الإثنين 29-04-2024 19:27:19 م : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

القيادي في الإصلاح علي حسين عشال للصحوة:

الإصلاح مكوّن فاعل منذ أيامه الأولى قبل ثلاثين عاما, وعلاقتنا بالسعودية وصلت مرحلة متقدمة

الإثنين 14 سبتمبر-أيلول 2020 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت – خاص

 

في هذا الحوار يتحدث القيادي البارز في التجمع اليمني للإصلاح علي حسين عثمان عشّال عن مسيرة الحزب خلال ثلاثين عاما, ويشرح موقف الإصلاح من قضايا وملفات متعددة على المستوى الوطني, والخارجي, والمعركة مع الانقلاب الحوثي, ورؤية الإصلاح للأوضاع الجارية حاليا.

 

حاوره: عدنان الجبرني

- بعد ثلاثين عاماً على تأسيسه.. أين يقف الإصلاح اليوم؟

الإصلاح حينما أُعلن عن ميلاده وتأسيسه، في مثل هذا اليوم قبل ثلاثين عاما، كان إضافة هامة ومميزة للحياة الديمقراطية, ليصبح واحداً من أهم تيارات الحركة الوطنية في يمن ما بعد الوحدة وإقرار التعددية السياسية. وفي تقديري لولا ميلاد الإصلاح لكان المشهد الديمقراطي, والسياسي, جامداً, وربما شاخ مبكراً، ومما منحه الفرصة ليحتل هذا الزخم وهذا الثقل أنه جاء ليعبر عن الامتداد النضالي, والفكري, والتنوع الاجتماعي الضارب جذوره في تاريخ الحركة الوطنية.

الإصلاح جاء وشارك في الحياة السياسية. فأعطى التعددية السياسية مذاقاً, وطعماً, ونكهة خاصة, إذا تصورنا أن الحركة السياسية بدأت بتيارين حاكمين أحدهما في الشمال, والآخر في الجنوب، لك أن تتخيل الجمود الذي سيسود الحياة السياسية بدون هذه الإضافة النوعية والهامة التي جاء بها الإصلاح كحزب ذي امتداد شعبي وجماهيري، ولهذه الاعتبارات أصبح منذ أول أيامه رقماً فاعلاً وأساسياً في المشهد. ولم تأت انتخابات ٩٣ إلا والإصلاح يحقق مراكز متقدمة في الحياة البرلمانية, ويدخل في ائتلاف حكومي.

إذا ما نظرنا أيضا للإصلاح، كأحد المكونات الأساسية التي ارتقت بمفهوم التعاطي السياسي, من خلال إسهامه بشكل فاعل وكبير في حركة التنشئة السياسية التي كانت متواضعة آنذاك. الأمر الآخر هو المشاركة السياسية الحقيقية التي جاء بها الإصلاح، والتي دفعت به كحزب كبير في صُلب المعادلة السياسية من خلال حضوره الفاعل في الانتخابات والاستفتاءات، ولم يشهد أي موسم انتخابي تخلُف الإصلاح من أن يكون مشاركاً فاعلاً في إدارة العملية الانتخابية، بما يجعل شراكة الناس شراكة حقيقية في صنع مؤسسات فاعلة في اختيار القيادات التي يُصعّدونها في كثير من مفاصل الدولة, سواء كان في الانتخابات المحلية, أو في الانتخابات البرلمانية.

