الإثنين 29-04-2024 19:52:37 م : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التوحيد السببي (قراءة مقاصدية) (الحلقة الأولى: عقيدة التسخير تكسر الاحتلال)

الثلاثاء 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2023 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبدالعزيز العسالي

 


مقدمة: عقيدتنا والحلقة المفقودة

أولا، طحن الماء:

يتمثل طحن الماء في كل ما تم كتابته حول العقيدة عبر التاريخ الإسلامي، ولا زال طحن الماء مستمرا حتى اللحظة، فلا تكاد تفتح كتابا في هذا المجال حتى تجد جملة "صحة العقيدة" أو العقيدة الصحيحة، وتتكرر هذه الجملة في منابر الجمعة وفي الصحف وغيرها.

باختصار، هذه الجملة حاضرة حد التخمة قديما وحديثا بل ولدى كل الفئات، ونظرا لكثرة حضور تلك الجملة نجد أنها فقدت أثرها.

الحلقة المفقودة:

يقابل تلك التخمة غياب مفجع حقا، إنه غياب "عقيدة التوحيد السببي"، هذه هي الحلقة العقدية المفقودة، وفقدان هذه الحلقة العقدية قد ترك فجوات كبيرة.. فجوات أضرت بالتصور العقدي تجاه التشريع الرباني الكامل المتسق المتكامل في مجال عقيدة التوحيد من جهة، ومن جهة ثانية نجد أن ذلك الغياب قد نتج عنه فجوات أكثر خطورة في مجالات حياتنا - تفكيرا، وقيما، وتزكية، وخلقيا، وتشريعا، وثقافة، ومنهجا، وإنسانيا، وحضاريا.

ولن نبالغ إذا قلنا إن سقوط المسلمين في وهاد التخلف يعود إلى غياب عقيدة التوحيد السببي، هذا الغياب دفع بعض المفكرين الإسلاميين في العقود الأخيرة إلى تقسيم الغايات العليا من خلق الإنسان بأنها غاية التوحيد - عبادة الله، والتزكية وعمران الأرض، وهي إضافة صحيحة نص عليها القرآن الكريم، لكن المؤسف أن عقيدة التوحيد السببي لا زالت مفقودة في حديثهم حول التوحيد.

المفكر الوحيد -في حدود علمي- هو الدكتور عبد المجيد النجار الذي تحدث في دقائق قليلة حول التوحيد السببي في محاضرة له، وذلك قبل سنوات، الأمر الذي لفت نظري بقوة، كونه ربط الأسباب بعقيدة التوحيد، فاتجهت باحثا عن الأدلة -كتابا وسنة- فوجدت أدلة كثيرة حرفيا ودلاليا، فبرزت إلى ذاكرتي قراءات مفاهيم ثاوية في أعماق الذهن متغلغلة في الوجدان خلاصتها وصف من يفكر بالتعاطي مع الأسباب والسنن بأنه مشرك.. الفجوة الأسوأ مما سبق أن الوصف بالشرك حاضر عند النخبة - حملة العلم الديني الشرعي والذين أصبحوا يرددون شعارا واحدا هو: "قدر الله وما شاء فعل"، وهي كلمة حق أريد بها باطل.

ثانيا، أسباب غياب التوحيد السببي:

صراع قديم ناتج عن ترف عقلي بين المعتزلة والأشاعرة، علما أن الفريقين طغى عليهما التعصب من جهة، وبعدهما عن الواقع من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة أن فريق المعتزلة بدأ محميا بالسياسة وانتهى مطاردا من قبل الساسة.. باختصار قال المعتزلة إن الله خلق الأسباب وتركها تعمل، بالمقابل انتهز أهل السنة فرصتهم فشنعوا عليهم قائلين إن الله خالق الأسباب وإذا شاء أبطلها واستدلوا بمعجزات خارقة للأسباب - النار لم تحرق الخليل والبحر لم يغرق موسى.

ولأن المقام تعصب حد التكفير للمعتزلة فقد ظل تعصب السنة تقليدا لسابقيهم، وأصبح الحديث عن الأسباب إلى درجة الإرهاب الفكري، وزاد الطين بَلّةً أن التصوف الفلسفي الهندي غزا حلقات العلم الشرعي فأهيل التراب على مفهوم الأسباب، ولو أن العقل المسلم كان متصلا بالمصادر المعصومة لوجد أن المعجزات الخارقة للأسباب تؤكد قاعدة فاعلية الأسباب وتأثيرها وليس العكس، فالأسباب والسنن قاعدة كونية، مضطردة لا تتحول ولا تتبدل بنص القرآن: "ولن تجد لسنة الله تحويلا".. "ولن تجد لسنة الله تبديلا".

