الثلاثاء 19-03-2024 04:58:43 ص : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

محركات التغيير.. بين الهروب من الفهم وثقافة الممانعة (الحلقة 4: التوبة المنهجية.. دواعيها، كيفيتها)

الثلاثاء 27 يوليو-تموز 2021 الساعة 05 مساءً / الاصلاح نت- خاص-عبد العزيز العسالي

 

"قل هو من عند أنفسكم".

تنويه:

حديثنا موجّه بالدرجة الأولى إلى معالجة جوانب القصور لدى التيار الإسلامي صاحب نظرية التغيير الشامل لكل جوانب الحياة.

أولا، دواعي التوبة المنهجية:

الطريق إلى إيضاح أهمية وضرورة دواعي التوبة المنهجية يتطلب منا إيضاح جوانب القصور المنهجي التي تسببت في عدم نجاح التغيير، أو بطئه، أو الفشل في بعض المجالات المستهدف تغييرها، وهذا يعني أن جوانب القصور المنهجي يمكن رصدها من خلال التصرفات العملية أدوات ووسائل، والتي تتحول بمرور الزمن إلى معوقات ومهددات لعملية التغيير.

وعليه، فقد قمنا برصد أبرز دواعي التوبة المنهجية من خلال المظاهر التالية:

1- عدم تحقيق الهدف:

 تعددت وسائل وأدوات التغيير وجاءت ظروف مواتية كانت من أقوى أوراق تغيير الواقع وصولا إلى تحقيق هدف أو أهداف.

لكن ضعف الفاعلية القادم من القصور المنهجي والفكري قاد إلى الفشل أو في أحسن الأحوال إلى نتائج متواضعة لا تكاد تذكر قياسا بالجهود المبذولة المصحوبة بالحماس العالي.

إذن، قوة المنهج الفكري المقاصدي تقود إلى دقة التعاطي مع الوسائل والأدوات والسنن الحاكمة للاجتماع وصولا إلى النجاح.

والقصور المنهجي يقود إلى العكس.. إن الوحي المعصوم يجلّي الحقيقة للصحابة يوم أحد، بأنهم خالفوا سنة التزام التعليمات العسكرية، فلم يشفع لهم وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم فوخزهم في جملة صغيرة لكنها كثيفة الدلالات المتصلة بعمق المنهج قائلا: "قل هو من عند أنفسكم".

إن الوحي المعصوم يرسخ البناء المنهجي الفكري بلسان المقال والحال.. إن سنن الله لا تحابي أمدا.

ونحن نقدم أكبر برهان وهو ما نشاهده اليوم من فاعلية النجاحات المذهلة التي حققتها أوروبا وأمريكا والصين وغيرها في مجال بناء المجتمع وصولا إلى النهوض الاقتصادي والحضاري المذهل (شركات عابرة للقارات).

أليس نجاح تلكم الدول أقوى برهان على انقياد السنن الكونية لهم، كونهم أحسنوا التعاطي معها تخطيطا وتنفيذا ونتائج.

2- ضعف الفاعلية:

وبضدها تتميز الأشياء..

إن المفهوم الإيجابي للفاعلية يعني تحقيق أعلى درجات النجاح بجهود قليلة.. ضعف الفاعلية يعني نتائج متواضعة وهزيلة، وهذا ما نشاهده من جهود جبّارة بذلها ولا زال يبذلها تيار التغيير الإسلامي طالت أغلب ميادين الحياة خلال عقود سبعة، لكن المخرجات بين مقبولة في أقل جوانب الحياة، ومتواضعه في أكثر الجوانب، منعدمة في ميدان تحقيق الأهداف، والأخيرة هي الأخطر.

إن ضعف الفاعلية دليل قاطع على غياب المنهج الفكري المقاصدي القائم على كليات الشريعة ومنظومة القيم الإسلامية الكونية، فهذه القيم لو حضرت في المنهج فإنها قطعا ستحضر في خطاب التغيير، وحضورها في خطاب التغيير يعني حضور الفاعلية 100%.

3- عدم اتساق الرؤية:

غياب منظومة القيم الكونية في المنهج النظري:

- خلق ضبابية في الرؤية الفكرية فاتجه الخطاب إلى التعاطي مع النصوص الجزئية.

- التعاطي مع الجزئيات قاد إلى إخفاق أخطر وهو عدم ربط النصوص والأحكام بمصالحها أي غابت مقاصد التزكية دنيا وآخرة.

- تحول الخطاب إلى جلد للذات، كلام مكرر ممل مطاط عائم يدعو إلى التوبة.. أي توبة.. المهم التوبة.

