السبت 27-04-2024 03:19:43 ص : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح والمشاركة في الحكم( 2-6)

التجمّع اليمني للإصلاح ..محطات  على دروب التضحيات

الثلاثاء 18 يوليو-تموز 2017 الساعة 01 صباحاً / الاصلاح نت- خاص /أ.د. نجيب سعيد غانم الدبعي

 

أجريت الانتخابات النيابية، التي كان محدداً لها 22 نوفمبر 1992، ثم تأجلت إلى 18 فبراير 1993، ولم تنفذ إلا في 27 أبريل من العام نفسه. وكان من نتيجة تأجيل الانتخابات، وتسيير سلطات الدولة في فترة التمديد، أن صدر بيان سياسي وإعلان دستوري، بشأن تطبيق الدستور على المؤسسات الدستورية، وهيئات الدولة.

وفي ظل تلك الأجواء المتوترة، استمر تبادل الاتهامات بين الأحزاب المتنافسة، بالتزوير، والتلاعب، والتباطؤ المتعمد في فرز الأصوات. وقد وقعت صدامات مسلحة، تزامنت مع فرز نتائج الانتخابات، راح ضحيتها أربعة أشخاص، وجرح خمسة آخرون.

ظهرت نتائج الانتخابات، والتي شابها الكثير من أعمال العنف والتزوير، حيث سلطة ونفوذ الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام في الشطر الشمالي من الوطن، وحيث الحزب الاشتراكي ونفوذه وعناصره في الشطر الجنوبي من الوطن، فقد صودرت، وبالقوة، عدد من صناديق الاقتراع في الكثير من الدوائر الانتخابية كانت تدل نتائج الفرز الأولية أنّها تمضي لصالح التجمع اليمني للإصلاح.

كانت أبرز نتائج الانتخابات على النحو التالي:

 

النتائج

المقاعد

الأصوات

الحزب

123

640,523

المؤتمر الشعبي العام

62

379,987

التجمع اليمني للإصلاح

56

413,404

الحزب الاشتراكي اليمني

7

76,520

حزب البعث العربي الاشتراكي

 

قدّرت عدد الدوائر الانتخابية، وبالتالي المقاعد النيابية التي جرى مصادرتها لصالح الحزبين الحاكمين آنذاك، بأكثر من ثلاثين دائرة ومقعداً نيابياً، وهي في الأصل كانت ستحسب لصالح الإصلاح إذا كانت الانتخابات قد جرت في ظل أجواء حرّة ونزيهة.

وقد نال أعضاء الإصلاح المشاركين في العملية الانتخابية في كلا الشطرين الكثير من الأذى والكيد وأعمال العنف وحتى الاعتقال من قبل السلطات الحاكمة آنذاك، حيث لم تتعود الأحزاب الحاكمة في اليمن على تحمل منافس قوي لها في الانتخابات النيابية.

لكنّ بالرغم من كل ذلك التزوير والعنف الذي ترافق مع تلك الانتخابات خاصة وقد جاء ترتيب الإصلاح الثاني، وبحسب المقاعد النيابية التي حصل عليها، وبحسب القواعد والمبادئ المتعارف عليها في كل العالم, فقد جرى احتساب موقعه ثالثاً في الائتلاف الذي نشأ على ضوء تلك الانتخابات، حيث كان من نصيب الحزب الاشتراكي رئاسة مجلس الوزراء.

أفرزت الانتخابات واقعاً جديداً، ووضعت نهاية لتحالف الأمر الواقع، "التحالف الثنائي"، بين الحزبين الحاكمين؛ حزب المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني. وأظهرت أن ذلك التحالف، فرضته الظروف خلال الفترة الانتقالية، التي انتهت بانتخابات 27 ابريل 1993.