وبالتالي فالمعجزات هي استثناء من القاعدة، وفوق ذلك وقبله وبعده، نحن هنا نقرر قائلين: نحن نعتقد أن الله خلق الأسباب والسنن ورتب عليها آثارا، وإن الله قادر على أن يبطل تلك الفاعلية في اللحظة بل خارج الثانية إن شاء ذلك.

ثالثا، مقاصد عقيدة التوحيد السببي:

تضمن القرآن الكريم خارطة زاخرة بالنصوص الهادية إلى مقاصد التوحيد السببي، لكننا سنبدأ بذكر المقصد الاجمالي والمتمثل في "إصلاح تصور الفرد ووعيه عقديا، ووعي المجتمع، وانتهاء بتحقيق الأهداف الكبرى للأمة".

فحياة الأمة وكرامتها وثروتها واستقلالها الشامل -قيام شخصية الأمة- كل ذلك يقوم على التعاطي النبيه مع الأسباب، فهي التي يتحقق من خلالها الأمن الحضاري للأمة - هوية ومبادئ وقيما وأخلاقا واستقلالية وسيادية شاملة.

خارطة التوحيد السببي:

قال تعالى: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه".. وقال تعالى: "أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها".

وبما أن من مقاصد خلق الإنسان هو العمران فالله خلق الكون زاخرا بالأسباب المتجددة والمتطورة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهذا التسخير الرباني جاء لتمكين البشر من عمارة الأرض، فكيف ساغ للإنسان أن يعبد الله ويوحده انطلاقا من أدلة القرآن، في حين أنه يترك أدلة القرآن حول التوحيد السببي؟ كيف يقرأ الإنسان المسلم: "ألا له الخلق والأمر"، فيتعبد الله أنه خالق كل شيء ولكنه لا يتعبد الله بالتعاطي مع الأسباب؟ أليس الإيمان بالتوحيد السببي جزء لا يتجزأ من الإيمان بالقرآن؟ كيف يقرأ المسلم "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض"؟ فهل الاستخلاف والتمكين يأتي من دون أسباب؟ انظروا إلى التعصب الأعمى كيف زج بالعقل المسلم إلى هوة وبلادة بعيدة القاع - مكابرة وتفلسف فج، كيف نقرأ "أن الأرض يرثها عبادي الصالحون"، ثم ننظر إلى واقع أمتنا -تخلف مقرف- وتردد: قدر الله وما شاء فعل؟ المهدي الذي سيحرر أمة الإسلام؟ فهل المهدي أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم؟

عقيدة التوحيد منظومة متسقة متكاملة استقامة في التصور والتفكير والتشريع والثقافة العملية.. كيف نقرأ أن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم تعليم الكتاب والحكمة؟ ونقرأ القرآن المكي تنزل 13 عاما وظل الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من القبائل الحماية لبناء الأمة وإقامة وشخصية الأمة واستقلالها، فلم لا يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بمكة؟ كيف نقرأ السيرة العطرة الزاخرة بالتعاطي مع الأسباب والسنن بدءا من الإخاء والدستور الذي قرر احترام الهويات المتراكمة وإعداد الشرطة - العسس، وحدد الرقعة الجغرافية للمدينة، وحفر الخندق، وتحالف مع القبائل... إلخ.

كيف نقرأ قوله تعالى: " وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ"
أي مصلحي الأمم والمجتمعات، فهل إصلاح الأمم يكون بغير الأسباب؟ كيف نقرأ قوله تعالى: "ولعلكم تشكرون"، ونقرأ أن الشكر لا يكون إلّا عمليا كما في هذا النص: "وألنّا له الحديد • أن اعمل سابغات وقّدر في السرد".. إلى قوله: "اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور".. ثم نقول إن الله لم يقدر لنا حماية أنفسنا وحقوقنا وأمتنا؟

من أعظم مقاصد التوحيد السببي أن المؤمن ينطلق صوب هدفه متعاطيا مع الأسباب وقلبه ووجدانه وعقله مملوؤون بالثقة بأنه يوحد الله ويعبده فيزداد طمأنينة وإقداما وشجاعة وثباتا، فالمشركون لا يرون الأسباب وإنما يظنونها خبط عشواء وعبث ولعب: "ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار".. مزيدا من الإيضاح لاحقا.

