الجمعة 26-04-2024 09:39:19 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

في اليمن.. عذابات المحتاجين وصنائع المعروف من وراء القضبان..!

الأحد 06 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 07 مساءً / الاصلاح نت- تقرير خاص- اسامة الليث

  

بالرغم من الصراعات الدائرة، والحدة التي أصبحت أسلوب حياة لكثير من الناس، يظهر في أحيان كثيرة صنف نادر من البشر، لا يتردد في مساعدة الآخرين، دون انتظار المقابل.

جميل زياد، وعمار حسن.. شخصان يقبعان خلف القضبان، لم يعقهما ذلك عن مد يد العون للمعسرين، ولم يؤثر على نشاطهما ما يردده البعض بأن الأولى تقديم المساعدة لنفسيهما، ولم يضيعا وقتهما في توضيح مقدار السعادة التي يشعران بها وهما يمدان يد المساعدة لمن يحتاجها، لم يؤثر ذلك أبدا عليهما، بل قاما بالبحث عن الوسائل والكيفية التي من خلالها يمكنهما مساعدة المعسرين والمحتاجين، ليس فقط لمن هم داخل السجن، بل لمن هم خارج السجن، وخارج اليمن أيضا.

لم ينتظرا الشكر من أحد، فقد كان عملهما خالصا لوجه الله، لذا نثرا رائحتهما الطيبة بسخاء، ليقينهما أن يوما ما سيصلهما خيرها بسخاء.

فالوردة لا تنتظر منا الشكر عندما انتعش قلبنا بأريجها، والشمس أيضا لم تعاتبنا لأننا لم نعترف لها بجميل دفء الحياة.

- جميل الملهم للآخرين

قبل دخولي السجن كان لدي الكثير من الأصدقاء، أعيش في أحسن حال، كنت قد بدأت في أولى خطواتي نحو تحقيق حلمي، لكن الله قدر لي دخول السجن بتهمة قتل، كنت فيها مظلوما.

تبخر حلمي، أصبح كالغبار، لم تبق منه الريح أو تذر، وتبخر معه الأصدقاء الذين لم يتبق منهم إلا بعدد أصابع يدي الواحدة.

في داخل السجن تمت محاربتي نفسيا وماديا ومعنويا، حتى أوشكت على أن أفقد عقلي.

رجعت بذاكرتي قليلا للوراء، تذكرت أحلامي التي كنت ساعيا لتحقيقها، تذكرت كيف كنت عاشقا للتحدي، لا تقف أمام طموحي وتحقيق هدفي أي عقبة.

سأرمي الماض خلفي وأبدأ من جديد، سأصنع مستقبلي، فأنا لا زلت أعيش الحاضر، حتى وإن كنت أعيش خلف القضبان، لن يتركني الله وسيكون عوني في كل خطوة أخطوها.

قمت بشراء هاتف جوال من أحد السجناء، وفتحت صفحة لي بالفيسبوك، ورغم جهلي في كيفية التعامل معها، إلا أنني استطعت التعرف على الكثير من الأصدقاء، الذين لم أخسرهم حتى اللحظة.

مرت بضع سنوات على مكوثي في السجن، وصدر حكم الدية في قضيتي، بعد محاولات كثيرة من أصحاب النفوس المريضة لإصدار حكم الإعدام ضدي، لكنهم أرادوا فكان ما أراد الله عز وجل.

لم أكن قادرا على دفع المبلغ، لكن أصدقائي عبر الفيسبوك لم يتركوني في محنتي لوحدي، بل وقفوا معي وقاموا بجمع المبلغ كاملا.

 تنفست الصعداء، فقد أوشكت على الخروج من السجن، لكن الله أراد غير ذلك، جردت من العفو في الحق العام، وحكم عليّ بقضاء بقية المدة.

مساعدة أصدقائي لي جعلني أفكر في طرح قضايا المعسرين السجناء في صفحتي، فكانت المفاجأة، إذ بتوفيق من الله أولا وأخيرا تجاوب معي أصحاب الخير، واستطعت مساعدة كثير من المعسرين على خروجهم من السجن.

وكانت هذه البداية، ثم بدأت أوسع دائرة نشاطي إلى من هم خارج القضبان، ثم لمن هم خارج اليمن.

الحمد لله استمريت في عملي هذا بعد خروجي من السجن، ولا زلت أواصل هذا الطريق، فطريق الحق هو طريقي.

