الجمعة 26-04-2024 16:12:17 م : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المرأة في جمعة الكرامة.. دور عظيم وشاهد على الجريمة

الأحد 18 مارس - آذار 2018 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت – خاص

    

ما إن سمعت "عُلا" أصوات الرصاص في ساحة التغيير بصنعاء، توجهت للمكان قاصدة المستشفى الميداني هناك، وحاملة معها بعض الأدوية، دون أن تعرف هول ما يحدث.

 

تقول الإعلامية عُلا المذحجي إنها لا تزال تتذكر جيدا أشلاء المصابين، وأصوات الرصاص الكثيف، ورائحة الدماء في المكان، ولا تستطيع تفسير شعورها الغريب الذي انتابها في تلك اللحظات.

 

في مثل هذا اليوم وقبل سبع سنوات، صب النظام السابق جام غضبه على الشباب السلميين في الساحة، بعد أن تجمَّع عدد من القناصين والمسلحين على إحدى مداخل ساحة التغيير، وأضرموا النيران وأطلقوا عشرات الأعيرة النارية على الثوار، من المنازل التي تمركز فيها القناصة.

 

وقتل إثر تلك الواقعة التي بات يُطلق عليها "مذبحة بلا عقاب" قرابة 50 شهيداً وأكثر من 500 جريح، في مشهد أثار غضب الداخل والخارج، كون الاعتداء تم تنفيذه بحق شباب سلميين.

 

  وغيّرت تلك الجريمة مسار ثورة فبراير/شباط 2011، التي بدلا من أن تخمد تلك الاحتجاجات، وسعت رقعت الغضب المتنامي ضد النظام السابق، وكشفت –في الوقت ذاته- عن الغموض الذي يلف تلك الواقعة نتيجة لعدم تقديم الجُناة للعدالة، وعن استبداد النظام السابق الذي واجه السلمية بكل ذلك العنف.

 

لحظات موجعة !

 

كانت "عُلا" التي تسكن بالقرب من الساحة تحرص على توثيق تلك اللحظات وتصويرها، لكنها اضطرت إلى مغادرة الساحة قبيل المغرب، بعد أن شاهدت انهيار أختها وصديقتها اللائي لم يصمدن أمام مناظر الدماء والأشلاء.

 

في معرض حديثها لـ"الإصلاح نت" تقول الشابة العشرينية:  "ذكرتيني بوجع أحاول أن أجعله في خانة النسيان".

 

واستدركت: "كان شعوري سيئا للغاية، فلقد شعرت بالخيبة والظلم نتيجة لاعتداء مسلحين على محتجين سلميين.. أكاد لا أصدق أن هناك من يقتل الغير بتلك الوحشية لأجل المال فقط"!

 

"وصلنا البيت نبكي بحرقة، لعدم قدرتنا على المساعدة بالشكل المطلوب، وبسبب المشاهد التي رأيناها في المستشفى الميداني.. كنا نتمنى أن لا نعود إلى المنزل إلا وقد أوجدنا حلا جذريا لكل ما يحصل"، تتابع عُلا.

 

لم تكن عُلا تتوقع أن تتكرر مثل تلك المجازر، لكنها حدثت منذ ذلك اليوم وحتى الآن في عدد من المحافظات، خاصة بعد الانقلاب واندلاع الحرب في أغلب محافظات اليمن.

 

فاجعة

 

استطاعت عُلا أن تقوم ببعض المهام في ذلك اليوم كالتوثيق وتقديم الأدوية، بينما تسلط الضوء –من جهتها- الناشطة الشبابية سعادة علاية، على أدوار أخرى قامت بها المرأة في الثامن عشر من مارس/آذار كالإسعاف في المستشفى الميداني وتحضير الطعام للشباب في الساحات.

 

وتذكر سعادة في حديثها مع "الإصلاح نت" أنها في ذلك اليوم كانت تستعد مع بعض صديقاتها لعمل فعالية في ساحة التغيير، وهو ما لم يحدث بعد عودة إخوتها إلى المنزل وهم غير مصدقين أنهم قد نجوا من الموت بأعجوبة، خاصة أن أحد الشباب سقط جوارهم قتيلا برصاص قناصة.

