الثلاثاء 21-05-2024 00:40:39 ص : 13 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

الكهنوت السلالي بين الأمس واليوم.. تضليل وخداع بحثا عن قداسة مزيفة

الأربعاء 26 يوليو-تموز 2023 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

مثلما أن الإمامة الكهنوتية السلالية البائدة في اليمن قامت على كم كبير من الأكاذيب والأساطير والتضليل والخداع بحثا عن قداسة دينية مزيفة لتثبيت حكمها وإحاطته بهالة من القداسة، فإن مليشيا الحوثيين الإرهابية، التي جاءت من نسل تلك السلالة، قامت هي الأخرى على كم كبير من الأكاذيب والتضليل والخداع بحثا عن قداسة دينية مزيفة أيضا، باعتبارها الطريق الأقصر لخداع الجماهير وتضليلهم، خصوصا الجهلة والمغفلين والمتعصبين طائفيا، لتحيط نفسها بسياج قوي يحمي سلطتها من جانب، ويبرر أعمالها الإجرامية بحق المجتمع من جانب آخر.

لم يكن البحث عن القداسة المزيفة إلا انعكاسا لحالة الفقر الأخلاقي والتدليس باسم الدين لسلالة تسعى للحكم بالقوة والعنف ولو كلف ذلك سفك دماء الملايين من البشر، ولتوظف تلك القداسة للتغطية على خلو رصيدها الخدمي للمواطنين من أي إنجازات، ولتبرير القتل وسفك الدماء ونهب الأموال وغير ذلك من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وفي هذا السياق لم تكتفِ تلك السلالة بادعاءاتها أن الحكم أو السلطة حق حصري مقدس خاص بها، وإنما تتعمد إضفاء سيل من الأساطير والقداسة على أبرز رموزها لدرجة جعلهم في مقام النبوة أو أكثر، وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الكهنوت الديني.

وسنكتفي هنا بإيراد نموذجين عن صناعة القداسة لرموز السلالة، هما يحيى بن القاسم الرسي، المؤسس الأول للإمامة الكهنوتية في اليمن، وعبد الملك الحوثي، زعيم مليشيا الحوثيين الإرهابية الانقلابية، التي تسعى لإعادة حكم الإمامة البائد، وأشعلت أبشع حرب أهلية في تاريخ اليمن، وتفوقت في حروبها وإجرامها على حروب وإجرام الإمامة، نتيجة تطور أدوات العنف والقتل وسفك الدماء.

 

- صاحب الرس.. السلالي الأول

تطفح الكتب التي ألفها سلاليون بمفردات التبجيل والقداسة الدينية التي يصبغونها على المدعو الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، مؤسس الإمامة السلالية الكهنوتية في اليمن، ونسبوا له خوارق ومعجزات لم تحدث حتى للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وأحاطوه بسياج منيع من الأوصاف والألقاب التي تجعله منزها من الأخطاء وترفعه إلى مقام النبوة، وهو ما يتجلى في كتاب "سيرة الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين"، لدرجة أنهم لووا آيات قرآنية وأحاديث نبوية زاعمين أنها تبشر بظهور الهادي في اليمن، ووصفوا الحروب التي أشعلها في اليمن من أجل الحكم بأنها جهاد في سبيل الله ونشر لدين الإسلام.

كما أنهم وصفوه بأنه "صاحب اليمن" الذي يظهر في زمن الجور وتجب نصرته، وفق المرويات الشيعية، وهو الهادي الذي ظهر في اليمن ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ويميز بين الحق والباطل، مع أن الواقع -حينها- يؤكد عكس ذلك تماما، فهو، أي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، منذ قدومه إلى اليمن، ملأ الأرض حروبا وظلما وسفك دماء، مدعيا أنه من نسل النبوة، ومن ذرية علي بن أبي طالب، للتغطية على إشعاله الحروب وسفكه الدماء، بذريعة الحق الإلهي أو المقدس في السلطة والثروة، وأن الولاية لا تكون إلا في البطنين.

وتفيد المصادر التاريخية بأن الكهنوتي يحيى الرسي ظل طوال سنوات بقائه إماما في بعض مناطق شمالي اليمن يخوض المعارك تلو المعارك لتوسيع نفوذه وسيطرته، ويقول بعض أتباعه إنه خاض أكثر من سبعين معركة مع من وصفوهم بالباطنيين، ومعارك أخرى كثيرة خاضها ضد آل طريف وآل يعفر وآل الدعام والسفيانيين وغيرهم. ورغم كل تلك الحروب، لكنهم يقولون إن قدومه إلى مدينة صعدة كان بعد أن عمت فيها الفتن، وأن ذلك القدوم كان بطلب من قبائل صعدة نفسها للصلح بينها.

