السبت 27-04-2024 00:07:17 ص : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المليشيا الحوثية تختطف القبيلة وتعمل على تطييفها

الخميس 24 مارس - آذار 2022 الساعة 01 مساءً / الإصلاح نت-خاص | توفيق السامعي
 

 

لم تحد المليشيا الحوثية قيد أنملة عن أسلافها السابقين من أئمتها عبر التاريخ الذين غرروا بالقبائل وخدوعها باسم الدين والمظلومية والشرف والرفاهية والعطاء وتبوؤ الرتب المختلفة، ثم ما لبثوا أن ضربوا هذه القبائل بعضها ببعض لإضعاف قوة الشعب اليمني وعدم مواجهة مشروعهم السلالي الطائفي، من خلال اتخاذ سياسة فرق تسد التي عرفوا بها عبر التاريخ.
بالعودة إلى التاريخ الإمامي ودراسته بتمعن شديد سيجد الباحث أن القبيلة، أو الوحدة الاجتماعية بشكل عام، مثلت كابوساً مؤرقاً للمشروع الإمامي، خاصة تلك القبيلة التي تمتلك نوعاً من التنوير والمعرفة مهما قل أو كثر، أو التعصب للعرق والقومية، تستخدم الإمامة معها كل وسائل المكر والخديعة والتشويه وصولاً إلى تدميرها واجتثاث قوتها حتى لا يعلو صوت فوق صوت الإمامة، ولا تجارة فوق تجارتها، ولا ثراء فوق أثريائها، ولا نسب فوق نسبها، ولا عصبة فوق عصبويتها.
فمن خلال تتبع سلوك ونهج هذه المليشيا منذ أن سيطرت على دماج والتحرك نحو صنعاء، نجد أن الحوثية استعانت بالقبيلة، فقربت مشايخ وأبعدت آخرين، وصنعت أصناماً من مشايخ ورقية في القبيلة الواحدة يتبعونها من اللصوص وقطاع الطرق والمهمشين مجتمعياً ومنحتهم المال ومكنتهم من أدوات التسلط والقمع لمواجهة المشايخ الحقيقيين والتاريخيين من ناحية، ونخر القبيلة من داخلها من ناحية أخرى، لرفد حروبها وتكثير سوادها بالبسطاء المعدمين الذين يفرحون بالصرفة اليومية ويرضون بأقل القليل، والتابعين من الرعاع الجهلة ليسهل تحشيدهم.
عودة نظام الرهينة
مع اجتياح المليشيا الحوثية للمدن اليمنية، ومع شن حروبها على اليمن واليمنيين، اتخذت هذه المليشيا سياسة قديمة وهي نظام الرهينة، بحيث تأخذ بعض أبناء المشايخ والوجاهات القبلية كرهائن لضمان ولاء قبائلهم والسير خلفها لحشد العناصر القتالية للجبهات خاصة بعد عاصفة الحزم.
حيث ورد في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش في 25 سبتمبر 2018 أنها وثّقت 16 حالة احتجز فيها الحوثيون أشخاصا بطريقة غير قانونية، غالبا لإجبار أقاربهم على دفع المال أو لمبادلتهم مع محتجزين لدى قوات معادية. واعتبرت "احتجاز الرهائن انتهاكاً خطيراً لقوانين الحرب وجريمة حرب".
ففي الخامس والعشرين من ديسمبر 2017 احتجزت المليشيا الحوثية ثلاثة من أبناء مشايخ مديرية العدين وهم: أمين عبدالواحد احمد مرشد الشهاري ـ نجل أمين عام المجلس المحلي في العدين ونجل الشيخ أمين عبدالواحد الشهاري ومعمر أحمد علي عبدالباقي الشهاري نجل عضو مجلس نواب سابق عن حزب المؤتمر.
وأكدت مصادر صحفية أن الحوثيين أخذوهم كرهائن خوفاً من التحشيد ضدهم في المواجهات التي أعقبت مقتل الرئيس السابق صالح مع الحوثيين.
تقوم المليشيا الحوثية باختطاف وإهانة المشايخ التاريخيين لقبائلهم وصناعة شيوخ من الصفر من أصحاب السوابق والمحكوميات والتحكم بقبائلهم بعد أن توفر لهم كافة وسائل الدعم، وخير مثال على ذلك صناعة أبو علي الحاكم، وصادق أبو شوارب وغيرهم الكثير.
غالباً ما تلجأ المليشيا لاختطاف المشايخ واعتقالهم وإخفائهم للضغط عليهم لتوفير مقاتلين من قبائلهم استجابة لما يصفونه بـ"مواجهة العدوان"، كما تقوم بتصفية بعض المشكوك بولائهم لقيادتها عن طريق عناصر تابعين لها في جهاز يسمى الأمن الوقائي، وهو الذي يقوم بتتبع العناصر الفارة من المعارك لقتلها خلف الجبهات ورمي التهمة على القتال في الجبهات.
فالقبيلة اليوم لم تعد ترتبط بأية مصالح داخل الوطن ولا تجد نفسها إلا وجهاً لوجه مع المليشيا الحوثية التي باتت هي كل شيء، وارتبطت مصالح القبيلة حالياً مع هذه المليشيا خاصة وقد ضيقت عليهم في الخدمات العامة وصولاً إلى أخص الخدمات التي تلامس حياة الفرد سواء كان شيخاً أو فرداً عادياً.
ولقد كان من أهم أهداف الحوثية للتعامل مع القبيلة هو استنزافها في الجبهات، واستخدامها كخزان بشري جاهز عند الطلب للمواجهات سواء الداخلية أو الخارجية، والحفاظ على عناصرها المؤدلجة كمشرفين فقط وحاشدين وجابيي أموال، والحفاظ على السلالة من الاستنزاف حتى تثمر تمرداً جديداً مع الزمن والأيام.
استنزفت مارب وتعز كثيراً من القبائل، وصارت القبائل تشهد كل يوم جنائز متعددة ومآتم مستمرة، حتى أنها ضحت بخيرة شبابها ولم يبق منهم إلا الأطفال والكهول، مع أن أيادي المليشيا لم تستثن الأطفال وامتدت إليهم مغررة بهم تارة وإجبارهم بالإرهاب تارة أخرى حتى استخدمت معهم وسائل الإختطاف والدفع بهم إلى الجبهات.

