الإثنين 29-04-2024 11:23:22 ص : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تعز وثماني سنوات من الحصار الحوثي.. صمت دولي وعجز حكومي وغضب شعبي

الأحد 16 يوليو-تموز 2023 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

بين يوليو 2015، ويوليو 2023، تعيش مدينة تعز حصارًا خانقًا، على يد مليشيا الحوثي الارهابية، اكتملت معها ثمانية أعوام، وثلاثة آلاف يوم من العيش تحت وطأة الحصار، الذي حوّل حياة الساكنين في المدينة إلى جحيم لا يطاق، وصنوف مأساة مثّلت انتهاكا صارخًا لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.

أسفر الحصار الذي فرضته مليشيا الحوثي على مدينة تعز منذ ثمانية أعوام، فصولا من المآسي التي يندي لها الجبين، فقد نُزفت بسببها الأرواح، وتعطلت مصالح الناس، وتوقفت الشركات التجارية، ونجم عن الحصار أزمات في المياه، والتعليم وقطع الطرقات، وخلق الحصار الحوثي أزمات إنسانية عديدة في كل مناحي الحياة العامة لأكثر من اربعة ملايين مواطن بتعز.

لقد عكس الحصار الذي تفرضه مليشيا الحوثي على مدينة تعز، الحقد الإمامي والسلالي على هذه المدينة، باعتبارها رائدة التغيير، وحاملة مشاعل النور والأمل لليمنيين، والجسر الذي يربط اليمن شماله بجنوبه وشرقه بغربه، ناهيك عن نهجها الريادي في الانتصار للحقوق والحريات، ورفض الظلم، ولذا قامت المليشيا بفرض حصار خانق عليها منذ ثماني سنوات، في واحدة من أطوال جرائم التاريخ وأبشعها وفقا لوزير الخارجية أحمد بن مبارك.

 

آثار الحصار

خلّف الحصار الحوثي على مدينة تعز آثارًا كارثية، في مختلف المجالات، فقد تسبب الحصار بمقتل وإصابة أكثر من 22 ألف خلال ثماني سنوات، وفقا لتقرير حقوقي صادر عن مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، نشرته وكالة سبأ الحكومية، بالتزامن مع مرور ثمان سنوات على الحصار الحوثي على مدينة تعز.

وأوضح التقرير، أن مليشيا الحوثي قتلت 4105 مدنياً واصابة 17948 آخرين بينهم نساء واطفال بمحافظة تعز خلال الفترة من 21 مارس 2015 وحتى 30 يونيو 2023م، مشيرا إلى أن بين القتلى 878 طفلاً و464 امرأة، ومن بين الاصابات 2132 طفلاً و2660 امرأة.

وأشار التقرير، الى أن عشرات الآلاف من الألغام التي زرعتها مليشيات الحوثي حصدت حياة نحو 779 مدنياً بينهم 38 طفلاً و23 امرأة، وأصيب أثرها 1296 مدنياً بينهم 71 طفلاً و30 امرأة، فيما بلغت حالات الاختطاف 496 حالة لمدنيين و175 حالة إخفاء قسري، و897 حالة احتجاز تعسفي، و102 حالة تعذيب، و97 حالة اعتداء على مدنيين، و78 انتهاكا لحرية الرأي والتعبير.

ولفت الى أن إجمالي الممتلكات العامة التي طالها الانتهاك 614 ممتلكاً تم تفجير 11 مبانٍ، وتدمير 87 مبنى ومنشأة عامة ولحق الضرر كليا ب 62 منشأة ومبنى، وجزئيا 379 أخرى واقتحام ونهب 29 ممتلكا عاما وتضررت 26 مركبة عامة. فيما بلغ إجمالي الممتلكات الخاصة التي طالها الانتهاك بلغت نحو 3387 ممتلكا.

ووثق التقرير، تفجير مليشيا الحوثي 169 منزلا وتدمير 208 منزلا ومنشأة خاصة، ولحق الضرر كليا بـ 323 منشأة ومنزل وجزئيا بـ 1941 أخرى وتم اقتحام ونهب نحو 48 منزلا ومنشأة وتضررت 511 مركبة خاصة ورصد 187 حالة انتهاك أخرى لممتلكات خاصة.

