الجمعة 17-05-2024 08:51:16 ص : 9 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإرهاب حاكما.. لماذا تمعن مليشيا الحوثي في ارتكاب أبشع الجرائم ضد أبناء محافظة إب؟

السبت 27 يونيو-حزيران 2020 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني

 

ترتكب المليشيات الحوثية أبشع الجرائم في محافظة إب بشكل شبه يومي ضد المدنيين العزل لسبب أو بدون سبب، وتمثل حوادث القتل اليومية التي تمارسها المليشيات ظاهرة مؤرقة لأبناء المحافظة المسالمة، وتبدو تلك الجرائم عملا مدروسا وممنهجا له أسبابه ودوافعه التي تعكس أحقاد المليشيات ونهجها الانتقامي من كل من لا يدين لها بالولاء المطلق، يضاف إلى ذلك حالة الجشع غير المتناهي والطمع بنهب ممتلكات المواطنين من أراضٍ زراعية وعقارات وغير ذلك.

وتتنوع الجرائم التي ترتكبها المليشيات الحوثية في إب لتشمل: القتل، نهب الأراضي والبيوت والسيارات، الاختطاف، الإخفاء القسري، التعذيب الوحشي والعنف الجسدي ضد السجناء، القصف العشوائي ضد منازل المواطنين، نهب أراضي الأوقاف وممتلكات الدولة، مداهمة المنازل وتفتيشها، وترويع النساء والأطفال.

ويكمننا القول إن الانتهاكات والجرائم الحوثية التي تحدث في محافظة إب تعود لسببين رئيسيين: الأول، أن محافظة إب هي أول محافظة ظهرت فيها انتفاضة شعبية ضد المليشيات الانقلابية بمجرد وصولها هناك، بعد السيطرة على العاصمة صنعاء، بمعنى أنها كانت أول من أسس لمفهوم المقاومة الشعبية، ولذا، فالجرائم التي يرتكبها الحوثيون هناك تأتي بدافع الحقد والانتقام. والثاني، أن الأساليب الوحشية في التعامل مع المواطنين، والقمع، والكبت، والقبضة الأمنية الحديدية، بمثابة قمع استباقي لأي انتفاضة مسلحة ضد المليشيات في المحافظة.

 

- القتل كظاهرة شبه يومية

تعد ظاهرة القتل في محافظة إب من قبل المليشيات الحوثية ضد المواطنين من الظواهر شبه اليومية التي يصعب تتبع تفاصيلها، نظرا للتعتيم الإعلامي على ما يحدث داخل المحافظة، وما يصل منها إلى وسائل الإعلام يمثل النزر اليسير، كما أن حوادث قتل تحدث بين قيادات وأفراد المليشيات أنفسهم داخل محافظة إب، بسبب خلافاتهم على المناصب والأموال المنهوبة.

وكانت أبرز حادثة قتل حصلت في مدينة إب، هي حادثة قتل المواطن بشير شحرة، في منتصف أبريل 2016، عندما جاء عدد كبير من مسلحي المليشيات إلى منزله في مدينة إب القديمة، بعد عودته من صلاة الفجر في الجامع، وقتلوه في حوش بيته أمام زوجته وأطفاله وهو بملابس النوم، ثم سحلوه في الشارع أمام البيت وهم يرددون شعار الصرخة، بسبب اعتراضه في وقت سابق على اعتلاء خطيب حوثي منبر الجامع الكبير في مدينة إب القديمة، وأثارت تلك الحادثة الإرهابية بحق مواطن أعزل أمام زوجته وأطفاله استنكارا شعبيا واسعا.

وفي سبتمبر 2018، أقدم قيادي حوثي، يدعى عبد الله الديلمي، على إطلاق النار بشكل متعمد على طفل في الرابعة عشرة من العمر، بسبب ركل الأخير كرة قدم صوب الجاني بشكل غير مقصود، بأحد أحياء مدينة إب. وقال شهود عيان إن الطفل عبد الرحمن أكرم عطران، نجل عميد كلية التربية بجامعة إب أكرم عطران، قتل على يد القيادي الحوثي "الديلمي"، الذي صوب المسدس إلى رأسه بشكل مباشر، وأطلق رصاصة اخترقت جمجمته، وتوفي إثر ذلك.

