الجمعة 26-04-2024 08:07:19 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مشكلة تعز.. صراع بلا بوصلة (2) (أثر الاستقطاب السياسي على مسار التحرير)

الخميس 11 إبريل-نيسان 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - محمد المياحي - خاص

  

مدينة حية ويقظة، ومجتمع ذو وعي سياسي مرتفع، وتيارات سياسية متعددة، ونشاط إعلامي واسع، إضافة لوضع عام يتعلق بمعركتها ضد الانقلاب، كل هذه العوامل المتشابكة التي تعيشها تعز جعلت منها بيئة خصبة لحالة استقطاب سياسي حاد، خرج عن طوره إلى ما يشبه التشظي المجتمعي في ظرف تأريخي حساس تعيشه البلاد، وشعب يخوض معركة تحريرية كبرى لاستعادة الدولة ودحر بقايا الانقلاب.

وفي هذه الحلقة سنحاول مقاربة الوضع السياسي في تعز وتوضيح جوهر القضية وأسبابها.

* التعددية السياسية في تعز

(التحول من عامل قوة لعامل ضعف)

من حيث المبدأ يمكن القول إنه من الطبيعي؛ بل ومن الجيد أن يكون الفضاء السياسي في أي بلد ذي طابع تعددي وبأن هذا عامل مهم يثري واقع العملية السياسية، وهي حالة صحية تمتاز بها النخب المتنافسة في أي بلد ديمقراطي، ذلك أن في تعددها وتباين رؤاها ثراء يعكس حيوية التوجهات التنافسية في الأوساط الشعبية، وهو أمر طبيعي حالما تمكن المتنافسون من تحويل تصوراتهم المتعددة إلى برامج عملية لخدمة الشعب وتلطعاته.

لكن المعضلة تبرز في اللحظات الاستثنائية من تأريخ الشعوب، وحين يكون التعدد غير محكوم بمبادئ عامة تمنع إنزلاقه لنوع من المماحكات والمعارك العبثية، في هذه الحالة يتحول هذا الثراء إلى عامل انقسام وشرخ اجتماعي داخل الصف المدني، وهذا الانحدار يسهم في خلخلة التيار الحامل للمشروع الوطني، بما يضعف الأداء ويتسبب بشتات في الرؤية وتضارب في المواقف الكبرى؛ لدرجة أن الجزء الأكبر من خطاب القوى السياسية صار متوجهًا للنيل من شركاء الهدف الواحد بدلا من توحيد الجهود ضد العدو الأكبر لليمنيين المتمثل في أحفاد الإمامة والإماميين الجدد (الحوثيين).

* من يحصد ثمرة الإنقسام؟

(استعداء الإصلاح.. خدمة مجانية للحوثي)

في نهاية المطاف، يمكننا القول إن محصلة هذا الارتباك العام في تعز، والمتمثلة في صراع النخب السياسية وتحول التعدد السياسي فيها إلى حالة من العداوات المستفحلة ضد شركاء النضال. من الطبيعي أن تكون المحصلة هنا خدمة مجانية للحوثي، حيث إن محاولتك إضعاف شريكك الوطني أو شيطنته تصب في صالح الطرف المناهض للمشروع الوطني، وهو في هذه الحالة جماعة الحوثي التي يخوض الشعب مواجهة ضدها منذ أربع سنوات، فلا يوجد من هو مستفيد من حالة الاستقطاب في تعز أكثر من الإماميين الجدد الذين يتفرجون على ما يحدث فيها ويشعرون بالارتياح أكثر.

* أسباب الانقسام وتعمق الاستقطابات

هناك عوامل كثيرة أوصلت الحالة في تعز إلى هذا المستوى من التمزقات، فإلى جانب غياب الرؤية الوطنية الجامعة لدى النخب المدنية المشاركة في عملية التحرير وطول زمن المعركة، هناك أيضًا العامل الخارجي الذي يصعب تجاوزه هنا، فكثير من القوى السياسية يتجلى في مواقفها -وبوضوح- أثر الدور الخارجي في توجيه الموقف ودفع بعض القوى لاتخاذ مواقف عدائية، غير مبررة، تجاه أطراف رئيسية في المعركة الوطنية التي يخوضها أبناء تعز ضد الانقلابيين.