 

- خاض الإصلاح تجارب تحالفات فريدة، ابتداءً بالتحالف الاستراتيجي بينه والمؤتمر كحاكم، ثم اللقاء المشترك، كمعارضة.. كيف هو شكل التحالفات السياسية اليوم؟

الإصلاح أسهم إسهاماً كبيراً في نشأة التحالفات السياسية، فمنذ الوهلة الأولى، دخل في ائتلاف ثلاثي في الحكم, ثم بعد ذلك في ائتلاف ثنائي، وتحالف استراتيجي مع المؤتمر, وبعد مغادرته السلطة -عبر العملية الانتخابية- رفض استحواذ طرف سياسي واحد على المشهد الانتخابي, ومفاصل الدولة, والاستفراد بكل شيء، واختار الإصلاح أن يكون معارضاً, واستطاع بالفعل أن ينجز أفضل التجارب على المستوى العربي, من خلال (اللقاء المشترك) الذي كان يضم قوى متعددة من القوميين, واليسار, والإسلاميين, وصنوف أخرى من الفعاليات التي شاركت في تجربة المشترك, والتي كان لحزب الإصلاح دورٌ أساسيٌ وبارزٌ فيها، جعلت من هذا المشترك الأداة التي نجحت في أن تكون معادلاً موضوعياً لسطوة السلطة في تلك المرحلة, والتي أفْضت إلى الخروج بالبلاد في محطات انتخابية هامة, كانتخابات ٢٠٠٦ عندما تم التنافس بذلك الشكل الكبير، والزخم الرائع، مع الأستاذ فيصل بن شملان. ثم جاءت مرحلة التغيير، وكان لوجود المشترك كمزيج من التحالف السياسي الذي ضم قوى كثيرة دور كبير، وجاءت ثورة التغيير في ٢٠١١, وشارك بفاعلية مع جميع مكونات الشعب، واستطاع أن يدخل في شراكة حقيقية من خلال مساهمته في الحكومة، وجاءت من بعدها تجربة الحوار الوطني, وكان لحزب الإصلاح إسهامٌ كبيرٌ وفاعلٌ من خلال الفريق الذي شارك به في هذه الحوارات والخروج بمسودات, وأوراق هامة, تمثل اليوم مرجعية بالنسبة لإدارة المرحلة, وبالنسبة لأي تسوية سياسية قادمة في اليمن.

باختصار شديد، يمكن أن نقول -اليوم- إن الإصلاح كحزب سياسي طوال ٣٠ سنة مضت من تاريخ اليمن, ظل فاعلاً بحيوية في مربع العمل السياسي، في الأوضاع الطبيعية والاستثنائية، وأعتقد في ظل هذه المآلات والأحداث التي تحدث في اليمن, أنهُ من أكبر الأحزاب التي قدمت التضحيات لأجل اليمن.

 

ماذا عن التحالفات السياسية القائمة اليوم، كيف تقيّمها؟

رغم تراكم التجربة السياسية خلال الفترات الماضية -للأسف الشديد- يبدو أنّ النخب السياسية اليمنية ما زالت مشغولة بمعارك الماضي بصورة كبيرة، وفي الزمن الخطأ, اختارت أن تُحيي بعض النعرات التي اعتقدنا في ما مضى أننا قد تجاوزناها، واليوم -للأسف- هنالك محاولة للإضرار بأي تحالف سياسي يُنسج إلى جوار الشرعية، ولكي أصدُقك القول، أشعر أن كثيراً من التحالفات التي نشهدها اليوم لازالت تحالفات هشة، لأسباب كثيرة، بعضها يعود إلى حالة استقطاب تحصل في صف العمل السياسي, وفي صف النخبة السياسية, تدعوها بشكل أو بآخر إلى تحيّزات ليست مؤمنة بها قطعا، ربما لوجود أطراف تعمل على تفتيت المشهد في اليمن. هذه الممارسات ما كنّا نعتقد أن تصل إلى الفئة الأكثر نُضجاً، والأكثر خبرة في العمل السياسي، وهي أحزاب قد عَرَفت بعضها البعض في فترة ماضية.

