الإثنين 20-05-2024 18:51:48 م : 12 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

التعددية السياسية في الفكر والفقه الإسلامي (الحلقة 5 والأخيرة) التشيع السلالي وأثره على الفقه تفتيتا وجمودا

الخميس 01 سبتمبر-أيلول 2022 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت-خاص | عبد العزيز العسالي
 


مدخل: غايات الرسالة الخاتمة:

أولا، الرحمة هي الغاية المحورية للرسالة الخاتمة.. قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".

ولكي تتحقق الرحمة الشاملة في الكون، فقد انبثق عن الرحمة غايات كثيرة أهمها:

1- غاية القيام بالقسط.. قال تعالى: "ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط".

2- غاية التعارف.. "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".. وهذا التكريم أخروي لا دنيوي، ذلك أن الاستخلاف وعمارة الأرض قائمة على مبدأ التعارف الإنساني، والتعاون والتعددية، والتميز، والخصوصية، والتكامل.

3- الحرية والمساواة.. الحرية تعني الحريات العامة.. حرية الاعتقاد هي المحور الذي تتفرع عنه سائر الحريات العامة.. قال تعالى: "لا إكراه في الدين".. "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".. "إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا".

4- التكريم الرباني للإنسان أساس الحرية.

5- مبدأ المساواة هو الوجه الآخر للحرية.. إذا حضرت الحرية حضرت المساواة والعكس صحيح.

6- الحكم بالعدل: العدل غاية، وآليّة في آن.. قال تعالى: "وأُمرت لأعدل بينكم".. "إن الله يأمر بالعدل والإحسان".. "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلمات الله".

7- العدل آليّة تحمي الحقوق حفظا للمصالح واستقامة حياة الاجتماع.

تلك هي أبرز غايات الرسالة الخاتمة، وهي كلها تصب في مصلحة الإنسان، حفظا وحماية انطلاقا من التكريم الإلهي للإنسان.

ثانيا، غاية الرسالة بلغة الفكر والفقه الإسلامي:

اتفق الفقهاء أن شريعة الإسلام جاءت لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد.
بصيغة أخرى، اتفق الفقهاء أن أحكام الشريعة الإسلامية هدفها تحقيق مصلحة إيجابية للإنسان أو دفع مفسدة عنه. "قواعد الأحكام في مصالح الأنام".. هذا عنوان كتاب للعز بن عبد السلام، رحمه الله، وهناك عناوين كتب كثيرة لا تخرج عن مفهوم "جلب مصلحة أو دفع مفسدة"، منها كتاب "الذريعة إلى مكارم الشريعة"، وكتاب "تفصيل النشأتين وتحقيق السعادتين" كلاهما للراغب الأصفهاني.
نابغة الفقهاء ابن القيم، رحمه الله، قدم خلاصة لغاية الشريعة الإسلامية، صاغها بلغة أوضح، وأبسط، وأشمل، وأعمق، وأكثر إشراقا، قائلا إن شريعة الله رحمة كلها، وحكمة كلها، وعدل كلها، ومصلحة كلها، ويسر كلها، فكل تصرف خرج بالشريعة من الرحمة إلى ضدها، ومن الحكمة إلى العبث، ومن العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن اليسر إلى المشقة فليس من الشريعة وإن أدخل فيها بالتأويل.

ثالثا، منطلقات المنهج الفقهي وأدلته:

يستند المنهج الفقهي الآنف إلى:
1- السنة النبوية العملية.
2- الفقه العملي عند الخلفاء الراشدين.
3- الفقه العملي عند الصحابة والتابعين.

