الخميس 16-05-2024 19:03:07 م : 8 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

غضب" مؤتمر صنعاء".. ذروة الكوميديا السوداء..!

السبت 26 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص-محمد عبد القادر

 

في 18 أكتوبر أطلقت مليشيا الحوثي مجموعة من المواطنين المسجونين بتهمة محاولة إغتيال الرئيس السابق "علي صالح" منذ 9 سنوات ودون أي محاكمة حقيقة تفصل في قضيتهم. الحادثة طبيعية، بل هذا ما كان يفترض أن يحدث منذ أعوام، فنحن أمام مواطنين مسجونين بتهمة كيدية مدبرة لا تخلو من النقمة السياسية ولا يوجد أي مؤشرات حقيقية أو أدلة تثبت تورطهم في الحادثة، إلا أن هذا الأمر لم يكن كافيا للإفراج عنهم في ظل سلطة تعمدت الزج بهم في السجون وهي تعلم سلفًا براءتهم.

مرت السنوات والسجناء يدفعون ثمن مكائد النظام الذي تحول لأداة إخضاع للشعب طوال سنوات حكمه، وحتى بعد سقوطه ظلت آثاره حاضرة ولم يتم تطبيع الأوضاع الحقوقية بعدها بما يضمن تحقيق العدالة لهؤلاء وأمثالهم الكثير. ثم حدث تحول جديد بالإنقلاب الحوثي وتحالفه مع النظام السابق وهو ما أطال بقاء هؤلاء في السجن وبدد آمال الإصلاح السياسي لوضع الدولة ومنها جهازها القضائي الذي كان يترقب الناس إصلاح أوضاعه لحلحلة قضاياهم مع ميلاد الدولة المنتظرة عقب استكمال الحوار الوطني.

ولأننا في بلد كل شيء فيه سائل، ولا يرسو على حال، قطع مسار الإصلاح السياسي مع حدوث الإنقلاب كما لم يمضي وقت طويل حتى تصادم طرفي الإنقلاب نفسه وخلا المشهد لجماعة الحوثي بعد أن قضت على رأس الحزب المتحالف معها، واستفردت بالوضع وصولا لتحويلها الدولة لحظيرة خاصة بها واستعدادها لمقايضة كل شيء بمصالحها، بما فيه الملف الحقوقي.

في هذا السياق أفرجت المليشيا عن المعتقلين، الذين كان يتوجب أن يفرج عنهم بوقت مبكر لو كنا أمام دولة تضع إعتبار لحقوق مواطنيها، ولأن هذه الدولة ليست متوفرة فقد تصرفت المليشيا على طريقتها وفي الحالتين نحن أمام مجموعة مواطنين نالوا حريتهم بعد سنوات من السجن الكيدي بصرف النظر عن الجهة التي أفرجت عنهم وملابسات الحدث.

غير أن كل هذا ليس مهمًا في سياق الحديث عن القضية، فما هو مثير للتوقف فعلا، هو استياء "مؤتمر صنعاء" من الحادثة وإعلانه مقاطعة شريكهم الذي أفرج عن السجناء، وبدلا من أن يتعاطف مع الضحايا ودعوته للنظر لكل القضايا العالقة وتسويتها، إذا به يذهب بعيدا للتعبير عن إحتجاجه معتبرًا ما حدث خيانة لهم وتساهل غير مقبول..!!

هذا السلوك بدى مضحكًا للغاية، وباعث للتندر ويكشف حالة من العداوة المستحكمة لدى بعض قيادات الحزب تجاه فبراير وشبابها، أكثر من حقدهم على الجماعة التي قتلت زعيمهم ومزقت حزبهم وأورثتهم هذه الحالة من الهوان. وقبل هذا نحن أمام حالة من السذاجة السياسية الفاضحة تعكس عدم استيعاب هؤلاء للدرس الذي حدث لهم واحتشادهم في الاتجاه الخطأ وعلى النقيض مما يجب عليهم فعله.