تحتاج كل الأحزاب السياسية -ومنها حزبنا الإصلاح- أن يعيدوا تقييم تجاربهم في التحالفات, خصوصاً مرحلة ما بعد الانقلاب الذي قامت به الحركة الحوثية. اليوم هنالك تراجع وانتكاسات تحصُل في مسيرة العمل السياسي المشترك. للأسف الشديد، البعض لهم حسابات ضيقة ومحدودة، تجعلني لست مرتاحا لحالة التحالفات القائمة. هناك استقطاب خارجي لبعض القوى السياسية للدفع بها لاتخاذ مواقف تضر بالعمل المشترك, مستغلاً وضع البلاد, والقوى السياسية، وحالة الضعف لدى بعض المؤسسات الشرعية، والاختلال في أداء هذه المؤسسات, أسهم بشكل أو بآخر في إعاقة بناء تحالف قوي بين منظومة العمل السياسي.

 

- تأتي هذه الذكرى، واليمن تمر بتحولات جذرية متعددة المستويات, تدَاخل فيها الحزبي بالوطني بالإقليمي، ويعدّ الإصلاح أحد أبرز الفاعلين في هذا التحول.. كيف تقرأون في الإصلاح المشهد الحالي؟ وما هو الدور الذي يضطلع به حزبكم؟

تعطيل الحياة السياسية الذي أفرزته الحرب الحوثية, وانهيار مقوّمات الدولة, جعل القوى السياسية -كلها- تخسر من تبعات هذه الكارثة، ولكن خسارة الإصلاح كانت الأكثر، فهو حزب كبير اعتاد الحضور في المشهد السياسي، والتعامل وفقاً لأدوات العمل السياسي دون سواها، وهو حزب لا يريد أن يكون بعيداً عن السياسة, ولا يستطيع إلّا أنْ يتنفس هواءها. فعندما تعرقَل المسار السياسي، ألقى ذلك بظلال كئيبة على مسيرة الحزب كجزء فاعل من مكونات البلد، الأوضاع التي يعيشها اليمن عطّلت كثيراً من مؤسسات الإصلاح، وأضرّت به كحزب سياسي, لأن الحياة الحزبية لا تجد نفسها في الحروب. اليوم كثير من كفاءات الإصلاح لا تعيش أوضاعاً طبيعية, وانخرطت في إطار الدفاع عن مقومات الدولة، عبر العمل المقاوم, ولو كان ذلك على حساب فاعلية الحزب، لكن الظروف أجبرت هذه الكفاءات, وهذه الكوادر أن تكون في مقدمة الصفوف في الدفاع عن الثورة, والجمهورية, وبالتالي تعطّلت الكثير من مناحي العمل السياسي, والحزبي, والعمل التنظيمي, والتثقيفي, والاجتماعي.

 

الإصلاح اليوم أصبح يمثل دعامة أساسية ورئيسية في الحفاظ على مقومات الدولة، يقف في مربّع الدفاع عن الشرعية واستعادة مؤسسات الدولة التي خطفها الانقلابيون، الإصلاح هو الحزب الذي أعلنها بوضوح منذ اليوم الأول أنّه ينحاز للدولة, وينحاز لمقوّماتها ويقف مع الشرعية في مربع واحد ضد العملية الانقلابية, وكان موقفه موقفاً مشهوداً، فلم يناور أبداً بهذه القضية, أو يتوزع الأدوار في مواقفه, أو يضع قدماً هنا, وقدماً هناك، بل كان منهجه وغايته واضحة تؤكد إيمانه المُطلق بكل المرجعيات التي تم الاتفاق عليها في المرحلة الماضية. مؤمن بخط الثورة, والجمهورية, والعمل الديمقراطي, ومؤمن بأن مؤسسات الدولة الشرعية هي التي ينبغي أن ينحاز الناس إليها، وأن يعززوا من وجودها، وبالتالي ظل هو المرجّح لكفة ميزان الشرعية على الأرض، ويتصدر القوى السياسية الكبرى في صف الدولة والشرعية.

