الإثنين 29-04-2024 16:54:10 م : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تاريخ حافل بالمراوغة والخداع.. هكذا تتعامل مليشيا الحوثي مع الهدن والاتفاقيات

الأحد 02 يوليو-تموز 2023 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص

  

أكثر من مئة اتفاقية ومعاهدة أبرمتها مليشيا الحوثي المتمردة مع الحكومة اليمنية، وتعهدت بتنفيذها، لكن انقلبت عليها المليشيا كلها قبل أن يجف مداد تلك الاتفاقيات، مما يعكس طبيعة هذه المليشيا المتمردة على كافة المبادئ والقوانين والأعراف، وسياستها المتسمة بالمكر والخديعة، كجزء من عقيدتها ومنهجها الذي تؤمن به وتسعى إلى تكريسه في المجتمع.

وقد تعددت القضايا التي تم توقيع الاتفاق عليها من قبل الحوثيين والتعهد بتنفيذ بنودها ما بين إنسانية وسياسية وعسكرية وغيرها، كما تعدد رعاة تلك الاتفاقيات والمشرفين عليها ما بين محليين وإقليميين ودوليين ورعاية أممية، والتي تعاملت معها جميعا بسياسة واحدة وأسلوب واحد، إذ تنصلت المليشيا عن كل ما تعهدت به قبل أن يجف مداد تلك التعهدات، إذ وأنه مع كل دعوة حوار أو توقيع تتجه الأنظار عادة إلى موقف المليشيا الحوثية عما إذا كانت ستفي بتلك التعهدات أم لا، حيث تتعمد مليشيا الحوثي إما إفشالها أو إعاقتها، في سياسة واضحة منها لاستمرار الوضع على ما هو عليه، أو تسيير المفاوضات باتجاه ترسيم وتقنين توسعها العسكري.

 

خيار العنف

وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلت وتبذل من أجل تهدئة الوضع وإحلال السلام وتقريب وجهات النظر بين مليشيا الحوثي وخصومها، إلا أن مواقف المليشيا الحوثية تبدو متصلبة دائما إزاء كل محاولات إحلال السلام، مع توالي دعوات إقليمية ودولية لها إلى القبول بالسلام والدخول بحسن نية في تلك المفاوضات لإنهاء الصراع الدامي في البلاد، دون تحقيق أي تقدم على الأرض نتيجة المراوغة والخداع الذي تمارسه المليشيا، ونتيجة للمواقف المتعنتة التي تبديها دون أي مرونة تذكر رغم تعدد الوسطاء، إذ باتت جهود تقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية مجرد أحلام تصطدم بإصرار المليشيا على استخدام السلاح كخيار وحيد لبقائها.

وتكشف هذه السياسة طبيعة هذه المليشيا التي لم تتعلم طيلة مسيرتها الإجرامية منذ ما يقارب ثلاثة عقود غير لغة واحدة دأبت عليها وهي لغة العنف، والإيمان بالسلاح كحل وحيد وخيار لا بديل عنه لتحقيق أهدافها، واتخاذ تلك الاتفاقيات مجرد وسيلة للمراوغة واللعب وفرصة لالتقاط الأنفاس.

 

مصير واحد

وتعرف مليشيا الحوثي بالمراوغة والخداع تجاه كل القضايا المتفق عليها، وانقلابها على كل الالتزامات سواء بطريقة مباشرة أوغير مباشرة وتنصلها من كل اتفاق تبرمه، وانقلابها على كل التعهدات التي أعلنتها، حيث شمل ذلك اتفاقاتها مع الحكومة المعترف بها، والتحالف الذي تقوده السعودية، ومشايخ القبائل والتجار والسياسيين والشخصيات العامة والمواطنين، والتي لاقت جميعها ذات المصير.

وتعد خروقات أغسطس 2022 أبرز الأمثلة على العبث والمكر الذي يمارسه الحوثيون، إذ لم ينته وفد المليشيا من مهمة المفاوضات التي كان يباشرها حتى قام مسلحوها بشن هجوم كاسح على مدينة تعز، وهو الأمر الذي حدا باللجنة العسكرية التابعة للحكومة اليمنية لاتخاذ إعلان بتعليق مشاركتها في المحادثات التي كانت تجري في حينه بالعاصمة الأردنية عمان حتى إشعار آخر، مطالبة بتعزيز الرقابة على الخروقات وتشكيل غرف عمليات مشتركة على مستوى الجبهات في جميع أنحاء البلاد.