انطلق الفقه العملي من مفهوم الغايات الكلّية للشريعة الخاتمة المتمثلة في: الرحمة، الكرامة، الحرية، المساواة، القيام بالقسط، العدل، والتعارف.
وانطلق من الإعلان الإسلامي العالمي الخالد الصادر عن الخليفة الفاروق رضي الله عنه والذي أطلقه مدويا في أذن الزمان قائلا: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟".
كان هذا المبدأ حاضرا راسخا في عقول الصحابة وظل نصب أعين الفقهاء عبر التاريخ الفقهي بنسب متفاوتة.
جواب ربعي بن عامر نموذجا: سجل التاريخ حوار الصحابي ربعي بن عامر مع رستم الفرس والذي اشتمل على غاية الرسالة الخاتمة دنيا وأخرى قائلا: "جئنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".
-مثقفون معاصرون: مصطفى النحاس، أو مصطفى كامل، وهما من طليعة مؤسسي مصر الحديثة وتحديدا تاريخ إعلان دستور مصر عام 1923 صرّح مصطفى كامل أو مصطفى النحاس -بالفم المليان- اعتزازا بثقافته الإسلامية الإنسانية الحضارية قائلا: نحن عندما نتحدث عن الحرية، لا يعني أننا صدىً لثقافة الوافد، وإنما انطلقنا من ثقافتنا الإسلامية التي حملت إلينا المبدأ الإنساني الذي أعلنه الخليفة الفاروق (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)".

الخلاصة، كانت تلكم هي غايات الرسالة الخاتمة وتلكم خلاصة موجزة عن المنهج الفقهي الأصولي المقاصدي المستند إلى التطبيقات النبوية.

هذه المبادئ والقواعد اكتنزت فيها سنة التعددية الكونية المؤطرة بالوحدة، الكلية المستندة إلى الكرامة الإلهية للإنسان وغاية الرسالة الرحمة والحرية والمساواة والعدل.

رابعا، من واحة الحقل إلى زقاق الجمود والانغلاق، وإن شئت فقل: من المنهج الفقهي المنطلِق من النظر الكلّي، إلى تفتيت الفقه فالانغلاق فالجمود.

الحقيقة أن موضوع التفتيت والجمود واسع جدا، لكن سنسلط الضوء بإيجاز شديد حول البذور التي غرسها التشيع وذلك فيما يلي:
التشيع السلالي الفارسي بدأ مبكرا جدا، تحديدا بعد معركة القادسية سنة 13 هجرية.
الفرس يمتلكون إرثا ثقافيا متراكما عمره 1200 عام.
وقد سجل التاريخ أن قيادات الفرس -جنودها الخُلّص- اجتمعوا مع يزدجرد (شاهنشاه) ملك الملوك، فتداولوا ردة الفعل المناسبة، فقرروا أن هزيمتهم عسكريا لا تعني هزيمتهم ثقافيا.
وتوصل الجمع إلى خطة متدرجة، ذات أربعة أبعاد: أمنية، دينية، تاريخية، وأدبية.
كان هدف الخطة هو إرباك العقل المسلم دينيا.. بمعنى أكثر عمقا: إرباك فكري منهجي بغلاف ديني (الزهد الإيماني)، لكن مدخلات ذلك التزهد هي بذور حصار فكري، تقود إلى الجمود الفقهي وصولا إلى التفتيت الفقهي الشامل.

- وسائل إرباك العقل:
شحن الجو الثقافي بسيل جارف من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم.
لقد كانت الخطة الفارسية ماكرة خبيثة متخفية - تنظيم متدرج سلك أولا مسارين خطيرين هما:
- تزوير التاريخ.
- وضع الأحاديث المكذوبة ونسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
انطلقت منظومة الفرس إلى كتابة التاريخ عام 64 هجرية، واستمرت حتى عام 140- 143 هجرية.
وحسب المؤرخ جواد علي في مقدمته بعنوان "موارد الطبري"، قال في معرض ثنائه على ابن جرير الطبري: لقد نقل الطبري عن كتب كثيرة برزت خلال القرن الأول الهجري، مشيرا إلى أن تلك الكتب قد أتلفت لكنه استدرك ناعيا على ابن جرير كونه أغفل أسماء تلك الكتب ومؤلفيها مستغربا ذلك الموقف من ابن جرير.

- المسار الثاني:
حركة الوضع للحديث فقد سلك التشيع نفس الطريقة في تزوير التاريخ حيث أغرق الفضاء الثقافي الإسلامي بسيول جارفة من الروايات المكذوبة.

يقول المؤرخ المحدث السياسي بشار معروف: على رأس القرن الهجري الأول، أدرك فقهاء الإسلام خطورة تقصيرهم في تدوين السنة، فاتجهوا لجمع الحديث، غير أن العلماء اصطدموا بقضية الخلط بين الحديث والتاريخ، فاتجه العلماء للفصل بين الحديث والتاريخ موجهين عنايتهم لجمع الحديث.