 

أسوأ معاناة إنسانية في العالم

تمثل قضية تعز، والحصار والحرب الحوثية الإمامية الحاقدة عليها، قضية مصيرية لليمن بأكمله، فقد تسببت المليشيا بأسوأ معاناة إنسانية في العالم، وفقا للمحافظ نبيل شمسان، الذي أكد أن تعز اليوم "تشكل أولوية في المشهد السياسي اليمني"، مشيرا إلى الحصار على تعز "أبشع جريمة وعقاب جماعي يشهدها التاريخ الحديث".

واستعرض المحافظ شمسان في مؤتمر صحفي عن الآثار الكارثية للحصار الحوثي على تعز، مشيرا إلى أن الحصار تسبب بأزمة مياه تصل الى 75% من احتياج السكان، وتدمير 50% من شبكة الطرق، وارتفاع تكلفة السفر وطول المسافة بنسبة 1000% ونقل البضائع، وارتفاع الاسعار 35% عن المناطق المحررة، وكذلك الحوادث المرورية التي بلغت 481 نتج عنها 374 حالة وفاة، وإصابة 966 حالة وخسائر قدرت بـ 475 مليون دولار.

وقال المحافظ إن أثار الحصار الحوثي على تعز انعكس عليها في كل المجالات، مشيرا إلى أنه مجال التعليم، أدت الحرب الحوثية على تعز إلى تضرر 180 مدرسة، وإغلاق 31، وتضرر 32 ألف طالب وطالبة، بينما بلغ عدد الطلاب المتضررين من عدم القدرة للوصول للجامعات 8 الاف طالب وطالبة.

وأشار إلى توقف الشركات والمؤسسات التجارية وانعدام المشتقات النفطية، في حين بلغت الخسائر المالية في الايرادات 228 مليون دولار في العام الواحد، وتضرر 9 ألف عامل، بينما بلغ ضحايا الالغام 1700 قتيل وجريح وتضرر 258 منزلا و40 منشأة تجارية واختطاف 718 من المدنيين.

 

مسرح للانتقام من القوى الوطنية

منذ انقلابها على الدولة، ومحاولتها السيطرة على محافظة تعز عسكريا، وما تلاها من فرض حصار خانق على المدينة للعام الثامن على التوالي، يؤكد مساعيها الرامية ومحاولاتها التي أرادت من خلالها مليشيا الحوثي أن "تكون تعز مسرحًا للانتقام من القوى الوطنية الحية"، وفقا لرئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي.

وأكد العليمي خلال اتصال هاتفي بمحافظ تعز، أن المليشيا الحوثية أرادت أن تحوّل قضية تعز ومعاناة سكانها إلى ورقة ابتزاز دون اكتراث لمعاناة ملايين السكان المكافحين أجل البقاء على قيد الحياة، متعهدًا بالتزام المجلس والحكومة بجعل قضية تعز وإنهاء حصارها الاجرامي المستمر منذ 3000 يوم، أولوية قصوى على مساري السلام، والردع العسكري.

واعتبر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أسبوع التوثيق لذاكرة مدينة تعز، الذي أطلقته السلطة المحلية يوم الخميس الماضي، بالتنسيق مع كافة الفعاليات المدنية، بأنه تعزيز للنهج الريادي الذي عرفت به المحافظة في الانتصار للحقوق والحريات، ومبادئ العدالة الانتقالية، ومحاسبة الجناة، وانصاف الضحايا وتخليدهم في الذاكرة الوطنية إلى الأبد.

 

تذكير الضمير العالمي بمأساة تعز

يأتي هذا في الوقت الذي تتعمد فيه الميليشيات الحوثية وتصر على مواصلة سياسة التجويع وارتكاب الانتهاكات الجماعية بحق السكان المدنيين في مدينة تعز من خلال استمرار إغلاق المنافذ والطرقات الرئيسية من والى مدينة تعز من جهة الشمال والغرب، مما قيد بشكل كامل حركة تنقل المدنيين كافة واعاق بشكل كلي نقل ووصول المواد الغذائية والطبية وعمليات الغوث الإنساني والنشاط التجاري والصناعي، ليلحق الضرر والألم بمئات الآلاف من المدنيين وخاصة المرضى والنساء والأطفال.

وفي هذا الصدد، ذكّرت وزارة حقوق الإنسان اليمنية في بيان لها في ذكرى مرور 3000 الاف يوم على حصار تعز، ذكرت الضمير العالمي الحر، وهيئات المعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بالمعاناة الإنسانية المستمرة التي تعيشها عشرات الآلاف من الأسر وعلى وجه أشد الأطفال والنساء في مدينة تعز جراء الانتهاكات الممنهجة التي ترتكبها مليشيات الحوثي بحق المدنيين في هذه المدينة من قصف وقنص وهجمات متعمدة بأنواع الأسلحة.