يأتي ذلك الإعلان في أعقاب هجوم لمليشيا الحوثي الانقلابية على منطقة الضباب غرب مدينة تعز، في محاولة لقطع الشريان الوحيد الذي يربط مدينة تعز بمحافظة عدن، ونتج عنه مقتل 10 جنود وجرح 7 آخرين، في الوقت الذي تنصب فيه جهود المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتثبيت وتوسيع الهدنة الإنسانية والبناء عليها لاستئناف الجهود السياسية وتحقيق السلام في اليمن، وفي الوقت نفسه الذي كان يجلس فيه الطرفان على طاولة المفاوضات.

 

سجل حافل بنقض الاتفاقيات

وتعتبر أحداث العام 2004 التي وقَعت في محافظة صعدة والمتمثلة في المواجهة بين قوات الحكومة والتمرد الذي قاده مؤسس مليشيا الحوثي هي بواكير لتجليات طبيعة المليشيا الحوثية المتمردة ومن يقف وراءها، وحيث إن للمليشيا الحوثية مسيرة طويلة في التنصل من الاتفاقيات ونقض الهُدَن على طول خط مواجهتها مع الدولة، فقد بدأت منذ العام 2004 إلى 2010، مرورا باتفاق السلم والشراكة 2014 وانتهاءً بمفاوضات عمان 2022.

وخلال حروب صعدة فقط والتي اندلعت الجولة الأولى منها بين مليشيا الحوثي والقوات المسلحة اليمنية في العام 2004، سُجِّل ما يربو على تسع اتفاقيات -محلية منها ودولية- قامت المليشيا بنقضها والتنصل منها جميعًا.

وقد بدأت الاتفاقيات بجهود قَبلية لوقف الحرب بين الحكومة اليمنية والمليشيا الحوثية في صعدة حينها، غير أنه ومع كل اتفاقية يتم جمع الأطراف عليها تبدأ جولة أخرى من جولات الحرب بعد الانقلاب عليها من قبل الحوثيين.

ففي العام 2006 أعلنت الحكومة اليمنية عن اتفاقٍ مع مليشيا الحوثي مقابل بعض التنازلات التي قدمتها الحكومة من أجل تهيئة الأجواء للانتخابات الرئاسية والمحلية التي جرت في نفس العام، غير أن الاتفاقٌ لم يدُم طويلًا وسُرعان ما انقلبت عليه المليشيا، لتبدأ جولة جديدة من الحرب.

تلا ذلك اتفاقية وهدنة جديدة وقعت في يونيو من العام 2007، كان من بين شروط هذه الاتفاقية التي قَبِل بها الحوثيون أن يغادر زعيم المليشيا "عبد الملك الحوثي" اليمن إلى دولة قطر في لجوء سياسي، مقابل إفراج الحكومة اليمنية عن معتقلين وأسرى حوثيين كانوا لدى الحكومة، لكن المليشيا الحوثية كعادتها نقضت الاتفاقية بعد أشهر فقط من إبرامها لتدخل في جولة حرب أخرى مع الحكومة.

وفي العام 2008 فقط تم تسجيل أكثر من ثلاث اتفاقيات، من بينها اتفاقية الدوحة، ووساطة قَبلية، ومبادرة حكومية أحادية الجانب لوقف إطلاق النار.

تلا ذلك ثلاث اتفاقيات أخرى أبرمت في العام 2010، تمثلت بوساطة المجلس التنفيذي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واتفاقية وزارة الدفاع، واتفاقية الدوحة الثانية، وجميع هذه الاتفاقيات فشلت بسبب خروقات المليشيا المتكررة وعدم التزامها ببنود الاتفاقيات.

وفي سبتمبر من العام 2014، وقعت مليشيا الحوثي مع الحكومة اليمنية برعاية أممية اتفاقا سمي بـ"اتفاق السلم والشراكة"، وذلك بعد اجتياح مسلحي المليشيا للعاصمة صنعاء، وهدفت المساعي إلى تجنيب اليمن المزيد من الخراب والفوضى، غير أنه ورغم التنازلات التي قدمتها الحكومة للحوثيين، لم تلبث المليشيا وقبل أن يجف مداد ذلك الاتفاق حتى التفت على الاتفاق ومضت في استكمال اجتياحها لمختلف مناطق العاصمة وبقية مقار الدولة ومؤسساتها.

