الخميس 16-05-2024 20:35:41 م : 8 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

أزمات بعضها فوق بعض.. هكذا حول الحوثيون حياة اليمنيين إلى جحيم

السبت 26 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص- زهور اليمني

  

أربع سنوات عجاف مرت، حورب فيها المواطن اليمني بكل أنواع الترهيب، من قتل وتدمير وقطع للرواتب والغاز والبترول، وانقطاع الكهرباء وقطع الطرق وارتفاع الأسعار.

صَبَر عله يرى الخير يأتيه من حيث لا يعلم، ولعل الله يخرج البلاد من محنتها ويتحسن وضعها، حتى وإن طال انتظاره.

لكن الأمر طال وأصبح الحال من سيء إلى أسوأ، اقتصاد متدهور، مؤشرات لفقر مدقع، وصراعات حزبية وطائفية تقضي على الأخضر واليابس، وارتفاع معدل البطالة بين الشباب إلى 75%.

أصبحت حياته تنحصر بين قوسي الصراع من أجل البقاء على هامش الحياة، على أن ذلك البقاء الهامشي لا يعطي السكينة الكافية لمجرد التفكير ببعض كماليات الحياة والعيش الكريم، فحياته ليست إلا سلسلة طويلة لحالات متباينة من الكد الدائب بحثا عن لقيمات يقمن في دواخله المكسورة خط الحياة الهامشي.

معاناة يبدو أنه ليس لها نهاية، سنوات مضت تجاهل لمعاناته، وغض الطرف عن الانتهاكات التي تعرض ولا زال يتعرض لها، لا يسمع له صوت، ولا تقبل له كلمة، ولا يرفع عنه قلم، وإن تكلم أو اعترض عوقب مهما صغر السبب.

حقيقة مريرة تجلي تواطؤ كل الظروف والمسببات معا، لتثبيت كل عوامل الشقاء كقدر مكتوب، وعليه أن يعيشه راضيا قانعا.

الغلاء قصم ظهر المواطن:

ارتفاع الأسعار قصة لا تنتهي في اليمن، ويبدو أنها ليست محكومة بيوم أو شهر معين، كما أنها ليست مستقرة على تسعيرة معينة، فقد تعددت الزيادات للصنف الواحد منطلقة من عشرة ريالات ثم تقدمت نحو المئة وصولاً للخمسمئة وتربعت على عرش ألفين ومن يدري، وراتب كان المواطن ينتظر قدومه نهاية كل شهر، لتسيير أمور معيشته ومن يعول قد انقطع، ولا بديل يؤمن أبسط مقومات الحياة.

يحدثنا المواطن "مهدي" (سائق سيارة أجرة) قائلا: "الغلاء والارتفاع في أسعار السلع قصم ظهر المواطن المغلوب على أمره، وما يقدمه لنا الحوثيون من تبرير للغلاء على أنه غلاء عالمي وهم، يضحكون به علينا. فكل يوم نعيش أزمات جديدة، وكلما انفرجت أزمة وتنفسنا الصعداء، عادت مرة أخرى لتنهي على ما تبقى لنا من أمل في انتهاء المعاناة التي نعيشها".

ويضيف: "الحوثيون نهبوا كل شيء طوال الأربع السنوات التي مضت، حتى قوت المواطنين من أفواه أطفالهم أخذوه، سيارتي الأجرة التي هي مصدر دخلي الوحيد واقفة أمام بيتي منذ أكثر من أسبوع بسبب انعدام البترول، بينما أشاهد كل يوم ابن جاري الحوثي يفحط بسياراتهم الثلاث في شوارع صنعاء، دون خوف من انتهاء البترول منها، فمن أين لهم بالبترول وجميع المحطات مغلقة؟".

لا اعتراض خوفا من البطش:

منذ انقلاب الحوثيين والعاصمة صنعاء تشهد أزمة خانقة في مادة الغاز المنزلي، وبالرغم من انعدامه في المحطات ولدى عقال الحارات المكلفين بتوزيعه، إلا أنه متوفر في السوق السوداء وبكميات كبيرة.

مصادر مطلعة تؤكد أن كميات كبيرة من مادة الغاز المخصصة للبيع للمواطنين عبر عقال الحارات، تذهب إلى السوق السوداء، ولأصحاب المطاعم والمحال التجارية التي يقوم عملها عليه، وبأسعار مرتفعة جدا.

يحدثنا "عادل" قائلا: "الحوثيون يتعمدون افتعال هذه الأزمات، لتضاف إلى معاناة المواطنين في ظل انقطاع الرواتب، حيث أصبح المواطن يفكر ليل نهار في كيفية توفير الغاز المنزلي أو المواد الغذائية لأفراد أسرته".

وأضاف: "إنهم يفتعلون أزمة الغاز، ويقومون بإخفائه حتى يصل المواطن إلى أقصى درجات الاحتياط، ثم يقومون بعد ذلك بتوفيره ولكن بأسعار مرتفعة فيضطر المواطن للشراء بأي سعر".