 

- بإسقاط صنعاء في العام ٢٠١٤، اكتمل انقلاب الحوثي, ورأى اليمنيون أنّ الإمامة التي أسقطوها قبل خمسين عاماً أطلّت من جديد.. ما التوصيف الذي يقوم عليه الموقف الإصلاحي اليوم من الإمامة والنظام الجمهوري؟

موقف الإصلاح موقف واضح. في وثائقه الفكرية يؤكد على أن خط الثورة والجمهورية ثابت أساسي لا رجعة عنه، وأن الإمامة طُويت صفحتها من حياة اليمنيين, ولا يمكن بحال السماح لها أن تُطل بقرونها من جديد. انخرط اليمنيون في الدولة القائمة على الدستور والحقوق المتساوية لكل المواطنين, وارتضوا الديمقراطية -منذ الوحدة- مصدراً للشرعية. لم يقبل الإصلاح طيلة تجربته -فكراً وممارسةً- أي انحياز, أو تخاذل, أو تساهل تجاه أي صوت يرفع شعارات مناهضة لهذه الثوابت، الإصلاح له موقفه الناصع -والمعمّد بدم خيرة رجالاته- من هذه الحركة السُلالية الطائفية, ومن كافة الحركات التي تدعم انتهاج العنف, واستخدام أدوات العنف كسبيل لتحقيق أهدافها، وتنطلق من منطلقات سُلالية, أو مناطقية, أو حتى تحيّزات قبَلية، الإصلاح وقف من كل ذلك موقفاً جاداً من خلال وثائقه وأدبياته, وفي مواقفه العملية, ولذلك تراه اليوم في يقف رأس حربة في المشروع المقاوم لكل محاولات الارتداد نحو الماضي.

 

تاريخ الحركة الإصلاحية ورجالاتها منذ ما قبل التعددية السياسية كان واضحاً, ومعلوماً تجاه تلك الأفكار التي كانت سائدة في اليمن قبل قيام الثورة, والتي أضرت بحياة اليمنيين. وقد استوعبت قيادات الإصلاح -منذ التأسيس- هذا التاريخ, والإصلاح اليوم يمثّل امتداداً لهذه المدرسة في التصدي لمشروع الإمامة الكارثي الذي أطلّ اليوم يدفع باتجاه تأزيم حياة اليمنيين, ويأتي على الأخضر واليابس في كل ما أنجزوه منذ قيام الثورة.

 

- الإصلاح هو الحزب الرئيسي، الوحيد ربما، الذي نشأ بعد الوحدة عام ٩٠، بينما بقية الأحزاب الاخرى نشأت في ظل التشطير قبل ذلك، كيف ينظر الإصلاح للوحدة اليمنية؟ وما موقعها في أدبياته؟ وأيضاً، ما هي رؤيته للقضية الجنوبية اليوم؟

الإصلاح من طينة هذا الشعب اليمني الذي تكرّست فيه مفاهيم تعلّقه بتحقيق الوحدة كهدف ظل حاضراً في نفوس اليمنيين أفراداً, وجماعات، بل إنّ الحركة الوطنية شمالاً وجنوباً - والإصلاح جزء من هذا الامتداد للحركة الوطنية - كانت تنظر إلى تحقيق الوحدة كهدف استراتيجي، ولم يكن الإصلاح بعيداً عن تحقيق هذا الهدف، مثله مثل كثير من المكونات الفكرية والسياسية التي ظل موقفها ثابتاً من العمل والنضال من أجل الوصول إلى تحقيق الوحدة اليمنية.

ومنذ اليوم الأول لتحقيق الوحدة أسهم الإصلاح إسهاما حقيقياً في أن يكون حاضراً في المشهد السياسي, مُعززاً لوجود مؤسسات الدولة بشكل حقيقي في المرحلة التي أعقبت تحقيق الوحدة، شارك الحزب في أول انتخابات برلمانية, واستطاع من خلال مشاركته السياسية أن يدفع باتجاه تسوية الأوضاع, وبعض العثرات التي كانت تحصل في الأيام الأولى للوحدة بين الحزبين اللذين وقّعا على تحقيق الوحدة، الحزب الاشتراكي اليمني, والمؤتمر الشعبي العام، وظل صوت الإصلاح يرتفع باتجاه تجاوز أي عثرات أو اختلالات رافقت الفترة الانتقالية الأولى بعد تحقيق الوحدة.