خديعة القبائل والغدر بها

بعد أن استكملت المليشيا الحوثية مسيرتها التدميرية في الانقلاب على مؤسسات الدولة، والتي كانت تغري القبيلة بالكثير من الأموال ووعود المناصب والمنح الغذائية والخدماتية ومنح السلاح وغيرها، استتب لها كل شيء، ووجد زعماء القبائل أن وعود المليشيا ليس إلا وعود عرقوب تراجع البعض منهم عن تقديم الدعم والمساندة بالحشد والمطالبة ببعض الاحتياجات فتنكرت الحوثية لهم وأدخلتهم في صدامات مع مشرفيها المؤدلجين السلاليين الذين لهم الكلمة الفصل في النهاية فقام البعض منهم بتصفية بعض المشائخ وسحلهم على مرأى ومسمع من القبيلة والناس، ليكونوا عبرة بهذا الإرهاب لغيرهم، ومرة أخرى تحقق المليشيا الحوثية مكسباً في إخضاع رافعي الرؤوس وتطويع قبائلهم أو من سمع بهم.
ففي أغسطس من العام 2016 اختطفت المليشيا الحوثية الإرهابية أربعة مشايخ من مشائخ البيضاء وهم الشيخ أحمد صالح العمري، والشيخ محمد أحمد العمري، والشيخ صالح سالم بنه، وصالح أحمد صالح العمري، وقتلتهم غدراً بعد أن استدعتهم للحوار والتفاهم.
لقد كان الإرهاب الحوثي عبر وسائل الإعلام يسبق تحركاتهم ووصولهم المناطق المختلفة التي طانت تسلم تباعاً لهم خوفاً من أساليب البطش والإرهاب المتبع من قبل هذه المليشيا، وبذلك سهل احتلال المحافظات والمدن الأخرى.