وتابع "عادل": "قام العقال بتوزيع كمية محدودة قبل عدة أيام، على أسماء اختيرت بعناية، لأسباب يعلمها الجميع، جميعها أسر حوثية، وأكدوا للمواطنين الذين قدموا للحصول على حصتهم بأن الكمية نفدت، مما اضطر الجميع وأنا واحد منهم إلى العودة إلى منازلنا دون الحصول على غاز، بينما اضطر المقتدرون إلى الشراء من السوق السوداء بقيمة تتجاوز سعره الحقيقي ست مرات".

من جانبه، قال "إبراهيم"، أحد المواطنين المنتظرين لوصول الغاز في مديرية الصافية بصنعاء، للإصلاح نت: "منذ ثلاثة أيام وأنا أُطعم أبنائي الخمسة زبادي.. الله لا وفق الحوثيين ولا رضي عليهم، ويرينا فيهم عجائب قدرته، بهذلوا بنا وموتونا جوع، لا رواتب ولا غاز ولا بترول، ما الذي يريدون أن يصنعوه بنا أكثر مما صنعوا؟".

يقاطعه "أحمد" قائلا: "انتظرت منذ صباح يوم أمس الأول إلى اليوم للحصول على إسطوانة الغاز، ولكنني عدت إلى المنزل من دون أن أتمكن من ذلك، بالمقابل يأتي عدد من الحوثيين بالسيارات الفارهة ويحصلون من العاقل على عدد كبير من إسطوانات الغاز وأمام أعيننا، دون أن يستطيع أحد منا الاعتراض خوفا من بطشهم".

المواطنون صاروا على حافة الجوع:

الأزمة الخانقة في أسعار الوقود خلفت هي الأخرى معاناة كبيرة في أوساط السكان، نتج عنها صعوبة في الحركة والتنقل الذي أدى إلى حالة شلل وتوقف في حركة السيارات ووسائل النقل والمواصلات، نتيجة انعدام وقود السيارات، ووجوده بوفرة لدى الحوثيين والسوق السوداء التي تبيع الـ20 لترًا من مادة البترول بعشرين ألف ريال.

يحدثنا السائق "علي" أنه وزملاءه من سائقي سيارات الأجرة في صنعاء تفاجؤوا بالأزمة، رغم توفر البترول في أغلب المحطات قبل ساعة فقط من انعدامه.

"إسماعيل" أيضا يخبرنا أنه ظل يومين واقفا في الطابور الذي يزداد ويكبر كلما عملت المحطة، وينقص كلما توقفت، وما بين حين وآخر تقوم المحطة بالإغلاق وتوقف التعبئة، وتقول إن الكمية نفدت، وبعد ساعات تستأنف العمل لنكتشف أنه ما زال يوجد فيها وقود.

وأضاف: "لا ندري صراحة سبب هذا التلاعب بالمشتقات وبالغاز من قبل الحوثيين وأصحاب المحطات، والتلاعب بمشاعر مواطنين صاروا على حافة الجوع".

انتقام بالصفعات والركلات:

الحقيقة أن أزمة المشتقات النفطية تأتي بين وقت وآخر، لتنهي على ما بقي من روح في جسد اليمني المنهك منذ أربع سنوات.

لا يريدون منحه أي فرصة لالتقاط الأنفاس، يمعنون في إذلاله وحرمانه حتى من رؤية بصيص الضوء، ومن إشراقة الأمل، ومن حياة كريمة.

يحدثنا "أبو أحمد" الذي يملك سيارة أجرة، هي مصدر دخله الوحيد، قائلا: "نحن شعب مطارد بأزمات واختناقات لا تهدأ حتى تشتعل من جديد، تبدأ بالهموم اليومية وترقب لمصير الغاز والبترول، وتنتهي بإهانتنا وإذلالنا
من الساعة التاسعة مساء إلى الساعة الرابعة فجرا، بين برد صنعاء وليلها المرعب ظللت أبحث عن البترول بين طوابير طويلة في محطات تعبئة المشتقات".

ويضيف: "انتظرت في المحطة الأولى لمدة ثلاث ساعات، أغلقت لنصف ساعة بسبب طقم تابع للحوثيين أتى واشتبك بالألفاظ مع عمال المحطة، وعندما كنت على مشارف الوصول إلى داخل المحطة، أوقفها المشرف وقال لنا الوقت متأخر، ومخزون البترول نفد، ولأنني كنت مضطرا وبحاجة ملحة لشراء البترول، قمت ببيع الخاتم الوحيد الذي تمتلكه زوجتي، والذهاب إلى السوق السوداء لشراء 20 لترا من البترول بعشرين ألف ريال".

أما "صادق" الذي أصبحت سيارته مأوى له ومكان إقامة، ينتظر فيها دوره في الحصول على حصته من البنزين، أربعة أيام قضاها "صادق" أمام محطة النفط حصل بعدها على 40 لترًا من الوقود، لكنه خسر أكثر من 20 ألف ريال لتوفير الطعام والشراب أثناء مكوثه أمام المحطة حتى جاء دوره.