رابعا، التربية بالحدث.. غزة نموذجا:

حاولت الكتابة حول التوحيد السببي ومنظومته المتكاملة المتسقة، فوجدت صعوبات مختلفة يطول شرحها، حتى شاهدنا أحداث غزة - انتصارات حركة حماس ومعها فصائل المقاومة والتي استحقت العون والتأييد الرباني، حيث نحتت تاريخا في الصخر خالدا أبد الآبدين.. إنه الحدث الوحيد خلال قرن كامل، فولدت فكرة الكتابة ميلادا كاملا بمقاصدها وأبعادها وعلاقاتها الواسعة، لكني عملت على لملمتها في 5 حلقات، كلها تفاعلا مع التربية بالحدث.

حماس والنصر الأسطوري:

لم يسجل التاريخ أن الانتصارات عبر التاريخ الإسلامي جاءت اعتباطا أو بمعجزة النبي، وإنما كانت ناتجة عن منظومة أسباب - عقيدة وتزكية وأسباب مادية دخل بها المقاتلون إلى إطار "وإن جندنا لهم الغالبون".

وبالمقابل وجدنا أن الخالق العليم لم يجامل الصحابة يوم أحد، بل أطلقها مدوية: "قل هو من عند أنفسكم".. هكذا أخرجهم من صفة "جند الله"، على أن الأمر العجيب هو ذلك التفسير العاطفي الباهت الذي يفسر ما حصل يوم أحد أنه بسبب مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا خلاف القرآن الذي قرر أن ما حصل هو نتيجة إهمال السبب، أي أن إهمال الأسباب هزيمة لأي جيش خالف أوامر القيادة التي رأت التزام ذلك السبب مهم ومؤثر على سير المعركة، سواء كانت المعركة عسكرية قتالية أو معركة في مجال العدل والتمكين والأمن الحضاري، قال تعالى عن ذي القرنين: "وآتيناه من كل شيء سببا • فأتبع سببا".

وقوله "فأتبع سببا" يعني استحقاق العون والتأييد ومن ذلك سرعة سريان خبر ذي القرنين في الآفاق، قال تعالى: "كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا".. يعني أن أخبار عدله وتأديبه للمفسدين سبقته إلى مطلع الشمس وأرض بين السدين: "حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا • قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض".. أناس لا يفقهون قولا، ومع ذلك شكوا إليه المفسدين فكيف عرفوا أنه ملك عادل؟ أحاطهم الله بذلك، ولا غرابة فالقرآن ذكر لنا أن الله هو الذي أدار معركة بدر (معركة الفرقان).. معركة إمكاناتها غير متكافئة بل وهناك عوامل نفسية أخرى: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون • يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت". ولكن جاءت أسباب التثبيت -النعاس- ونزول المطر ونزول الملائكة: "فثبتوا الذين آمنوا".. الملائكة لم تقاتل فلو قاتلت ما كان للنصر أية قيمة؟ الله أدار المعركة ابتداء من رؤيا الرسول لأعداد كفار قريش: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا".. وكذلك قبل اللقاء قلل عدد الكفار في عيون المسلمين وقلل عدد المسلمين في عيون الكفار والمقصد هو "ليقضي الله أمرا كان مفعولا".

ومن التأييد والعون السماوي قوله سبحانه: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى".. والمقصد هو "وليبلي المؤمنين بلاء حسنا".. والبلاء الحسن هو التحفيز النفسي، كل ذلك هو عون من الله وتأييد لجنده الذين التزموا تعاليمه ونفذوها تعبدا وطاعة وثقة وطمأنينة.

