الإثنين 29-04-2024 18:14:06 م : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تفنيد الخرافة.. يوم الولاية والدماء المسفوكة على عتبات الطائفية الكهنوتية

الأحد 09 يوليو-تموز 2023 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

تحتفل مليشيا الحوثيين الإرهابية في كل عام بما يسمى "يوم الولاية" في الثامن عشر من ذي الحجة، وهي مناسبة جعلت منها المليشيا ذريعة لنهب أموال المواطنين والتجار بوحشية لتمويل الاحتفال بتلك المناسبة، التي يراد منها تكريس النهج الطائفي السلالي العنصري بمختلف وسائل الدجل والكهانة، من خلال الزعم بأن قادة المليشيا الحوثية من نسل النبوة، وأن تلك المناسبة احتفاء بحصولهم على صك إلهي وتنصيب نبوي في غدير خم بالتسلط والتحكم ونهب الأموال العامة والخاصة وتبرير كل أفعالهم الإجرامية بحق المجتمع اليمني.

وأما دلالات مبالغة الحوثيين في الاحتفال بما يسمونه يوم الولاية، فتتمثل في أنهم لا يؤمنون بالله إلا كمانح للسلطة وليس لأنه أحق بالعبادة، ويؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره "جد" للسلالة المصطفاة وليس رسولا للبشرية ورحمة للعالمين، وأيضا يؤمنون بالقرآن الكريم كدليل على الاصطفاء وليس كتابا للهداية وعبادة الله وحده، كما أنهم يؤمنون بالإسلام كدين عائلي يأمر بطاعة الإمام وليس دينا عالمياً يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتخليص البشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

 

- خرافة تقطر دما

لم يسبق أن تسببت خرافة في سفك الدماء ونشوب حروب مدمرة وممتدة وتقطيع أوصال بعض الشعوب المسلمة مثل تلك التي تسببت بها خرافة الولاية ومزاعم حديث الغدير وتصوير الدين الإسلامي وكأنه مجرد دعوة لاحتكار السلطة في سلالة معينة، وهذا ما يتجسد حاليا في اليمن وفي بلدان عربية عدة توجد فيها مليشيات طائفية موالية لإيران، وهي مليشيات تتخذ من مزاعم الحق المقدس في السلطة والثروة مظلة لإشعال الحروب ونهب ثروات الشعوب والتطهير العرقي والتغيير السكاني.

وفي كل عام، يحتفل الشيعة في الثامن عشر من ذي الحجة بما يسمونه "يوم الولاية"، كمناسبة طائفية يرونها بمنزلة "صك إلهي" لمنح سلالة معينة حق احتكار السلطة والثروات العامة وخمس الثروات الخاصة إن لم يكن كلها، وجعلوا من مزاعم حديث غدير خم وكأنه تنصيب سلالة معينة لتتحكم برقاب المسلمين إلى قيام الساعة، رغم أن ذلك يتعارض تماما مع مبدأ الشورى الذي نص عليه القرآن الكريم كوسيلة للحكم، قال تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى، 38)، ولا يوجد في القرآن الكريم أو السنة النبوية أي نص صريح يدل على احتكار الولاية في سلالة معينة، وهذا يتعارض حتما مع كون الرسول الكريم رحمة للعالمين.

كما أن حديث غدير خم ليس فيه أي دلالة على الوصية بالإمامة لعلي رضي الله عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد الوصية بالخلافة لعلي لقال كلاما صريحا قاطعا يأخذه كل من سمعه كأمر نبوي لا مجال لرده أو تأويله.

أضف إلى ذلك أنه لا توجد أي مؤشرات عملية حول نية النبي صلى الله عليه وسلم تنصيب علي بن أبي طالب خليفة من بعده أو احتكار مسألة الولاية في علي وذريته، لأن مثل هكذا عمل يمثل خدشا في رسالة الإسلام وينتقص من قدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، ولم يبعثه مورثا للسلطة في سلالة معينة، وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن تنقطع شجرة النبوة بوفاة الأبناء الذكور لخاتم الأنبياء والمرسلين قبل أن يتزوجوا ويخلفوا ذرية من بعدهم، كي لا يستغل بعض أحفادهم نسبهم للحصول على مكاسب دنيوية.

 

- مغالاة الشيعة في مسألة الولاية

المتأمل في بعض مراجع الشيعة أو ما يسمى كتب الأصول للشيعة، سيجدها مملوءة بالغلو والتطرف فيما يتعلق بمسألة الولاية، لدرجة أن هناك من جعلها من أركان الإسلام الخمسة وحذف ركن الشهادتين لتحل الولاية محله، ومن ذلك ما رواه الكليني عن أبي جعفر قال: "بني الإسلام على خمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم ينادِ بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير".

