السبت 27-04-2024 12:15:26 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

زعزعة الثوابت وطمس الهوية.. ملامح الاستراتيجية الايرانية في الإعلام الحوثي

الأحد 25 سبتمبر-أيلول 2022 الساعة 08 صباحاً / الإصلاح نت-خاص-مدين قاسم


أطماع توسعيّة، وتاريخ حافل بالتدخلات الخارجية في شؤون الشعوب العربية، هكذا دأبت إيران جاهدة على فرض نفوذها في إطار هيمنتها في المحيط الجغرافي المجاور لها، في محاولة لإستعادة سلطان الدولة الفارسية، وهذا ما يتضح جليًا من خلال تعاملها مع مليشيا الحوثي في اليمن واستراتيجيتها الإعلامية في التعامل مع الشأن اليمني.

ترتكز الاستراتيجية الايرانية في وسائل الإعلام الحوثية على استلاب العقل اليمني، وطمس الهوية الوطنية، وانتزاع البلاد من محيطها العربي سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا، وفقا لدراسة بحثية نشرها مركز العاصمة الاعلامي الأربعاء الماضي.

هدفت الإستراتيجية الإيرانية - حسب الدراسة - إلى تسهيل مهمة الإحتلال الإيراني لليمن، من خلال إبراز إيران كلاعب إقليمي ودولي وحليف استراتيجي هام، إضافة إلى تقديم رموز النظام الإيراني بصفتهم أبطالاً وقادة ملهمين.

جذور البداية

يختلف الباحثون في تحديد بدء علاقة إيران بالحوثيين وتدخلها بالشأن اليمني، ففي الوقت الذي يحدد البعض جذور البداية للاهتمام الإيراني في اليمن إلى ما قبل الإطاحة بنظام الشاه وانتصار الثورة الإيرانية نهاية سبعينات القرن الماضي؛ لكن هذا الاهتمام لم يكن ضمن الأولويات الأولى في السياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما تغير في العقد الأخير.

بينما يرى آخرون أن التوغل في عمق المجتمع اليمني بدأ منذ ثمانينات القرن المنصرم، لكن الحرب العراقية الإيرانية ومشاركة صنعاء فعلياً بمقاتلين إلى جانب بغداد ضد طهران دفع الأخيرة بمجرد إعلان انتهاء الحرب لاستقطاب كبير بالذات وسط شباب ينتمون للهاشمية السياسية والمذهب الزيدي في اليمن.

وأيّا يكن بدء التوغل الايراني في الشأن اليمني؛ الا أن إيران سعت بكل قوتها لتثبيت موطئ قدمها في اليمن كاستراتيجية مهمة لزعزعة الأمن والاستقرار في دول الخليج العربي وتحديدًا المملكة العربية السعودية؛ وذلك في إطار مساعيها الرامية للسيطرة على الأماكن المقدّسة.

أبعاد الدور الإيراني

الدراسة التي حملت عنوان: "برمجة الارتهان.. أبعاد الدور الإيراني في وسائل الإعلام الحوثية"، تركزت عينتها على مجموع الأخبار الإيرانية، في موقعي وكالة سبأ الحوثية والمسيرة نت، للفترة الزمنية، من يناير 2021، إلى يناير 2022، والتي بلغت (2160) خبراً توزعت بين السياسية، والعسكرية، والاقتصادية.

وتطرّقت الى أن إعلام الحوثي الموجه، والذي يديره خبراء إيرانيون عمل على بناء تصور إيجابي عن إيران من خلال استخدام كلمات توحي بأنها (حليف استراتيجي – راعية القيم الإسلامية – رافعة القضية الفلسطينية) وغيرها من المفردات والمصطلحات والأوصاف التي يستخدمها النظام الإيراني، من باب التضليل الإعلامي لتحقيق مكاسب سياسية.

كما أن هذه الاستراتيجية تقوم على تضليل الجمهور لتحقيق أهداف سياسية، من خلال استخدام مفردات ومصطلحات خادعة، على سبيل المثال "السيادة، حق الدفاع عن البلد، المجلس السياسي، الجيش واللجان الشعبية".

ولفتت الدراسة أن هدف ذلك الأساس إعادة برمجة العقل اليمني سياسياً وثقافياً واجتماعياً وأخلاقياً، كون اليمنيين في المقام الأول رافضين للاحتلال الأجنبي، إلا أن سياسة الحوثي الإعلامية أرادت عزلهم كلياً عن معتقداتهم السياسية والوطنية والدينية والثقافية، فلم تعد إيران عدواً ومحتلاً، فهي دولة رائدة ومؤثرة وقوية وحليفة، يجب تبني مواقفها والدفاع عنها وتمكينها من البلاد لإنقاذها.

إرباك العقل وزعزعة الثوابت

وأشارت الدراسة إلى أن الضخ الإخباري الإيراني يهدف لإرباك العقل وزعزعة الثوابت والمسلمات، لا بطريقة مهاجمة المسلمات والثوابت، بل من خلال ضخ أخبار يومية منتقاة، تحمل دعاية سياسية لإيران من خلال تصويرها كدولة حليفة، وذات نجاحات سياسية واقتصادية وعسكرية ومنتصرة للقيم والقضايا الإسلامية، بهدف توجيه قناعات المتلقي وجهة أخرى مع اعتقاده بأنه يمارس هذه القناعات بمحض إرادته واختياره.