تصفية المشايخ بعد استخدامهم

بعد أن استخدمت المليشيا الحوثية بعض القبائل ومشايخها في الانقلاب وتدمير مؤسسات الدولة وقتل معارضي الانقلاب، عادت لتصفي من وقف معها، وجازتهم جزاء سنمار.
فمن ذلك مثلاً ما حصل للشيخ سلطان الوروري الذي قتلوه شر قتلة وأذلوه ورموه في العراء في رسالة متواصلة من الحوثيين لكافة المواطنين اليمنيين بأن هذا مصير مشايخهم وأعيانهم وكبارهم، وأنه لا يمكن أن يكون هناك أي اعتبار لأي شخصية مهما بلغ شأنها.
الشيخ الوروري كان أحد أبناء منطقة قفلة عذر بمحافظة عمران و أحد أبرز المشايخ الذين سهلوا للحوثيين دخول محافظة عمران وقاتل معهم قتالاً كبيرا، وكان على تواصل وتنسيق مسبق مع المليشيا الحوثية قبل دخولهم وسيطرتهم على عمران، كما أسهم مساهمة فاعلة ومشاركة في اقتحام معسكر اللواء 310 والغدر بقائده الشهيد العميد حميد القشيبي.
وسبق مقتل الوروري مقتل الشيخ أحمد سالم السكني، إلى جانب مقتل عدد من المشايخ والأعيان في محافظة صنعاء وعمران، وهم: أحمد سالم السكني، زيد جزيلان البرطي، إسماعيل عبدالقادر سفيان، سلطان محمد الوروري، محمد المطري، مجاهد قشيرة، جلال محسن منصور، محمد الشتوي، هادي الشتوي، أحمد الشعملي، أحمد مصلح الحضرمي، علي حزام أبو نشطان، أكرم حيدرة، حميد راجح، صالح أحمد صالح فقعس، نجيب قايد الريمي، غانم الهتار، حميد طغيان، طغيان علي طغيان، سلمان مانع الجلحوي، صفوان الشغدري، يحيى علي محمد القاسم، مصلح الوروري ونجله، ومهلهل أحمد ضبعان. فضلاً عن إهانة الشيخ مبخوت المشرقي وعلي حميد جليدان بعمران وإسكاتهما حتى اليوم.
كان جميع هؤلاء المشايخ والمسؤولين هم من الشخصيات البارزة التي قدمت خدمات للحوثيين للسيطرة على السلطة في صنعاء والمحافظات والانقلاب على الشرعية.
لم تكتف المليشيا الحوثية بقتل هؤلاء المشايخ المساندين لها بل إنها قامت بتصفية واختطاف ومداهمة وتدمير منازل 22 من مشايخ القبائل، منها 12 جريمة تصفية، و5 عمليات اختطاف، و3 حالات تفجير منازل، ومداهمة منزلين، بحسب صحيفة الثورة.
فبعد أن استتب الحكم والتسلط الحوثي على بعض اليمن وخاصة في الشمال، وضمان تفوق عنصره السلالي الأيديولوجي وتطييف المجتمع، استغنى عن القبيلة وتنكر لها وهمشها لصالح المشرفين المؤدلجين وخفت صوت النكف والغرف القبلي في التحشيد والنصرة.

تطييف القبيلة

كما طيفت المليشيا الحوثية الإرهابية مؤسسات الدولة وكذلك المناهج والتعليم والمدارس، عملت المليشيا الحوثية على تطييف القبيلة بعد أن كانت لا تخضع إلا للعرف الاجتماعي القبلي المعمول به في نظام القبيلة بحيث تستطيع السيطرة عليها وتطويعها وحتى لا تخرج عن أجندة المليشيا الحوثية، وذلك عن طريق تعيين مشرفين للقبيلة من عناصرها السلالية المؤدلجة وربطها بسلسلة تنظيم المليشيا الأيديولوجي سواء في مؤسسات الدولة أو في سلم المليشيا نفسه.
وأيضاً عن طريق إخضاع القبيلة لدورات طائفية مكثفة وممنهجة وربط كل ذلك بمصالح القبيلة من ناحية أو من خلال الإكراه واستخدام القبضة الإرهابية الحديدة الحوثية التي بات الكثير من القبائل يخشون سطوتها تخوفاً من الأساليب القمعية الوحشية بحق المختطفين والتعذيب حتى الموت.
لم تكن القبائل اليمنية وخاصة في شمال الشمال لتهتم بالتوجه الطائفي أو الديني لزعماء الدولة أو المشايخ القبليين فيما مضى بقدر ما تغلب مصلحة القبيلة والعرف القبلي، حتى جاءت هذه المليشيا لتحيي النعرات الطائفية والدينية ابتداءً من تهجير يهود آل سالم في الحرب الثانية عام 2005 ولتطبق هذا الإجراء بحق القبائل الأخرى.
استقطبت المليشيا الحوثية أصحاب التوجه الطائفي في بعض القبائل كما ف بكيل لتدعمهم بالمال والسلاح والوجاهة الاجتماعية كمصلحين بين أفراد القبائل أولاً وعينتهم مشرفين ثانياً وربطتهم بدورات ثقافية محلية وخارجية، ثم مكنتهم من وسائل التحكم وصادمت بينهم وبين المشايخ التاريخيين الذين يجمعون أبناء القبائل كلهم وتكون كلمتهم العليا، حتى نخرت تلك المليشيا الوحدة الاجتماعية للقبيلة وفتتها من داخلها.
ومع هدم الاقتصاد الوطني وجعل حاجة القبائل عند الحوثية ربطت تلك المليشيا هذه المصالح بالمشرفين الحوثيين، واشترطت للحصول على هذه المصالح من ضمان اجتماعي وخدمات اقتصادية وصحية وزكوات وغيرها ربطتها بحضور الدورات الطائفية المكثفة وكذلك حضور المهرجانات والمناسبات التي تدعو لها المليشيا للتحشيد واستعراض القوة أو الدفع بالعناصر القبلية للجبهات.

