الإثنين 20-05-2024 23:21:15 م : 12 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

الصحافة في اليمن.. تحت مقصلة الإرهاب الحوثي

الخميس 09 مايو 2024 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص

  

لا يكاد يمر عام من أعوام الانقلاب إلا ويترك خلفه ذكريات سيئة، ويحمل في طياته كثيرا من الانتهاكات في مختلف جوانب حياة المواطنين، وهي انتهاكات ينشط الحوثيون في التفنن بها، لتضاف إلى سجلاتهم فاقعة السواد.

وتمثل الانتهاكات بحق الصحافة والصحفيين نسبة كبيرة من جملة الانتهاكات الحوثية، فقد شهدت الفترة الماضية انتهاكات متصاعدة بحق الصحفيين سجلت رقما قياسيا وغير مسبوق، ولم يحدث أن شهدت اليمن مثلها من قبل، سواء من حيث العدد أو نوعية وطبيعة تلك الانتهاكات.

ووفقا لتقارير حقوقية وصحفية فإن تلك الانتهاكات قد بلغت المئات من الجرائم التي ارتكبتها المليشيا الحوثية بحق الصحافة، شملت إغلاق العديد من الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية ومصادرة ونهب محتويات مقراتها، والانتهاكات التي طالت الصحفيين من خلال عملية الاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب والقتل وإصدار الأحكام الجائرة بحق الصحفيين ومنعهم من أبسط الحقوق، وغيرها من الانتهاكات التي تمادت المليشيا الحوثية بارتكابها منذ العام 2014.

تدهور مستمر

وتقول نقابة الصحفيين اليمنيين في بيان لها بمناسبة اليوم العالمي للصحافة: "إنّ الصحفيين اليمنيين وصحفيي العالم يحتفون باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يوافق الثالث من مايو، في ظل ظروف خطيرة ومعقدة يعيشها الصحفيون اليمنيون وهم يدخلون عامهم العاشر من الحرب التي طالتهم نيرانها".

كما عبّرت نقابة الصحفيين عن أسفها واستيائها من الأوضاع التي تمر بها الصحافة وما تتعرض له حرية التعبير في اليمن من تدهور مستمر ومعاناة قاسية يكتوي بنارها الصحفيون في ظل تدهور اقتصادي كبير وانقطاع للرواتب عن الصحفيين في المؤسسات الحكومية منذ العام 2016، وانعدام فرص العمل بسبب إغلاق عدد من وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة.

وتشير النقابة في بيانها إلى أنّ حرية الصحافة تعرضت لأكثر من 1700 حالة انتهاك واعتداء منذ بدء الحرب، وتوقف 165 وسيلة إعلام وحجب قرابة 200 موقع إلكتروني محلي وعربي ودولي واستشهاد 45 صحافيًا.

أسوأ المراتب

ومنذ أن نفذت مليشيا الحوثي انقلابها في العام 2014 ودخلت البلاد في حرب دامية نتيجة الانقلاب، تعيش الصحافة اليمنية أسوأ مراحلها، وبات الصحفيون في هذه الظروف عرضة لأسوأ الاحتمالات التي من الممكن أن تواجههم، من قتل واعتقال واعتداء أو نفي في مخيمات النزوح، أو بلدان الشتات في أحسن الأحوال.

وقد كشفت إحصائيات صادرة عن جهات معنية حجم الوضع المأسوي الذي تمر به الصحافة في اليمن خصوصا الفترة التي رافقت الانقلاب الحوثي، منها ما أورده بيان صادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، تزامناً مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، 3 مايو، قالت فيه إن "اليمن ما زالت من أخطر بلدان العالم على سلامة الصحفيين، إذ لا يزال في المرتبة 168 على مستوى العالم وفي المرتبة 19 بين الدول العربية".

ووفقا لتصنيف العام الماضي 2023 الذي أصدرته المنظمة لمؤشر حرية الصحافة العالمي الذي شمل 180 بلداً، فإن الوضع جيد جداً في 8 دول، وجيد في 44 دولة، وإشكالي في 55 دولة، فيما أظهر التصنيف أن الوضع صعب في 42 دولة، وشديد الخطورة في 31 دولة.