الإصلاح دعا مبكراً لتفهّم كل المظالم التي نشأت منذ ما بعد ٩٤, وضرورة معالجتها والتعامل معها، وكان للكثير من الإصلاحيين شراكة حقيقية في ظهور الحراك الجنوبي السلمي منذ بداياته الاولى، وساهم كثير من المنتمين للإصلاح في تبني مواجهة أو معالجة المظالم السياسية والحقوقية التي برزت إلى السطح بشكل واضح بعد ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧, وتعاطى الإصلاح معها بقدر كبير من الإيجابية.

وما دفع الإصلاح في ٢٠٠٦ باتجاه إحداث حالة التغيير, والمشاركة بشكل حقيقي في الانتخابات الرئاسية, ومحاولة الدفع بمرشح للرئاسة يمتلك الكفاءة والنزاهة, وينتمي للمحافظات الجنوبية, إلّا استشعاره لضرورة إحداث التغيير, وتجاوز كثير من السلبيات التي أفرزتها مرحلة ما بعد 1994، وظل الإصلاح في إطار اللقاء المشترك يتعاطى مع كثير من القضايا, وكانت وثيقة الإنقاذ التي برزت فيها رؤية الإصلاح والقوى السياسية في المؤتمر الوطني الأول للمشترك من أهم الوثائق التي جعلت القضية الجنوبية في الصدارة منها، وأفردت لها حيزاً مهماً وتشخيصاً دقيقاً، حيث تم التعاطي مع هذه القضية بشكل كبير وإيجابية عالية، ودفعت هذه الوثيقة بالقضية الجنوبية لتصبح قضية وطنية, ثم كان السعي لوضع معالجات حقيقية وفعالة.

 

آخر المحطات التي أسهم فيها الإصلاح بشكل حقيقي وجوهري تجاه القضية الجنوبية كانت مرحلة الحوار الوطني الشامل، قدّم فيها الإصلاح رؤية واضحة لا يستطيع أحد أن يزايد عليها، تناولت الجذور والمحتوى, والمعالجات للقضية الجنوبية، وأفضت إلى أن يُنظر إلى هذه القضية كمشكلة سياسية في إدارة الدولة قبل أن تكون مشكلات حقوقية، وأكدت أن لا حل للوضع في اليمن عموماً ولا معالجة حقيقية للقضية الجنوبية إلا في إطار دولة اتحادية ضامنة لحقوق الناس، يكونوا فيها شركاء في السلطة والثروة, ويكون اليمن الكبير الواحد هو العنوان الأبرز لِحَلحلةِ كافة القضايا, وعلى رأسها القضية الجنوبية.

 

- ملف العلاقات الخارجية للبلد والقوى السياسية من أهم الملفات الشائكة.. كيف ينظر الإصلاح لهذه العلاقات وخصوصاً مع دول الإقليم؟

الإصلاح ظلّ طوال تأريخه، يحتفظ بنظرة واضحة وعلاقات متوازنة تحكمها الإيجابية والتعاون وبناء الثقة بين الإصلاح -كمكون يمني- وبين الأشقاء والأصدقاء, خصوصاً في محيطنا الإقليمي وتحديداً المملكة العربية السعودية الشقيقة، والدائرة الخليجية عموماً، من خلال الشراكة, وتبادل وجهات النظر, وحضور الفعاليات, والحرص على إيصال رسالة الإصلاح كحزب سياسي يمني يحمل أجندة وطنية، ويستند إلى محددات واضحة في علاقاته مع المنظومة العربية والخليجية، ومع قضايا الأمة العربية, والإسلامية عموماً.