 

وتتابع: "خرجت بعد ذلك من منزلنا الواقع بتقاطع شارع 16 وتوجهت نحو الساحة، ولم أتمكن من الدخول نظرا لانتشار قوات مكافحة الشغب التي كانت ترش الماء الساخن على الناس وتعتقل الشباب المعتصمين".

 

وتؤكد الناشطة الشبابية، أنها لم تستطع أن تصدق حتى اليوم ذلك المشهد، وكل تلك الدماء التي كانت تسيل، والعنف الذي مارسته قوات النظام السابق ضد الشباب السلميين.

 

مهام عديدة

 

لم يقتصر دور المرأة في جمعة الكرامة على القيام بتقديم الإسعافات الأولية للمصابين، الذين كانوا يتساقطوا نتيجة إطلاق القناصين الرصاص عليهم، أو عملها في توثيق الجرائم التي حدثت في ذلك اليوم.

 

فقد مثلت المرأة عامل إسناد معنوي ونفسي للمصابين بالغازات الخانقة، وذوي المصابين والشهداء، الذين لم يصدق أهاليهم ما حدث.

 

ولهول الصدمة التي تعرض لها الشباب في ذلك اليوم، ظل الكثير من الثوار بدون طعام، فقمن النساء اللوائي يسكن بالقرب من الساحة بإعداد الوجبات لهم.

 

كما وزعت كذلك النساء البصل للشباب الذين تعرضوا لوابل من القنابل المسيلة للدموع، كون البصل معروف بفاعليته في التخفيف من أعراض تلك القنابل.

 

وقمن كذلك بالحراسة في مداخل الساحات، وتفتيش الداخلين إليها، حفاظا على حياة الشباب المرابطين في الساحة، من تسلل أفراد الأمن إليهم.

 

تغيير مسار الثورة

 

وجاءت مجزرة الكرامة بعد أسابيع فقط من حدوث ثورة 11 فبراير/شباط 2011، التي خرج فيها الشباب يطالبون بحقوقهم والعيش بكرامة وإسقاط النظام.

 

لكن مطالبهم تلك لم تجد آذانا صاغية، وقوبلت بالعنف غير المبرر، الذي اعتقد النظام السابق أن بإمكانه عبره أن يقضي على تلك الثورة.

 

وأدت تلك المجزرة التي ارتكبها النظام السابق بحق شباب التغيير السلميين، إلى ضعف النظام بصورة غير متوقعة، بعد أن تزايد غضب اليمنيين من تلك الجريمة، وانشق العديد من القادة العسكريين والسياسيين والدبلوماسيين عن النظام وانضموا لها.

 

وغيَّرت تلك الواقعة من مسار الثورة وتوسعت مطالب الثوار، وانضم إليهم آلاف اليمنيين الذي خرجوا في مختلف الساحات يطالبون بإسقاط النظام.

 

غياب العدالة

 

وفي كل عام تحل فيه على اليمنيين ذكرى جمعة الكرامة، تتذكر بوجع كبير ذلك اليوم النساء اللائي فقدن أحد أقربائهن في تلك المجزرة.

 

وتضاعف معاناتهن  استمرار حبس بعض الثوار حتى اليوم، وعدم محاكمة كل القتلة المتورطين بمجزرة جمعة الكرامة.

 

وبرغم أن العمل على ملف محاكمة القتلة بدأ مبكرا من قِبل عدد من المحامين، لكن المحاكمات وصفت بـ"الهزلية"، ولم ينل أي متهم عقابه.

 

وفي كل عام تطالب المنسقية العليا للثورة الشبابية السلمية في اليمن، بضرورة محاسبة القتلة، مؤكدة أن نفاذهم من العقاب العادل، يعد حافزاً لهم في ارتكاب المزيد من المجازر والجرائم التي عجّت بها خارطة الأرض اليمنية.