وتقول المنظمة إن اليمن "لا يزال من أخطر بلدان العالم على سلامة الصحافيين، إذ لا تزال البلاد تحتل الصدارة في التصنيف العالمي للدول، حيث يوجد أكبر عدد من الصحافيين الرهائن، ويلي اليمن في الترتيب سوريا".

مناطق مغلقة

وبفعل سياسة القمع وتقييد الحريات ومصادرة الحقوق التي دأبت عليها مليشيا الحوثي، تحولت مناطق سيطرتها إلى بيئة مخيفة يصعب فيها مزاولة أي شكل من أشكال الصحافة، إذ يخضع الصحفيون للتضييق والمراقبة، ويتعرضون للاعتقال لمجرد نشرهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ويلجأ كثير منهم لترك مهنة الصحافة ومزاولة أعمال أخرى بعيدة تماما عن المهنة والتخصص، وتغيير وظائفهم بشكل جذري، خوفا من أعمال انتقامية يتعرضون لها على أيدي الحوثيين.

وقد واجهت حرية الصحافة موجات تجريف ممنهجة، وتحولت مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين إلى مناطق مغلقة على الصوت الواحد الذي لا يعلو سواه، والسياسة التي تمليها المليشيا، كما تم القضاء على التنوع الإعلامي الذي كان سائداً في البلاد إلى حد ما.

ونتيجة لهذا الوضع الذي فرضته مليشيا الحوثي، بات الصحفيون عرضة للقتل والاختطاف من قبل عناصر المليشيا، وبمجرد تعرضهم للاعتقال يصبحون ضحايا للتعذيب وسوء المعاملة".

وتؤكد إحصاءات رسمية سابقة مسؤولية مليشيا الحوثي عن مقتل أكثر من 40 من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام المختلفة في اليمن، متصدرة بذلك قائمة الجهات المسؤولة عن هذا النوع من الانتهاكات، تليها مجموعات مسلحة مجهولة بواقع 17 انتهاكاً، وجاءت في المرتبة الخامسة تنظيمات متطرفة بارتكابها حالتي قتل.

نشاط معاكس

وفي الوقت الذي عملت فيه مليشيا الحوثي على إيقاف كافة الوسائل الإعلامية المعارضة وإغلاق مقراتها وحجب العديد من المواقع الإخبارية، فقد نشطت في وقت مبكر إلى إنشاء وفتح العديد من وسائل الإعلام المختلفة، إدراكا منهم لأهمية الإعلام ودوره الكبير في صناعات التحولات وممارسة التأثير في المجتمع، فسعوا إلى السيطرة على كل مفاصله، وأنشؤوا مجموعاتهم الإعلامية، كما دعموا مجموعات أخرى يديرها في العلن رجال أعمال وتسوق في المضمون لسياساتهم.

وتدير مليشيا الحوثي مجموعة إعلامية كبيرة، مؤلفة من محطة تلفزيون فضائية تحمل اسم "المسيرة" تعد رأس حربتهم الإعلامية، وإذاعة تحمل الاسم نفسه ومجلة أسبوعية باسم "صدى المسيرة"، إلى جانب العديد من القنوات والإذاعات والمواقع الإخبارية المختلفة.

تهم ملفقة وتعذيب وحشي

ويتعرض الصحفيون في زنازين الاعتقال إلى أبشع أنواع التعذيب بتهمة التآمر والتخابر والخيانة، من بينها الصعق الكهربائي والضرب بآلات صلبة على الرأس والمناطق الحساسة والكي بالنار والحرمان من النوم والماء والغذاء والدواء ومنع زيارة أقاربهم وحرمانهم من أبسط الحقوق.

ويقول الصحفي اليمني محمد الصلاحي الذي قضى خمسة أعوام داخل أقبية مليشيات الحوثي، إنه واجه خلالها تعذيبا وحشيا في محاولة لكسر إرادته وإسكات صوته.

