السبت 27-04-2024 20:57:19 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الهرج نصف القتال.. ما دلالات العرض العسكري للحوثيين في الذكرى التاسعة للانقلاب؟

الإثنين 25 سبتمبر-أيلول 2023 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

في الوقت الذي يتجول فيه وفد مليشيا الحوثيين ومفاوضوها في بعض عواصم الإقليم منذ أشهر عدة بزعم الاستجابة منهم لمساعي إنهاء الحرب وتحقيق السلام في اليمن، نظمت المليشيا عرضا عسكريا في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء بمناسبة الذكرى التاسعة لانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر 2014، وإشعالها حربا أهلية ما زال الشعب يكتوي بنيرانها حتى اليوم.

ويكشف ذلك العرض العسكري للمليشيا، والذي حمل لغة تهديدية واضحة، أنه لا معنى لتجاوبها مع بعض مساعي تحقيق السلام وإنهاء الحرب التي تسببت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأن السلام في عرف الحوثيين مجرد ورقة للمناورة السياسية وتضليل المجتمع الدولي حتى لا يسميها كطرف رئيسي ووحيد معرقل للسلام في اليمن، رغم معرفة الجميع بذلك من واقع السنوات التسع من الحرب التي أشعلتها المليشيا الإرهابية.

 

- ما قيمة عرض عسكري في ظروف مغايرة؟

وفي كل الأحوال لا يعني ذلك العرض العسكري أن مليشيا الحوثيين قد امتلكت من وسائل القوة والعنف ما يمكنها من فرض إرادتها وإعادة الحكم الإمامي بحذافيره دون أي مقاومة، فهي تعلم جيدا قبل غيرها طبيعة الظروف والملابسات التي مكنتها من فرض سيطرتها على عدد من المحافظات بشكل سلمي، وأن المعارك العنيفة التي خاضتها للسيطرة على محافظات جديدة أو الدفاع عن محافظات كانت تحت سيطرتها فشلت فيها جميعا.

وهذا أيضا لا يعني أن تلك المليشيا ستجنح للسلم كاستجابة لوضعها العسكري، فهي في الأساس نشأت على العنف والإرهاب وتقتات على الحروب وسفك الدماء. وبما أن معظم الضحايا من مقاتليها هم من أبناء القبائل الذين جندتهم في صفوفها بالترغيب والترهيب والمغرر بهم، فليس لديها مشكلة في استمرار الحرب وسفك الدماء إذا كان الضرر لن يطاول قادتها الذين تفرغوا للنهب والسلب واللصوصية ومراكمة الأموال المنهوبة والعيش الرغيد.

وفي الحقيقة فإن السلام الذي يضمن عودة الدولة والجمهورية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وتكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والحريات، تراه المليشيا الحوثية سما قاتلا لها، لأنه لا يمكن لمليشيا سلالية عنصرية كهنوتية الاستمرار والبقاء في ظل نظام جمهوري ديمقراطي هو في الأصل يمثل نقيضا لها وسيلفظها بشكل تلقائي حتى وإن تحولت إلى حزب سياسي، لأنها ستظل مرتدية ثياب العنصرية السلالية والطائفية في إطارها الضيق، على العكس من الحزبية ذات البعد الوطني العابر للسلالية والمناطقية والطائفية وغيرها من التقسيمات والانتماءات دون الوطنية.

وإذا كان السلام الشامل بما تحمله الكلمة من معنى يمثل سما قاتلا للمليشيا الحوثية الإرهابية، فإن السلام الذي تريده تلك المليشيا هو السلام المفصل على مقاسها، أي السلام الذي يمنحها مكاسب وامتيازات ويثبت سيطرتها ويعفيها من وظيفتها والتزاماتها كسلطات أمر واقع، بمعنى أن تحصل بواسطة السلام على ما تعجز عن الحصول عليه بواسطة الحرب، وما عدا ذلك فخيار الحرب سيظل قائما، وهذا ما يفسر تذبذب المليشيا بين الحرب والسلام، فلا هي قادرة على المضي في خيار السلام الشامل لأنه يمثل سما قاتلا لها، ولا هي قادرة على المضي في خيار الحرب إلى نهايته لأن ذلك يمثل خيارا انتحاريا لها نظرا لعدم قدرتها على الحسم العسكري في كل أنحاء اليمن لمصلحتها.

