الخميس 12-12-2024 14:36:51 م : 11 - جمادي الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وتدمير التعليم في اليمن (1-2)

الخميس 20 يوليو-تموز 2017 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت: خاص / عماد عقيل

 



يعتبر التعليم هو الركيزة الأساسية التي تستقيم عليها الدولة، ومن خلالها تصبح في مصاف الدول العظمى سياسياً وثقافياً واقتصادياً وعلمياً .. وعندما تولي الدولة جُّل اهتمامها بالعملية التعليمية وكوادرها بالتأكيد ستتفوق هذه الدولة بأجيالها المتعلمة تعليماً راسخاً متحرراً من الطائفية والمناطقية.
لكن في اليمن، التعليم أصبح في مهب الريح، وخاصة منذ أن أسقط الانقلابيون الحوثيون وصالح صنعاء عام 2014، حيث استولوا على مؤسسات الدولة وكل مقدراتها ومنها المؤسسات التعليمية، فقد قضت هذه المليشيات على التعليم في البلاد، وأصبحت الشهادات الجامعية اليمنية غير معترف بها في معظم الدول؛ نظراً لعدم التزام المليشيات بقوانين التعليم وسعيها في تحريفه طائفياً من حيث تغيير المنهج، واستبدال مدراء المدارس والمعلمين بموالين يحملون أيديولوجية الجماعة.

 

ضرب التعليم من خلال الكوادر
في خطة لضرب العملية التعليمية وتدمير مقوماتها، عمدت المليشيات الانقلابية إلى حرمان مئات الآلاف من الكوادر وأساتذة الجامعات ومعلمي المدارس من رواتبهم، كي تفسح المجال لمدرسين موالين للجماعة ينشرون الفكر الحوثي الطائفي بين أوساط الطلبة.
لم تشعر هذه الكوادر بأنفسها إلا وهي في رصيف الفقر والعوز، ولجأ البعض إلى امتهان مهن أخرى كالعمل في المخابز وإصلاح الساعات للبحث عن لقمة العيش بعد أن حرم منها من قبل المليشيات التدميرية للفكر التنويري.
عاش الأساتذة والمعلمون أوضاعًا إنسانية كارثية بسبب قطع الراتب وفصل البعض منهم نتيجة عدم قبولهم في الانسياق تجاه الصرخة الحوثية التي جعلتهم يعيشون من الأوضاع الإنسانية والصحية المتردية، الأمر الذي جعلهم يعيشون على الكفاف.

 

استقطاب الطلبة للجبهات
نشطت مليشيات الحوثي في استقطاب الأطفال من المدارس بهدف تجنيدهم ورفد جبهات القتال بهم، وجندت وزارتا الأوقاف والتربية والتعليم الواقعتان تحت سيطرة الحوثي مئات الأطفال من طلبة المدارس خلال الإجازة الصيفية. وكان القيادي الحوثي الذي يعمل مديراً للمركز التعليمي بمديرية شبام بمحافظة المحويت دعا طلاب الثانوية العامة للتوجه لجبهات القتال بعد الانتهاء من الامتحانات.
القيادي الحوثي عبدالله القاسمي زار عدداً من المدارس للإشراف على الامتحانات، وخلال زياراته كان يؤكد للطلاب أن الشهادة الحقيقية هي في الجبهة -على حد وصفه- وليست في المدرسة.
وفتحت المليشيات عشرات المراكز تحت مسمى تحفيظ القرآن «المسيرة القرآنية للحوثي» بهدف استدراج الأطفال وغسل أدمغتهم فكرياً، والزج بهم في جبهات القتال بعد دورات تدريبية في معسكرات منتشرة بذمار وصعدة وعمران والحديدة وريمة.
وهكذا تسعى المليشيات في تدمير التعليم والطلبة والسيطرة على عقولهم بالفكر الطائفي، وتحفيزهم للقتال، وترك التعليم ليكونوا وقوداً لمعاركها العبثية.

 

لجان الجبهات
خصصت المليشيات الحوثية لجان امتحانية تسمى "لجان الجبهات"، حيث تقوم هذه اللجان بأداء عملية الامتحانات نيابة عن الطلبة الذين يقاتلون في الجبهات التابعة للمليشيات.
وبحسب مركز صعدة الإعلامي فإن مليشيات الحوثي كلفت معلمين بكتابة دفاتر امتحانات لأفرادها المقاتلين في الجبهات، وإعطاء لمن ينوبون الطلبة في لجان الجبهات حسب تسميتها الإجابات جاهزة.
وهكذا تسعى المليشيات إلى تدمير التعليم وتجهيل الجيل القادم بانتهاكها لكل قوانين التعليم في العالم وذلك خدمة لمشروعها الظلامي.

 

90% معدلات للمقاتلين
وفي الأماكن التي لم يتسن للمليشيات فرض لجان ما تسمى "بلجان الجبهات" لمقاتليها، فقد أصدر رئيس ما يسمى باللجنة الثورية محمد علي الحوثي توجيهاً بمنح الطلبة المقاتلين في الجبهات معدلات لا تقل عن 75% ولا تزيد عن 90%.
هذه الأعمال ستعود في النهاية بالضرر على الطالب حينما يتقدم لاختبارات القبول في الجامعة، لكن طالما وهو من المقاتلين الذين تنتفع بهم المليشيات، فيتم قبولهم في الجامعات دون اختبارات قبول، سعياً منها إلى تدمير التعليم في البلاد وبناء جيل لا يعرف ماذا يصنع في المستقبل سوى حمل البندقية.