ويضيف الصلاحي بقوله: "أنا اليوم في موقع مختلف تمامًا عما كنت عليه العام الماضي، فقبل عام، كنت أرزح تحت وطأة اختطاف قاسٍ في أقبية وسجون مليشيا الحوثي، عشتُ خلالها 5 سنوات عجاف من المعاناة والألم في تلك السجون المظلمة".

ويتابع الصلاحي: "إيمان الصحفي اليمني برسالة صاحبة الجلالة، لم يتغير أو يتبدل رغم القمع الحوثي، وانتهاك حرية الصحافة والترهيب"، مضيفا: "تجربتي هي تجربة مئات الصحفيين المختطفين في سجون الحوثي، الذين يواجهون يومياً مخاطر جسيمة وإرهابا متعمدا وتعذيبا مستمرا".

قمع ممنهج

ويصف الصحفي أمين دبوان وضع الصحافة في اليمن بـ"الصورة السوداوية" نتيجة للوضع الكارثي الذي وصلت إليه.
ويقول دبوان: "منذ الانقلاب الحوثي على مؤسسات الدولة، أسكتت كل الأقلام الحرة، ولم يعد في مناطق سيطرتها أي وسيلة إعلامية معارضة".

ويضيف الصحفي دبوان: "اختطفت مليشيا الحوثي الصحافيين ونكلت بهم بطرق مختلفة فمنهم من خرج من السجن بعد سنوات عصيبة كما هو حال عبد الخالق عمران وزملائه، ومنهم من قتلته برصاصاتها كما فعلت مع أحمد الشيباني ومحمد القدسي في تعز، وآخرون قتلتهم كدروع بشرية كما فعلت بعبد الله قابل ويوسف العيزري في محافظة ذمار".

ويردف دبوان بالقول: "الحوثية وصل بها الحال إلى ملاحقة المنشورات والتغريدات المعارضة. إنها مرحلة معقدة من الإجرام والخناق للكلمة والقلم، ومحاولة منها لإخفاء جرائمها بحق الشعب اليمني بكامله".

وأشار إلى أن "هناك إحصائيات مخيفة للانتهاكات التي ترتكبها المليشيا المنقلبة على الدولة تستحق الملاحقة القانونية الدولية وتلك جرائم لا تسقط بالتقادم".

من جهته يقول الصحفي أحمد عايض (رئيس تحرير موقع مأرب برس): "الصحافة في اليمن باتت من أكثر المهن خطورة على مزاوليها بشكل عام، فالصحافة سابقا كانت تسمى مهنة المتاعب وقد أصبحت اليوم مهنة المهالك".

ويضيف عايض: "رأينا كثيرا من الصحفيين ممن تواروا جملة وتفصيلا عن المشهد الإعلامي بشكل كبير، خاصة في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية نظرا لعملية القمع الممنهج التي طالت هؤلاء الصحفيين وانكفؤوا على ذواتهم والبعض منهم بحثوا عن أعمال أخرى يمارسونها وبعضهم باتوا يعملون في مهنة الصحافة لكنهم يعملون من داخل بيوتهم لجهات مجهولة، كما لجؤوا إلى عمليات مراسلات لجهات أخرى مشفرة، لكي لا يتم كشفهم".

ويختم رئيس تحرير مأرب برس حديثه بالقول: "الصحافة اليمنية أصبحت مهترئة في مكونها الصفوفي أو مهترئة في مكونها اللقاءاتي، بمعنى أنها أصبحت مشتتة، لم يعد هناك دسك من الصحفي يجمعهم صالة اجتماعات أو غيرها فنكبة الحوثيين أفرزت وضعا مأساويا على الصحافة بشكل عام".

بيان مشترك

وقد طالبت 40 منظمة إقليمية ومحلية معنية بحريات الرأي والتعبير وحقوق الإنسان تزامنا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، في بيان مشترك، جميع أطراف الصراع في اليمن باحترام حرية الصحافة والإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحفيين المعتقلين على خلفية نشاطهم الإعلامي.