* أثر الاستقطاب على دور تعز المحوري

من المعروف أن مدينة تعز تمثل رافعة المشروع الوطني الأكثر أهمية والأرضية الصلبة لمشروع الدولة في الشمال، حيث تزداد الأهمية المحورية للمدينة كونها تمثل المخزون البشري المساند للشرعية ومحضن الطبقة المثقفة في البلاد والتي تشكل اليد الناعمة للشرعية في سعيها لاسترداد الدولة.

ومع أن تعز لا تزال أهم مدينة شكلت مقاومتها للحوثي عامل حاسم في تقويض مشروع المليشيا في كامل البلد، إلا أن الاستقطاب الحاصل في المدينة والذي تضاعف في الفترة الأخيرة، أثر بشكل كبير على دورها في الصراع العام ضد مليشيا الانقلاب، فبدلا من أن تتكثف الجهود لدحر ما تبقى من المليشيا في أطراف المدينة، إذا ببعض الأطراف المحسوبة على قوى التحرير توجه جهودها في اتجاهات خاطئة وهذا بلا شك يطيل زمن بقاء الحوثي ويعرقل خلاص أبناء المدينة من عبث الانقلابيين.

* خطأ الشرعية

من أهم مواطن القوة التي لم تتقن الشرعية استثمارها كما يجب في معركتها ضد الانقلاب، هي قضية تعز، ومع أن معركة تعز مع الانقلابيين كانت مصيرية بالنسبة لبقية المعارك في كامل البلاد، إلا أن الشرعية لم تبذل جهدا كافيًا لتخليصها بسرعة من أيديهم، وهذا ما شكل ثقبًا كبيرا حرم الشرعية واحدًا من أهم عوامل استقرارها داخل البلد، وساهم في إظهار شقاقات كثيرة داخل الصف الشرعي الواحد فتأخير حسم المعركة الأمر الذي مكّن أطرافا كثيرة من الدخول على الخط وإفساد المعركة من داخلها أو على الأقل حرفها عن مسارها كما هو حال المدينة اليوم والصراع المحتدم فيها.

الخلاصة:

هناك تأثير متبادل، بين مسألة الانقسام السياسي وحالة الاستقطاب وبين معركة التحرير، حيث تأخر حسم المعركة فتح أبواب الانقسام، وبالمقابل شكل الانقسام وما يستتبعه من آثار؛ عامل معيق لمسار التحرير.

وإذا ما حاولنا إجمال المشكلة، لا شك أن الشرعية والنخب السياسية الموالية لها فرطوا -بقصد أو بدون قصد- بواحد من أهم عوامل حسم معركة التحرير الوطني مع الانقلابيين، وهو عامل الاستقرار لمدينة تعز؛ كونها قاعدة ارتكاز يقوم عليها أي نظام يريد أن يحكم قبضته على البلاد. حيث إن استقرارها كان سيترك أثرا إيحابيا على تماسك الشرعية أكثر وتمكنها من تعجيل معركتها ضد خصومها الانقلابيين في باقي جبهات البلاد. فلا تنتصر قوة في الشمال بدون تعز، ولا تنهرم دولة تؤيدها تعز، وما زال الزمن ممكنًا لمراجعة سياسية الشرعية تجاه تعز واستعادة إمساكها بالملف السياسي والعسكري فيها؛ لتسهم في تثبيت وجودها أكثر والتعحيل بسقوط الانقلاب.

وعلى كل حال، ما زال أمام النخب السياسية في تعز فرصة لعمل مراجعات حقيقية لوضعها الحالي وخطابها ومواقفها وتلافي حالة التخبط الذي تعيشه، وتوجيه أدواتها الإعلامية بما يخدم المعركة الأصلية للمدينة بدلا من تعميق حالة التيه وبعثرة الجهود وتكريس مزيد من العداوات المجانية ضد شركاء الهدف والمصير الواحد.

كلمات دالّة

#تعز