثيين ووضعها لشروط تعجيزية أعاقت تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف، إلا أن البعض ما زالوا على قناعتهم بأن الأزمة اليمنية لا يمكن حلها إلا سلميا عبر الحوار السياسي. فهل فعلا الحل السياسي السلمي هو الأنسب للأزمة اليمنية؟ وهل هذا الحل يجدي مع مليشيات الحوثيين؟ وأيهما الأنسب للأزمة اليمنية: الحل السياسي السلمي أم الحسم العسكري؟ وبالأصح: هل الأنسب تسييس الطائفية أم بناء دولة ديمقراطية تعددية تضمن حقوق المواطنة المتساوية؟

 

- معوقات الحل السلمي

عبرت السلطة اليمنية الشرعية عدة مرات عن رغبتها في الحل السياسي للأزمة اليمنية، ووضعت ثلاثة مبادئ أساسية لذلك، هي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216 والقرارات الأخرى ذات الصلة، يضاف إلى ذلك أن تسلم مليشيات الحوثيين الأسلحة الثقيلة وتفرج عن جميع المعتقلين السياسيين في سجونها، كبادرة لإظهار حسن نواياها إزاء الحل السياسي السلمي للأزمة.

عقلانية الشروط التي وضعتها السلطة اليمنية الشرعية اصطدمت بتعنت جماعة الحوثيين، التي تتخذ من الحوار السياسي كوسيلة لإضاعة الوقت، وفي أحسن الأحوال تسعى إلى فرض إملاءاتها وشروطها التي من شأنها شرعنة الانقلاب وتحويله إلى أمر واقع، وتهميش الطرف الآخر من خلال تقديم تنازلات شكلية لا تمس جوهر الأزمة.

تدرك جميع أطراف الصراع أن الحل السياسي غير ممكن في الحالة اليمنية بسبب تعقيدات الأزمة، كونها أزمة غير قابلة للحلول الوسط، ذلك أنه لا يوجد نظام حكم يمكنه التوفيق بين النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي ونظام الإمامة الطائفي السلالي العنصري المستبد.

ويعني ذلك أن انعدام القواسم المشتركة بين طرفي الصراع سيظل يشكل عائقا أمام أي حل يرضي جميع الأطراف، فإما نظام جمهوري ديمقراطي على أساس المواطنة المتساوية، تتلاشى فيه الطائفية والسلالية والعنصرية، وإما نظام طائفي سلالي عنصري لا مكان فيه للديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية. وما عدا ذلك فهو أن تظل البلاد في حالة صراع لا تنتهي، أو أن تتمزق إلى دويلات متصارعة فيما بينها، وسيؤثر ذلك على استقرار الإقليم بشكل عام.

ويشكل البعد العقائدي لدى جماعة الحوثيين أبرز الدوافع التي تجعل الجماعة تتصلب في مواقفها السياسية والعسكرية مع الطرف الآخر، ذلك أن اعتقاد الجماعة وإيمانها بمبدأ الاصطفاء الإلهي والنسب النبوي، والنظر إلى السلطة كحق إلهي مزعوم، كل ذلك جعلها تتصلب في مواقفها، لاعتقادها أن تقوم به هو من صميم الدين الذي تؤمن به.

ويعني ذلك بالنسبة للجماعة ومعتقداتها أن تقديم تنازلات في هذا الجانب يعد تنازلا عن حق إلهي ممنوح لها يوجب غضب الله وسخطه، وأن ما تسميه الجهاد وسفك الدماء أمر مقدس من أجل الدفاع عن الحق الإلهي في السلطة، وتكرس هذا الاعتقاد في صفوف مقاتليها من خلال الدورات الطائفية التي تنظمها في أماكن سرية قبل الذهاب بهم إلى جبهات القتال.

  

- تسييس الطائفية

لا يمكن لجماعة الحوثيين أن تقبل بالحل السياسي السلمي للأزمة اليمنية إلا في حالة واحدة، وذلك عندما تشعر بأن هزيمتها قد اقتربت، وأن القضاء عليها أصبح ممكنا حتى وإن حاولت حشد المزيد من المقاتلين والتظاهر بالصمود، فهي في هذه الحالة ستعلن تقديم تنازلات وستبدي استعدادها للجلوس على طاولة الحوار والموافقة على الحل السياسي السلمي للأزمة.