وثائق الإصلاح وأدبياته توضح فلسفة الحزب, وتصوراته للعلاقات الخارجية تحت إطار الموقف الرسمي للدولة, ووفق ما يحدده دستور الجمهورية اليمنية.

جاءت الأوضاع الجديدة والحرب القائمة التي اعترت الحياة السياسية في اليمن بعد الانقلاب، وانهارت المؤسسات في البلد, فكان تدخل الأشقاء لدعم الشرعية, وحماية الأمن القومي العربي, وفي هذه الأزمة يمثل التجمع اليمني للإصلاح مركز الثقل في الوقوف في وجه مشروع الانقلاب وداعميه، وكان الإصلاح هو الحليف الحاضر في الميدان, والأكثر وضوحاً وصدقاً في التعامل مع أشقائه تجاه هذه القضايا.

وظل الإصلاح محل اهتمام جميع المراقبين, ومن يرصدون المشهد السياسي في اليمن, ويرون فيه القوة الفاعلة, والأساسية المؤثرة في التصدي للإنقلاب، وسعى الإصلاح بكل إيجابية إلى خلق شراكة حقيقية مع الأشقاء في التحالف العربي، وأوصل رسائل واضحة، وعقد لقاءات مهمة، وتواصل مع كل قيادات البلدان المهتمة بإنقاذ اليمن. كما أن علاقة الإصلاح اليوم، وحالة التنسيق والاصطفاف مع المملكة العربية السعودية وصلت إلى مرحلة متقدمة، كون المملكة العربية السعودية تتزعم تحالف دعم الشرعية وتتشارك في ذلك مع المكونات المناهضة لمشروع الحركة الحوثية المدعومة من إيران.

 

- وريد الإصلاح نزف كثيراً, ولا يزال في موقفه وإسهامه في المعركة إلى جانب الدولة واستعادة مؤسساتها.. ما تعليقك هنا؟

عندما نتكلم عن تضحيات الإصلاح لا نُقلل من تضحيات كافة الأطراف المناهضة لما قام به الحوثي، أبناء الشعب اليمني اصطفوا جميعاً بمختلف مكوناتهم السياسية، مَن قاوموا في كافة المحافظات سواء في الجنوب أو الشمال أو الشرق أو في الغرب، كانوا يمثّلون طيفا سياسياً واسعاً، لكن عندما نتحدث عن الإصلاح نتحدث عنه كحزب كبير يمتلك قواعد حاضرة وموجودة في كثير من محافظات الجمهورية وكان لها حضور قوي وفاعل مع الآخرين, لكن وجود الإصلاح يمثل -بشهادة أطراف كثيرة- الزخم في الحضور, والتضحيات, وتحمّل المغرم في هذه المرحلة. ونحن عندما نتحدث عن هذه التضحيات, لا نقولها مِنّة على اليمن وأبناء اليمن، وما يقوم به أبناء الإصلاح في مواجهة المشروع الحوثي السُلالي الذي يريد أن يُعيد اليمنيين إلى قرون مظلمة، يأتي من منطلق التزام وواجب وطني, اضطروا له عندما تأثرت الدولة ومؤسساتها, والمؤسسة العسكرية, وأصابها حالة من الانقسام، وأكثر ما دفع الإصلاح لتقديم هذه التضحيات أن المؤسسة العسكرية هي أول مؤسسة انهارت في بنية الدولة, وتشرذمت, وتم تجييرها لمصلحة المشروع الانقلابي من خلال التحالف السابق، الذي كان قائما مع بعض القوى والألوية العسكرية في الفترة الماضية.