وفي حادثة مشابهة، في مايو 2019، أقدم مسلح حوثي يدعى "إدريس"، وهو من بيت "أبو راس" على قتل الطفل عبد الرحمن إبراهيم الفقيه في منطقة الضباري محافظة إب، بسبب ضربة كرة قدم خاطئة.

تلك نماذج من حوادث القتل التي حدثت خلال السنوات الماضية، ومن الصعب توثيقها كاملة، وفيما يلي نماذج من حوادث القتل خلال الأيام القليلة الماضية:

- مقتل الشاب جمال المسيب بعد شهر واحد من مقتل شقيقه برصاص مسلح متحوث في الطريق المؤدي إلى سوق القات بمديرية الظهار بمدينة إب بجوار مبنى النيابة العامة. والجاني مسلح حوثي يدعى "راسل الجماعي"، لاذ بالفرار عقب الجريمة، وقتل المجني عليه عقب خروجه من مبنى النيابة العامة، والتي قصدها لمتابعة قضية مقتل شقيقه "عزيز المسيب"، والذي قتل قبل شهر برصاص المسلح الحوثي نفسه.

- أقدم القيادي الحوثي علي عبد الله الوشلي ومرافقوه على إطلاق النار على الجندي مشير محمد دبوان الشرعبي، والقيادي الحوثي المذكور تم تعيينه من قبل الحوثيين مديرا لأمن مديرية ذي السفال.

وذكرت المصادر أن "الوشلي" وجه أفراده بضرب الجندي المصاب، مما أدى إلى إتلاف عينه، ونقله إلى أحد مستشفيات مدينة القاعدة لإجراء عملية جراحية.

لكن القيادي الحوثي "الوشلي" لم يكتف بما تعرض له الجندي الشرعبي من إطلاق نار وإتلاف إحدى عينيه، بل وجه مسلحيه بإخراج الجريح من المستشفى وإيداعه السجن، مما أدى إلى انفجار العملية الجراحية في السجن، ونقل بعد ذلك إلى أحد مستشفيات مدينة إب.

ونجم عن نقل الجندي من المستشفى إلى السجن مضاعفات طبية وانفتاح مكان العملية التي أجريت في مدينة القاعدة، وأيضا خروج الأمعاء من الجرح وتغور لفتحة الأمعاء نحو الداخل على جدار البطين الأيمن، بحسب تقارير طبية من أحد مشافي مدينة إب.

وتوفي الجندي الشرعبي أثناء محاولة معالجة المضاعفات التي تعرض لها نتيجة نقله من المستشفى إلى السجن.

- مسلحون حوثيون يقتلون امرأة وابنها، ويصيبون آخرين، وكانت المرأة برفقة ابنها، بينما نجت ابنتها العروسة بأعجوبة، وأصيب آخرون في ذات الحادثة.

وفي التفاصيل، فإن مسلحين حوثيين على متن عربة عسكرية (طقم) أطلقوا وابلا من الرصاص على سيارة نقل في الطريق العام بمنطقة "المعاين" غرب مدينة إب، دون معرفة أسباب ودوافع الجريمة.

وأسفرت الحادثة عن مقتل الشاب بشير طه الجعفري ووالدته، في حين نجت شقيقة الجعفري من الرصاص بأعجوبة، حيث كانت بجوار والدتها والتي قتلت على الفور.

وأفادت المصادر أن الأسرة قدمت من مديرية حبيش لشراء كسوة زواج ابنتهم، قبل أن تحول مليشيات الحوثي هذه الفرحة والعرس المنتظر إلى مأتم.

- مشرف حوثي يدعى بدر عقلان يقتل شابين في منطقة السحول بمديرية المخادر شمال مدينة إب، هما: زياد أحمد يحيى عزيز الدميني، وخاله حمير محمد نعمان الدميني، وذلك بسبب خلاف حول قطعة أرض.

- اعترض أحد عناصر مليشيات الحوثي ويدعى "فواز العزي" طريق طفل من بيت الرشيدي يدعى "أيهم أحمد غانم الرشيدي" وأطلق عليه الرصاص ليرديه قتيلا على الفور.

وبعد مقتل الطفل، ذهب شقيقه ويدعى "رمزي أحمد غانم الرشيدي" إلى أسرة بيت المروعي يشكو مقتل الطفل "أيهم" من قبل أحد مسلحيهم، لكنه تعرض لإطلاق نار من قبل مسلح حوثي آخر يدعى "معتصم المروعي".