القائد ألب أرسلان - ملاذ كرد:(463 هج)

هذا القائد كان عائدا من معارك عدة انتصر فيها ولكن جيشه كان مثخنا بالجرحى، نعم كان الجيش معتزا بالانتصارات وغير متوقع أن خصومه قد راسلوا جيوشا كثيفة تقطع الطريق وتعمل سيوفها في رقاب جيش المسلمين المنهك، فوجئ القائد ألب أرسلان بجيش جرار متعطش للدماء رافضا أي نقاش حرفيا إلا بالري قرب خراسان.. حدد القائد ألب أرسلان يوم اللقاء وحدد وسائل وأسباب الانتصار لجيشه، أولاها منعطف جدا ضيق جوار الجبل، ووزع الجيش ثلاثة أقسام.. قسم يناوش من الأمام، ويتحرك صوب المنعطف، وقسم يباغتهم من الخلف، وقسم صعد الجبل فوق المنعطف - رماة.

الوسيلة الثانية تمثلت في لبس الأكفان من جهة وعدم إلزام أي شخص من الجيش بالقتال إعفاء من القائد رحمة بالجيش المنهك، وألزم نفسه بالقتال ومن يرغب من الجند، فاندفع معه 15 ألفا لبسوا الأكفان، غير أن القائد اختار أن يكون مع الفريق الذي بالخلف، وحدد الهدف بدقة متناهية وهو الوصول إلى رأس الكفر - القائد المستعلي بغروره، وحدد بدء المعركة وقت صلاة الجمعة تبركا بدعاء المسلمين، وانطلق والفريق خلفه يشقون الصفوف حتى وصل إلى القائد فأسره فانكسر الجيش وهزم شر هزيمة.

وجه الدلالة هو أن القائد ألب أرسلان نفذ النص: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".. كما أنه حدد الهدف، وحدد مكان اللقاء (المنعطف)، ولم يلزم أحدا من الجيش على القتال، فاستحق العون والتأييد من الله ودخل في صف "وإن جندنا لهم الغالبون"، فكيف يأتي من يقول إن الأسباب لا تفيد؟

معركة عين جالوت(658هج)

طار خبر السفاح هولاكو في الآفاق ودب الرعب في العراق والشام إلى الحد أن أحد أمراء الشام كتب لهولاكو رسالة أرفقها بصورة الأمير منقوشة بخيط حرير وطلب من هولاكو أن يشرفه بوضع نعله على الصورة، ازداد غرور هولاكو فكتب إلى قطز: هل ستسلم مصر وتفعل ما فعله الأمير فلان - صاحب الصورة؟ فرد عليه قطز وهو مملوء إيمان وثقة بالله فحشد الجيش ووعظهم وتولى الفقيه العز بن عبد السلام توبيخ قادة الجيش فاسترد منهم الأموال المغصوبة وخاطب قطز هولاكو: تعال اللقاء يوم كذا في عين جالوت.. ورفع صوته في مقدمة الجيش: وا إسلاماه"، فقتلت زوجته فرمى التاج من رأسه وهوى ساجدا: اللهم انصر دينك وليس الكلب قطز.. فحصد رؤوس قيادة هولاكو جميعا فلاذ هولاكو بالفرار لا يلوي على شيء حتى وصل أوزبكستان ومات هناك كمدا.

جناق قلعة والجندي التركي سعيد 1915م:

أربع سفن عملاقة أمطرت موقع جيش تركيا فأحرقت كل من فيه - رجال، عتاد، أسلحة - عدا الجندي سعيد شابوك وآخر جريح وبصوت تملؤه المرارة والكمد نادى: أين أنتم؟ أجابه الجريح: الكل ميت.. وأين المدفع؟ أين القذائف؟ الجريح: الونش الذي يحمل القذيفة تم تدميره.. الجندي سعيد تحفزت نفسيته فاستنفر كل خلية في جسده قائلا: سأحمل القذيفة؟

نعم.. "وأعدوا لهم ما استطعتم"، فأعد كل ما لديه وحمل القذيفة الوازنة 250 كجم.. وضع القذيفة في غرفة الانفجار داخل المدفع وأطلقها مرددا: الله أكبر.. فدمر السفينة الكبرى في مضيق الدردنيل فانحرفت عن مسارها وقطعت المضيق على بقية السفن واشتعلت فيها النيران، فانطلقت تكبيرات جيش تركيا وانهالت على بقية السفن قصفا، وكتب النصر للجيش التركي ببركة ما أعده الجندي سعيد من قوة.. فالإعداد والأخذ بالأسباب هو نصر لله بلا ريب، وإهمال الأسباب خذلان لسنن الله وفتح باب التكذيب بشرع الله.