هذا الاختلال الذي حصل في المؤسسة العسكرية, دفع لأن يكون للمقاومة حضور فاعل في المشهد, حضور دعت إليه الضرورة, وتداعى الأحرار من كل المناطق للدفاع عن مناطقهم بشكل طوعي لسد الفراغ الذي أحدثه غياب الجيش.

وعندما بدأت ملامح تشكيل الجيش الوطني، دفع الإصلاحُ باتجاه أن يكون هذا الجيش هو الحاضر في المشهد, ومرجعيته الأساسية هي مؤسسات الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وعندما انخرط كثير من المقاومين في المؤسسة العسكرية لم يكن ذلك إلا وفقاً لتوجّهات الدولة في أن تصبح المقاومة جزءًا من بناء الجيش الوطني عبر دمج أفرادها، ولا شك أن هناك حاجة في الفترة القادمة عندما نتجاوز هذه المحنة -بإذن الله- لِأنْ يعاد ترتيب المؤسسة الأمنية والعسكرية بشكل صحيح, وانتقاء من انضموا إلى الجيش ممن تنطبق عليهم المعايير في أن يكونوا جزءا من المؤسسة العسكرية في المرحلة القادمة، وأن يعاد استيعاب كثير من العناصر التي قد لا يكون وجودها مناسباً في الجيش، وإلحاقها بقطاعات مدنية وفقا لما تحمله من مؤهلات واستعدادات بما يناسبها.

 

- ما الذي يتمنّاه ويسعى إليه الإصلاح على المستوى التنظيمي والوطني؟

أولويات الإصلاح في هذه المرحلة أن تستعيد الدولة عافيتها، وأن نتجاوز هذه المحنة، والإصلاح يدفع باتجاه لملَمة الأوضاع في اليمن, والوصول لتسوية سياسية تضمن لليمنيين جميعاً أن يكونوا حاضرين في المشهد السياسي، وأن يصلوا إلى بناء مؤسساتهم بإرادة شعبية، يكون الدستور هو الحاكم فيها، وحقوق الناس متساوية, ويكون الاحتكام للدولة ومؤسساتها, بعد تجاوز كل هذه المحنة التي أحدثتها العملية الانقلابية في اليمن.

طبعاً اللجوء إلى العمل العسكري أو دعم العمل العسكري إنما هو نتيجة للمكابرة والصلف الذي نعانيه, أو نجده من طرف الانقلابيين. لو أراد الطرف الانقلابي أن يأتي إلى كلمة سواء وأن يُسلّم بعودة الدولة ومؤسساتها, وأن يصبح طرفاً سياسياً -بأدوات السياسية- بحجمه ووزنه في المرحلة القادمة من خلال تسوية سياسية, فالإصلاح لا يجد غضاضة في التعامل مع هذا الأمر, لأننا نعتقد حتى وإن طالت الحرب، سنصل في الأخير إلى تسوية سياسية لا يستطيع فيها أحد أن يلغي أحداً، هذا هو الشعار الذي نحمله، لكن أمام حالة الصلف واللجوء إلى العنف لا يجد اليمنيون -والإصلاح جزء منهم- إلا أن يكونوا مناهضين لكل باغٍ من خلال وقوفهم بقوة, وشحذ كل هممهم, وكل طاقاتهم لمواجهة هذا المشروع الانقلابي، لكنّا لسنا بعيدين عن مسار العملية السياسية, ولسنا متعنتين في التعامل مع مفرداتها، المفردات الضامنة لعودة الدولة, وعودة مؤسساتها الشرعية, وعودة مسار الحياة السياسية الذي توقف منذ العملية الانقلابية, واختطاف مسودة الدستور، وأن نعود إلى تلك اللحظة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة, وفي المقدمة القرار (٢٢١٦) وكل المرجعيات, التي أكدت عليها الكثير من القرارات الدولية, والأممية الصادرة بهذا الشأن.