فبدلا من استغلال قيادة المؤتمربكل أجنحتهللوضع الحالي وصياغة خطاب وتوجه يفضي لتجاوز أحقاد الماضي وتصدير لغة تقارب مع المكونات الوطنية الأخرى وبما يعين الحزب على تخطي إرث الزعيم وضغائنه الشخصية والانتقال بالحزب لحالة مؤسسية جامعة تدافع عن الحقوق والحريات وتنحاز للضحايا، إذا بهم يكرسون أنفسهم كحالة حزبية رثة ويثبتون عجزهم عن تجاوز الإرث النفسي لزعيمهم المغدور، بل يقدمون أنفسهم كحشد من الورثة المتنازعين على تركة أبيهم وكل فصيل منهم يريد إثبات ولاءه لجثة الزعيم عن طريق التصلب تجاه ضحاياه السابقين والاحتجاج ضد أي فرجة يتحصل عليها مواطنون سجنوا ظلمًا في عهد زعيمهم، بحجة أن ما حدث خيانة لدم الزعيم..!!

غير أن المؤتمريين الغاضبين هنا نسوا تعايشهم مع الخيانة المركزية المتمثلة في استمرار تحالفهم مع الجماعة التي فتكت بزعيمهم، بل تقبلوا المذلة بصمت، وحين قرروا الاحتجاج على سلوك هامشي للجماعة المتحالفة معهم متمثلا في الإفراج عن المواطنين السابق ذكرهم، جاء الرد طاعنًا في المهانة حيث وصفتهم إحدى الصحف الحوثية بعنوان عريض: "مرتزقة إحتياط" والحقيقة أن هذه النظرة الحوثية تجاههم ليست جديدة فمنذ بداية تحالفها مع حزب المؤتمر كانت المليشيا تعاملهم بنظرة دونية وتراهم مجرد قفازات لتمرير مشروعها وتخفيف الطابع الطائفي عن سلطتها، سواء في زمن تواجد زعيمهم أو بعد مقتله، ففي الحالتين، لم تكن المليشيا تضع أي إعتبار لهم، في أي من تحركاتها، أما وقد صار الزعيم جزءاً من الماضي، فالحوثي ينظر للمؤتمر كتركة بلا راع ويرى نفسه الوريث القسري والشرعي لها، وإذا كان يتعامل معهم باستخفاف وبجاحة في ظل حياة زعيمهم، فهو أشد استهتارًا بهم بعد موته. ويا له من بؤس أن بقايا مؤتمر صنعاء لم يستوعب الدرس بعد، وأكثر من هذا يعيشون دور الشريك الوهمي ويمارسون احتجاجًا ذليلا كهذا ثم ينتظرون أن يمسح حليفهم على رؤوسهم بدلا من أن يتدبروا حيلة للنفاذ بما تبقى لهم من كرامة، إن كان ما يزال للكرامة رائحة في مقامهم..

الخلاصة: بعد ما يقارب سنتين من مقتل زعيم المؤتمر على أيدي حلفاءه، ها هو حزب المؤتمر يتجلى كحالة متشظية برؤوس متعددة ورؤية مشوشة وبما يجعل الجميع حائرًا إزاء مصير هذا الحزب، بل ومشفقًا عليه، حتى مع وجود رغبة عامة لدى أطراف كثيرة للحفاظ على الحالة الحزبية في اليمن وتدعيم محاولات ترميمها إلا أن حزب المؤتمر لم يتح فرصة لخصومه أن يحيدوا غضبهم منه ويمهدوا لشراكة حقيقية معه، بسبب سلوكياته المستجرة للنقمة والعداء العبثي لهذا الطرف أو ذاك. وحتى "مؤتمر صنعاء" فغضبه في قضية الافراج عن السجناء غير مبرر، فإذا كانت المليشيا التي تعتبر حالة شاذة ولا تكترث للحقوق والحريات قد اقتنعت بمسألة الإفراج عن السجناء، فكيف يكون حزبًا مدنيًا معني بالدفاع عن المواطنة في موضع يحتج فيها بسبب حصول مواطنين على حريتهم، بصرف النظر عن الطريقة القبلية التي حدث فيها الإفراج، فالجميع يعلم أنهم أبرياء، ولا دولة قائمة للتصرف بمثالية تجاه القصة، كما أنه من الغباء السياسي التشدد إزاء تهمة ملفقة لمحاولة الإغتيال والتعايش مع من قتلوا الزعيم قولا وفعلا..!!

كلمات دالّة

#اليمن