وذكرت المصادر أنه صادف تواجد عمة القتيلين أثناء الحادثة، وهي زوجة المواطن "دحان أحمد محمد"، وحاولت إنقاذ القتيل الثاني، غير أن المسلحين باشروها بالرصاص الحي وأردوها قتيلة على الفور.

وأصيب شخص رابع يدعى "محمد أحمد عائض الرشيدي" برصاص مليشيا الحوثي الانقلابية.

وتؤكد المصادر أن أسرة بيت المروعي تمارس جرائم عدة بحق أسرة بيت الرشيدي والتي قتل منها أكثر من عشرة أشخاص خلال المدة الماضية، برصاص عناصر حوثية من بيت المروعي والتي تحتمي بالقيادي الحوثي عبد الواحد المروعي، المعين من قبل المليشيات وكيلا للمحافظة، وشقيقه المعين من قبل المليشيات مدير عام لمديرية السبرة.

- انتهاكات متعددة

تتعدد أساليب الانتهاكات التي تمارسها المليشيات الحوثية بحق أبناء محافظة إب، لدرجة أنها تعمل على احتكار الحق في فتح مولات ومراكز تجارية، وتنهب الأراضي والبيوت والممتلكات، كما احتكرت المليشيات حتى الاستثمار في الكهرباء، ومنعت أبناء المحافظة من الاستثمار فيها، وتفرض الجبايات والإتاوات الباهظة على مختلف تجار المحافظة.

وفي رمضان الماضي، أقدم قيادي بارز من مليشيا الحوثي على سجن العشرات من تجار محافظة إب لإجبارهم على دفع جبايات مالية كبيرة.

وذكرت مصادر مطلعة أن القيادي الحوثي "ماجد التينة" والقادم من محافظة ذمار، قام بسجن عدد من تجار محافظة إب بعد رفضهم دفع جبايات مالية كبيرة فرضت عليهم بقوة السلاح.

وأوضحت المصادر أن القيادي الحوثي المدعو ماجد التينة أقدم على سجن أكثر من 20 تاجرا من أبناء محافظة إب، لإجبارهم على دفع جبايات مالية كبيرة تحت مسمى "الزكاة"، ولم يفرج عنهم إلا بعد دفعهم الأموال المطلوبة.

- مقاومة إب وأحقاد المليشيات

لقد كانت محافظة إب من أوائل المحافظات السباقة في تدشين المقاومة الشعبية المسلحة ضد المليشيات الانقلابية، فبعد سيطرة المليشيات على العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014، اتجهت إلى محافظة ذمار، التي لم تقاوم قط، ثم إلى محافظة إب مباشرة، لتتجه بعد ذلك إلى محافظة تعز، ثم محافظة عدن.

وفور وصول مليشيات الحوثيين إلى محافظة إب، اندلعت المعارك مباشرة، في مركز المحافظة (مدينة إب)، ومدينة يريم، ومديرية الرضمة، ومديرية العدين فيما بعد، بالإضافة إلى اندلاع معارك متفرقة ومحدودة في بعض المديريات، ونصب الكمائن لتعزيزات المليشيات الحوثية في مدينة يريم ونقيل سمارة ومدينة القاعدة، وخاضت المقاومة الشعبية هذه المعارك بدون أي دعم أو مساندة من أي جهة كانت، بل خاضت المواجهات بشكل مفاجئ بعد وصول المليشيات الحوثية إلى هناك، ولم يكن هناك أي ترتيب أو استعدادات، كما كان الحال في محافظة مأرب مثلاً، التي استعدت لمواجهة المليشيات الانقلابية قبل أن تحاول غزوها.

وبعد أن بدأت المليشيات الحوثية تنهار سريعا وفي وقت مبكر أمام المقاومة الشعبية، تدخلت الألوية العسكرية المرابطة في المحافظة، التي تعرف بـ"الحرس الجمهوري"، بالإضافة إلى وحدات "الأمن العام" والشرطة، إلى جانب المليشيات الانقلابية، خاصة في يريم والرضمة، واستخدمت الأسلحة الثقيلة في مواجهة المقاومة الشعبية، لكن المقاومة الشعبية كانت تفتقر للتسليح والتدريب والتنسيق فيما بينها، بسبب اندلاع المعارك بشكل مفاجئ، مما أدى إلى انسحابها، لعدم قدرتها على مواجهة جيش الدولة، وبرز الشيخ عبد الواحد الدعام في الرضمة والشيخ علي بدير في يريم كأبرز قادة للمقاومة الشعبية ضد المليشيات في إب، والأخير قتل الحوثيون بعض أقاربه ولغموا جثة نجله بعد قتله رغم صغر سنه.