خطاب لا يوضح نوع التوبة المناسبة للابتلاء السنني، فغاب الوجه التعبدي الأمثل بسبب غياب ربط النصوص بمقاصدها وغاياتها (جلب المصالح ودفع المفاسد).

إن عدم اتساق الرؤية وتكاملها يعود إلى التعاطي مع جزئيات النصوص، فتتشعب المفاهيم عند العامة،

والنتيجة ضبابية وإرباك.

4- تمحور الخطاب في تضخيم الفضائل إلى حد غريب جدا، علما بأن فقهاء المقاصد يقولون إن نجاح التغيير يتوقف على خطاب يحمل العامة على كليات الشرع أولا، ثم يترك ميدان السباق في الفضائل، ذلك أن كليات الشرع سهلة الهضم لدى العامة، والسبب هو أن المنهج المقاصدي منظومة متكاملة من القيم الواضحة التي يسهل الربط بينها وفهمها.

لكن القصور المنهجي من جهة، والتكوين الناقص فكريا وفقهيا من جهة ثانية، ساعدا على تكريس خطاب ذاهل، شارد، معرض، ساهٍ عن أعظم وأبرز الأداوت المنتجة للفاعلية في التغيير المتمثلة في الرحمة، كرامة الإنسان، العدل، الحرية، المساواة، القيام بالقسط، والوسطية، ذلك أن العدل يعني رفض الظلم ومحاصرته بكل الوسائل.

كما أنه لا حرية ولا مساواة بدون عدل، ولا عدل بدون مشاركة المواطن في صناعة القرار الهادف إلى ترسيخ الشرعية السياسية.

5- هدم كليات الشرع:

 القرآن العظيم ينعي محذرا من الوقوف عند جزئيات النص، ونجد القرآن قد أطلق على التعاطي مع الجزئيات مصطلح التعضية، "الذين جعلوا القرآن عضين"، أي جزرا منعزلة عن بعضها، وألحقها بقسم فيه وعيد شديد أن الله سيسأل أصحاب هذا التصرف المشين الذي يهدم الشريعة باسم الشريعة.

إذن، التعضية المعاصرة خلقت خطابا جعل من جزئيات النصوص معول هدم لمنظومة القيم الكونية وكليات الشرع، فغابت الكرامة الإنسانية وهي أس الحقوق والحريات وكل المصالح، وغابت كلية الرحمة التي هي هدف الرسالة الخاتمة، دعوة إلى التعايش والتعاون على البر والحب والإخاء والقيام بالقسط والإحسان... إلخ.

لقد تساءل العقلاء: إن هذا الخطاب مصادم للقيم الكونية التي جاءت الشريعه لحفظها، فكان الجواب هو:

- الهروب من الفهم.

- الإرهاب الفكري.

- إجابات جعلت من الشريعة الكاملة مفككة لا يجمعها رابط ولا يهتدي إليها العقل.

وعليه، فلا غرابة إذا اهتزت قناعة المجتمع تجاه شرعية التغيير، ولا غرابة إذا اخترع المجتمع تأويلات أن المقصود ليس التغيير وإنما هو صراع سياسي على النفوذ.

6- الحرب على العقل:

الحرب على العقل يعني الرفض لسنن الله في الكون تحت شعار "نحن متعبدون هكذا"، والعقلانية هي دخيلة على الإسلام.

7- يمكننا استخلاصا للأسباب التي أدت إلى البطء والتعثر والإخفاق هي:

- غياب المنهج الفكري.

- نقص في مدخلات التكوين الفقهي.

- سيطرة البعد الفقهي الواحد، وتوظيف سياسي وثفافي يهدف إلى مواجهة تيار اليسار العربي بشقيه العلماني والماركسي وتوظيف الطفرة المالية النفطية طيلة عقود، وكان الحصاد هو تكريس خط إجباري سلكه أغلب رجالات تيار التغيير الإسلامي، فإذا بنا أمام ظاهرة فقهية تدور في فلك الجزئيات.

لا ننكر بروز شخيصيات فكرية وفقهيه تمتلك باعا منهجيا وفكريا وكان لها حضور فقهي ذو شأن، لكن لاقت إرهابا فكريا، واتهامات بتتبع الرخص.

ولو كان هناك منهجا فكريا ما حصل الإرهاب الفكري الآنف، حيث سيخفف أنواعا كثيرة التهم، وأخطرها تهمة العقلانية هروبا من الفهم.

تلك هي أبرز دواعي التوبة المنهجية.

