الجمعة 26-04-2024 12:04:03 م : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ودعوات المصالحة الوطنية

الأحد 10 مارس - آذار 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص
 

   

لا تمر مناسبة إلا ونسمع عن دعوات رسمية للمصالحة الوطنية من هنا وهناك، غير أن أكثر هذه الدعوات كان مصدرها أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهذا القول ليس تحيزًا أيديولوجيًا، بقدر ما هو معلومة تقريرية يمكن لأي باحث ومتابع التأكد بشأنها عن طريق عملية فرز ومراجعة سريعة لدعوات المصالحة طيلة الفترة الماضية التي طرحت على الفضاء العام.

وفي هذا الوقفة سنحاول قراءة الموضوع في تقريرين، الأول يتناول هذه الدعوات بشكل عام ودوافعها وأبعادها والأهداف التي ترمي إليها، وتقرير آخر يقارب الجدوى العملية لهذه الدعوات وضرورتها المرحلية والوطنية ومعيقاتها وفرص النجاح الممكنة أمامها.

 

* دوافع حزب الإصلاح ودعوات المصالحة

المتتبع لتأريخ حزب الإصلاح منذ البدايات الأولى لتأسيسة وحتى اللحظة؛ يدرك مدى تجذر مبدأ الإيمان بالحوار مع الآخر والمصالحة كنهج راسخ في سلوك الحزب وتصريحات مسؤوليه على امتداد مراحل النضال، هذا المبدأ يعد بمثابة الدينامو الأساسي والمحرك لدعوات المصالحة المتكررة التي يطلقها الحزب بين الفينة والأخرى.

وبالنظر للخلفية الأيديولوجية للحزب، يمكننا القول إن دوافع حزب الإصلاح في دعواته للمصالحة، تنطلق من أساسات فكرية بنيوية تتعلق بمنهجية التنظيم وأهدافه العامة والرامية لتوحيد الشعب وتجاوز كل الشقاقات الهامشية التي تبدد طاقات الأمم. فنحن إزاء تنظيم ذي أبعاد غائية كبرى، تتعلق بمصير الأمة وليس فقط الاشتغال على متطلباتها الظرفية.

 

* الصراع الهامشي يهدر المشتركات

لجانب الهدف العام السابق والذي يصنع دوافع الحزب ورغباته الدائمة بالمصالحة، هناك إيمان عام لدى قيادة هذا التنظيم بأن المشتركات التي بين الشعوب أكبر من نقاط الخلاف، وبأن تعقد صراعات الأمة يجعلها أسيرة لخلافاتها الصغيرة تلك التي تعيق وحدتها ونموها الطبيعي وتؤخر مسيرة نهضتها ولحاقها بالأمم الصاعدة والمستقرة، الأمر الذي تتلاشى معه المشتركات الكبيرة وتنطمر تحت الأهداف الصغيرة، رغم أنها مشتركات قوية وصلبة ويمكن دائما البناء عليها حالما توفرت الإرادة الصادقة والرغبة في تجاوز الشقاقات الصغيرة لصالح الهدف الكبير.

هذا الهدف، هو ما يجعل الحزب ينتهج سلوكًا أكثر براجماتية ويبدي استعدادا للالتقاء مع أكثر القوى افتراقًا معه في المنهج السياسي، سواء تلك التي يغلب عليها الطابع اليساري أو القوى الليبرالية ذات الطابع القومي، والقوى السلفية الحركية في الجانب الآخر، وهذه الأخيرة تبدو أكثر اقترابًا منه على صعيد المنهج السياسي العام.

 

* دعوات المصالحة وتجاوز الانتهازية

بناء على ما سبق، تبدو إستراتيجية الحزب في دعواته للمصالحة، إستراتيجية ذات أبعاد وطنية أكثر من كونها خطة ظرفية بدوافع انتهازية تتعلق برغبته في حصد مكاسب سياسية هنا وهناك، كما هو حال الاشتغال السياسي الغالب على مناهج الأحزاب دائمًا.

وللتدليل على واقعية هذا الدافع وموثوقيته علينا العودة قليلًا للماضي القريب، وقراءة مسار دعوات المصالحة ونتائجها، ففي كل محطات المصالحة كان الحزب أكثر القوى الوطنية دعوة للمصالحة وحرصًا عليها وأقلها حصدًا للمكاسب رغم وزنه السياسي المعتبر وحجم تأثيره على الساحة، وهذا ما يحسم مسألة دوافعه وكونها تأتي من منطلقات وطنية صرفة ومتجاوزة للأنانية السياسية وجشع المكاسب الظرفية.

 

* الأبعاد السياسية في دعوات المصالحة

البلدان التي تعيش حالة من الاضطرابات السياسية وتعاني من تمزق في وحدتها الوطنية وتحيط بها مهددات وجودية كالحروب والأزمات وتفكك المجتمعات وربما وصولا لتعرض جغرافيا البلد للتشطير، في هذه الحالة لا يكون للعمل السياسي الفردي والتنافسي أي معنى ولا يمكن لقوة سياسية أحادية مهما بلغت قدرتها أن تستطيع تجاوز الوضع عن طريق العمل بمفردها.

انطلاقًا من هذه الحقيقة الواقعية، يدرك حزب الإصلاح بأنه لا مخرج من حالة التشظي المجتمعي والانقسام السياسي الحاد، سوى عن طريق العمل الجماعي وبناء تحالفات سياسية جامعة تحمل على عاتقها مهمة استعادة البلد وتحقيق السلم الأهلي وتنطلق من القواسم المشتركة بين القوى الوطنية ذات الأهداف الموحدة، وللحزب تجارب كثيرة مع هذه الفكرة؛ لعل أبرزها تجربة اللقاء المشترك وكيف شكل أنموذجا للمصالحة السياسية بين قوى المعارضة من أقصى اليمين لأقصى اليسار ونجح في مدافعة النظام السياسي وتشكيل جبهة قوية لمناهضته.

 

* خلاصة أولية (رؤية الحزب الإجرائية للمصالحة)

إجمالا لما سبق، ومن واقع قراءة الإجراءات العملية التي يدفع باتجاهها الحزب لترسيخ خطوات المصالحة، كان التنظيم وما زال من أكثر القوى الوطنية تمسكًا بمبدأ الشراكة الوطنية، لاحظنا هذا من زمن الثورة مرورا بالمبادرة الخليجية ووصولا للمرحلة الانتقالية والحوار الوطني حتى الانقلاب وإلى هذه اللحظة.

حيث كل دعوات الحزب للمصالحة تؤكد على الشراكة الوطنية كأرضية مهمة وضرورية لتحقيق التوازن السياسي وترسيخ قواعد العمل المدني في بلد ما زالت بنيته السياسية هشة وقابلة للتفكك في أي لحظة، ومن هذا المنطلق تتأكد لنا غاية الحزب من دعوات المصالحة التأريخية، تلك الغايات المتعلقة بضرورة لملمة الصف الجمهوري وبناء جسر سياسي لاستعادة الدولة والتصدي لكل مشاريع الارتداد الصغيرة التي تمثلها جماعات العنف والقوى المعادية لمشروع الجمهورية والدولة المدنية.

ملاحظة: في التقرير القادم سنتناول جدوى هذه الدعوات لتوحيد الصف الجمهوري ومعيقاتها وفرص نجاحها حالما تمكنت من التجسد كواقع في طريق استعادة الجمهورية.

 

يتبع..