السبت 27-04-2024 22:49:30 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

في زمن المليشيات.. هل الأزمة اليمنية قابلة للحل السياسي السلمي؟

الإثنين 18 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت – خاص /عبد السلام الغصباني

  

تتوالى الدعوات لحل الأزمة اليمنية سلميا منذ ما قبل انقلاب مليشيات الحوثيين وحليفها السابق علي عبد الله صالح على السلطة الشرعية، وحتى "اتفاق الرياض" الذي تم مؤخرا بين الحكومة الشرعية ومليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، مع استمرار المساعي الأممية لحل الأزمة سلميا وإنهاء الصراع بين الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي، والتي بدأت منذ ما قبل الانقلاب وحتى الآن.

ورغم تعثر المساعي الأممية لحل الأزمة اليمنية سلميا، إلا أن تلك المساعي ما زالت مستمرة رغم تعنت مليشيات الحوثي وتعمدها إفشال كل المحاولات الأممية لحل الأزمة سلميا، والنكث بالعهود والاتفاقات والاستمرار في المراوغة، واتباع سياسة استهلاك الوقت في مفاوضات وحوارات عبثية، أملا في حدوث متغيرات محلية أو إقليمية ودولية تساعد على ترسيخ الانقلاب وتحويل المشروع الطائفي المدعوم إيرانيا إلى أمر واقع، أو الرهان على تنامي الحالة المليشاوية في البلاد، بما يسهم في تمزيق البلاد وترسيخ المشاريع الطائفية والمناطقية والعائلية والقروية.

- متطلبات الحل السلمي

يؤكد كثير من المسؤولين والمتابعين للشأن اليمني أن الأزمة اليمنية لن تحل بقوة السلاح وإنما بالحوار والحل السياسي السلمي. ورغم حسن النوايا التي يبديها هؤلاء في تقييهم للأزمة اليمنية ولنوايا ودوافع الفاعلين الرئيسيين في الصراع، لكن مثل هكذا آراء لا يمكن تطبيقها في أرض الواقع، نظرا للمعطيات القائمة وتطورات الأزمة وتحولاتها منذ عام 2014 وحتى الآن.

فمن ناحية، فالحلول السياسية لأي أزمة في أي بلد لا تكون إلا في حال كانت الأزمة بين أطراف سياسية، تؤمن بالعمل السياسي، ولديها مطالب عادلة، لا تتعارض مع حق المشاركة السياسية للآخرين ولا تصادر مختلف الحقوق والحريات التي يكفلها لهم الدستور والقانون، وليس لديها مشاريع أو أجندة خاصة تتنافى مع دستور البلاد ومع مطالب وحقوق الغالبية العظمى من أبناء الشعب، وسواء كانت الأزمة سياسية بحتة أو تحولت إلى مواجهات عسكرية، ففي كل الأحوال من الممكن الحديث عن حل سياسي سلمي إذا كانت أطراف الأزمة هي أطراف سياسية لديها مطالب عقلانية وعادلة، ولا تتعارض مع مصلحة الوطن أو دستوره ووحدته ونظامه السياسي.

ومن ناحية ثانية، يمكن القول بأن الحوار والحل السياسي السلمي يعد نوعا من العبث إذا كان مع مليشيات انقلابية ومتمردة ولا تؤمن بفكرة الدولة ولا بحق الآخرين في المشاركة السياسية، وتسعى إلى فرض مشروعها الطائفي أو العائلي أو المناطقي أو القروي كأمر واقع، وتتخذ من العنف والإرهاب والمعتقلات والسجون السرية وسيلة لإسكات مناوئيها وقمعهم، فمثل هذه المليشيات لا يمكن أن تقبل بأي حل سلمي ولن ترضخ للحوار إلا إذا أحست بالضعف وبأن مشروعها على وشك الانهيار، وبالتالي فهي تقبل بالحوار لكي تحافظ على بقائها وتعزيز قوتها لتستعد مجددا لتفجير الأوضاع والانقلاب على السلطة الشرعية سعيا لتحقيق مشروعها.

- هل الحسم العسكري هو الحل؟

إذا كان بإمكان مليشيات الحوثيين حسم المعركة لصالحها وفرض سيطرتها على كل أنحاء البلاد فإنها ستفعل ذلك بدون تردد، ولن تقبل بأي حوار مع الحكومة الشرعية وغيرها يفضي إلى تقديم تنازلات وشراكة في السلطة. وإذا كان بإمكان مليشيات ما يسمى "الانتقالي الجنوبي" فرض مشروعها الانفصالي وتكريس حكم القرية فإنها ستفعل ذلك بدون تردد، ولن تقبل بالحوار مع الحكومة الشرعية والذهاب للرياض للتفاوض حول ذلك وتقديم تنازلات تفضي إلى أي شراكة في السلطة.