وفي ديسمبر من العام 2018، أفضت مشاورات برعاية أممية في العاصمة السويدية ستوكهولم إلى اتفاق بين الجانبين يقضي بوقف فوري لإطلاق النار، ومعالجة الوضع في محافظة الحديدة، وتبادل نحو 16 ألف أسير ومعتقل لدى الجانبين، إضافة إلى تفاهمات حول الوضع الإنساني في محافظة تعز، غير أن ذلك الاتفاق سرعان ما تبخر وتلاشت مضامينه بتصعيد حوثي عسكري جديد.

 

مراوغة سياسية

إن ما تهدف إليه المليشيا الحوثية من خلال تلك الاتفاقيات والمفاوضات والهدن التي تبرمها هو كسب جولات جديدة من الحرب ليس من بينها أي دافع إنساني، إذ إنها ليست أكثر من تكتيك برعت المليشيا في استخدامه، وعادة ما تلجأ إليه عند تعرضها لانتكاسة عسكرية أو مرورها بمأزق سياسي أو سعيا منها لكسب جولة سياسية دون النظر أو أخذ الاعتبار بالقضايا الوطنية أو مراعاة للجوانب الإنسانية.

وتشير دراسة صادرة عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث إلى تاريخ الحوثيين في الهُدن والاتفاقيات التي استخدمتها المليشيا لزيادة نفوذها وتمددها في البلاد منذ بداية تمردها في 2004، في أكثر من 100 دراسة وموقف، وخلصت إلى أن الحوثيين يلجؤون دوما للاتفاقيات في حال تعرضهم للضغط الذي يهدد وجودهم، أو في حالة التحوّل في القيادة، أو الحاجة الملحة لاتفاق يحمي عناصرها وتقدمهم، ويؤمن إمدادات السلاح إلى المليشيا.

كما تستخدم مليشيا الحوثي المتمردة الإرهاب الممنهج وإشاعة الخوف، والنُظم القَبلية، والمراوغة السياسية، والمراهنة على الوقت للحصول على تلك الاتفاقات، بينما تقوم بالانقلاب عليها ونقضها، مستخدمة القوة المفرطة والضخمة والدفع بقوات كثيفة لتحقيق الهدف الذي تنقض الاتفاق من أجله، والتفسيرات المتضاربة لنصوص الاتفاقيات للتهرب منها، والسلوك الإيراني في المماطلة، وإجبار الأطراف الأخرى على انتظاره.

وتضيف الدراسة أن الحوثيين يستخدمون الأحداث الإقليمية والدولية في معاركهم، وفي طريقة تنفيذهم للاتفاقات، كما يستغلون عدم فِهم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لهم إلى فرض أجندتهم، وإمضاء "مراوغتهم السياسية" دون محاسبة أو عِقاب، ظهر ذلك بوضوح خلال تحرك الحوثيين من صعدة إلى صنعاء، وفي أزمة "الناقلة صافر"، وفي تنفيذ اتفاق ستوكهولم.

 

مكاسب عسكرية

وبحسب صحيفة القدس العربي فإن الحوثيين "يواصلون ارتكاب الانتهاكات والخروقات ومعها تحقيق مكاسب عسكرية، تسعى من خلالها إلى رفع سقف مطالبها في أي مفاوضات سلام قادمة، والتي تسعى الأمم المتحدة ومعها الولايات المتحدة والدول الغربية المهتمة بالشأن اليمني، إلى تمديد الهدنة الراهنة والدفع نحو استمراريتها لإقناع أطراف الصراع بالدخول في مفاوضات وقف إطلاق النار وفتح المجال أمام سلام دائم في البلاد".

وقد أثبتت الفترة الماضية -وفقا للصحيفة- أن الحوثيين "يسيرون عكس التيار ويمارسون سلوكا يتناقض كليا مع التوجهات الأممية لمساعي وقف الحرب ولم يظهروا حتى مجرد حسن النوايا وجديتهم في هذا المسار، وآخر هذه الخروقات ما ارتكبه الحوثيون في المناطق الجنوبية لمحافظة الحديدة، وقبلها الاستعراض العسكري الضخم في مدينة الحديدة ونظيرها في العاصمة صنعاء، والتي قوبلت باستياء واستنكار محلي وإقليمي ودولي لتعارضها مع بنود الهدنة".

ويقول تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية إن اليمنيين "ما زالوا متشككين بشأن آفاق محادثات السلام مع الحوثيين، فغالبًا ما يقولون إن الحوثيين ليسوا مخلصين في السعي إلى حل سلمي للصراع، نظرًا لاستمرار عنفهم وخطابهم ضد خصومهم".