يحدثنا عن موقف سبب له الكثير من الألم كما أخبرنا، تعرض له أحد المواطنين الذي كان هو الآخر ينتظر دوره، ليملئ سيارته بمادة البترول، قائلا: "شاب كان يصطف بسيارته بجواري، وتحديدا في محطة الستين بصنعاء، بدا يصرخ غاضبًا في وجه أحد مسلحي الحوثي الذي دخل بسيارته المحطة، متجاوزا مئات السيارات المنتظرة منذ يومين وأكثر: 
أخذتم كل شيء منا، جعلتمونا نموت جوعا بينما أنتم تنعمون بخيرات اليمن، على الأقل ليكن عندك قليل من الحياء وعبي بترول بدون أن نراك نحن المنتظرين هنا كالحمير منذ يومين.. حرام عليكم اتركونا نعيش بكرامة، وإلا فالموت أهون من هذا الذل والمهانة التي نذوقها على أيديكم كل يوم".

وتابع: "وقبل أن ينهي كلامه نزل من السيارة الشاب الحوثي، ورد عليه بسيل من الشتائم، ثم انهال عليه بالصفعات والركلات، هو ومجموعة من المسلحين كانوا يقفون على مقربة منه".

وأضاف صادق: "هذه الاعتداء ليس الأول، فهناك كثير من الاعتداءات تمت على السائقين من قبل الحوثيين خلال يومين وتحديدا في هذه المحطة، بسبب اعتراضهم على تجاوز الحوثيين للطابور الطويل، وتعبئتهم للوقود في خلال ثواني وأمام الجميع".

العجز عن توفير الخبز:

ظروف معيشية صعبة لم تعد تخفى على أحد يعيشها المواطن اليمني منذ أكثر من أربع سنوات، قوض فيها الحوثيون كل معاني البقاء والاستقرار النفسي والمعيشي، وكان الموظف البسيط المنقطع راتبه منذ سنين، أبرز ضحايا ذلك الانقلاب المسعور.

يحدثنا "خالد"، سائق باص يقوم بنقل ركاب بين صنعاء وإب، قائلا: "التنقل بين المحافظات هو الآخر ارتفعت تكاليفه بنسبة 60%، فتكلفة الراكب ارتفعت من أربعة آلاف إلى سبعة آلاف ريال، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وغيابها..
كنت أخبئ في منزلي 40 لترًا لوقت الأزمات التي تعصف بنا بين الحين والآخر، لكنني استخدمتها في الأسابيع الأخيرة قبل انعدام مادة البترول من الأسواق، لتأمين احتياجات أسرتي المكونة من سبعة أفراد، لذا اضطريت للمكوث أمام محطات البنزين خمسة أيام للحصول على 40 لترا من البنزين".

وأضاف: "لا مصدر للرزق لي سوى هذه السيارة التي أنقل عليها المسافرين من صنعاء إلى إب والعكس، وبسبب انعدام المشتقات النفطية لم أستطع توفير حتى الخبز لعائلتي مما اضطرني للسفر بهم إلى القرية ليمكثوا عند والدي حتى أستطيع توفير لقمة العيش لهم".

فئة جابية لمدخرات اليمن:

مع أن اليمن غني بثرواته البرية والبحرية، تكفي هذه الثروة لو سلمت من الفساد لأن يعيش الشعب في رخاء، ولكن أيادي المليشيات حالت دون وصول مردود تلك الثروات إلى أبناء الوطن، مما خلق مساحة كبيرة من الفقر وأصبح المواطن همه الوحيد كيف يعيش ويصرف على من يعول.

لقد تحولت هذه الفئة بمرور سنوات الفساد والإمعان فيه، إلى فئة جابية لمدخرات اليمن، ولم تدع مجالا للمواطن المغلوب على أمره أن يتنفس الصعداء.

المصالح العامة للوطن والمواطن لا تفكر بها مطلقا هذه المليشيات، والشعارات البراقة التي ترفعها لا تلبث أن تسقط في أول فرصة تتاح لها أن تُطبق على أرض الواقع.

لقد كان لانقلاب الحوثي اليد في زيادة المعاناة، حسب تقرير لمنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن "ليزا غراندي".

الوضع الإنساني في اليمن أكبر من تقرير وإحصائية، فلا توجد أدنى وأبسط مقومات الحياة. إن ملامح اليمن في عامها الرابع من الحرب والحصار والدمار الممنهج قد تغيرت بصورة كبيرة، وبات الخبز والدواء هو جل ما يحلم به المواطن، ونحن لا نستحضر سوى المآسي في ظل الكثير من المناشدات، والقليل من الدعم في ظل استمرار منع الحوثيين برنامج الأغذية العالمي عن مواصلة تقديم المعونات للمواطنين.

كلمات دالّة

#اليمن