الخميس 16-05-2024 07:21:24 ص : 8 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

فلسفة الديمقراطية.. بين الكذبة الكبرى وقناع الأيديولوجيا

الخميس 24 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 10 مساءً / الاصلاح نت - خاص / عبدالعزيز العسالي
 

 

مصدر الشرعية السياسية يتلقى الضربات القاتلة من اليسار والليبرالية.

منذ قرن كامل وأمتنا تتخبط فاقدة البوصلة.. داخل حلبة الأسلاك التي وضعتها اتفاقية سايكس بيكو.

معطيات الواقع:

بدون مقدمات وبإيجاز شديد يستطيع العاقل أن يقول جازما:

- إن أمتنا قد انزلقت إلى (أرض التيه)

- إن أمتنا قد حاولت الخروج من أرض التيه المتمثلة في (حلبة سايكس بيكو) فسلكت دروبا أفضت بها إلى اللاشيء.

تقليد أعمى:

ولأن النخبة المتحكمة عربيا تعيش حالة تقليد للغير كما يلوح لها سيدها من وراء الحدود، فإنها لم تكلف نفسها أو فريقا منها بأن يقوم بعمل مراجعات.. وإنما ظلت راسخة في أغلال التقليد الأعمى للغير دونما أدنى تفريق بين ثقافات المجتمعات وبين (القيم الكونية) وهيهات للعقل التابع أن يفيق.. فقد تم فرض الاستبداد باسم الديمقراطية والحرية والوطنية، وفرضت ثقافات الغير كالعلمانية وكأنها شرط أساسي بل ضرورة واجب الالتزام بها.

ورحم الله البردوني إذ قال مصورا حالة اليسار الليبرالي:

وبين قوامها والظل
شيء ثالث مدسوس
غريب سرها عندي
وعند سريرها مدروس

هكذا سلكت النخبة مع المفاهيم والمصطلحات كالدولة المدنية، والمجتمع المدني، والمواطنة والمساواة وحقوق الإنسان.

حيث ظلت النخبة رازحة تحت نير التقليد للغرب في اقتلاع المفاهيم واجترارها من هناك وإسقاطها في مجتمعاتنا.. ولو أن النخبة احترمت عقليتها لوجدت ببساطة أن هذه المصطلحات قد أصبحت موديلات في موطنها.

الكذبة الكبرى:

استطاع عدد من اليساريين بعد عقود أن ينفلتوا بل وانتفضوا رافضين تلك المشية المَهينة مشية (الانكباب على الوجه).

وحسنا فعلوا فاتجهوا إلى قراءة تمكنوا من خلالها امتلاك قسطا ملحوظا من الثقافة الناقدة.. تبلور هذا الحراك في جوانب من المراجعات في الفكر والثقافة والاجتماع السياسي، فقدموا نقدا للتجربة اليسارية الليبرالية العربية.. قاصدين التصويب، ودونوا أعمالهم..
غير أن بعضهم قدم نقدا شفويا وانتهوا إلى القول:
اليسار والليبرالية العربيان (كذبة كبرى).

موضحين رؤيتهم قائلين: توخيا لإنصاف الحقيقة يمكننا القول إنه كان هنالك يسار وليبرالية عربيان يحكمان، لكن لم يكن هنالك قيادة فكرية يسارية ليبرالية تمتلك القدرة على البحث والتحليل وإنتاج الأفكار وتنزيلها انطلاقا من أسس ثقافية للبناء مبنية على أسس من علم الاجتماع السياسي وسننه الحاكمة لواقع الوطن العربي، وتقديم التجربة كرؤية ذات استقلال وطني نابعة من الذات مستفيدة من الغير بما لا يتصادم وهوية المجتمع.

إذن، هي الحلقة المفقودة لدى النخبة اليساليبرالية وهذا هو الذي جعلها صدى للغير - تبعية تامة تتحرك بتحرك الغير.

قلت لقد استطاع البردوني رحمه الله أن يصور هذه التبعية بلغة شاعرية مكثفة قائلا:

حيناً رأساً مقطوعا
برقابٍ أخرى مدعوم

فالرأس مستعار.. والرقاب والأجسام محلية.. لكن دورها المرسوم أن تتحرك بتحرك الآخر فقط.

باختصار: مارست أمتنا ثقافة الاستهلاك لا غير.

وعليه، فالعلمانية العربية من أفشل العلمانيات بشقيها الليبرالي واليسارى بأنواعه.

نماذج للمراجعات:

سنقدم نماذج سريعة ومركزة في السطور التالية:

* برهان غليون:

- لقد قُتلت الكرامة الإنسانية عربيا باسم الوطنية.
- انتهكت الحقوق باسم الديمقراطية.