ثانيا، كيفية التوبة المنهجية:

نحن أمام سؤال مفاده: كيف نتوب توبة منهجية؟ والجواب هو:

1- الإسراع إلى إخراج منهج فكري تغييري يرتكز على كليات الشرع ومقاصده.

ثالثا، أسس ومكونات المنهج:

أساس التوبة المنهجية:

1- التوبة المنهجية هي مراد الله في القرآن. قال تعالى: "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم • والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما، يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا" (النساء: الآيات 26، 27، 28).

تعليق إجمالي:

- أراد الله لنا أن نتعاطى مع السنن تنفيذا لإرادته وقضائه الكوني.

- تكرر ذكر إرادة الله، وتكرر ذكر التوبة، وتكرر ذكر السنن، مؤكدا على أهمية المنهج السنني، وأن التعاطي مع السنن هو عين التوبة التي تقي المجتمعات من مآلات الفساد المهلك للحرث والنسل، معللا أن التعامل المؤمن مع السنن الحاكمة للاجتماع وقيم الاستخلاف ومسالكه هو الوجه التعبدي الأقوى والأمثل والأصوب والأخف المتفق مع مراد الله في مواجهة قضايا الحياة ومستجداتها.

كما أن مراد الله في ظلال الآيات الآنفة يلفتنا بقوة أن إحلال توبة الاستغفار في ميدان التوبة المنهجية هو ضرب من الخبال والتدين المعتل، وأن ممارسة توبة الاستغفار في ميدان التوبة السننية المنهجية مهما رافقها الإخلاص هو نوع من الميل مع الهوى والشهوات، وإن كانت النوايا صادقة ومخلصة فلا جدوى منها لأنه مسلك تديني مغشوش.

- إرادة الله تدعونا إلى إعمال النظر العقلي في سنن من قبلنا والهدف هو الاعتبار، "يهديكم سنن الذين من قبلكم".

هذا من جهة، ومن جهة ثانية نجد إرادة الله تحذرنا من الانخداع بزخرف أقوال عباد الأهواء والشهوات فإن هدفهم الوحيد هو الانحراف بنا والميل العظيم عن الجادة.

- الله هو خالق الإنسان، فهو الذي يعلم ضعف الإنسان، فجاءت إرادة الله هادية له إلى السنن تخفيفا عنه، حتى لا يسلك متاهات البحث الشاق، فوجه العقل إلى النظر في سنن السابقين، ليصل إلى هدفه بيسر.

إذن، الأسس المنهجية وإن شئت فقل الأرضية التي يقوم عليها بناء المنهج الفكري المنشود مصدرها القرآن.

2- إعادة الاعتبار للعقل:

يجب أن يتضمن المنهج المنشود مكانة وأهمية التفكير بأنه فريضة شرعية.

والقرآن زاخر بالنصوص التي تعطينا مكانة وأهمية الفكر والعقل، حيث بلغ عدد الآيات361 تحثنا على الفكر والتعقل والنظر والبصيرة والاعتبار... إلخ.. هذه التوبة العقلية ستمكننا من التوبة المنهجية التالية:

3- بناء المنهج المنشود على أساس كليات الشرع ومقاصده.

4- أسس بناء الوعي الراشد، والتي تمكّن المتفقه من إعمال النظر المنهجي وخصوصا مجال التعاطي مع التراث، كون التراث قسمان، قسم واجب علينا الالتزام به وهو المنهج الفكري الأصولي المقاصدي. والقسم الثاني هو التطبيقات والتي كانت إجابات على ظروف ذلك العصر وهي ظروف مختلفة عن ظروفنا 95%، سيما في ميدان المعاملات والسياسة والاقتصاد.

وعليه، فإن التوبة المنهجية اللازمة وجوبا هي فهم تلك الظروف

التي جعلت العقل الفقهي متحركا، فنستلهم منه طرق وكيفية الفهم عن السلف والاجتهاد مثلهم.

5- اجتهاد الصحابة:

عقلية البعد الفقهي الواحد لا تعرف اختلاف الصحابة واجتهادهم بالرأي من الزاوية المنهجية سيما في العصر الراشدي، هذا القصور النظري المنهجي كرس قيام عقلية وعظية تجزيئية لا تعرف غير تلك الصفحات التي غربلها الزمن بانتقائية بعض ما أنتجه الفقه المذهبي وأصبح التسليم للون فهقي واحد وإهالة التراب على ما سواه، حتى لو كان ذلك القول مصادما لكليات الشرع ومقاصده ومناقضا للسنن الحاكمة للاجتماع وقيم الاستخلاف، وهذا يعني أننا إزاء تفكير ناقص تحول حجرة عثرة في طريق التغيير.