وثيقة الشرف القبلي

لم تكتف المليشيا الحوثية بتفكيك القبائل من داخلها، وضرب بعضها ببعض، بل إنها عمدت إلى استحداث ما يسمى بوثيقة الشرف القبلي بين مكونات القبائل المختلفة وحشدت لها كل الدعم، وكانت أحد أهم مداخل استباحة الدم اليمني وشرعنة تحركاتها والقضاء على معارضيها.
أشهر الحوثيون ما يسمى ب"مجلس التلاحم القبلي" برئاسة ضيف الله رسام كذراع إرهابية قبلية طائفية، وكذلك "وثيقة الشرف القبلي" في 2015 لتكون هذه الأخيرة هي التنظير الحقيقي للذراع الإرهابية القبلية، واستخدموهما بكل مكر وخديعة واستغلالية، وهذه الوثيقة من الخطورة بمكان؛ كما هي وثيقتهم الفكرية التي تعد دستوراً داخلياً حوثياً.
حيث تنص هذه الوثيقة على استباحة ومصادرة ممتلكات كل من يعارض الحركة، وقد تم تنفيذها بالقوة العسكرية وصرح رئيس ما يُسمى بمجلس التلاحم القبلي التابع للحركة بأن من لم يقاتل مع الحوثيين فسيتم إجباره على ذلك بالقوة، ومن يرفض فسيتم استخدامهم كدروع بشرية تحت مُسمى الغرم القبلي (والغرم القبلي يعني أن كل شيخ قبيلة أو فرد من أفراد القبيلة يجب أن يقدم الدعم المالي وكذلك أحد أفراد أسرته للقتال مع الحركة).
تعد هذه الوثيقة دليلاً على انتهاك الحوثيين للعادات والتقاليد القبلية المعروفة؛ لأن القبيلة لا ترغم أحداً للقتال وهي تصطلح فيما بينها على تجنيب القبيلة الصراع الداخلي بين أفراد القبيلة، فمن أراد قتال الحوثيين مع المقاومة فليلتحق بجبهات المقاومة في الميدان، ومن أراد أن يلتحق بالحوثيين فليلتحق بهم في الميدان أيضاً وتكون القبيلة مأوى الجميع دون صراع.
لذلك تعتبر هذه الوثيقة هي أداة لتطويع القبيلة بالقوة واستباحة للدم اليمني المعارض للمليشيا الحوثية، ضاربة عرض الحائط بكل التفاهمات القبلية، وهي تنسف كل ما يمكن أن تتفق عليه القبائل فيما بينها، أو حتى الأفراد وسط كل قبيلة على حدة، حتى يتقاتل الأخ مع أخيه، وابن العم مع ابن عمه.

ثارات لا تنتهي

بهذه الآلية التي استخدمتها المليشيا الحوثية الإرهابية في تفكيك القبائل وتطييفها والدفع بها نحو المحارق والمستقبل المجهول، وجعل الإخوة وأبناء العمومة يتقاتلون فيما بينهم البين، وكذلك الاقتتال بالقبائل المتنافسة تاريخياً وشق القبيلة وتشتيتها في إطار القبيلة الواحدة، تكون المليشيا الحوثية قد خلقت ثأراً مستداماً بين القبائل لا ينتهي أبد الدهر.
فاليوم نجد أن الغيظ يملأ صدور القبائل على بعضها ويوغر بعضهم بعضا، وماهي إلا أن تأتي فرص سانحة حتى ينفجر بركان هذه القبائل بينها البين، وكذلك الحال بالنسبة للحوثية نفسها.
الشعب اليمني وقبائله يتميزون غيظاً من الإرهاب الحوثي وجرائمها ومحارقها، والثأر سيكون بمقدار هذا الحنق والغيظ ربما تعود التصفيات من بيت إلى بيت، ومن حارة إلى حارة.

كلمات دالّة

#اليمن