وسيكون ذلك بمثابة خدعة وتكتيك من الجماعة، الهدف منه حفظ ماء الوجه وتجنب الهزيمة الشاملة ومحاولة الحصول على جزء من المكاسب بدلا من خسران كل شيء دفعة واحدة، مع تبييت النية بأن تعمل خلال المرحلة التالية على ترتيب صفوفها ومراكمة النفوذ والامتيازات حتى يحين الوقت المناسب للانقلاب مرة أخرى على السلطة الشرعية، سواء بهدف الضغط للحصول على المزيد من المكاسب والنفوذ، أو الاستيلاء التام على السلطة في حال سمحت الظروف بذلك.

وإذا افترضنا أن السلطة اليمنية الشرعية وبعض الأطراف الأجنبية اتخذت إجراءات تحول دون تكرار جماعة الحوثيين لانقلابها على السلطة الشرعية والتوافق السياسي وتشكيل مليشيات مسلحة خاصة بها ومراكمة النفوذ الذي يشجعها على ذلك، فإن هناك العديد من المخاطر التي ستظل تشكلها هذه الجماعة على الاستقرار في البلاد، خاصة بعد أن سلمها الرئيس الراحل علي عبد الله صالح إمكانيات الدولة بكاملها من جيش ومال وإعلام، ويعني ذلك بأن بقاء الجماعة ومليشياتها ضمن النظام السياسي سيجعلها تتحول إلى دولة داخل الدولة، على غرار ما يسمى "حزب الله" في لبنان الذي تحول إلى دولة داخل الدولة اللبنانية.

وفي هذه الحالة، فإن الخطر القادم الذي سيهدد الدولة اليمنية ويهدد دول الجوار، هو ما يمكن وصفه بـ"تسييس الطائفية"، أي أن العقيدة الطائفية العنصرية والسلالية الاستعلائية لجماعة الحوثيين ومليشياتها المسلحة ستظل تعيق حلم بناء الدولة اليمنية الفيدرالية الديمقراطية القائمة على المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص، وستدفع الأطراف الأخرى إلى التمترس وراء هويتهم وعقيدتهم الدينية في صراعهم السياسي مع هذه الجماعة، وتهميش القوى السياسية الديمقراطية، الأمر الذي سيفاقم من حدة الصراع الطائفي في البلاد حتى تصل الأمور إلى مرحلة الاقتتال والعنف الطائفي بأبشع صوره بسبب الخلافات السياسية تحت شعارات طائفية.

إن الحل السياسي للأزمة اليمنية يعني تسييس الطائفية في البلاد وترحيل الأزمة، وأيضا ترحيل الحسم العسكري بعد أن تنفجر الأوضاع مجددا. وخلال مرحلة التوافق، إن تمت، ستظل جماعة الحوثيين تشكل مصدر قلق وتوتر في اليمن ومنطقة الخليج العربي بشكل عام، خاصة في ظل استمرار الصراع الطائفي في العراق وبلاد الشام، وتمكن إيران وحلفائها من ترسيخ نفوذهم في شمال شبه الجزيرة العربية واستمرار تهديداتهم لدول الخليج، وعلى رأسها السعودية.

  

- ضرورة الحسم العسكري

إن مقتضيات المصلحة الوطنية والأمن القومي اليمني والخليجي تتطلب الحسم العسكري التام ضد مليشيات الحوثيين، وتأهيل اليمن حتى يصبح قوة معتبرة مساندة لدول الخليج في صراعها مع إيران، كون ذلك سيؤثر على ميزان القوى في التحالفات العسكرية في المنطقة، كما يجب عدم السماح بظهور أحزاب أو كيانات سياسية في اليمن تحمل مسميات أو توجهات وعقائد طائفية وسلالية وعنصرية.

ويتطلب ذلك من دول التحالف العربي أن تساند السلطة اليمنية الشرعية وتدعمها بمختلف أنواع الدعم حتى تتمكن من الحسم العسكري التام ضد أخطر حلفاء إيران وأذرعها في المنطقة، أي مليشيات الحوثيين، كونها أصبحت تطلق الصواريخ البالستية الإيرانية وبشكل عشوائي إلى عمق الأراضي السعودية، وهو ما لم يسبق أن قامت به أي مليشيات طائفية موالية لإيران في المنطقة، رغم تهديداتها بين فينة وأخرى باستهداف السعودية عسكريا والقتال في صفوف الحوثيين.