وهذا فيه تضليل كبير، فالفتن والصراعات لم تظهر في صعدة وما جاورها إلا بعد مجيء يحيى الرسي، وأما القول بأنه جاء بطلب من قبائل صعدة للصلح بينها، فهو أيضا فيه تضليل، ذلك أنه لم يكن شخصية مشهورة في ذلك الوقت، ولم تكن قبائل صعدة تعرف عنه شيئا، وإذا افترضنا صحة الزعم بأنه قدم إلى صعدة بطلب من بعض قبائلها ليصلح بينها، فما علاقة ذلك بحشده المقاتلين وإشعال الحروب ليقيم مملكته الخاصة ويحكم بلادا ليست بلاده ولا ينتمي إليها، ويشعل الحروب ويسفك الدماء باسم الحق الإلهي في السلطة؟!

 

- عبد الملك الحوثي.. بين التقديس وصنمية الفرد

تبالغ مليشيا الحوثيين الإرهابية في إطلاق الأوصاف على زعيمها عبد الملك الحوثي، وتتعمد تغذية عقول مسلحيها وأتباعها بخرافات وأوصاف تضليلية مبالغ فيها، لتكريس صنمية الفرد وتقديسه، في عملية تدمير عقلي ممنهج تجعل من أتباعها مجرد قطيع مقاتلين خانعين ينفذون الأوامر باعتبار أي أمر يصدره عبد الملك الحوثي بأنه أمر إلهي، والقتال تحت رايته جهاد في سبيل الله، واعتبار حكم السلالة أمرا إلهيا لا يجوز الاعتراض عليه، والقتال لأجله واجب شرعي، وغير ذلك من التدليس والتضليل والكذب باسم الدين.

والمتأمل في إعلام الحوثيين يجد أنه يضيف عبارة "رضي الله عنه" كلما ذكر اسم الكهنوتي عبد الملك الحوثي، كما يصفونه بأنه "ابن رسول الله"، وفي مجالسهم الخاصة والدورات الطائفية يبالغون من الأوصاف وتأليف قصص عن بطولات وخوارق ومعجزات وأساطير للإعلاء من شأنه، وجعله في مقام الأنبياء والمرسلين، مثل زعمهم أنه في إحدى الغارات التي استهدفته لم يصب بأي سوء رغم ما أحدثته الغارة من دمار حوله وقتل من كانوا بجواره، وأن الغارة كانت عليه بردا وسلاما، لتشبيهه بنبي الله إبراهيم عليه السلام الذي لم تضره النار التي وضع فيها وكانت عليه بردا وسلاما بأمر الله.

واللافت أن هذا التبجيل والتعظيم للإرهابي عبد الملك الحوثي لم يصدر من شخصيات سلالية عادية، وإنما يتولى وزره سلاليون تلقوا تعليما في جامعات محلية وأجنبية، لكنهم لم يستطيعوا التخلص من السلوك الكهنوتي الغريزي، لا سيما إذا كان هذا التبجيل المبالغ فيه سيحول عددا كبيرا من الأميين والجهلة إلى قطعان يسوقونها إلى الجبهات كوقود للمعارك التي ستحمي السلالة التي ليس لديها ما تقدمه لقطعانها لإقناعهم بالقتال والصمود فيه لأجلها، لدرجة أن هناك مواطنين ظهروا في تسجيلات مصورة وهم يتباهون بمقتل أبنائهم في الجبهات باعتبار ذلك تضحية بالبنين من أجل عبد الملك الحوثي باعتباره "ابن البني" بعد أن أقنعهم كهنة السلالة بتلك الفرية.

ويعد التقديس والتعظيم لزعيم المليشيا الإرهابي عبد الملك الحوثي أهم إستراتيجية تعتمدها مليشيا الحوثيين لتجريف وتفخيخ عقول الأطفال والمراهقين، ويشترك مختلف قادتها في هذه الإستراتيجية، وكل واحد منهم وفق قدراته، وتتنوع وسائل عملية التقديس والتبجيل والتعظيم بين خطب المنابر والزوامل والشعر وتأليف القصص والأساطير والخوارق والمعجزات.

