السبت 27-04-2024 03:08:37 ص : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

من التخادم إلى الهجوم المتبادل.. هل تنفجر مليشيا الحوثي من داخلها؟

الأربعاء 30 مارس - آذار 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص | صادق عبد المعين

  

لم تشهد جماعة أو تنظيما أو حركة من الفوضى والاضطراب ما شهدته وتشهده جماعة الحوثي الانقلابية منذ إعلان مشروعها وخروجها إلى العلن وتمردها على الدولة وحتى إعلان انقلابها على السلطة، إذ إن السمة البارزة التي طغت على الجماعة هي عدم الانسجام والاستقرار في صفوف قياداتها وانعدام الثقة فيما بينها، الأمر الذي أفضى إلى حالات متنوعة تمثلت بالتصفية الجسدية لبعض قياداتها في ظروف غامضة، والهروب والانشقاق للبعض الآخر، والتذمر والاستياء للكثيرين ممن بقي في صفوف الجماعة.

ومع ما تمثله الجماعة من بؤرة التقاء ومساحة مشتركة لكل التناقضات السياسية والأفكار المزدوجة والشخصيات المتباينة، التي استقطبتها الجماعة وفتحت لها أذرعها، والتي مثلت وجهة لتلك الأطراف طمعا للحصول على مصالح مادية أو مكاسب رمزية، أو خوفا على مصالح سابقة من الاستهداف من قبل المليشيا الحوثية، إلا أن ثمة أسبابا جعلت الجماعة على صفيح ساخن وخلقت حالة من الريبة والتوجس بين أفراد الجماعة لا سيما القيادات البارزة منها، وانتقادات واسعة من قبل قيادات بارزة في صف الجماعة.

وقد تعالت أصوات من داخل الدائرة الضيقة القريبة من زعيم الميليشيا عبد الملك الحوثي، منذرة بسقوط وشيك للجماعة بسبب استمرار فساد قيادات الجماعة والمسؤولين فيها.

صراع المناصب وجني الأموال والإيرادات أخرج الانقسامات الحاصلة في صفوف المليشيا من الخفاء إلى العلن، لتبرز إلى الواجهة وتطفو على السطح، وتُخرج للملأ صراع أجنحة متناحرة على السلطة في صفوف الجماعة الإرهابية المدعومة من إيران، صراعا يتمحور حول النفوذ والموارد المالية، في المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، وتحقيق البعض منهم ثروات هائلة في ظل انعدام أي رقابة، الأمر الذي فجر المزيد من الخلافات والتصريحات وتبادل الاتهامات بين قيادات الجماعة، خصوصا وقد بدت مظاهر تلك الأموال بشكل لافت على بعض القيادات والثراء الفاحش الذي ظهرت به دون أية مقدمات من شأنها أن تدفع عنها التهمة وتزيل عنها الشكوك.

حلول الرجس

مؤخرا شن أحد أبرز قيادات مليشيات الحوثي الإرهابية الذين ساهموا في إسقاط محافظة عمران مطلع العام 2014 عضو ما يسمى بـ"اللجنة الثورية العليا" التابعة للمليشيا الإرهابية القيادي "صادق أبو شوارب" هجوما لاذعا وغير مسبوق على الجماعة الحوثية، معلنا نيته مغادرة العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعته، وذلك بسبب ما وصفه بحلول الرجس على صنعاء بما كسبت أيدي القائمين فيها، على خلفية احتجاجه على انتهاكات وممارسات سلطات جماعته الانقلابية المتواجدة في صنعاء، مبشرا جماعته في تغريدة له عبر حسابه بموقع تويتر بـ"غضب الله الذي لا مرد له"، في إشارة إلى اقتراب الانفجار الشعبي في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعته نتيجة غلاء المعيشة وسياسة التجويع التي تنتهجها الجماعة ضد المواطنين في مناطق سيطرتها.

وجاء في التغريدة: "عندما يحل الرجس على صنعاء بما كسبت أيدي القائمين فيها تصبح الهجرة منها واجبا شرعيا وأخلاقيا وتقتضيه الحكمة لأن غضب الله إذا حل بدار قوم لا مرد له".