ويكشف البيان الصادر عن تلك المنظمات أنه وعلى مدى عشرة أعوم مضت "تزايدت الانتهاكات والممارسات التعسفية ضد الصحفيين، ووصل إجمالي هذه الانتهاكات منذ بداية العام 2015 وحتى أبريل 2024 إلى 2536 انتهاكًا من بينها 54 حالة قتل لصحفيين وصحفيات".

ويقول البيان إن الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيين والإعلاميين جعلتهم يدفعون أثمانا باهظة لممارسة الصحافة، ونقل الأحداث في ظل إفلات المجرمين من العقاب، واتساع دائرة استهداف الصحفيين لتصل إلى أهاليهم كوسيلة للضغط عليهم، ومحاولة لإسكات أصواتهم، والتضييق على مساحة حرية الرأي والتعبير"، معتبرا تلك الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيين والعاملين في اليمن أنها "تشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان، ولقواعد القانون الدولي الإنساني".

كما انتقد البيان "الدور المحدود للمجتمع الدولي الذي يغلب تعامله السياسي في الملف اليمني على بقية الجوانب الأخرى، لإرضاء أطراف الصراع، مما ساهم في إفلات المجرمين من العقاب وزاد عدد الانتهاكات إلى جانب غياب الإرادة السياسية المحلية وضعف السلطة القضائية في اليمن، وغياب الإجراءات الفاعلة تجاه مرتكبي الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبتهم على أفعالهم".

ودعا البيان المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لزيارة كافة السجون في اليمن ومقابلة الصحفيين للاطلاع على أوضاعهم فيها، كما حث على إجراء تحقيق عاجل وفوري من أجل إيجاد آليات عملية وفعالة تنهي بشكل حاسم حالات الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.

كما طالب بالضغط على مليشيا الحوثي لوقف الانتهاكات المستمرة بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية العاملة في نطاق سيطرتها.

مسلسل متواصل

وليس ببعيد وأثناء إعداد هذا التقرير، تعرض الأمين العام لنقابة الصحفيين اليمنيين محمد شبيطة لمحاولة اغتيال من قبل مسلحين أثناء مروره بسيارته في العاصمة صنعاء في 7 مايو الجاري.

وبحسب بلاغ لنقابة الصحفيين اليمنيين فإن محمد شبيطة الأمين العام لنقابة الصحفيين اليمنيين والأمين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب تعرض لإطلاق نار من مسلحين صباح الثلاثاء بالقرب من وزارة الإعلام في صنعاء.

وأوضح البلاغ أن مسلحا أوقف سيارة شبيطة وباشره بإطلاق الرصاص وأعقب ذلك إطلاق نار على سيارة شبيطة ما أدى إلى مقتل قريب له وإصابة آخر، فيما تعرض الأمين العام لطلقتين ناريتين في الساق، وطلقة في البطن، ونقل على إثر ذلك إلى المستشفى لتلقى العلاج.

كما حمل البلاغ مليشيا الحوثي سلطة الأمر الواقع في صنعاء المسؤولية الكاملة عن سلامة الأستاذ محمد شبيطة الأمين العام للنقابة، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب.

كما طالب الاتحاد الدولي للصحفيين بفتح تحقيق فوري في ملابسات حادثة استهداف أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين محمد شبيطة، في العاصمة صنعاء.

وقد رصدت نقابة الصحفيين اليمنيين 17 حالة انتهاك طالت الحريات الإعلامية في البلاد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.

وتقول نقابة الصحفيين في تقريرها الأخير إن ذلك "مؤشرا سلبيا يكشف استمرار استهداف الصحفيين في مختلف الجهات في بيئة خطرة لا تتوفر فيها أدنى ضمانات الحماية للعاملين في بلاط السلطة الرابعة".

وتوضح النقابة أن "تلك الانتهاكات تنوعت بين حجز الحرية والاعتداء على الصحفيين والمؤسسات الصحفية، ثم التهديد والتحريض على الصحفيين والمصادرة والمنع والإيقاف والمحاكمات والاستدعاء والترحيل القسري لصحفي من دولة أجنبية".

كلمات دالّة

#اليمن