ولذلك فإن ما تفضله المليشيا حاليا هو أن يظل الوضع متراوحا بين الحرب والسلام، أو خيار اللاحرب واللاسلم، باعتبار أن ذلك الخيار يمكن المليشيا من استهلاك الوقت وحرق المراحل والمراوغة أملا في أن يمنحها ذلك المدة الزمنية الكافية لتطوير ترسانتها العسكرية ومراكمة الأسلحة المهربة من إيران، وأيضا الاستمرار في حشد المقاتلين وتطييف المجتمع، ومراكمة الأموال المنهوبة لتحقيق الثراء الشخصي والإنفاق على المعارك، حتى تحين اللحظة المناسبة لتنقض على الجميع، بعد أن تتراكم لديها وسائل القوة والعنف والإرهاب.

 

- دلالات العرض العسكري الأخير

لم تكن مليشيا الحوثيين تنظم عروضا عسكرية في احتفالاتها بذكرى الانقلاب خلال السنوات الماضية، ما يعني أن العرض العسكري الأخير للمليشيا في ذكرى الانقلاب هذا العام له دلالات خاصة من حيث التوقيت والمكان وتغيرات الواقع وطبيعة الخطاب السائد للمليشيا ونظرة المواطنين للانقلاب الحوثي ونتائجه المدمرة للبلاد، وتتضح الدلالات أكثر عند التأمل في العروض العسكرية السابقة للمليشيا ودلالاتها من حيث التوقيت والمكان.

في البدء، تجدر الإشارة إلى أن ذكرى الانقلاب الحوثي هذا العام تأتي وقد اهتزت سلطة المليشيا جراء الاحتجاجات الواسعة للمعلمين في مناطق سيطرتها مع بداية العام الدراسي الجديد للمطالبة برواتبهم التي تنهبها المليشيا منذ سنوات، وقد كسرت تلك الاحتجاجات حاجز الخوف لدى المواطنين في مناطق سيطرة المليشيا، واتسعت رقعة التذمر منها لتشمل مختلف مناطق سيطرتها من خلال أحاديث الناس في الأسواق ووسائل النقل العام والمقايل والأماكن العامة.

هذه الظاهرة الجديدة سببت إرباكا كبيرا للمليشيا جعلها تهدد بالتصعيد العسكري ضد التحالف تارة وضد السلطة الشرعية تارة أخرى للمطالبة بصرف رواتب الموظفين، كما لجأ قادتها إلى تخوين من يطالبون برواتبهم وتهديدهم، وخشية من أن تتطور تلك الاحتجاجات وتنظم فئات جديدة إلى فئة المعلمين للمطالبة بالرواتب، وأيضا الخشية من أن يؤدي ذلك إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية وأن تتحول إلى ثورة شعبية، كل ذلك جعل المليشيا تلوح بالتصعيد العسكري قبل أن تنظم عرضا عسكريا في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء لاستعراض قوتها أمام المواطنين في مناطق سيطرتها كي لا يثوروا ضدها، وأرفقت العرض العسكري بطائرات مروحية حلقت في سماء العاصمة على علو منخفض، وكأن ذلك تهديدا للمواطنين بالبراميل المتفجرة كما فعل بشار الأسد في سوريا.

لم يكن رد المليشيا الحوثية على سخط المواطنين المتصاعد من خلال العرض العسكري في صنعاء الأول من نوعه، فقد سبق ذلك تنظيم عرض عسكري في محافظة إب، وتسيير مسيرة مسلحة عبر المحافظة قادمة من ذمار بذريعة أنها متجهة إلى تعز، بالإضافة إلى تحليق طائرات مروحية في سماء مدينة إب، كل ذلك بعد تصاعد موجة الغضب في المحافظة بعد قتل المليشيا الناشط حمدي عبد الرزاق (المكحل) في السجن، وتحولت جنازته إلى تظاهرة كبيرة جابت شوارع مدينة إب ردد المشاركون خلالها هتافات حادة ومنددة بالمليشيا الحوثية.