- صودرت الحريات باسم الحرية، وحل القمع بأقبح صوره باسم المدنية والوطنية.
- تم تزوير ومصادرة إرادة الشعب باسم الديمقراطية ذات الشكل الغريب.

- غياب الولاء للأمة واحترام إرادتها.. وهذا غاب معه مبدأ الانتماء الوطني.
- تحولت الوطنية إلى مزايدة في مفهوم محصور اسمه التراب الوطني.

* سمير أمين عالم اجتماع سياسي ماركسي.. في ندوة أزمة الديمقراطية قال كلاما طويلا متداخلا وأيده آخرون.. هذه خلاصة لفحواه:

- انحصرت الديمقراطية في رأس الحزب صلاحيات مطلقة، واللجنة المركزية والمكتب السياسي ومجلس الشعب لا يخرج حالها عن مدلول أن الموضوع شوية زيت وبصلة وبهارات لإنجاح الطبخة وذر الرماد في عيون الشعب أن هناك ديمقراطية.

* خالد محمد خالد رحمه الله:
لقد نافح بقوة مدافعا عن الديمقراطية ومما قاله في كتابه "حياتي": امتلأ الفضاء حديثا عن الحرية والديمقراطية.. والنتيجة هي إلغاء مجلس الشعب تحت مبررات عدة أبرزها:

أن انتخابات مجلس الشعب ستكون وسيلة لعودة الإقطاع.. ولا بقاء للإقطاع بعد الثورة.

- أن الكثرة في المجلس تتحول إلى ملهاة.. وبالتالي:

- تم إبدال اسم مجلس الشعب بمجلس الدولة الذي لا يتجاوز عدده 25 شخصا هم أعضاء مجلس قيادة الثورة، وهم حزب الطليعة وهم المكتب السياسي، وبعضهم وزراء.

أما مدير مكتب أحد الزعامات اليسارية فقد افتخر قائلا: وحرصا من الزعيم على مصلحة الشعب فقد وضع سماعات تنصت على المجلس لمعرفة ما يدور داخل المجلس.

- شريحة أخرى من اليسار رأى ممثلها الأوحد أن مجلس الشعب والحزب الواحد والمكتب السياسي واللجنة المركزية.. كلها سخافات.

والبديل الجوهري لديه هو اللجان الثورية التي تجتمع كل سنتين تحل مشاكل المجتمع.

* عصمت سيف الدولة رحمه الله:
أخرج للقراء كتابه الرائع بعنوان (الاستبداد الديمقراطي)، وقال فيه الكثير لكن غلبت عليه دبلوماسية العبارة لكن عنوان الكتاب يعكس ترجمة واضحة للتغليف الدبلوماسي.

- أما في ورقة عمله المقدمة في ندوة أزمة الديمقراطية في الوطن العربي فقد أسهب وبدقة تحليل.. حيث أورد شواهد لافتة للنظر ومنها: تركيز السلطات المطلقة بيد الفرد.

وأضاف أن دستور مصر تم تعديله 9 مرات خلال حكم ناصر وكل التعديلات تتجه لصالح الرئيس.. غير أنه وبعد شواهد على الأزمة الديمقراطية تدارك قائلا: تلك طبيعة المرحلة.

قلت استدراكه هذا اتقاء لسهام أنصاف المثقفين حد كلامه.

أو هو (عرْودةً فقهية) كما تقول النكتة المتعارف عليها في الوسط الفقهي.

- وأضاف عصمت قائلا: توجهت الحكومات الوطنية داعية إلى التنمية وحشد الطاقات في هذا الصدد.. وبالمقابل أعلنت تأجيل الديمقراطية حتى إشعار آخر.

- الصحفي اللبناني القومي منح الصلح في مراجعاته تحدث مناقشا في الندوة الآنفة الذكر قائلا:

من الذي فرض العلمانية بجوار القومية والديمقراطية جاعلا من العلمانية شرط وجوب لتطبيق الديمقراطية؟
وهل رأينا الديمقراطية في واقعنا حتى تم ترحيلها؟
المُشاهد هو علمانية تستفز المشاعر لا غير.. وغياب تام للديمقراطية، مؤكدا أن فشل اليسار القومي يعود إلى عدم التحام الحكومات الوطنية بالجماهير حيث اكتفت الحكومات بـ20% يعملون في أجهزة السلطة تاركة 80% من الشعب أداروا الظهر للسلطة.. ففقدت الحكومة الوطنية السند والدفء الشعبي الحقيقي، والسبب هو التطبيق القسري للعلمانية.

* توفيق الحكيم في كتابه عودة الوعي:
أما تلك الجماهير التي تحتشد وتصفق فقد كانت مستوردة من الريف.. وكنت شاهدا عن قرب رغم إعجابي الشديد يومها بشخص الزعيم.