 

تقاسمت الأحزاب الثلاثة الحقائب الوزارية بما لا يتناسب مع وزن الإصلاح قياساً بنتائج الانتخابات النيابية. حيث حصل حزب المؤتمر على 15 حقيبة وزارية، وحصل الحزب الاشتراكي على 9 حقائب وزارية، وحصل حزب التجمع على 4 حقائب وزارية، فيما تم تعيين السيد مجاهد أبو شوارب، وهو من الشخصيات الوطنية، نائباً لرئيس مجلس الوزراء. ولم يتمثل المستقلون أو ممثلو الأحزاب الأخرى في هذه الحكومة.

توزعت الحقائب الوزارية الرئيسية بين الحزبين الحاكمين سابقاً وهما: المؤتمر الشعبي العام الذي حصل على المناصب الرئيسية بما في ذلك منصب النائب الأول لرئيس الوزراء ووزارتا الخارجية والداخلية، والاشتراكي الذي احتفظ بمنصب رئيس الحكومة ومنصب وزير الدفاع.

 أما حزب التجمع اليمني للإصلاح فلم يحصل إلا على أربع حقائب وزارية خدمية هي: الإدارة المحلية، والتموين والتجارة، والصحة، والأوقاف، إضافة إلى منصب نائب ثانٍ لرئيس الوزراء.

ومنذ الوهلة الأولى لعمل أول حكومة ائتلافية في اليمن، وبالرغم من سماع الإصلاح للكثير من التصريحات المطمئنة من بعض القيادات الحزبية في المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، حيث الإعلان عن نظرتهم التفاؤلية لعمل الحكومة منها مثلا تصريح المهندس حيدر أبوبكر العطاس الذي قال إن مشاركة حزب التجمع اليمني للإصلاح، "هو عنصر استقرار وثبات داخلي وخارجي، بما يمكّن اليمن من إنجاز مشروعه الذي هدفت اليه الوحدة اليمنية".

لكنّ سرعان ما ظهرت العراقيل والمعوقات لإفشال كل وزراء الإصلاح وبنسب متفاوتة سواء عبر التضييق في موازنات التشغيل للوزارات أو عبر رفد تلك الوزارات الخدمية بموظفين حكوميين في مواقع وزارية حسّاسة مهمّتها الرئيسية عرقلة أية إنجازات ممكن أن يحققها وزراء الإصلاح.

ومع اشتداد الحملات الإعلامية بين فرقاء العمل السياسي، وتلبّد الغيوم بالكثير من الانسدادات السياسية طيلة الفترة التي أعقبت قيام الحكومة الائتلافية، حيث لاحت أجواء من عدم الثقة خاصة بين حزبي المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، أفضت تلك الانسدادات إلى بداية الاشتباكات المسلحة بين الوحدات العسكرية المتباينة في ولاءاتها الشطرية والسياسية، وكانت مقدمة لتفجر حرب الانفصال، والذي كان مقدمة لإعلان الانفصال من قبل نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي سالم البيض.

 

حرب صيف 94

وقبل اندلاع حرب 94 دعا الإصلاح إلى التمسك بوثيقة العهد والاتفاق وتنفيذها، والتي وُقعت في الأردن بين الرئيس ونائبه آنذاك لمنع انزلاق البلد نحو الحرب والفوضى, ولتكريس ثقافة الحوار في حل الخلافات، ووقّع معهما كذلك الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر – رحمه الله – وأضاف عبارته المشهورة بجانب التوقيع "لتكون هذه الوثيقة جامعة ومانعة ومنهية لأي خلاف".

لكنّ علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض كان لكل منهما حساباته الخاصة فاندلعت الحرب وللأسف الشديد.  

ومن القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً خلال العقدين الماضيين, مشاركة الإصلاح في الدفاع عن الوحدة؛ كون قبول الإصلاح دعم الشرعية حينها - حسب البعض - كانت خطأ ترتب عليها أخطاء فادحة من قبل النظام استمر تأثيراتها حتى اليوم..

وهنا يمكن القول أن استراتيجية "الإصلاح" العمل ضمن مؤسسات الدولة وعدم الانفراد بأي موقف سياسي وخاصة في قضايا تتجاوز موقف الأحزاب السياسية كان أمراً لا مناص عنه.

