الجمعة 26-04-2024 03:42:26 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

11 فبراير.. جماليات الثورة والسقوط السياسي.. عوائق الحوار (الحلقة الثالثة)

السبت 16 فبراير-شباط 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عبد العزيز العسالي
 

 

تنويه

اخترنا مفردة "السقوط السياسي" تلطيفا، متعمدين مخالفة المصطلح المتعارف عليه عند علماء الاجتماع السياسي وهو "الانحطاط السياسي".

مقدمة

يتفق علماء الاجتماع السياسي حول مفهوم الانحطاط أو السقوط السياسي بأنه يتمثل في جانبين:

1- الجانب الإداري، وهذا معناه: التدخل الواضح بكل وقاحة من صاحب السلطة العليا أو رأس الحكم في مهام الجهاز التنفيذي دون استثناء من أعلى إلى أسفل السلم الوظيفي.

2ــ الجانب التنموي، ويتمثل في الجمود التنموي التام، إلا أن تكون التنمية تصب في خدمة عصابة الحكم وزعيمها فقط، وعليه، سنتحدث في محورين:

 

المحور الأول: حقائق يعلمها الكثير

1ــ انطلق اليمنيون أصحاب الدراسات العليا في الأقطار العربية لاستكمال دراساتهم العليا، فهل سكتت عصابة الإفساد؟ لقد وجهت رسائلها إلى سفاراتها بعدم قبول أي متقدم لا يحمل إرسالية التعليم العالي.

2ــ صدرت التعليمات إلى المالية بعدم قبول المنح الدراسية العليا في العلوم الإنسانية.

3ــ أبناء العصابة هم:
ــ طلاب في مجال البكالوريوس وليس دراسات عليا، وهم فاشلون في العلوم الإنسانية.
ــ وهم الملحقات الثقافية.
ــ تجاوز بعضهم 13 عاما مسجل طالب وهو ملحق ثقافي يأخذ راتبين.

4ــ أما بيت الفساد الأعلى فقد كشفت سجلات الرقابة والمحاسبة أنه تم اعتماد زوجة ابن الزعيم بصفة ملحق دفاع جوي، وهو توصيف مخزٍ غير متعارف عليه.

5ــ سجل الرقابة كشف عن زوجة أخرى لأبناء الزعيم راتبها 600 دولار كملحق ثقافي، وراتب طفلتها عمر عام واحد 3200 دولار مقابل حضانة شهرية.

6ــ ابن الزعيم والذي أخذ دورة في الكلية الملكية بلندن عشرة أشهر فقط برسوم الدورة 110 آلاف دولار لكن راتبه وزوجته وطفلته والسكن والأثاث... إلخ، تجاوز 15 مليون دولار، وبعد عشرة أشهر يعود برتبة نقيب ويتسلم اللواء الثالث جبلي حرس.

7ــ أحمد علي قضى ثمانية أشهر في الأردن دورة عسكرية ليعود برتبة "رائد"، ويعاد فورا إلى الكلية بالأردن ويتم طبخ دورة أسبوعين فقط ويأتي بصحبة الملك حسين وعلى كاهله رتبة مقدم، ويتسلم قيادة الحرس العائلي، وتم إضافته في كشف خريجين -أقران- كشف وهمي خلال شهر ليكون عقيدا وبعد عام فقط أصبح عميدا.

بالمقابل، الطلاب اليمنيون المبتعثون رسميا للدراسات العليا يقضون العام كاملا بلا رواتب.. تلك لفحةٌ متعفنةٌ انبعثت من مستنقعات الفساد الممنهج الهادف إلى تدمير الشعب.. السؤال: هل انطبق كلام علماء الاجتماع السياسي؟

 

المحور الثاني: خيارات التخلف

إزاء هذا الانحطاط أو السقوط السياسي، سلك الزعيم طريقين: الأول،
اختيار طريق المحاذير الثقافية المدمرة لجسور التواصل بينه والشعب، كي يستمر في غيه وإفساده، علما بأن سلوك هذا الطريق يعلمه طلاب العلوم السياسية في السنوات الأولى في الجامعات. هذه المحاذير الثقافية المدمرة طالما حذَّر منها ومن مغباتها الكارثية علماء الاجتماع السياسي. والطريق الثاني، الاستمرار في الانحطاط السياسي.