6- العرف المتجدد: العرف مقصد قرآني متصل بالفطرة، "وأمر بالعرف...". ومن أبرز معالم التوبة المنهجية إدخال سنة العرف القرآني في المنهج المنشود، على أن يكون العرف القرآني هو العمود الفقري للفقه المعاصر سياسيا واقتصاديا وثقافيا وفكريا وقانونيا وتربويا.

بمعنى أنه يجب على المتفقه أن يدرك بعمق أن العرف المتجدد هو دينمو الفقه المؤسس لسنن الاجتماع.

7- التوبة المنهجية تعني بناء وتكوين العقل الفقهي يبدأ من ترسيخ

مكانة وأهمية القواعد الأصولية في عقلية المتفقه، وأعني بالقواعد الأصولية: المصالح المرسلة، الاستصلاح، الاستحسان،

عمل أهل المدينة، ومذهب الصحابي، شريطة أن يدرك المتفقه أسباب اختلاف الفقهاء حول هذه القواعد ودور الظروف التي دفعت كبار فقهاء المذاهب يتركون مذهب إمامهم في بعض القواعد الأصولية، ومن ثم اتجهوا إلى العمل بالمذاهب الأخرى، تلبية للمقاصد والمصالح المتولدة عن الظروف المستجدة.

8- تاريخ التشريع:

هذا الفرع العلمي يخدم المنهج الأصولي فكريا فينفتح العقل تجاه تلك الظروف الفقهية ومعرفة منطلقات تنزيلات الفقهاء.

9- التوبة المنهجية تعني إضافة أسس وقواعد من علم الاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية، سيما ما يتصل بالتكوين الفقهي تكوينا وإفتاء.

10- التلازم:

هذا الأصل يقوم على التاريخ والعقل والسنن، وهو من الأصول الحاسمة في كثير من القضايا السياسية بل وبعض القضايا الفقهية.

ولو أن روّاد التغيير الإسلامي عرفوا مكانة هذا الأصل وأهميته في المنهج والتكوين الفكري ما استطاع التشيع الفارسي أن يربك عقول العامة بروايات الحق الإلهي في الحكم، حيث كان سيتم توعية المجتمع على أسس برهانية سهلة، وبالتالي لم ولن يقبل المجتمع بهراءات الخمس، ولا قرشية الحكم، ولا بدعوى اثني عشر خليفة، ولا... ولا...، لأن الوعي المجتمعي سيمتلك البرهان القائم على أصل التلازم، وبالتالي سيتساءل: لماذا لم يتناقش الصحابة حول هذه القضايا رغم الاختلاف الحاصل؟ وهنا ستذهب دعاوى السلالية أدراج الرياح.

لكن غياب المنهج جعل بعض قراء الفقه السني يسلمون بالحق الإلهي و... إلخ، إنها عقلية الحاطب ليلا يدس يده في فم الكربرا فتقتله.

رابعا، السياسة الإجرائية:

1- يبدأ التكوين الفكري بالتربية على الكليات المقاصدية ومنظومة القيم الكونية والقواعد الأصولية والفقهية بنسبة 70% خلال السنوات الثلاث من التكوين الفكري الفقهي.

ويتم التدريب على طرق الاستنباط في السنة الأخيرة، هذا على مستوى التعليم الرسمي، أما التعليم الشرعي فيمكن رسم فترة التكوين بحسب الواقع.

2- السلفية الصحيحة:

هذا البند يجب أن يكون حاضرا بقوة بدءا من تعريف السلفية الحقة أنها كانت في عصر الصحابة (الخلافة الراشدة)، وليس كما يقال إن السلفية هي في القرن الرابع الهجري.

3- التعريف بأصول المذاهب:

مع ضرب الأمثلة وترسيخ دور الظروف وأثرها في اعتماد كل فقيه لأصول مخالفا لغيره وهذا يمنح المتفقه حيوية منهجية فكرية وفقهية وثقافية كفيلة بوعي ما حوله.