 

احتكار الجامعات
إحتكرت المليشيات الحوثية الجامعات اليمنية لصالح أفرداها ومنتسبيها من "آل البيت" ابتداءً من الوظائف الإدارية والمكاتب التابعة للجامعات وأبرزها جامعة صنعاء، حيث عيّنت قيادات للجامعة تابعة لها وتؤمن بهدفها التخريبي وصرختها التدميرية للتعليم في اليمن.
أما ثانياً فالاحتكار قائم على مستوى الطلبة، فقد احتكرت المقاعد الدراسية لعناصرها الموالين؛ لأن الحوثية تعتقد أن التعليم محتكر على "السادة الهاشميين" فقط دونما الشعب اليمني.
كما حرمت المليشيات عشرات الآلاف من الطلبة اليمنيين من حقهم في التعليم الحكومي المجاني، وكل هذا يأتي في سياق التضييق والحرمان من ممارسة الطلبة حقهم القانوني في التعليم.

 

سيديهات وخطب الحوثي في المدارس
وفي سعي المليشيات إلى الترويج لفكرهم الطائفي والدخيل على المجتمع اليمنى من خلال المدارس والمساجد، فقد فرضوا حصصاً خاصة للاستماع إلى محاضرات زعيم الجماعة السابق حسين بدر الدين الحوثي، لتعبئة الطلبة فكرياً بمقاطع ومرجعيات حوثية عبر أشرطة وسيديهات.
وفي مدرسة "الكبسي" في صنعاء يقوم الموالون للجماعة من الأساتذة بجمع الطلاب كل يوم بعد وقت "الراحة المدرسية" إلى أحد الفصول الكبيرة في المدرسة ويفتحون لهم شاشة كبيرة يظهر فيها حسين بدر الدين الحوثي عبر أشرطة مسجلة يتحدث عن أفكار الجماعة والقتال وضرورة الجهاد، وبعد الانتهاء من المحاضرات يضع المشرفون على شاشات التلفزة الأسئلة على طلاب المرحلة الابتدائية والإعدادية ومنحهم الجوائز المالية.

 

تدهور كارثي
بلا شك أن الانقلاب قد خلف آثاراً كارثية على مختلف مناحي الحياة وفي مختلف الأجهزة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، هكذا قال الأكاديمي شادي خصروف في حديثه "للإصلاح نت".
وأوضح خصروف أنه إذا تحدثنا عن الجامعة كنموذج صارخ لهذا التدهور الكارثي الذي أحدثته المليشيات وألّم باليمن بأكملها فإننا لا يمكن أن نلخص بعض أوجه هذه الإشكالية في الفساد والنهب الكبير الذي حصل للدولة ومقدراتها مما أدى إلى عجز كامل في صرف المرتبات، الأمر الذي أدى إلى هجرة معظم الكفاءات الكبيرة والبارزة إلى دول أخرى نظراً لأن المليشيات استحوذت على راتبه الذي كان يساعده على العيش وأسرته، مشيراً إلى أن هناك أساتذة جامعيين بدأوا يمتهنون مهن أخرى في مصانع البُلك (الطوب) وغيرها من الأعمال الهامشية لتوفير الدخل، وهذا بسبب التدخل الصارخ من قبل المليشيات في التعليم ومؤسساته، ما أدى إلى تدهور التعليم شيئاً فشيئاً حتى أصبحت العملية التعليمية في اليمن في الهامش.

 

تعيين قيادات مليشاوية
وتابع خصروف قائلا: "أصبحت الدراسة لا تمثل أولوية للطلاب؛ لأنهم غير قادرين على العيش أصلاً وغير قادر على الانتقال السلس من وإلى الجامعة بسبب الأوضاع التي خلفتها المليشيات الحوثية".
وأوضح شادي أن هناك أيضاً عوامل عدة أدت إلى تدمير العملية التعليم كتولي العناصر الفاسدة وغير المؤهلة على رأس المؤسسات التعليمية كعمداء ورؤساء جامعات ومدراء وهم غير مؤهلين لذلك، ولا مطابقين للشروط ومعايير قوانين الجامعات، مشيراً إلى أن التعيينات أصبحت لذوي العلاقة باللجان الانقلابية، وإقصاء الكوادر المؤهلة بل وإخراجها من ممارسة واجبها الوطني في العملية التعليمة.
وأضاف: "أصبحت الواسطة والمحسوبية والفساد هم سيد الموقف في العلاقات بين الطالب والإدارة الأكاديمية، هذا كله أدى إلى تدهور العملية التعليمية، أضف إلى ذلك مسألة الحرب وعدم الاستقرار وعدم وجود الأمن الذي صعّب من مسألة انتقال الطالب ومتابعته لمهماته الدراسية، وكذلك من تبقى من الأساتذة وبالتالي هذا كله ساهم في تدمير كبير للعملية التعليمية وفي مخرجاتها".