خامسا، عودة إلى حماس - غزة:

- إعداد جيل طيلة 30 عاما لا يعرف غير الإيمان بالله والتعاطي مع الأسباب، واستحضار الأهداف الكبرى للأمة الإسلامية وفي مقدمتها تأديب الاحتلال الذي زاد هريفه أنه جيش لا يقهر فصدق نفسه وصدقته القيادات العربية التي ارتضعت الجبن والعمالة في آن، استنفدت الشعوب العربية من عمرها سبعة عقود ونصف ولكن سل العمالات والتدويل أنهكها وبدأت التساؤلات: هل معقول تصفية القضية الفلسطينية؟ هل معقول أن يتلاشى الحديث حول المسجد الأقصى ثاني القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، كما تلاشى الحديث عن الحرم الإبراهيمي؟

العلم النافع، ثم العلم النافع:

ثلاثون عاما إعدادا رجوليا عقديا، منظومة التوحيد بما فيها التوحيد السببي، ومنظومة متكاملة من الإعداد السببي العسكري، واستحضار التاريخ.. توعية الحاضنة الشعبية - سكان غزة.. ألا نخرج من منازلنا فمنازلنا هي المقبرة الأفضل والأرحم والأرفق، فالشتات أخطر وأخطر وأسوأ ألف مرة حد تعبير أحد الكتاب في "الراية" القطرية.. إن تفكك الاتحاد السوفيتي أودى بالفتيات الجامعيات وغيرهن إلى السقوط في وحل الجنس.. انتشرن في دول العالم.. وانتهى الكاتب موجها تحية الإكبار والإجلال إلى المرأة الغزاوية الشامخة بعقيدتها ووطنيتها شموخ الجبال الشماء. إذن، حماس لم تترك سببا علميا تعارفت عليه العلوم العسكرية إلا وأخذت به إيمانا منها وعقيدة بأنها تعبد الله، كما أنها في إعدادها للنخبة اعتمدت سببا هاما جدا "وحدة التلقي المعرفي" الشامل فلم تترك الجيل يتشتت ذهنه، وانما اتخذت سبب الوقاية والحماية من أن تتسلل إليه أقوال صادرة أشبه بنقيق الضفادع ونعيب الغربان.. أقوال صادرة عن أشخاص يصدق فيهم قول الشاعر العربي بلسان الثعلب الذي سمع أناسا يدقون طبلا فقال الثعلب: هذا الصوت أكيد صادر عن شيء ممتلئ شحما ولحما، فظل متربصا واقترب شيئا فشيئا حتى رأى الطبل في سطح المنزل ولا يوجد بجواره أحدا فهجم عليه وغرز فيه أظفاره فوجده فارغا، فقال الثعلب:
كمثل الطبل يُسمع من بعيدٍ
وباطنه من الخيرات خالِ

يا الله كم كانت قيادة حماس ذكية إزاء هذا السبب - وحدة المصدر المعرفي.. وهناك سبب السرية، سبب التخصص، سبب تحديد الأهداف، بل وصل الحد في دقة التعاطي مع الأسباب أن القيادة اكتشفت قدرات كاميرا المراقبة وما الذي يخادعها وصولا إلى اختراق هواتف جند الصهاينة وأسرهم مرورا بالتعاطي السببي في العامين الماضيين في بروفات وهمية، وليس أخيرا اختراق النظام السيبراني. وعليه، فليس غريبا أن يأتي العون من الله والتأييد بسنن خذلان الأجهزة الإلكترونية وخذلان الجند برقصهم بيوم الموسيقى وسبتهم العفن.

حماس دخلت التاريخ من أوسع الأبواب بل إن تخطيطها سيجعلها في الصدارة لكافة الحروب المنتصرة عبر التاريخ، كيف لا، وها هي بعد أكثر من شهر تواجه أعتى ترسانة أسلحة أوروبا وأمريكا، ولن أنسى دور توظيف وسائل التواصل الاجتماعي التي هيجت الجماهير في قلب أوروبا وأمريكا تضامنا مع الشعب الفلسطيني المظلوم.

أكتفي بهذا القدر على أمل اللقاء مع الحلقة الثانية: القرآن والتربية بالأحداث.

كلمات دالّة

#اليمن