فهم يصفونه بالإمام المعصوم وقرين القرآن وابن النبي وأنه من أعلام الهدى والسادة الأشراف والقائد الرباني الذي لا يقهر وأنه يحظى بتأييد سماوي، وغير ذلك من الأوصاف التي سيلاحظها من يتابع إعلام المليشيا وما يردده أتباعها وقادتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فمثلا يقول أحد قادة المليشيا، المدعو فاضل الشرفي، الذي عينته المليشيا مشرفا لمحافظة ذمار، في قصيدة بعنوان "علم الهدى" يمدح بها عبد الملك الحوثي:
إذا لم تكن أنت الأمان لشعبنا
وفاء وعهدا بل قضاء محتما
فلا نبضت للشعب روح ولا علت
له راية حتى يُكبّ جهنما

وهكذا تعتاش السلالة الكهنوتية على الخداع والكذب والتضليل وجهل أبناء بعض القبائل الذين يصدقون تلك الأكاذيب والافتراءات والخرافات والأساطير وغير ذلك من الوسائل التي يتقنها كهنة السلالة لخداعهم، ليدفعوا بالآلاف من الأطفال والمراهقين والشباب ليقدموا أرواحهم رخيصة "فداء لورثة النبي محمد"، ويعدونهم بأن جزاءهم الجنة في الآخرة وسلة غذائية في الدنيا.

كما يحذرونهم من أنهم إذا لم ينفذوا الأوامر بالقتال وسفك الدماء فإن ذلك مخالفة للأوامر الإلهية لحماية ورثة النبي وأبنائه، كما يزعمون، فتكون التضحية بالأرواح من نصيب الجهلة والمغفلين من أبناء القبائل، والتسلط والأموال والفلل والعمارات والمولات والشركات التجارية والعيش الرغيد والغنى الفاحش من نصيب الكهنوتيين الذين يزعمون أنهم ورثة النبي محمد وأبنائه، متخذين من تلك الفرية مظلة للقتل والنهب واللصوصية.

 

- ماذا يعني الدين للسلالة الكهنوتية؟

لا علاقة للدين الذي تعتنقه السلالة الكهنوتية الإمامية بالدين الإسلامي الحنيف الذي يعتنقه جميع المسلمين، فالدين بالنسبة لها هو حق إلهي في السلطة والثروة وزكاة الخمس وعنصرية طبقية وجبايات وإتاوات ونهب وقتل وإشعال الفتن والحروب، ولا تنظر للدين باعتباره عبادات ومعاملات وواجبات وحقوق وتنظيم الشأن العام وشورى في الحكم وسلم وسلام وعدل وحماية الممتلكات والأعراض، لأن جوهر الدين الإسلامي مناقض تماما لكل سلوك السلالة الكهنوتية الإمامية.

ومن عجائب الأئمة في اليمن أنهم لم يهتموا ببناء المساجد ودور العلم، ولم يؤدوا فريضة الحج، وفي مقدمتهم مؤسس الإمامة الكهنوتية يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، الذي لم يؤدِّ فريضة الحج، وحكم صعدة 15 عاما لم يبنِ خلالها مسجدا واحدا، وأما المسجد المنسوب له (مسجد الهادي)، فقد تم استكمال بنائه بعد وفاته، وقد كان ذلك دأب جميع الأئمة الكهنوتيين من بعده، ومن نماذج ذلك ما أشار إليه "جان دي لاروك" في كتابه "أول رحلة فرنسية إلى العربية السعيدة"، أن الإمام المهدي (1097-1130) الذي يصفونه بـ"صاحب المواهب"، بنى مدينة مع قصر له ولم يبنِ مسجدا فيها، وكان يذهب إلى الريف لأداء صلاة الجمعة.

أما مليشيا الحوثيين الإرهابية، التي قدمت من نسل الإمامة الكهنوتية، فعداؤها للمساجد لا يقتصر على عدم بنائها، ولكنها عمدت إلى تفجير عدد كبير من المساجد وهي في طريقها للسيطرة على العاصمة صنعاء والانقلاب على السلطة الشرعية، وبعد ذلك أفرغت المساجد في مناطق سيطرتها من وظيفتها، وحولتها إلى مراكز للتعبئة الحربية ونشر الكراهية والتحريض على القتل وسفك الدماء والنهب، كما أغلقت مراكز تحفيظ القرآن الكريم، ومع ذلك تطلق على سلوكها الإرهابي بأنه "مسيرة قرآنية".

أما الدين بالنسبة لها، أي مليشيا الحوثيين، فهو مجرد حق إلهي في السلطة والثروة وزكاة الخمس ونهب وإتاوات وقتل وسجون وتعذيب ومصادرة الحريات والحقوق، وغير ذلك من السلوكيات المنافية للدين الإسلامي، الذي حولته السلالة الكهنوتية إلى مجرد ستار للتغطية على سلوكها الإرهابي، وتتدثر تحته لتمنح نفسها قداسة دينية مزيفة تحمي سلطتها الظلامية.

كلمات دالّة

#اليمن