ويضيف التقرير أن الحوثيين لم يبدوا أي اهتمام بعملية سلام أو تسوية تفاوضية، "ولا يسعون بنشاط للمشاركة في جهود خفض التصعيد، حيث عبر الحوثيون في بياناتهم العلنية واجتماعاتهم الخاصة عن موقف متصلب جعل أي محادثات سلام تستجيب لمطالبهم مثل فتح مطار صنعاء، مما يوفر لهم ميزة نسبية في حال تراجعوا عن تنفيذ جانبهم من الصفقة".

ويتساءل التقرير حول ما إذا كان الحوثيون "على استعداد لتقديم تنازلات، حيث إن صعوبة التوصل إلى اتفاق بشأن إجراءات إنسانية بسيطة، مثل تخفيف حصار مدينة تعز الذي دام لسنوات، يجعل من الصعب أن نكون متفائلين بشأن استعدادهم لتقديم تنازلات في القضايا الأساسية المتعلقة بتقاسم السلطة والحكم وترسيخ نظام سياسي يمكن لجميع اليمنيين المصادقة عليه".

 

دعم إيراني

ويرى خبراء أن سلوك المليشيا الحوثية الذي تبديه تجاه القضايا والملفات الشائكة، والمراوغة التي دأبت عليها منذ ربع قرن في التعامل مع المعاهدات والاتفاقيات والالتزامات والهدن التي تكون المليشيا طرفا فيها، أن ذلك لم يكن ليتم دون تلقي المليشيا الحوثية دعما وتأييدا ومساندة إيرانية منقطعة النظير.

وعلى الرغم من أسلوب التستّر الذي انتهجته إيران في تقديم الدعم العسكري واللوجستي لحلفائها في اليمن، إلا أنها لم تخفِ دعمها السياسي للحوثيين طيلة السنوات الماضية.

ورغم طغيان الحذر والتستر في السياسة الإيرانية وإنكار الإيرانيين دعمهم العسكري للحوثيين، إلا أن المساعد الاقتصادي لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال رستم قاسمي، تحدث صراحة مطلع العام 2021 أنّ الفضل في التطور العسكري للحوثيين يعود إليها، فضلاً عن إقراره بوجود "عدد قليل من المستشارين من الحرس الثوري لا يتجاوز أصابع اليد" في اليمن، وهي الصيغة نفسها التي تستخدمها طهران للحديث عن قواتها الموجودة في سوريا أو في العراق.

غير أن ما زاد الأمر خطورة وما جعله لافتاً هو تقليل الخارجية الإيرانية من أهمية تلك التصريحات وعدم صحتها، كمحاولة من الوزارة لاحتواء تصريحات قاسمي بالقول، في بيان، إن تلك التصريحات "تتعارض مع الوقائع ومع سياسات الجمهورية الإسلامية في اليمن"، مشددة على أنّ "دعم إيران لليمن هو سياسي، وأن الجمهورية الإسلامية تدعم المسار السلمي للأزمة اليمنية وجهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي لهذه الحرب المدمرة"، قبل أن يرد قاسمي على بيان الخارجية في تغريدة تمسك فيها بتصريحاته.

ما يؤكد هذا الطرح الذي ذهب إليه بعض المراقبين، هو إعلان الجنرال الإيراني حسن إيرلو الذي اعتمدته إيران سفيرا لدى حكومة الحوثيين غير المعترف بها قبل أن يقتل في ظروف غامضة، رفضه للمبادرة التي طرحتها السعودية بشأن إنهاء أزمة اليمن، ووصفها بأنها "مشروع حرب دائم"، على الرغم من أنّ الموقف الرسمي للحوثيين حيال المبادرة انتهج مبدأ المراوغة والتحفظ على بنودها بهدف الحصول على تنازلات سعودية أكبر.

وقد عد المراقبون هذه التصريحات دليلا قاطعا على تدخل الإيرانيين في الحرب، وإدارتهم لملف الصراع في اليمن، وأن الحوثيين ليسوا أكثر من واجهة للصراع، وهو ما اعتبره المراقبون أيضا سببا للتذبذب الحاصل في المواقف، والتناقض في سياسة المليشيا التي لا تملك من أمرها شيئا، عدا ما يتم إملاؤه عليها من أوامر وتوجيهات من قبل الإيرانيين.

كلمات دالّة

#اليمن