وأمام ما فرض على البلاد حينها في مشاركته لدعم الشرعية كان أمامه خياران:

الأول: ترك الأمر للدولة والنأي بنفسه عن المشاركة بهذه الحرب, وهنا سيكون موقفه ضعيفاً أمام الأجيال فيما لو انفصلت البلاد, كون العودة إلى التشطير هو قرار شعب وليس قرار مجموعة أو رد فعل بسبب التنافس على السلطة, وبالتالي انتزاع هذا الحق يكون عبر الشعب ومن خلال صناديق الاقتراع.

الثاني: هو المشاركة في حماية الوحدة، ولكن ضمن غطاء الشرعية وتحت لوائها، وحماية البلاد من التشطير، والوقوف الى جانب الشعب اليمني الذي كان حينها يرفض الانفصال بكافة أشكاله, ويدعو إلى حل الخلافات السياسية بين الفرقاء السياسيين بالحوار دون المساس بثوابته، والتي كانت الوحدة اليمنية أهم تلك المكتسبات على الإطلاق.

وأمام ذلك انحاز الحزب إلى الرأي الثاني, وشارك بفاعلية في حماية الوحدة, وشارك الشعب اليمني بكافة أطيافه إلى جانب الشرعية في حماية الدولة وقرارها السيادي على البلاد, وتم إسقاط الانفصال وتعزيز الوحدة من جديد.

وقد كان الإصلاح يحذر باكراً من الخروج عن مسار العمل الديمقراطي السلمي, ويدعو إلى اعتماد مسار العمل السياسي السلمي وتعميقه في المجتمع, وجاء في البيان الختامي الدورة الأولى للمؤتمر العام الأول المنعقد بتاريخ 20 – 24 سبتمبر/ كانون أول 1994م "يرى المؤتمر أن الحفاظ على النهج الديمقراطي الشوروي، وترسيخ التعددية السياسية، وترشيد الممارسة الحزبية، وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة في البلاد هو الطريق الأمثل لتجنب اليمن مغبة الصراعات السياسية التي تنعكس بآثارها السلبية الخطيرة على مختلف المستويات، ولإيجاد استقرار سياسي يؤدي إلى تلاحم الطاقات والإمكانات وتوحيدها وتوجيهها لخدمة المصالح العليا للوطن.

وبعد انسحاب الحزب الاشتراكي من حكومة الائتلاف الثلاثية أعيد تشكل الحكومة برئاسة الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني – رحمه الله – وتم إضافة أربع وزارات خدمية أخرى للإصلاح.

 

تغليب المصلحة العليا للوطن

بعد انتخابات 93م شارك الإصلاح في الحكومة الائتلافية الأولى مع حزبي المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني, ثم المشاركة الثانية في حكومة ائتلافية مع المؤتمر بعد 94، وكان ذلك كله في سياق الحفاظ على المكسب الديمقراطي وتعزيز الحياة السياسية التعددية في البلاد.

في انتخابات 97م، ورغم مقاطعة بعض أحزاب المعارضة وعلى رأسها الحزب الاشتراكي، جاءت مشاركة الإصلاح في سياق الحفاظ على التعددية السياسية وما تبقى من الهامش الديمقراطي الذي هدد عفاش بإلغائه في حال قرر الإصلاح مقاطعة تلك الانتخابات.

في الانتخابات البرلمانية 1997م والتي ترافق معها تزوير في الكثير من الدوائر الانتخابية لصالح حزب المؤتمر الشعبي العام، حصل فيها "الإصلاح" على 54 من مقاعد البرلمان، فيما خسر الحزب الاشتراكي الذي قاطع الانتخابات بسبب الحرب التي كان الخاسر الأكبر فيها,

وهنا عاد "الإصلاح" إلى صف المعارضة، وقبل الخسارة، ومارس العمل السياسي بشكل طبيعي، وأضحى الإصلاح بحق ويكاد يكون الحزب العربي الوحيد الذي وصل إلى الحكم عبر صناديق الانتخابات وغادر الحكم عبر صناديق الانتخابات أيضاً بالرغم من كون نتائج الانتخابات التي خرج بسببها من الحكم لم تكن كلها سليمة بل شابها الكثير من الخروقات والعنف والتزوير.