فإلى الطريق الأول: المحاذير الثقافية المدمرة

يحذّر المتخصصون الحكومات من الاقتراب نحو ما يفسد أو يدمر العلاقات، موضحين مخاطرها الكارثية على الصعيدين المحلي (بين الحكومات وشعوبها)، أو على صعيد العلاقات الدولية، موضحين هذه المحاذير بأنواعها، وأصبحت هذه المحاذير من المبادئ البدهية في مجال إدارة الحكم، قد سردناها على النحو التالي:

1ــ الانغلاق والعكوف حول الذات، أي خطاب منغلق مفاده أن الصواب كله عند الزعيم لا غير، وأي كلام غيره فهو تآمر على النظام.

2ــ الصِّفرية، والمقصود أنه إذا حصل تقدم في نقطة من نقاط الحوار بين السلطة والشعب، فإن السلطة بعد ساعات تصطنع معوقات لتعود إلى الصفر، يعني إلى الانغلاق، ومن يتذكر الحوار خلال عام 2009 سيجد هذا ماثلا.

3ــ التسلط وهندسة العَداء، والمقصود هنا ببساطة هو ثقافة "ما أريكم إلا ما أرى"، وهذا معنى التسلط.

أما هندسة العَداء فالمقصود إرهاب الشعب ممثلا بمنظمات المجتمع المدني والمعارضة بأنهم متآمرون على النظام، وأنهم عملاء متربصون بالشعب والوحدة والديمقراطية ودعم الإرهاب.

4ــ الصمت والغموض، والمقصود هنا عدم الاستجابة تماما أو تقديم كلام لا علاقة له بالأزمة القائمة.

5ــ انفعال وتناقض في الأقوال ولغة مبتذلة، ومن يحب التأكد فليدخل شبكة الإنترنت ويستمع زعيم الفساد خلال تلك الفترة وسيجد إسفافا في التعبير.

6ــ تبديد الوقت، والمقصود هنا إضاعة الوقت واصطناع مزيد من الأزمات ولغة التصادم عند الحوار مع ممثلي الشعب، وأنهم السبب في إقلاق السكينة وغياب التنمية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يمارس تبديد الوقت في تقديم خطابات متوالية وطويلة ومملة، بل وتزدحم في خطاباته لغة التناحر والتهديد بأن هناك مستقبلا مظلما ينتظر أعداء الشعب وأعداء النظام والديمقراطية واتهامهم بالعمالة.

7ــ التنافر والاستلاب، والمقصود هنا أن الزعيم يختار أسوأ الشخصيات لتمثله في الحوار مع الشعب، فتأتي هذه الشخصيات بكلام مجنح بعيدا عن أي صلة بجدول الحوار أو بنود اللقاء، مركزةً جل حديثها تلويحا وتصريحا بأن هنالك إساءة إلى الزعيم وتآمر على النظام، إضافة إلى مفردات السباب والشتائم.

تلكم هي أبرز المحاذير الثقافية المدمرة لجسور التواصل والحوار.

 

الطريق الثاني: الاستمرار في السقوط السياسي

فما هي مظاهر السقوط أو الانحطاط السياسي؟ بل ما هي الأسباب والعوامل التي أدت إلى الانحطاط السياسي؟

أشرنا آنفا أن علماء الاجتماع قالوا إن الانحطاط السياسي يتمثل في "تدخل الزعيم في مهام الجهاز التنفيذي".

كنا قد ذكرنا في حلقة سابقة الصلاحيات المطلقة أنها من أسوأ مظاهر الانحطاط والسقوط السياسي، ولا نبالغ هنا إذا قلنا إن الصلاحيات المطلقة هي الحظ الديني التشريعي الذي تناسته أمة الإسلام من بعد الخلافة الراشدة حتى اليوم، {فلما نسوا حظا مما ذُكِّرُوا به أغرينا بينهم العداوة والبغضاء...}.

 

وبما أن مصطلح "الصلاحيات المطلقة" ذكرناه مجملا، فإننا سنقدم له تفصيلا موجزا على النحو التالي:

1ــ خلق الأزمات إرباكا للشعب.

2ــ نهب المال العام دون أدنى خجل، حيث لا وازع من دين، ولا رادع من قانون أو ضمير.

3ــ عبث بمقدرات الأمة وتجميد التنمية وتوجيهها لخدمة الأقارب والحاشية، وسيأتي مزيد من الإيضاح.

4ــ التدخل في السلطة القضائية، وهنا قُتلت العدالةُ.

5 ــ العبث بالموازنة العامة، شراءً للولاءات وتخريبا للذمم، وتجميدا للمشاريع وترحيلها طيلة عقود حكم الفساد.

6ــ تفريخ الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.