- الخطوة الأخطر:
أدرك التشيع السلالي خطورة توجه علماء الإسلام نحو فصل الحديث عن التاريخ فسارع التشيع إلى تربية شخصيات تم إعدادها بإتقان تحت عين التشيع فتم نقل التاريخ المكتوب إلى حفظ الذهني.

تلا ذلك توزيع ذلكم الرواة في مناطق محددة: سيف بن عمر في الكوفة، الكلبي الأب في البصرة، هشام وولده في منطقة ما وراء النهر.واتجه التنظيم الفارسي إلى إتلاف كتب التاريخ.
أصبح تحصيل التاريخ عبر المشافهة من تلكم الشخصيات.

- النتيجة:
يقول المؤرخ د. أكرم ضياء العمري، رحمه الله، إن روايات الحديث الحسنة -أي الضعيفة- اتجهت إلى تحسين صور فريقي الصحابة فاتجه الفضاء الفقهي والثقافي إلى اعتناق تلك الروايات بهدف صون مكانة الصحابة في وجدان عامة المسلمين.
قلت: هنا نجحت خطة التمويه حيث اتجه العقل والوجدان المسلم إلى رفض الخبر التاريخي الصادر عن الإخباري. وحسب د. أكرم رضا، أن رواية الإخباري قد تكون ضعيفة لكن منطق الواقع يؤيدها، بخلاف الروايات المحسنة لصورة فريقي الصحابة فقد نالت القبول التام وإن كانت تناقض الواقع.. قلت: من هنا بدأت رحلة العقل الثقافي المسلم إلى طاحونة خطيرة: إرباك، انغلاق، حيرة، تجزئة وتفتيت، تيه، وهم المعرفة. والدليل شيوع تلك المقولة: ما دار بين الصحابة فاسكتوا.
هذا المفهوم يشير إلى عمق الإرباك والتيه الثقافي والتفتيت الفقهي وتسارعت الخطى نحو الانغلاق والجمود.
بكلمتين: ضاعت الحقيقة التاريخية بين الإخباريين وروايات الحديث الضعيفة التي وصفت بأنها حسنة.

خامسا، إغراق الفقه الإسلامي بالروايات:

الروايات الموضوعة طالت كل ميادين الحياة، بما فيها ميدان الفقه الإسلامي.
اتفق الفقهاء والمحدثون أن القرن الثالث الهجري كان ربيع السنة النبوية جمعا وتنقية.. أقوى تنقية كانت عند البخاري، يليه مسلم، أصحاب الكتب الأربعة شروط التنقية أقل من مسلم، بدليل أن الترمذي حشد الضعيف جدا ووصفها بالحسن. وبرزت أمهات السنة للوجود بين عامي 232 هـ و304 هـ.
وتركزت عناية المحدثين حول السند تمحيصا وتدقيقا. الفترة التي برزت فيها الأمهات الست كانت بين عامي 232هـ و304هـ، وهذا هو تاريخ انتصار مدرسة الحديث على مدرسة المعتزلة.
- التشيع الفارسي انتهز الفرصة لتمرير أهدافه الفكرية وغيرها تحت شعار الانتصار للسنة، فتكرس مفهوم إجماع السنة والشيعة على تقديس الروايات.

سادسا، انقلاب البويهيين:

البويهيون شيعة فرس متعصبون للفارسية تحت مظلة السلالية، تمريرا لأهدافهم، فرفعوا شعار أنهم زيدية يؤمنون بحرية الرأي والهدف شحن الجو الثقافي وتلويثه دينيا، تاريخيا، أدبيا، ثقافة شعبية.
في ظل الدولة البويهية برز للوجود كتاب "المستدرك على الصحيحين"، وهو عنوان كاذب هدفه واضح، وقد تضمن 9 آلاف حديث مكذوب، مدعيا أنها على شرط البخاري، وحاشا البخاري من تلكم السفاهات والسخافات والفسق والفجور والكذب وسب الصحابة. كما برز عدد من المعاجم منها معاجم الطبراني الثلاثة وهي مليئة بالروايات الموضوعة والمكذوبة، كما برزت كتب ومسانيد أخرى عدة.