- وجد ذاته بتميزه عن الآخرين

بحثت عن ذاتي فوجدتها في مساعدتي للآخرين، فالإنسان لا يشعر بنعم الله عليه إلا عندما يرى مصائب الآخرين.

تلك كانت كلمات عمار عندما سألته عن بداية عمله الإنساني في مساعدة الآخرين.

فبرغم أنه يعيش خلف القضبان إلا أنه استطاع أن يجعل المتابع لمنشوراته في الفيسبوك يجمع كل حواسه ويعيش مع الحالات الإنسانية التي ينزلها في صفحته، والتي من خلالها يبحث هو الآخر عن ذاته.

يحدثني عمار حسن قائلا: الفكرة كانت موجودة من قبل دخولي السجن، وعندما دخلت السجن قررت أن أضع لي بصمات في حياتي، فكانت فكرة مساعدة الآخرين.

هناك الكثير من الناس حولنا يحتاجون لمساعدتنا، بأي وسيلة كانت، بحاجة إلى أن يشعر الآخرون بألمهم، فقررت القيام بذلك عبر صفحتي بالفيسبوك، وأكون بذلك قد تغلبت على ذاك الفراغ الذي أعيشه داخل السجن، بما يعود عليّ بالأجر في الدنيا والآخرة.

بإمكان أي شخص منا إسعاد الآخرين، شريطة عدم انتظار الشكر من أي شخص مد له ذات يوم يد المساعدة، فأنت بعملك هذا خطوت خطوة إضافية نحو إنسانيتك.

- مساعدة الآخرين تعالج التوتر النفسي

أكد الخبراء في مجال علم النفس أن مساعدة الآخرين من شأنها أن تخفف توتر الأعصاب، حيث إن الانخراط في معاونة الآخرين يحفز إفراز هرمون الأندورفين، وهو الهرمون الذي يساعد على الشعور بالراحة النفسية والنشوة.

ويؤكد ذلك المدير السابق لمعهد "النهوض بالصحة" في الولايات المتحدة الأمريكية آلان ليكس، بقوله إن معاونة الآخرين تساعد على تقليل حدة الضغط العصبي، حيث إن مساعدة الفرد للآخرين تقلل من تفكيره بهمومه ومشاكله الشخصية، ومن ثم يشعر بالراحة النفسية، فالبشر يكونون أكثر سعادة عندما يساعدون غيرهم منها عندما يساعدون أنفسهم.

ووجد بحث أجرته جامعة هارفارد للأعمال تحت عنوان "الشعور بالرضا من العطاء"، أن السعادة والعطاء يعملان إيجابياً في حلقة تبادلية، حيث يمضي الأشخاص الأكثر سعادة وقتاً أطول في مساعدة الآخرين، وفي المقابل يفرز الدماغ هرمونات السعادة عندما يساعد أحدنا شخصاً آخر، يسمي علماء النفس هذه الظاهرة بـنشوة المساعدين، كنتيجة لإفراز الأندروفين، هرمون السعادة، والذي يحسن الحالة العاطفية، والمشاعر بتقدير الذات.

- لا يرد أحدا طلب منه مساعدته

بعد أن انقطعت بها السبل وأنهك المرض ابنها الصغير، حملته بين ذراعيها واتجهت به صوب السجن المركزي، وهناك وأمام البوابة وقفت تسأل عن جميل زياد.

قام أحد حراس بوابة السجن بأخذها إلى محيط شباك الزيارة، ثم أشار إلى الرجل الذي كان يقف بالقرب من المكان المخصص لزيارة السجناء، وقال لها ذاك هو جميل الذي تبحثين عنه.

اتجهت إليه يحدوها الأمل بأن يكتب الله على يد هذا الرجل -الذي سمعت بأنه لا يرد أحدا طلب منه يد العون- نجاة ابنها.

وقفت أمامه تخاطبه بصوت شاحب: هذا ابني الوحيد أتيت به إليك، بعد أن أغلقت الدنيا في وجهي، راجية من الله أن يسخرك لمساعدتي في علاج ابني.

سألها: ما الذي أصاب طفلك، ومن الذي بوسعي عمله له؟ 

أجابت وقد بدأ الأمل يشع من عينيها: ابني يعاني من انسداد في القلب، وعيب خلقي في الشرايين، أخبرني الأطباء أنه بحاجة لعملية خارج اليمن، وأنا لا أملك المال الذي أطعمه، فما بالك بالسفر به للخارج.

قام بتطمينها، بأنه سيعمل على سفر ابنها وعلاجه.