7ـ إنشاء عدد من الصحف تحت لافتة "صحف أهلية"، وهي تابعة للفساد الأعلى، هدفها كيل السّباب للمعارضة بل ولكل من يبدي امتعاضه من الفساد، فيكون دور هذه الصحف تتويه القارئ من خلال خلق المبررات للزعيم بأنه الوطني الوحيد الذي يكافح في عالم الإجرام، وبعضها تتخصص بنقد أشخاص محددين، وبعضها تؤدي دور تلميع وصناعة قيادات جماهيرية تعكس أنواعا من الألوان.

8ــ الاستيلاء على الشركات التجارية.

9ــ الاختطافات والاعتقالات والإخفاء القسري دون علم القضاء والنيابة، وإن علم القضاء فهو مكبل.

10ــ إفراغ القوانين والتدخل في التعيينات إلى أسفل السلم الوظيفي وتقريب المنافقين.

11ــ التدخل في صياغة القوانين، وقد سبقت إشارات سريعة في هذا الصدد.

12ــ المركزية الشديدة في الوقت الذي يدعي الزعيم أنه أعطى الصلاحيات للحكم المحلي، والكل يعلم أن المحافظين ومدراء المديريات وأمناء العموم لا ينتخبون من الشعب وإنما بالتعيين المسبق من الزعيم، ثم يكون انتخابهم ديمقراطيا، مهزلة مقرفة.

13ــ إفساد عقيدة الجيش والأمن، فالولاء لمانح وظيفة الجندي فقط، أو للشيخ الذي توسط له.

14ــ فساد لا مثيل له عالميا يتمثل في موازنات إضافية تتجاوز 50% من الموازنة العامة.

15ــ إثقال كاهل الشعب بالقروض.

16ــ بيع مؤسسات الدولة للقطاع الخاص وبأبخس الأثمان، كون الفساد هو البائع وهو المشتري والثمن من خزينة المال العام، نهب وعبث مركب.

17ــ صرف جوازات دبلوماسية لقطاع الطرق ولتنظيم القاعدة، كما صرح بهذا وزير الداخلية لصحيفة فرنسية.

18ــ تحويل اليمن إلى معبر للمخدرات إفسادا لدول الجوار، والغريب هو أن يعلن مسؤولو الفساد عن عبور أطنان المخدرات.

19ــ إهانة المواطن اليمني بل فمستشارو الزعيم يتم إيقافهم في مطارات العالم واحتجازهم بتنسيق مخابراتي عابث.

20ــ منح الصلاحيات التامة للعصابة أن تستغل مكانتها في الوظيفة للإثراء.

21ــ الهجوم على موازنات المشاريع الممنوحة من المنظمات، واختيار المقاولين الذين يدفعون النسبة مسبقا، وقد أمر الزعيم الحكومة مرارا أن تختار المقاولين المضمونين.

22ــ أجهزة الاستخبارات (أمن سياسي، أمن قومي، استخبارات عسكرية، استخبارات مركزية)، هذه أجهزة أوجدها الزعيم وجعل الأقارب متربعين على سدة قيادتها والهدف هو نهب المال العام للأبناء والأقارب أما إنها تقدم خدمة للوطن فلا.

23ــ الأمن المركزي هذا أمن للكرسي وجعل قيادته الفعلية بيد الأقارب وبعض كبار العصابة فقط.

24ــ الحرس الجمهوري هذا هو الجيش الحامي للجمهورية والنظام الجمهوري (من خلال اسمه) ولكن على أرض الواقع فالجميع يعلم حقيقة هذا الجيش وحقيقة الأمن.

بكلمة، جيش وأمن بلا عقيدة، أراد زعيم الفساد تجهيل الجيش والأمن ولسان حاله المثل الشائع "جوِّع كلبك يتبعك"، فجاءت النتيجة جاع الجيش والأمن فباع الوطن أولا ثم باع الزعيم ثانيا.

إذن كانت الثورة ثورة شعب ضد عصابة اختزلت الشعب والدولة كلها في شخص واحد، والذي دمر كل شيء وباع الجمهورية للكهف استدعاء للملَكية، وهذه الجريمة الأخيرة على فضاعتها هي أصغر سيئات زعيم التخلف والإفساد. تلكم هي لمحة سريعة عن مظاهر الانحطاط السياسي.

بقي سؤالان هما: ما هي أسباب السقوط السياسي؟ وما هي العوامل المساعدة؟ الإجابة على السؤالين وغيرهما بعون الله، هو حديثنا في الحلقة القادمة.