انتقادات واسعة

وفي منتصف العام الماضي 2021، أُبعد وزير السياحة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها "ناصر باقزقوز" من منصبه بعد أن شن هجوماً لاذعاً على القيادي النافذ "أحمد حامد" مدير مكتب رئاسة حكم الانقلاب، حيث كتب منشورات انتقد فيها ممارسات الرجل ونصح في أحدها "مَن يريد الاحتفاظ بكرامته وسمعته ووظيفته ألا يتحدث عن الفساد والفاسدين في صنعاء"، مضيفا أن الحديث عن الفساد والفاسدين في العاصمة صنعاء "يحتاج إلى إنسان بلا عائلة ولا أطفال ولا كرامة، إنسان وحيد لا يخاف على شيء ولا يوجد ما يحزن عليه".

وأشار في انتقاد لاذع لـ"مهدي المشاط" رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى الذي يحكم شكلياً في مناطق سيطرة الجماعة، بأنه "غلام دفع بالقادة السياسيين المعارضين إلى الابتعاد عن الظهور"، كما اتهم هذه المليشيات بإقصاء المتحدرين من محافظات البلاد الجنوبية، وقال إن "مَن يريد التعرف على الانفصاليين الحقيقيين عليه أن يذهب إلى المجلس السياسي".

هذه الانتقادات الواسعة لممارسة الجماعة الحوثية انضم إليها محمد المقالح عضو ما تسمى بـ"اللجنة الثورية العليا" التي تولّت السلطة، حيث قال: "ثمة سلطة لم يسبق لها مثيل في التاريخ تتحدث عن النزاهة كل يوم وهي ملطخة بالفساد من رأسها إلى أخمص قدميها، وتتحدث عن المستضعفين كل يوم وهي تولي المستكبرين، وفي كل منعطف وزاوية فيها بطش أو إذلال".

ويضيف المقالح أن "الحوثيين قد هزموا فعلاً في وعي الناس، ولم يتبقَّ سوى هزيمتهم في واقع الناس، وستأتي قريباً على أيدي واحد من الثلاثة المخلفين"، في إشارة إلى صراع الأجنحة المتصاعد داخل الجماعة.

ويقول الكاتب والصحفي "فهد سلطان " في حديثه لـ"الإصلاح نت" إن جماعة الحوثي قامت على "شبكة مصالح ورفعت شعارات دينية فقط، ولكن في حقيقة الأمر رفعت مصالح ذاتية حقيقية، وبالتالي عندما لم يحصل هؤلاء على ما كانوا يريدون مقابل الخدمات التي قدموها، قدموا اعتراضات ووصل بهم الأمر إلى حد الخروج عن إطار الجماعة".

ويضيف سببا آخر لتلك الانتقادات بالقول إن "الجماعة اتخذت خطا متطرفا شديد التطرف، وكان البعض يقول إن هذا التطرف ينبغي أن يتوقف عند نقطة واحدة ويبدأ عند خط آخر، وهو ما كانت ترفضه الجماعة واستمرت عليه وهذا كان سبب خروج بعض القيادات من الجماعة".

غياب الرؤية

ويرى مراقبون أن انعدام الرؤية الواضحة لدى جماعة الحوثي يمثل أحد الأسباب البارزة لحالة الاضطراب التي تشهدها الجماعة، فجماعة الحوثي ليس لديها فكرة سياسية واضحة، فهي خليط من هتافات وشعارات منسوخة من أحزاب وجماعات تتقاطع معها بالأفكار والتوجهات وبنسخة مكررة، تحولت الى عقيدة سياسة تحمل في طياتها كافة التناقضات، إضافة إلى تحول الجماعة الحوثية إلى بوق سياسي وناطق رسمي وروبوت طيع لتنفيذ كل ما يملى عليها من قبل الإيرانيين، الأمر الذي جعل الكثير من قياداتها البارزين يشعرون بالملل وعدم الرغبة في الاستمرار بالبقاء داخل صفوف الجماعة.