 

جاءت بعد ذلك الانتخابات البرلمانية والمحلية في 2003م والتي خسر فيها الإصلاح مرة أخرى, وكان النظام حينها يسير بالبلاد نحو استهداف العملية السياسية برمتها, من خلال تجيير كل مؤسسات الدولة لصالحه, ومع ذلك تمسك الإصلاح بالخط السياسي وأدوات السياسة، ورفض أية خيارات أخرى, ومن هنا جاءت فكرة اللقاء المشترك بقوة رغم أن تأسيسه يعود الى ما قبل هذا الزمن بوقت ليس بالقصير.

 

شارك الإصلاح أيضاً في الانتخابات الرئاسية الأولى عام 99، حيث فضل ترشيح علي عبدالله صالح كونه كان يدرك اللحظة السياسية حينها ومخاطرها، وأن القبول بالفكرة من حيث المبدأ لشخص من صالحه هو خطوة كبيرة، وأن التنافس بعد الإقرار وتوعية المجتمع هي عملية لاحقة، وهو ما كان بالضبط في انتخابات 2006م، والذي تقدم بجسارة منقطعة النظير مرشح اللقاء المشترك المهندس فيصل بن شملان – رحمه الله –، وتؤكد الكثير من الدلائل أنّ مرشح اللقاء المشترك المهندس فيصل بن شملان كسب الانتخابات الرئاسية ولكنّ إرادة الحاكم آنذاك أبت الانصياع لرغبة الجماهير وقامت بعملية تزوير كعادتها لنتائج الانتخابات.

 وأقرت قيادة أحزاب اللقاء المشترك - بما فيها الإصلاح وبمرارة كبيرة- نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2006م لا قناعة بنزاهتها وحياديتها ولكن إقراراً بكونها أمراً واقعاً.

ونخلص من هذا كله أن علي عبدالله صالح وسلطته الحاكمة في اليمن، وخاصة بعد انفراده وحزبه بالحكم بعد حرب صيف 1994م، وبعد خروج الإصلاح من الحكم عام 1997، قد اتصفت سلطته بالخصائص الآتية:

  • تمادى في الاستئثار بالسلطة والثروة
  • تفشي مظاهر الفساد في أروقة الحكم وفي أجهزة الدولة المختلفة وعلى نطاق واسع
  • نهب الأراضي البيضاء في المحافظات الجنوبية وتوزيعها على المقربين والنافذين في الحزب الحاكم باعتبارها غنيمة حرب بعد نهب الأراضي البيضاء في المحافظات الشمالية.
  • استرخاء الحكومات المتعاقبة التي تشكلت ابتداءً من عام 1997م وتمرّغ بعض أفرادها بالفساد المالي والإداري, ولم يجر محاسبة أي مسؤول حكومي بالرغم من توثيق الكثير من جرائم نهب المال العام.
  • تشجيع العناصر المحسوبة على السلطة للاستئثار بالمناقصات الحكومية وبالمشاريع.
  • الدفع بعناصر مغمورة لتبني مشاريع عقارية وإسكانية كبيرة وحمايتها من المحاسبة من خلال نهبها لأراضي المستثمرين مثل مشروع المدينة الخضراء في المنطقة الواقعة بين محافظتي عدن ولحج مع تقديم كافة الدعم الإسنادي وخدمات البنية التحتية لها وعلى حساب الدولة.
  • مشاركة أفراد محسوبين على السلطة الحاكمة في تخصيص نسب بشكل تعسفي وابتزازي من رأسمال كثير من المشاريع الخدمية والاستثمارية في الكثير من القطاعات الخدمية مثل قطاع النقل الجوي والبري والاتصالات والطرقات وفي بقية القطاعات الصناعية والتجارية المختلفة.