ودعت الوزارة، مجلس الأمن الدولي ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، ومفوضية حقوق الإنسان وكل منظمات ونشطاء حقوق الإنسان إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه هذه المدينة بما يساهم في فضح جرائم وانتهاكات مليشيات الحوثي بحق المدينة والسكان المدنيين.

وأعرب البيان عن استغراب الحكومة من استمرار صمت وتجاهل الهيئات الأممية والمنظمات الحقوقية الدولية وضعف جهود المبعوثين الأممي والأمريكي لملف حصار مدينة تعز ومعاناة عشرات الآلاف من الأسر ومئات الآلاف من الأطفال والنساء جراء ما يطالهم من انتهاكات خطيرة واستمرار الحصار المفروض عليهم من قبل مليشيات الحوثي منذ 8 سنوات، ولما يتعرض له المدنيين في تعز من انتهاكات جسيمة وعقاب جماعي بالمخالفة لكل المواثيق الإنسانية والاتفاقات الدولية.

السلام مرهون بفك الحصار عن تعز

وكان رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن صغير بن عزيز، قد اعتبر تعز بوابة السلام، وأن استمرار حصارها يعني استمرار الحرب، مؤكدا أن "تعز بوابة السلام، وفك الحصار عنها يعني السلام، وهو واجب إنساني، واستمرار حصارها يعني الحرب".

بدوره، أكد رئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر أن رفع الحصار عن مدينة تعز وفتح المعابر شرط لازم لتحقيق تقدم في العملية السلمية في اليمن.. مشيرا إلى أنه "في تعز يتعرض المواطن اليمني للجوع والظمأ والفقر والمرض والخوف ويشعر كل يوم بالألم، وللأسف دون ما يكفي من إجراءات دولية رادعة للحوثيين.

واستغرب بن دغر صمت المجتمع الدولي، وقال: "صمت المجتمع الدولي على جرائم الحوثيين في تعز أمر يثير القلق، ويدعو للاستغراب، كل شيء في تعز دمره الحوثيون. وبقي الأنسان المعجزة صامدًا صلبًا قويًا ومبهرًا، بل وملهمًا". مؤكدا أن الحوثيين "واهمون إذا اعتقدوا أنهم بعد هذا الصمود الأسطوري للمدينة وأهلها سوف يحققون غايتهم".

وكانت قيادة الأحزاب والمكونات السياسية بمحافظة تعز قد جددت تأكيدها على جعل قضية حصار تعز، هي القضية الرئيسية لجميع أبناء تعز، مع التركيز على الحقوق المشروعة والاحتياجات الإنسانية للسكان المحاصرين.

مشددين على ضرورة توحيد جهود أبناء تعز، احزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني ومنظمات حقوقية ومجتمعية ونخب ثقافية واكاديمية ووجاهات اجتماعية واعلاميين وناشطين ومواطنين في إبراز قضية تعز الرئيسية والمتمثلة بفك الحصار والمستمر منذ 8 سنوات؛ لإنهاء الحصار وتحسين الوضع الإنساني في المحافظة.

 

المنظمات المدنية تندد وتستغرب الصمت الدولي

وكانت 28 منظمة مدنية يمنية قد طالبت الأمم المتحدة والمبعوث الأممي بالتدخل والضغط على مليشيا الحوثي لرفع الحصار الخانق على مدينة تعز، داعية الأمم المتحدة والمبعوث هانس غروندبرغ بتحمل مسؤوليتهم الانسانية والقانونية تجاه أبناء محافظة تعز وبرفع الحصار عنهم وايقاف الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الحوثي ومحاكمتهم وفقا للمعاهدات والاتفاقات والقوانين الدولية وتطبيق القرارات الأممية الصادر ضد مليشيا الحوثي.

وأشارت المنظمات إلى الجرائم الحوثية التي يعاقب عليها دوليا، مؤكدة أن مليشيا الحوثي زرعت كمية هائلة من الألغام حول المدينة ومداخلها وطرقها الرئيسية المرتبطة بالمحافظات الأخرى في الوقت الذي فرضت نقاط تفتيش الغرض منها التضييق على المواطنين ومنع دخول المواد الغذائية الأساسية وتخويف المواطنين واختطافهم.