ووفقا للقيادي السابق في جماعة الحوثي والمنشق عنها والمؤسس لما كان يعرف بـ"الشباب المؤمن" فإن مؤسس الجماعة "حسين الحوثي" كان يمثل التقليدية، فقد كانت أفكاره وثقافته خليطاً من كل شيء، بعضها فيها طابع الفكر الجعفري وبعضها سلفي، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث إنه علل أسباب المواجهة الأولى والتمرد الذي قاده حسين الحوثي بأنها تعود إلى الأفكار التقليدية التي كان يحملها، إذ كانت أفكاره تحمل جموداً قاتلاً أدى إلى هذه المواجهات.

السلالة أولا

نهج الجماعة وأفكارها المشبعة بالطبقية والسلالية والقائمة على الفوارق والامتيازات ولدت لدى الكثير ممن ينتمي إلى الجماعة من غير السلالة المزيد من الامتعاض وأشعرتهم بالإهانة، إذ تتعمد مليشيا الحوثي انتهاج أسلوب العنصرية والطائفية والتمييز الطبقي والتفريق بين مقاتليها من خلال إطلاق صفات معينة عليهم، فالذين ينتمون إلى الجماعة من الأسر السلالية تطلق عليهم مسمى “القناديل” بينما أبناء القبائل والمنخرطين في صفوف القتال معها من عموم أبناء وهم من خارج السلالة بات يطلق عليهم مسمى "الزنابيل، في إشارة إلى التقليل من مكانتهم الاجتماعية، كذلك فإن مسمى "سادة" الذي يطلق على الأسر السلالية، يقابل بمسمى "قبائل" وهم عموم الناس من غير الهاشميين، بات سائدا في المجتمع، إذ تم تفرقة المجتمع والتمييز بين أبنائه على هذا الأساس مما ولد الغبن والشعور بالإهانة لدى الكثير من أفراد الجماعة داخل صفوفها.

صراع الأجنحة

وجود تيارين داخل جماعة الحوثي، تيار الهاشميين وتيار القبائل، فتح الباب واسعا لتبادل الانتقادات وصراع الأجنحة خصوصا بعد أن جعلت الجماعة كل التعيينات والمناصب حكرا على السلالة "الهاشمية"، فيما أبناء القبائل ليس لهم حق سوى الموت في الجبهات حفاظا على حكم السلالة، والتي تقوم بتعيين عناصرها في الوظائف الرئيسية، دون أي اعتبار للمؤهلات أو الخبرات أو القوانين المنظمة للعمل في هذه المؤسسات.

وتقول مصادر إن الجماعة قامت بترقية عناصرها من الأسر الهاشمية في وزارة الداخلية من رتبة جندي إلى رتبة لواء، وهي أعلى رتبة في هذه الوزارة، في الوقت الذي يتم فصل الكثير من الموظفين غير الهاشميين والذين يشكون في معارضتهم أو عدم الإخلاص والولاء للجماعة.

وبالنظر إلى التعيينات التي تمت من قبل الحوثيين في مؤسسات الدولة، فإن أكثر من (90%) منها هي من نصيب الهاشميين، وهو ما يؤكد توجه الجماعة لجعل هؤلاء بمثابة الأقلية المتحكمة بالدولة، وصاحبة الامتيازات الخاصة بها، من خلال السيطرة العسكرية والمالية والنفوذ الاجتماعي والثقافي، فقد شرعت الحركة الحوثية بإعادة استنساخ أنموذج الحكم الإمامي، الذي كان يمنح من يسمونهم "السادة الهاشميين" معظم المناصب السياسية والإدارية والقضائية والعسكرية في الدولة.

وقد تم توزيع المناصب المهمة والحساسة داخل الحركة على أشخاص ينتمون إلى الأسر الهاشمية، بالإضافة إلى معظم التعيينات الرسمية في المواقع الحساسة في الدولة، والتي صدرت عن الحوثيين بعد دخولهم صنعاء، ومُنحت لأشخاص من هذه الفئة نفسها، ومعظم الوظائف في المستويات الوسطى أعطيت لهم أيضاً، إذ تم ذلك دون أي اعتبار للكفاءة أو الخبرة أو الشهادة العلمية، حيث استطاع تيار الهاشميين أن يحكم سيطرته تمامًا على المناصب العليا في المؤسسات الحكومية والوزرات في حكومة الحوثيين، وهو ما تسبب بصراع مع تيار أبناء القبائل.

كلمات دالّة

#اليمن