وتوصلت الدراسة إلى جملة من النتائج أبرزها أن إعلام مليشيا الحوثي، يخضع لاستراتيجية وإدارة إيرانية، فهو بمثابة إعلام إيراني ناطق باللغة العربية، ويتولى تنفيذ الاستراتيجية الإيرانية الهادفة إلى احتلال العقل اليمني تمهيدا لاحتلال أرضه.

كما تسعى الاستراتيجية الايرانية إلى تهميش الصوت والفعل اليمني المقاوم من خلال إطلاق مسميات ساخرة أو باعثة على الاشمئزاز والنفور من ذلك على سبيل المثال (المرتزقة –الإرهابيين)، وكذلك تسمية حلفاء اليمن المساندين لقضيتها العادلة بـ(العدوان – المحتلين – عملاء الصهيونية).

وأكدت الدراسة، أن أغلب الأخبار والتصريحات تركزت، على الحرس الثوري الإيراني والملف العسكري الإيراني برمته ومنه النووي، باعتبارها رسائل تهديدية مبطنة للمنطقة العربية، مؤكدة أن الإعلام الحوثي سوق بشكل مكثف في ترويج المواقف الإيرانية بخصوص الحرب في اليمن، من خلال نشر تصريحات قيادات نظام الملالي، بقوالب متعددة وتكرارها بصيغ مختلفة، وبالأخص التصريحات التي تستهدف المملكة العربية السعودية والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.

التفتيت المجتمعي

تعمل وسائل الإعلام الحوثية على تغذية وتأجيج حدة الحرب باليمن، وذلك إثر خطابها المتطرف وتحريضها المستمر على الكراهية والعنف. حيث استعان الحوثيون بالخبرات الإعلامية التابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، في توجيه خطاب مؤطر، وممارسة الحرب النفسية المختلفة وبث أساليب التفتيت المجتمعي وتخريب الفكر اليمني.

وتدير مليشيات الحوثي أكثر من 50 وسيلة إعلامية بين قنوات فضائية وصحف وإذاعات محلية، إضافة إلى عشرات المواقع الإلكترونية الإخبارية بجانب قناة "المسيرة"، المنضوية ضمن "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإيراني" الذراع الدعائية لطهران.

وانطلاقا من الحاجة إلى وسائل الإعلام ووسائطها الجديدة في إشباع رغبات الأفراد، تمكنت إيران من اختراق المجتمع اليمني عبر المليشيات الموالية للحوثي ووسائل إعلامها؛ لتهيئته كبيئة حاضنة للثقافة الطائفية الحوثية ولضمان مجتمع أكثر ولاء للمليشيات.

وتخطت سيطرة مليشيات الحوثي من وسائل الإعلام إلى الهيمنة المطلقة على شركات ومؤسسات الإنتاج الإعلامي، أبرزها وفق مصادر إعلامية "أفلاك" و"أنس بكت" و"ألوان ميديا" و"الهوية" و"الإمام الهادي" و"فكرة" و"يس ميديا" و"يمن ميديا"، وهذه الأخيرة سيطرت عليها العام الماضي وكانت آخر شركات خاصة عاملة بصنعاء.

واستطاع الحوثيون من خلال هذه الشركات الاستحواذ على ميزة البث الفضائي وتمرير أجندتهم على أوسع نطاق في وكالات وفضائيات عالمية، فضلا عن مهمة مزدوجة لـ"المسيرة" كقناة وشركة بث لوسائل الإعلام المنضوية ضمن "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإيراني" في العراق وسوريا ولبنان وإيران.

تبييض جرائم المليشيات

ومنذ الاجتياح الحوثي للعاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، والانقلاب على السلطات الشرعية، سخّرت إيران عشرات القنوات والمواقع الإلكترونية لدعم التمرد وتبييض جرائم المليشيا وشيطنة المقاومين لمشروعها.

صاغت طهران الخطاب الإعلامي للحوثيين بشكل كامل، ابتداء من ابتكار الأوصاف التي تحمل إساءة إلى كل المناهضين للانقلاب، فكانت تصفهم تارة بـ"المرتزقة"، وتارة أخرى بـ"الإرهابيين الدواعش"، وصولاً إلى الإشراف على تأسيس إمبراطورية إعلامية حوثية.

وحسب صحيفة "العربي الجديد"، فقد أسندت الأمانة العامة لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية في طهران مهمة الإشراف على وسائل الإعلام الحوثية إلى قيادي غامض على علاقة مباشرة بالحرس الثوري، يدعى ناصر أخضر.

وعلى الرغم من تقلد المتحدث الرسمي للحوثيين، محمد عبد السلام، منصب رئيس مجلس قناة "المسيرة"، إلا أن ناصر أخضر كان المشرف الأول على الفضائية الحوثية الأولى التي تتخذ من الضاحية الجنوبية في بيروت مقراً لها، إلى جانب عدد من القنوات، ومنها "الساحات".

ويرى صحافيون يمنيون، أن جميع القنوات الموالية للحوثيين في لبنان لا تجرؤ على اتخاذ أي قرارات قبل عرضها على "أبو مصطفى"، وهو الاسم الحركي الذي كان ناصر أخضر يتعامل به مع اليمنيين قبل انكشاف اسمه الحقيقي.

ويتولى أخضر، وهو مسؤول سابق في تلفزيون "المنار" التابع لحزب الله، مهمة الإشراف على الخطاب الدعائي التضليلي في حرب اليمن، في مقابل تمجيد الدور الإيراني أو ما يسمى بـ"محور المقاومة".

كلمات دالّة

#اليمن