بدورها، فوجئت مليشيا الحوثيين بتلك الجنازة التي تحولت إلى مظاهرة كسرت حاجز الخوف، مما أصابها بالهستيريا، فاستقدمت عددا كبيرا من مقاتليها من ذمار وصعدة ونشرتهم في شوارع مدينة إب وهم يرتدون أقنعة على وجوههم كما تفعل الجماعات الإرهابية، واعتقلت عددا كبيرا من المشاركين في تشييع جنازة الناشط حمدي عبد الرزاق، قبل أن تنظم عرضا عسكريا في المحافظة وتحليق طائرات مروحية في سماء مدينة إب وما جاورها، بالإضافة إلى تسيير مسيرة مسلحة مرت عبر المحافظة متجهة إلى تعز، كل ذلك لتهديد أبناء محافظة إب وإرغامهم على عدم تحدي سلطة المليشيا.

الخلاصة، عروض الحوثيين العسكرية موجهة نحو الداخل، بدليل توقيت العرضين المذكورين في إب وصنعاء، وسبقهما عرضان آخران في صنعاء والحديدة نظمتهما المليشيا بعد خسائرها الفادحة التي تكبدتها خلال معركتها الفاشلة التي كانت تهدف منها إلى السيطرة على محافظة مأرب كاملة، وخصوصا مناطق ثروات النفط والغاز في المحافظة، بيد أن تلك العروض تفقد رمزيتها نظرا لأن أعداد قتلى المليشيا منذ بداية الحرب أكثر من أعداد أولئك الذين تحشدهم من جبهات ومحافظات عدة ومن رجال الأمن والشرطة في مناطق سيطرتها لأداء عروض عسكرية موجهة نحو الداخل، لأنها غير مكافئة من حيث العدد والعدة إذا اعتبرنا أنها موجهة نحو الخارج.

وكما يقول المثل اليمني: "الهرج نصف القتال"، فهذا هو ما تفعله المليشيا الحوثية تماما منذ انقلابها على السلطة الشرعية، وتزداد حدة التهديدات كلما تكبدت المليشيا خسائر فادحة في جبهة ما أو أحست بخطر ما، وكان لافتا أن حدة التهديدات ازدادت بعد هزيمة المليشيا الحوثية في معركة مأرب التي استمرت سنة كاملة، والهدف من سيل التهديدات التغطية على تلك الهزيمة والإيحاء بأن المليشيا ما زالت قوية.

وقد مضى ما يقارب عام ونصف العام منذ بداية الهدنة في أبريل 2022 التي استمرت ستة أشهر، والمليشيا الحوثية تهدد بالتصعيد العسكري تارة ضد الحكومة الشرعية وتارة ضد السعودية، لكن تلك التهديدات المصحوبة أحيانا بعروض عسكرية، لم تمنع حدة السخط الشعبي المتنامي ضد المليشيا، وهو سخط ربما يظل يتصاعد ويتبلور حتى يصل إلى مرحلة الثورة الشعبية ضد الحوثيين.

ويفترض أن مكونات الصف الجمهوري تبادر بتوحيد الصفوف لإنهاء الانقلاب الحوثي، وتوفير مظلة للمواطنين الساخطين من حكم المليشيا لتفجير الوضع من داخل مناطق سيطرتها، ذلك أن حدة السخط تتنامى، وهناك مؤشرات اندلاع ثورة، لكنها بحاجة إلى التنظيم والتنسيق والمساندة والغطاء السياسي والعسكري الذي لن يتحقق إلا بوحدة مكونات الصف الجمهوري تحت قيادة الحكومة الشرعية والتقدم العسكري نحو العاصمة صنعاء وجميع المحافظات التي تسيطر عليها المليشيا، لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة وحماية الجمهورية.

كلمات دالّة

#اليمن