أولوية الإصلاح أن نخرج من هذه المرحلة التي نعيش فيها، إلى وضع اعتيادي وطبيعي نجد فيه أنفسنا -كقوة سياسية- مساهمين مع الآخرين في إدارة دفة الأمور. نحن في الإصلاح نكرر دائما أن المشروع أو الرافعة الأساسية لأي تحوّل على المستوى الوطني في أي مرحلة انتقالية قادمة لن يكون إلا بمشاركةٍ من جميع القوى السياسية.

الإصلاح لا يريد لأي طرفٍ سياسي أن ينفرد بالحياة السياسية, لا اليوم ولا غداً. على المدى المنظور لن تسير اليمن إلا بحالة من الشراكة، والإصلاح مؤمن بهذا الأمر، لكن الصلف والعنت الذي نجده لدى أطراف خُيّل إليها في لحظة من الزمن أنّ بإمكانها أنْ تزدرد أو تبتلع اليمن كلقمة سائغة، وهذا الأمر ظل الإصلاح مع كثير من الشرفاء مقاوماً له ومناهضاً.

 

كلمة توجهها لجماهير وقواعد الإصلاح بالمناسبة؟

علينا أن نثق بالله أولاً في أنه لا حول لنا ولا قوة إلا به، وأنّ ما أراده الله لنا في هذه المحنة إنما هو حالة من الاختبار والتمحيص، وأنّ سنّة الله الغالبة أن هذا الوضع لن يدوم ولن يطول، وينبغي علينا كقيادات وقواعد في الإصلاح أن نثق بحالة الاصطفاف التي نخوضها اليوم دعما للشرعية لمناهضة المشروع الانقلابي الكارثي, كونه اصطفاف حقٍ وعدلٍ من أجل قضية عادلة. عندما يستقر هذا الشعور في النفوس ستهون كل التضحيات التي نُقدمها من أجل استعادة كرامتنا, واستعادة مؤسسات دولتنا, واستعادة اللّحمة الوطنية. وعلى أبناء الإصلاح أنْ يَعُوا أنّ هذه الحملة المسعورة التي يرونها من كثير من الأطراف اليوم عليهم, وعلى بلادهم, إنّما تأتي لأنهم يرون الإصلاح في المقدمة، ويمثّل الرافعة للمشروع الوطني, وبالتالي تنهال الافتراءات. الإصلاحيون يقفون مع الدولة, والجمهورية, ومع يمنٍ كبيرٍ يتسع لكل أبنائه. هذه الاصطفافات الثلاث تجعل البعض من القوى الانتهازية تناهض أو تقف موقف العداء من الإصلاح، وهذا -بإذن الله- لن يضعفنا، فقضيتنا عادلة تمثل تطلعات اليمنيين, وموقفهم ضد المشاريع الصغيرة, ومشاريع الهيمنة, والانتقاص من السيادة, والمشاريع المضرة باللُّحمة الوطنية.

رسالتي إلى أبناء الإصلاح -في يوم ذكرى تأسيس حزبهم- أن يُعززوا علاقتهم مع الآخر، وأن يفهموا الآخر عن قرب، وأن يذيبوا أي جليد يقف بينهم وبين معرفة ما لدى الآخر، وأن يتعاطوا مع انتقادات الآخرين البناءة على أنها نوع من التبصير ببعض العيوب التي لا يسلَم منها الإصلاح، فالإصلاح ليس مجموعة خالصة معصومة لا يعتريها القصور والزلل في مسيرته السياسية، وعلى شبابنا أنْ يتفهّموا ما لدى الآخر من بعض التخوفات، وأن يوصلوا حقيقة مواقفهم تجاه كثير من القضايا بدلاً من أن تُنقل إلى غيرهم بطريقة مشوشة, فيها كثير من الافتراء والكذب، وأن تنفتح قلوبهم وعقولهم على رفاقهم من شركاء العمل السياسي, خصوصا ممن يقفون معهم في خندق واحد.

كلمات دالّة

#اليمن