قام جميل بتصوير مقطع فيديو قصير للأم وهي تتحدث عن حالة ابنها، ثم قام بنشر هذا المقطع على صفحته بالفيسبوك، طالبا من أهل الخير مد يد المساعدة لهذه الأم الثكلى، ثم طلب من القادرين على المساعدة التواصل معه عبر صفحته.

لم تمر سوى أيام وتحقق ما كانت تظنه الأم مستحيلا، وتم تسليمها مبلغ تكاليف سفرها والعملية والإقامة.

- عراقيل كثيرة

قمت بزيارة صفحته الشخصية في الفيسبوك، وأذهلني ذاك التفاعل مع كل الحالات التي يقوم بنشرها.

عمله هذا ليس سهلا كما يتصوره البعض، فهناك الكثير من العراقيل واجهته لعل أهمها وجوده داخل السجن، وعدم قدرته على التحرك إلا من خلال صفحته.

يحدثني عمار حسن عن بعض العراقيل التي يواجهها أثناء قيامه بعمله هذا قائلا: تأتيني بعض الحالات الإنسانية البعيدة عن نطاق محافظتي، ولا أجد الشخص الذي يكون في نفس المنطقة التي يعيش فيها ذلك الشخص، ليقوم بالتأكد من مصداقية الحالة، مما يضطرني إلى إرسال شخص إليها، وأتحمل تكاليف السفر، كل ذلك براءة للذمة والمصداقية أمام الخيرين والخيرات في الداخل والخارج، ومن ثم أقوم بعرضها على فاعلي الخير، الذين قاموا بمساعدة الكثير من الحالات التي قمت بإنزالها في صفحتي.

الحمد لله هذا بفضل الله، وما أنا إلا حلقة وصل بين فاعلي الخير والحالات المرضية أو الأسر الفقيرة، وكلما كان عملك صادقاً لوجه الله، فسوف يوفقك الله لخدمة تلك الحالات الإنسانية التي باتت تنتظر من ينتشلها من معاناتها، ويخفف من مصابها.

- مساعدات إلى خارج اليمن

العطاء أو مساعدة الآخرين بدون قيد أو شرط، هو سلوك متميز وشعور بالانتماء الإنساني، سواء كان موجها لشخص أو مجموعة من الأشخاص، يشعر الشخص من خلاله بالرضا الذاتي، وهذا من أقوى الوسائل لإسعاد الذات.

يحدثني جمال زياد عن كيفية توسع عمله الخيري ليصل إلى خارج اليمن قائلا: كانت تصلني من خارج اليمن حالات تحتاج إلى المساعدة، فكنت أقوم بنشر الحالة على صفحتي، وبتوفيق من الله ثم ثقة المتابعين لي يتم تفاعل الخيرين مع الحالة.

مثال على ذلك، امرأة يمنية تواصلت معي كانت عالقة هي ووالدتها في أحد مطارات ماليزيا، لعدم قدرتهما دفع مبلغ 2000 دولار.

قمت بدوري بالتواصل مع صديق لي عبر الفيسبوك، وطلبت منه الذهاب للمطار للتأكد من مصداقية المرأة، فأكد لي أن الموضوع صحيح، فقمت بمراسلة صديق لي على الخاص وطلبته المبلغ، ولم يقصر فلقد قام بإرسال المبلغ لي، ثم قمت بدوري بإرساله إلى ماليزيا.

- "ابنتي بذمتك اعتبرها طفلتك"

القصص التي ينشرها على صفحته كثيرة، معظمها لاقت استجابة من فاعلي الخير، لذا عندما طلبت منه أن يذكر لي بعض الحالات التي مرت عليه وتمت مساعدتها، رد بأنها كثيرة جدا ولا يتسع المقام لذكرها، لكنه ذكر لي قصة أثرت فيه كثيرا.

يقول عمار حسن: وصلتني حالة مؤثرة أبكتني وأبكت جميع متابعيّ، هي حالة الطفلة اليتيمة أمل التي وصلتني مناشدة والدتها من داخل إحدى مستشفيات العاصمة صنعاء.

أمل تعاني من صمامات القلب وليس معها أحد غير والد أمها الكبير في السن، لذا قالت لي والدتها: قلدك الله ابنتي بذمتك اعتبرها طفلتك. فأرسلت إليها من تأكد من حالتها ووثقها وعرضت حالتها على فاعلي الخير، الحمد لله جمعت لها أكثر من مليون ومائتي ألف ريال، لكن المبلغ لا يكفي حتى تكلفة قطع الجوازات والتذاكر وإجراء العملية المخصصة لها، لذا لا زلنا نحاول نشر حالتها مرة أخرى كون علاجها لا يوجد إلا خارج الوطن.