* برهان غليون في ندوة المجتمع المدني قال:

- الحكومة الوطنية المستوردة لروشتة الحكم لم تحترم الشعب بل هدمت بنيته التحتية التقليدية المنتجة ولم تقدم البديل الحديث فأعرض الشعب عنها.. فاعتبرت الحكومة ذلك تحدٍ لها.. ولأنها حكومة لا تمتلك أدنى مقومات ثقافة الاجتماع السياسي والثقافي فهي تتحرك كصدىً للغير.. فهرعت متدخلة في كل صغيرة وكبيرة هاتكة حرمة الفرد وخصوصياته النفسية والأسرية والثقافية والعقدية، فاصطدمت بتذمر شعبي فاتجهت للإجهاز على المجتمع المدني التقليدي ذبحا.. فسقط المجتمع يتشحط ويتوتر شأن أي ذبيح.. ولأن السلطة كانت تراقب أنفاس الشعب فقد اعتبرت توتر عضلات الذبيح تحديا لها.. فأجهزت عليه تقطيعا لأوصاله - تمزيقا للنسيج المجتمعي وإفسادا لوحدته الوطنية ليصبح الشعب خائفا من ذاته عليه.. والسلطة سادرة في عنجهيتها تأكل الخيرات وتصم الشعب بأنه متخلف وتقليدي.. ص 742 إلى 749.

د.الجابري رحمه الله يقول:
- ليس هناك أي مبرر لإحلال العلمانية في الوطن العربي لا من العقيدة ولا من السياسة ولا من الثقافة ولا من التاريخ ولا من الاجتماع.
ويؤكد ناعيا وناصحا لليسار والليبرالية ولكل من يريد أن يقتبس عن الغير قائلا:

الاقتباس عن الغير مزلة أقدام فلنكن وعاة مما سبق، موضحا أن الاقتباس عن الغير خطأ 100%.

والشرط الضروري لمن يريد الاقتباس عن الغير هو التشبع التام بالثقافة العربية أولا.. وبدون هذا الشرط فإن 100 عام أخرى من الضياع تنتظرنا..

ندوة المشروع النهضوي العربي.. ص 839.

ويقول: لا نريد أن تكون حالنا أشبه بركَّاب الطائرة المرتبطة بحياة قائد الطائرة موتا وحياةً، وإنما نريد عملا مؤسسيا وتكون حالنا أشبه بركاب القطار يموت السائق لكن القطار ماضٍ على قضبانه..

مجلة حوار الشرق والغرب.

* حسن حنفي:
المعروف بتطرفه العلماني قال:
الحاكم العربي استضاف العلمانية ليتمكن من إقصاء المنافس الوطني الإسلامي، ولم يقتنع فاتجه لمصادرة الديمقراطية.. والنتيجة هي:
أن النظام العربي أخذ من كل نظام أسوأه.

فلسفة الديمقراطية:

هناك عدد من النخبة اليساليبرالي تردد قائلة: الديمقراطية فلسفة وليست وسائل وتجزئتها تعني إخفاقا في التطبيق.

أخي القارئ.. بالله عليك تأمل معنا هذه الوجوه المنكبة على مناخرها لم تفق أبدا..
إنهم يبرهنون على جهلهم المطبق وأنهم كذبة كبرى بامتياز.

فلسفة الديمقراطية يعرفها الشارع العام شرقا وغربا أن الشعب يختار حكامه.. بصيغة أخرى الحكومة منبثقة عن اختيار شعبي حر نزيه.

هذا التعريف يعني أن للديمقراطية هدفا وغاية هي اختيار الشعب لحكامه.

فانظروا الغباء المتراكم عند اليساليبرالية؟

إننا ننادي اليساريين عودوا إلى نشأة الديمقراطية في اليونان وأسبارطة ثم روما فهذه مجتمعات وثنية كانت الإباحية موجودة و.... إلخ.
فهل نشأت الديمقراطية هناك طلبا للحرية الجنسية والمثلية... إلخ الهذيان أم طالبت بتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم؟

الحقيقة الناصعة هي أن اليسار لليبرالي يحمل أيديولوجيا قِناعية أي أنه يعلن شيئا ويضمر غيره..
لقد كثر نعيقهم بالحرية والديمقراطية سيما في الربيع العربي فلما فاتهم الفوز انقلبوا مع أسيادهم في الغرب ضد الربيع العربي فانهتكت الأستار والأقنعة الأيديولوجية الضاربة في مسارب الوعي واللاوعي عند نخبة اليسار.

الديمقراطية معروفة فلسفتها أنها وسيلة لإقامة دولة المؤسسات لا غير.

وعليه، هل اليسار والليبرالية العربيان انطبقت عليهما صفة (الكذبة الكبرى)؟

نلتقي بعون الله حول موضوع الثقافة المزورة.

كلمات دالّة

#اليمن