وبناء على ذلك، يمكننا التأكيد أن تقديم تنازلات من قبل السلطة الشرعية لصالح مليشيات متمردة وانقلابية لا يمكن أن يؤسس لحل سياسي مستدام، وأن ذلك مجرد ترحيل للأزمات وتفخيخ للمستقبل وصناعة بؤر توتر مزمنة تؤثر على أمن واستقرار اليمن والمنطقة ككل، وبالتالي، يعد الحسم العسكري هو الحل الأمثل لإعادة الأوضاع إلى مسارها الصحيح، بينما قادة المليشيات الانقلابية والمتمردة مكانهم السجون والمحاكم العسكرية وليس المشاركة في السلطة وغسل جرائمهم التي ارتكبوها ضد الدولة والمجتمع ووثقوها بأنفسهم صوتا وصورة، وحتى لا يتحول تعزيز الحالة المليشاوية في البلاد إلى ظاهرة سياسية وعسكرية قابلة للتناسل والاستنساخ في البلاد والبلدان المجاورة.

- الاتفاقيات وتعقيدات الواقع

تعد المليشيات من الظواهر الشاذة في البلدان التي تشهد اضطرابات أمنية مزمنة أو شبه مزمنة. وبما أن نشأتها كانت عسكرية وقتالية بحتة، ولا تؤمن بالعمل السياسي والشراكة إطلاقا، فإن إجراء الحوار معها وتوقيع الاتفاقيات السياسية بعد حوارات بينها وبين الأطراف الأخرى يعد مجرد عبث سياسي مؤقت سرعان ما ينهار لتعود الأوضاع إلى مربع الصفر، وهنا قد تكون كلفة الحسم العسكري ضدها مكلفة وباهضة أكثر مما لو أن الحسم تم مسبقا وتم اختصار المراحل والأعباء التي ستترتب على حوارات واتفاقيات تتعامل معها المليشيات بعبث واستهزاء، وتظن أنها حققت انتصارات عسكرية وسياسية بتلك الاتفاقيات، وتفسر بنودها بما يتوافق مع هواها.

وإذا كانت الاتفاقيات السياسية تفشل في بعض الأحيان حتى وإن كانت بين دول أو بين أطراف سياسية في بلدٍ ما، فكيف يمكن لمثل هكذا اتفاقيات أن تنجح أو تصمد إذا كانت بين حكومة شرعية ومليشيات متمردة وانقلابية؟ وفي الحالة اليمنية، هناك عدة شواهد على فشل العديد من الاتفاقيات التي تمت في ظروف صراع سياسي أو عسكري، لتعود بعدها الأوضاع إلى مربع الصفر أو تتسبب في نشوب أزمة جديدة أسوأ من سابقتها إن لم تفضِ إلى حرب أهلية مدمرة.

وكانت أبرز اتفاقيات في تاريخ اليمن المعاصر مصيرها الفشل هي: اتفاق مؤتمر حرض، في 23 نوفمبر 1965، بين النظام الجمهوري والمتمردين الإماميين، ووثيقة العهد والاتفاق بين شريكي السلطة، حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي، في العاصمة الأردنية عمان، بتاريخ 20 فبراير 1994، ثم اتفاق "السلم والشراكة" في صنعاء، بتاريخ 21 سبتمبر 2014، ثم التوقيع على الملحق الأمني للاتفاق من قبل الحوثيين، وتم ذلك برعاية دول الخليج والأمم المتحدة، وكل هذه الاتفاقيات كان مصيرها الفشل.

- ماذا بعد؟

تعد المليشيات الانقلابية والمتمردة من أبرز أسباب نشوب الحروب الأهلية المدمرة في العصر الحديث، ولذا لا يمكن لأي بلد أن يستقر وسط فوضى المليشيات. كما أن الظاهرة المليشاوية تتناسل وتنتشر كالأخطبوط، في زمن تنامت فيه ظواهر سياسية واجتماعية طارئة وغريبة، تتمثل في ظهور جماعات إرهابية وأيديولوجيات عابرة للدول، وتشكل تحالفات فيما بينها، وتسعي لهدم الدول ونخر المجتمعات من الداخل، وما لم يتم الحسم العسكري ضدها في المهد فإن خطرها سيتعاظم ولن يدري أحد إلى أين سيصل مداه؟

فالمليشيات الإرهابية والطائفية والمناطقية والقروية هي السبب الرئيسي في الحروب الأهلية والعنف في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وليبيا، وكل بلد عربي أو غير عربي يشهد استقرارا عسكريا فإن ذلك يعود لعدم وجود مليشيات من هذا النوع فيه. فهل سيتم الحسم لينتهي زمن المليشيات في اليمن لتنعم البلاد والبلدان المجاورة بالاستقرار، أم أن زمن المليشيات ما زال في بدايته وخطره سيطال الجميع طال الزمن أم قصر؟ لا شك أن الحالة المليشاوية ستترسخ إذا استمرت الأخطاء في التعامل معها وتكريس وجودها من خلال حوارات عبثية واتفاقيات تتعامل معها المليشيات كنوع من التكتيك وانتظار الفرص المناسبة لفرض مشروعها بالقوة.

كلمات دالّة

#اليمن