الطفلة حالتها متعبة جدا لا تعيش إلا بالأوكسجين، وما يوجع قلبي أنني حين اتصل بها وأحفزها أجد كل همها أن تدرس، وتعيش كبقية البنات اللاتي بعمرها.

هناك حالات أشد من هذه بكثير ومحزنة، لنازحين ومعدمين ومهمشين ومعاقين (ذوي احتياجات خاصة).

- عمل خالص لوجه الله

سألت جمال هل صادف في بداية عمله الخيري أي تشكيك في مصداقيته وأمانته، خاصة وأنه سجين، ويمارس عمله من داخل السجن، فأجابني: لم يشكك أحد في أمانتي ومصداقيتي منذ اليوم الأول لخوضي هذه التجربة، لكنني أواجه كثيرا من الانتقادات ممن لم أستطع مساعدتهم، ليس لأنني لا أريد مساعدتهم ولكن بسبب كثرة الحالات التي تصلني، أضع الأولوية للأشد حاجة، لذا يعتقد البعض أنني لا أرغب بمساعدته.

إنهم لا يعلمون أن من يساعد الآخرين إنما يُساعد نفسه في الحقيقة، ويدّخر الكثير من الأجر والثواب، إنها مثل نبع الخير الذي لا ينضب، وإنما يتجدد ويزيد تدفقه أكثر.

- التفكير بالانتحار

لمحته يبكي بصمت، قلت في نفسي ربما سمع خبرا عن إصابة أحد أقاربه بمكروه.

مشيت خلفه قاصدا مواساته، أقاسمه همه وأحثه على الصبر والاحتساب والرضى بقضاء الله وقدره.

عند اقترابي منه وجدته وقد قام بلف قطعة قماش متدلية من سقف الزنزانة على رقبته، قاصدا الانتحار، هي المرة الثانية التي أجده عازما على الانتحار.

فسارعت في إبعاد قطعة القماش من رقبته، وسألته: لماذا كل هذا؟ ما الذي يستدعي إنهاء حياتك؟

أجابني: عذبوني.. سألته: من هم، وكيف عذبوك؟ سكت ولم يجبني.. سألته: أي تعذيب هذا الذي يدفعك للانتحار؟

أجابني: حبسوني، وأطفالي هناك خارج السجن بحاجة لأن أكون بجانبهم.

سألته: لماذا أنت هنا في السجن، ما تهمتك، وما هي قصتك؟ قص عليّ حكايته والتي توقفت عند قيامه بتسديد كل ما عليه من مبالغ، ولم يتبق منها سوى 687500 ريال يمني، وإنه غير قادر على تسديدها.

قلت له: كل هذا الظلم وتريد الانتحار، خاف الله في نفسك وشبابك.. رد صارخا في وجهي: لقد أضاعوا شبابي.

قلت له: أنت مظلوم ومعسر، والحل لا يكون بالانتحار، إنك بعملك هذا أجرمت في حق نفسك وخسرت دنياك وآخرتك، وأجرمت في حق أهلك وأطفالك، أنت في وضع خطير راجع حساباتك مع الله قبل أن تهلك نفسك.

وبعد محاولات عديدة، وفشلي في تراجعه عن قرار الانتحار، وصلت إلى حل وهو إعطائه دفعة من الأمل، فأخبرته بأن أيام خروجه من السجن أصبحت وشيكة، وبأنني أعرف الكثير من أصحاب الخير، سأطرح عليهم موضوعه، وإنني قادر على إقناعهم بدفع بقية المبلغ الذي عليه.

كذبت عليه مضطرا حتى لا ينفذ ما هو عازم عليه، وليس لأنني قادر على مساعدته، فأنا لا أعرف أحدا يمكنه مساعدته بعد الله عز وجل سواكم أنتم أصدقائي، وها أنا أضع موضوعه عليكم راجيا من أهل الخير مساعدته كل على حسب قدرته، كما أتمنى منكم أصدقائي مشاركة منشوري هذا ليصل إلى أكبر عدد ممكن، والدال على الخير كفاعله.

- ملاحظة: لم تمر سوى أيام معدودة على إنزال هذا المنشور في صفحته، ليصبح السجين المعسر خارج السجن.

كلمات دالّة

#اليمن