كما أن الإمامة لا تثبت عند الشيعة إلا بالنص من الله سبحانه وتعالى، وليس للبشر حق الاختيار في تنصيب الإمام، ولذلك لم يرَ الشيعة حرجا في تطويع الآيات القرآنية لمقاصد الإمامة، وإخضاعها لمراميها تلبية لما ارتضوه لأنفسهم من عقائد مخالفة لصريح الكتاب والسنة، رغم أنه لا يوجد في القرآن الكريم أي ذكر للإمامة بالمفهوم الشيعي، ولو كانت الإمامة من أعظم أمور الدين، كما تقول الشيعة وتدعي، لنص عليها القرآن الكريم بوضوح ودون مواربة.

وكان أول من أحدث بدعة عيد غدير خم هو معز الدولة بن بويه، في سنة 352 هـ ببغداد. وقال ابن كثير في حوادث سنة 352: "وفي عشر ذي الحجة منها أمر معز الدولة بن بويه بإظهار الزينة في بغداد، وأن تفتح الأسواق في الليل كما في الأعياد، وأن تضرب الذبابات والبوقات، وأن تشعل النيران في أبواب الأمراء، وعند الشرط، فرحا بعيد الغدير (غدير خم)، فكان وقتا عجيبا مشهودا، وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة".

وهكذا أخذ حديث الغدير عند الشيعة منزلة رفيعة، وافتخروا به وأشادوا به وأفردوه بالتأليف، وفيه يقول الأميني: "للإمامية مجتمع باهر يوم الغدير عند المرقد العلوي الأقدس يضم إليه رجالات القبائل، ووجوه البلاد من الدانين والقاصين إشادة بهذا الذكر".

 

- قصة خرافة غدير خم

بالعودة إلى تفاصيل قصة خرافة غدير خم، حسب مراجع الشيعة، سنجد أنها كلها ملفقة، فهم يقولون إنها بدأت عندما عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الحج في سنة 10 من الهجرة، وأعلن ذلك للناس، فاجتمعوا إليه جماعات وأفرادا، وقاد النبي صلى الله عليه وسلم قافلة الحجيج إلى مكة قاصدين البيت الحرام، مصطحبا معه نساءه وسائر أهل بيته، وبعد أن قضى مناسكه قفل راجعا إلى المدينة، وسار حتى وصل إلى غدير خم من الجحفة، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة، ويومها نزل جبريل من الله بقوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" (المائدة، 67)، وأمره أن ينصب عليهم عليا إماما، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد.

وعقب ذلك، وفق تلفيقات الشيعة، حشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في ذلك الموضع وأوقف سيرهم ورد مقدمتهم على مؤخرتهم، ثم وقف عليهم خطيبا إلى أن قال: "يا أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟"، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه"، يقولها ثلاث مرات، ثم قال: "اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من بغضه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب"، ثم لم يتفرقوا حتى نزل وحي الله بقوله: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة، 3)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر على إكمال الدين وإكمال النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية علي من بعدي".

وتمضي مراجع الشيعة في تلفيق تلك الخرافة بالقول إنه طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين وفي مقدمتهم الشيخان، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها، فقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا، وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترضِ بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا، وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله عز وجل؟ فقال: والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله. فولى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله عز وجل: "سأل سائل بعذاب واقع" (المعارج، 1). (ينظر: الغدير في الكتاب والسنة والأدب، للأميني).

 

- تفنيد ادعاءات الشيعة حول غدير خم

لقد ادعى كثير من الشيعة، كما سبق، نزول قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" (المائدة، 67)، وقوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة، 3)، يوم الغدير، وحاولوا ربط تلك الآيات بحديث الغدير، لكن ذلك لا صحة له.

إن زعمهم أن قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" نزلت في يوم غدير خم، قول باطل، والحديث الوارد في ذلك حديث موضوع، وقال عنه الألباني إنه حديث مختلق مصنوع موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ينظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، للألباني).

ويدل ذلك الادعاء على جهل الشيعة المركب بعدم معرفتهم بمكان وزمان نزول آيات القرآن الكريم، فدعواهم أن قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" أنزلت يوم الغدير فهذه الدعوى غير صحيحة، وقد رجح العلامة ابن كثير أنها مما نزل بالمدينة، بل إنها من أواخر ما نزل، فقد قال رحمه الله تعالى: "والصحيح أن هذه الآية مدنية، بل هي من أواخر ما نزل بها والله أعلم".