سابعا، مدونات الشيعة:
برزت مدونات الشيعة في ظل الدولة البويهية، وأبرزها:
- الكافي للكليني، ثم كتابات أخرى كثيرة.
- غاب النظر المنهجي فانفتح الباب على مصراعيه لقبول الروايات - الإرهاب الفكري باسم المعتزلة أضاع النظر المنهجي.
النتيجة العقل عدو الإسلام - لا عقل.. وتم توظيف قاعدة لا قياس ولا اجتهاد مع النص توظيفا مقلوبا يخدم التشيع.

الخلاصة، تم امتهان العقل المسلم وتحويل المجتمع المسلم إلى كائنات دينية نافرة وعاجزة عن التفكير.

أصبح العقل السني يُنتج التشيع السياسي للعباسيين والعلويين، بل أصبح العقل السني يعتقد عقائد الشيعة - القحطاني، السفياني، المهدي، الهادي.

تحريم التفسير بالرأي:
من يفسر القرآن برأيه وأصاب فقد أخطأ.. التفسير المعتمد هو التفسير بالروايات وهنا دخلت الروايات المكرسة للتشيع.

ثامنا، أصول الشيعة:

في ظل الدول البويهية برزت أصول الشيعة ومن أبرزها:
1- لا يجوز تفسير القرآن إلا للمعصومين.
2- أئمة آل البيت هم الذين يشرعون للدين والدنيا.
3- رواية الآحاد عندهم أقوى من القرآن لأن رواتها معصومون.
4- إغراق آي القرآن تفسيرا بالروايات عن المعصومين.. زواج المتعة الذي لا يختلف عن الزنا نموذجا فجا.
من المؤسف جدا أن روايات المتعة دسوها في البخاري وهي روايات متناقضة تماما.

- تقسيم الأمة إلى سادة وعبيد.. هذه انعكاسات الروايات التي تقدس آل البيت، وهذا انتهاك صارخ لمقاصد القرآن وكليات الشرع.
- رفض مقاصد الشريعة: التشيع السلالي يرفض المنهج المقاصدي، لأن المنهج المقاصدي يفتح العقل المسلم ويرشده ويهديه إلى الحكمة الشرعية التي جاءت لأجلها النصوص الكلية والجزئية، الأمر الذي يهدم الأسس التي استندت إليها دعاوى قدسية آل البيت والحق الإلهي.

- تحصين الطغيان ورفض القرآن: التشيع السلالي يرفض القرآن، لأنه جعل الأمة هي مصدر الشرعية السياسية: "وأمرهم شورى بينهم".. والتشيع يحصّن الطغيان ويصادر إرادة الأمة تكريسا للاستعلاء الإبليسي: "أنا خير منه".

- الاستيلاء على السلطة كونها الوسيلة الأقوى للنهب والهتك والقتل وسائر أنواع التسلط إشباعا لأهوائهم الإبليسية، انتقاما من عشرات ملايين المسلمين لأنهم قتلوا الحسين.

فيا ترى هل قرناء القرآن يعرفون أن القرآن قال: "ولا تزر وازرة وزر أخرى".

- دعوى استعادة الحق الإلهي، يعني تمكين الفرس من الحكم باسم آل البيت.

- التشيع يرفض القيم العقلية في القرآن، فالعقل في القرآن مهتدي بالنصوص وهادٍ إلى السنن الحاكمة للاجتماع ووسائل الاستقرار والتنمية، ولأن هذه القيم العقلية تهتك غلالات الزيف السلالي المتهالكة فلا غرابة أن يقف التشيع بقوة لمحاربة العقل وإرباكه وإغلاقه واتهامه ومحاصرته بترسانة من الروايات المكذوبة المخالفة للقرآن والسنة العملية، والهدف هو تكريس ثقافة الحقد والكراهية والإقصاء والقتل والتدمير وإفساد وإهلاك الحرث والنسل تمكينا للفرس الطامعين الحاقدين، والتاريخ يعج بفظائع الحقد السلالي الخبيث، والواقع خير شاهد.
نلتقي بعون الله..

كلمات دالّة

#اليمن