لكن المقاومة الشعبية في محافظة إب لم تتمكن من الصمود للعديد من الأسباب، من أهمها غياب الدعم والمساندة، فعندما اندلعت المعارك في بعض مديريات المحافظة لم تكن دول التحالف العربي قد تدخلت عسكريا في إطار عملية "عاصفة الحزم"، كما أنه لم يكن يوجد ألوية عسكرية في المحافظة مساندة للشرعية وللمقاومة الشعبية لتتدخل في الحرب وتشكل نوعاً من التوازن العسكري، كما حدث في محافظة تعز فيما بعد.

كما أن المعارك اندلعت في بعض مديريات محافظة إب في وقتٍ ما زال فيه الجميع مذهولين بعد استيلاء المليشيات الحوثية على العاصمة صنعاء، وكان يبدو للمتابعين أن المعارك في محافظة إب عبثية، وأن سيطرة الانقلابيين عليها لا تشكل حدثا كبيرا بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء، ونهب أسلحة الجيش وممتلكات الدولة وممتلكات الخصوم السياسيين.

يضاف إلى ذلك الدور السلبي للمشايخ القبليين الموالين للرئيس السابق علي صالح في محافظة إب، وبعض قيادات حزب المؤتمر هناك، حيث سهلوا للمليشيات الحوثية مهمة السيطرة على المحافظة، وتحولوا إلى "طابور خامس" ساعد المليشيات على ملاحقة الناشطين المعارضين لها، وتدمير بيوتهم ونهب ممتلكاتهم.

وبإخماد المليشيات الحوثية وقوات الجيش والأمن التابعة لعلي صالح للمقاومة الشعبية في إب في مهدها، لم يستسلم الأحرار من أبناء محافظة إب تماما بعد أن خذلهم الجميع، فقد انخرطوا في مختلف جبهات القتال، خاصة في مأرب وتعز، همهم الوطن بأكمله وليس محافظتهم فقط، وقدموا الكثير من الشهداء خارج محافظتهم، علما بأنه في جزء صغير من مديرية العدين، استطاعت المقاومة الشعبية في منطقتي الشعاور والأهمول الصمود أكثر من عام أمام المليشيات الانقلابية، رغم فارق التسليح والتدريب، وتمكنت المقاومة من تحرير المديرية بالكامل وطرد المليشيات الانقلابية منها مرتين، لكنها لم تحصل على الدعم من السلطة الشرعية أو دول التحالف العربي للحفاظ على هذا النصر، وكانت المليشيات الانقلابية تعاود السيطرة على المديرية بعد وصول تعزيزات عسكرية كبيرة.

- أهمية محافظة إب للمليشيات

تعد محافظة إب مهمة جدا بالنسبة للمليشيات الحوثية كطريق إمداد من محافظات شمال الشمال إلى جبهات تعز والضالع والحديدة، أي أن محافظة إب تقع في مركز وسط بين عدة محافظات، ولذلك فالسيطرة عليها مبكرا ضمنت للانقلابيين السيطرة على أهم طرق الإمداد العسكري إلى محافظات تعز والحديدة والضالع.

لم تنس المليشيات الحوثية الخسائر التي تكبدتها في محافظة إب بداية انتفاشتها، ولو لم تتمكن من السيطرة على محافظة إب لما كانت تقدمت إلى محافظات تعز وعدن والضالع وغيرها، ولذا، فالمليشيات حرصت منذ سيطرتها على محافظة إب التعامل مع أبنائها بالحديد والنار، والمبالغة في القمع والتنكيل والنهب ومحاولة التغيير السكاني فيها من خلال توطين عائلات سلالية داخلها، أي أن كل الجرائم التي ترتكبها المليشيات الحوثية في المحافظة تعد قمعا استباقيا لأي مقاومة شعبية قد تظهر فيها مجددا، وهو ما دفع بالعديد من أحرار المحافظة إلى مغادرتها، والالتحاق بالمعركة ضدها في جبهات أخرى خارج المحافظة، في حين تواصل المليشيات الحوثية ارتكاب أبشع الجرائم بحق أبناء المحافظة.

كلمات دالّة

#اليمن #اب