4- فقه قضايا الأعيان:

هذه التوبة المنهجية الأصولية تزرع في ذهن المتفقه ملكة راسخة وثقة بأنه على خط منهج الصحابة وفقهاء الأصول المعتمد، ذلك أن رفض المنهج المقاصدي يتسلل من غياب هذا الأصل فيصبح الفقيه والواعظ مترددا ومتخوفا من ترجيح الكلية أو المقصد أو القيمة الكونية على الرواية الجزئية فيظن أن تقديم الكلية المقاصدية على الرواية الجزئية هدم للشريعة ومخالفة للسنة، فيتشبث بموقفه في تقديم الجزئية فيهدم المقصد الكلي وهو مرتاح الضمير، ظنا منه أنه طبق السنة والشريعة، على أن يتم إغناء هذا الأصل بضرب الأمثلة وما أكثرها في القديم والحديث.

5- عَصَب المنهج المنشود:

أهم نقطة محورية مركزية يقوم عليها عصَب التوبة المنهجية وذلك في بناء المنهج وتكوين العقلية الفقهية المنشودة يتمثل في:

- "تغيير زاوية" النظر الأصولي للقضايا محل البحث أي من زاوية الكليات مع التأكيد على أن الشريعة الكاملة متسقة متضامنه متداخلة وغير متجزئة والتأكيد على خطورة التعضية (النظر الجزئي).

علاج التعضية:

إعادة سنن الاجتماع إلى مكانها العتيد بين كليات الشرع ومقاصده، ذلك أن

"تعضية النصوص" قد أخذت أشكالا وبرزت في صور مختلفة داخل تراثنا الفكري والفقهي والثقافي، وترسخت في ذهنية رواد التغيير أنها محل تسليم لا يجوز المساس به، بل في حدود علمي أنه لم يفكر أحد تجاه هكذا قضايا.

وعليه، ولكي تقبل توبتنا المنهجية دينيا، بل ولكي تتحقق مصالح المجتمع وأبرزها قيم الكرامة الإنسانية والعدل والحرية والمساواة وحماية هوية المجتمع وثقافته وحضارته وصولا إلى الاستقرار والسلام والتنمية إلا بإدخال هذه القضايا إلى المنهج الفكري المنشود في نصوص واضحة الدلالة على مكانة هذه القيم عقيدة وأهدافا.

الشورى نموذجا:

هذه السنة الاجتماعية هي أم القيم السياسية الحامية للمجتمع، كيف لا والقرآن الكريم قد نص أن مقاصد تطبيق هذه السنن هي التخفيف على المجتمع، "يريد الله أن يخفف عنكم...".

ولكن تعالوا بنا إلى المورث الفكري والتاريخي وخصوصا من بعد العهد الراشدي نجد أن سنة الشورى الحاكمة والضامنة لسلامة المجتمع قد أخذت بعدين: الأول، الشكلية، بسب توريث الحكم قرشيا أولا، أو ادعاء الحق الإلهي ثانيا، وبالتالي أصبح وجود الشورى وعدمها سواء.

البعد الثاني:

الجانب الفكري وهو الأخطر، حيث تغيرت زاوية النظر الفكري تجاه هذه السنة الاجتماعية الهادفة إلى محاصرة تغول السلطات وإفسادها، وإرساء العدل، وبالتالي تم إزاحتها إلى مجال لا صلة لها به لا من قريب ولا من بعيد فقالوا "الشورى معلمة".

وهذا يعني دفن هذه القيمة تماما فلا هي وسيلة تخدم كرامة الإنسان وحقوقه والاستخلاف والعمران،

ولا هي سنة مندوبة بين الأحكام التعبدية، ويا ليتها أخذت حكم المضمضة والاستنشاق وإنما قيل "مُعلمة".

وعليه، يجب إعادة قيمة الشورى، وكل ما يتعلق بها من القيم السياسية والمصالح (حرية الإنسان وحقوقه) إلى مكانها الطبيعي بين سنن الاجتماع كما حددها القرآن في وقت مبكر قبل التشريع العملي للصلاة والزكاة والصوم والحج.

الشرط الإجرائي:

- يجب ضرورة تدريب قيادة التغيير على هذا المنهج، حتى تترسخ هذه القيم لدى "قيادة التغيير"، كيف لا والقيادة هي التي تحرك القدرات والطموحات نحو تحقيق الأهداف، وبدون هذا الشرط فلا تغيير، وسيظل التغيير محلك سر.

وسينطبق علينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم إن المنبت -الذي يواصل السفر ليل نهار- لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.

تلكم هي أبرز دواعي التوبة المنهجية وأبرز مكونات المنهج وأهم شروطها، وحسبي أني فتحت شاقوصا صغيرا راجيا من ذوي القدرات والخبرات أن يسهموا، فالمقام ضروري وخطير ويحتاج الكثير والكثير، وبالله التوفيق.

نلتقي بعونه سبحانه.

 

كلمات دالّة

#اليمن