كما أن سياق الآية يوحي باستبعاد نزولها يوم الغدير بشأن مزاعم خلافة علي رضي الله عنه، ذلك أن الآية سبقتها آيات كلها وردت في ذم أهل الكتاب وبيان تعداد معاصيهم وتعديهم حدود الله جل وعلا.

قال العلامة ابن جرير عند تفسيره لقوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك"، إن "هذا أمر من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإبلاغ هؤلاء اليهود والنصارى من أهل الكتابين الذين قص الله تعالى قصصهم في هذه السورة، وذكر فيها معايبهم وخبث أديانهم واجترائهم على ربهم وتوثبهم على أنبيائهم، وتبديلهم كتابه وتحريفهم إياه، ورداءة مطاعمهم ومآكلهم وسائر المشركين غيرهم ما أنزل عليه فيهم من معايبهم والإزراء عليهم والتقصير بهم، والتهجين لهم وما أمرهم به ونهاهم عنه وألا يشعر نفسه حذرا منهم أن يصيبهم في نفسه مكروه، ما قام فيهم بأمر الله جزعا من كثرة وقلة عدد معه، وألا يتقي أحدا في ذات الله فإن الله تعالى كافيه كل أحد من خلقه ودافع عنه مكروه كل من يتقي مكروهه".

وأما قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة، 3)، فإن نزولها كان بعرفة، وحادثة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع وهو في طريقه إلى المدينة.

قال ابن جرير رحمه الله تعالى ذاكرا القول الراجح في مكان ووقت نزول هذه الآية: "وأولى الأقوال في وقت نزول الآية القول الذي روي عن عمر بن الخطاب أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة لصحة سنده ووهن أسانيد غيره". (ينظر: جامع البيان للطبري، 6/84).

ومن المعلوم أن واقعة الغدير كانت بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من الحج وهو في طريقه إلى المدينة، وادعاؤهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند نزولها: "الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية علي من بعدي"، فإنه كما قال الألوسي: "من مفترياتهم وركاكة الأمر شاهدة على ذلك"، أي أن ركاكة أسلوب الحديث تؤكد أنه افتراء على رسول الله.

وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية أن سورة المائدة لم ينزل منها شيء في غدير خم أو بعده، حيث قال رحمه الله تعالى: "فمن زعم أن المائدة نزل منها شيء في غدير خم أو بعده فهو كاذب باتفاق أهل العلم". (ينظر: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، لابن تيمية، 4/85).

وكل ما في الآية إخبار من الله بكمال دينه وإتمام نعمته على عباده بأن ثبت الإيمان في قلوبهم على أداء مناسكهم، وليس فيها مجرد إشارة على الإمامة. وبما أن الشيعة لم يجدوا دليلا صريحا بشأن احتكار الولاية في سلالة معينة، فقد ادعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خائفا من أن يبلغ هذه الخلافة، إذ كان يخاف أن يُرد قوله، وجاء في أحد كتبهم، وهو "أصول الكافي" للكليني، أن النبي صلى الله عليه وسلم تردد في تبليغ ما نزل إليه في ولاية علي، وهذا افتراء آخر على رسول الله، فهل يخاف صلى الله عليه وسلم من أهل المدينة ثم يترك الناس كلهم ويخاطب أهل المدينة فقط أثناء عودتهم من الحج وهم في غدير خم؟

 

- رد أهل السنة على استدلال الشيعة بالحديث من جهة اللفظ

وقد رد أهل السنة على استدلال الشيعة بحديث غدير خم على إمامة علي رضي الله عنه، من جهة اللفظ والمعنى، أما لفظ الحديث فقد تصدى أهل العلم منهم لبيان درجة الألفاظ، ومن ذلك أن لفظ "من كنت مولاه فعلي مولاه" ليس هو في الصحاح، ولكن رواه طائفة من أهل العلم، وقد تنازع الناس في صحته أو عدمها.

ونقل عن الإمام البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه، وإلى هذا القول ذهب أبو محمد بن حزم، فقد ذكر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه قال: "وأما (من كنت مولاه فعلي مولاه) فلا يصح من طرق الثقات أصلا".

ثم إن القائلين بقبول الحديث من أهل السنة سلفا وخلفا بينوا المراد منه وما الذي يدل عليه، وقرروا أن المراد به محبة علي وليس تنصيبه إماما للمؤمنين وتنصيب سلالته من بعده لتحكم حتى قيام الساعة، دون تفريق بين صالحهم وفاسدهم، وبين الشخص السوي منهم والمجرم واللص وقاطع الطريق.

كلمات دالّة

#اليمن