واتهم بيان المنظمات الأمم المتحدة والمبعوث الأممي بعدم تحريك أي ساكن تجاه معاناة أبناء محافظة تعز وما لحقهم من انتهاكات متعددة على رأسها الحصار الخانق الذي أثر على شتى جوانب الحياة رغم عرض ملف حصار تعز أمام المحافل الدولية. مؤكدة أن الأمم المتحدة نظرت بعين واحدة، وسارت في إجراءات فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وأغمضت عيناها عن فتح حصار محافظة تعز وخالفت ما تعهدت به أمام المجتمع الدولي.

 

غضب شعبي متواصل

واعتبر مجلس تنسيق النقابات ومنظمات المجتمع المدني "متين"، حصار تعز بأنه "وصمة عار" في حق الأمم المتحدة وكل الدول الراعية للسلام في المشهد اليمني، مطالبين أحرار العالم بالوقوف مع المدنيين المحاصرين من قبل الحوثيين للعام التاسع على التوالي.

يأتي هذا في الوقت الذي استمرت الاحتجاجات الشعبية المنددة باستمرار الحصار المفروض على ابناء تعز، والذي يدخل عامه التاسع، مطالبين المبعوث الأممي بالضغط على مليشيا الحوثي لإنهاء حصار تعز دون شروط.

وفي هذا الصدد، نظم أبناء مدينة تعز، خلال اليومين الماضيين، وقفات احتجاجية أمام المنفذ الشرقي لمدينة تعز، للمطالبة برفع الحصار وفتح الطرقات بالمحافظة، بالتزامن مع مرور 3000 يوم من الحصار الحوثي على المحافظة.. داعين لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن بسرعة إدراج المتورطين في قضية الحصار في قائمة العقوبات وردع مليشيا الحوثي لإجبارها على إنهاء الحصار.

ورفع المشاركون في الوقفات الاحتجاجية، شعارات تطالب بإنهاء الحصار وإدراج المتورطين بقضية الحصار في قائمة العقوبات والتعامل مع قضية تعز كملف إنساني لا سياسي. مؤكدين أن جريمة حصار تعز ليس انتهاكاً بل سلسلة جرائم شملت القتل والإصابة والاختطاف والتجويع والحرمان من المياه والرعاية الصحية والإعاقة وزراعة الألغام وغيرها.

 

لماذا تعز؟

يتساءل الكثير لماذا استهدفت مليشيا الحوثي تعز بالذات، وفرضت عليها حصارًا خانقا في جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، وأخضعت معاناتها للمساومات السياسية؛ لإدراك المليشيا الانقلابية بأهميتها الاستراتيجية، وما تمثله هذه الأهمية على امتداد الجغرافيا اليمنية.

كانت تعز حاضنة الثورة الشعبية التي انطلقت لبناء مستقبل جديد للأجيال، كما تعد معقل الحركة السياسية في اليمن، بالإضافة إلى كونها بوابة جنوبية نحو القارة الأفريقية، وتطل على مضيق باب المندب، تمثل الكثافة السكانية التي تشكلها تعز، وارتفاع نسبة التعليم والوعي جعل منها مركزا حيويًا. وانعكس ذلك على الدور الذي لعبته في الماضي من خلال اسقاط الحكم الإمامي في ثورة 1962.

وتبعا لذلك، فقد نَفَثَت مليشيا الحوثي حقدها السلالي تجاه هذه المحافظة، وسعت جاهدة في محاولة اخضاعها عبر فرض الحصار الخانق عليها، بعد فشلها في السيطرة عليها عسكريًا، ليقينها التام أن نقطة السيطرة على المحافظات اليمنية تبدأ من تعز، ولذا حاولت المليشيا الإمامية جاهدة لتركيعها لكن محاولاتها باءت بالفشل.

لقد قدم أبناء تعز نموذجا اسطوريا في الصمود، صنعوا من خلاله مجدًا جديدًا في تاريخ اليمن، حتى غيرت تعز مسار الحرب، وكسرت اندفاعة المليشيا الأولى والأخيرة باتجاه السيطرة على اليمن، وأكد أبناء تعز من خلال ذلك الصمود أصالة القيم النبيلة لرواد الحركة الوطنية، في التصدي للظلم والعنصرية الإمامية في نسختها البائدة ونسختها الحوثية حاليًا

كلمات دالّة

#اليمن