الأحد 28-04-2024 22:29:08 م : 19 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

فكرنا السياسي.. بين مقاصد الشريعة والثقافة المزورة

السبت 02 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 الساعة 10 مساءً / الاصلاح نت – خاص - عبد العزيز العسالي

 

 

تنويه:

انتهينا في الحلقة الأولى إلى أن اليسار والليبرالية العربيين كانا محنة عربية تتمثل في ثلاث كلمات هي: الدولة ضد الأمة.

في هذه الحلقة سنتحدث في محورين.. المحور الأول: أسس الفكر السياسي في الإسلام.. فما هي هذه الأسس؟

أولا- الشورى: وهذا يعني أن الأمة صاحبة الحق وهي أعرف بمصالحها وبالتالي لها حرية الاختيار لمن ينوب عنها في خدمتها.

ثانيا- البيعة: البيعة لها صور مختلفة يمكننا القول حولها إما بالمصافحة بالكف مباشرة، وإما برفع اليد في مكان محدد، وإما أن تقوم كل شريحة أو منطقة أو جهة سواء كانت كثيرة العدد والعكس، فتبايع وجهاءها أو أي ممثلين عنها واحدا فأكثر ثم يذهب الممثلون فيبايعون الحاكم.

الضابط الإداري والفكري والثقافي لهاتين الطريقتين وغيرهما هو إذا رأى غالبية العقلاء أن البيعة تمت بكل حرية دون أي تزوير أو خداع أو التفاف على حق الأمة.. صاحبة المصلحة تعتبر بيعة صحيحة.

ثالثا- شروط قيام الدولة، وتتمثل في وجود أمة وحيز جغرافي - وطن بلغة العصر.

رابعا- وجود قواعد مكتوبة (دستور) تكتبه الأمة مباشرة أو تختار من ينوب عنها في إعداد الدستور كونه يحدد العلاقة بين الأمة ومن ستختاره ليقوم بخدمتها نيابة عنها.

 كما أن الدستور يحدد مجالات إنفاق المال العام، وكذا إدارة الدولة، ويحدد قواعد للحفاظ على مقدرات الأمة، بل يحدد سقفا لصلاحية الحاكم في إنفاق المال العام.

خامسا- مواطنة متساوية يتضمنها الدستور.

سادسا- إلزام الحاكم بالشورى التنفيذية سيما القرارات الإستراتيجية التي تمس مصلحة الأمة مباشرة وطنا واقتصادا وهوية وغيرها.

سابعا- بما أن الأمة هي مصدر الشرعية السياسية فإن لها الحق أن تضع شروطا داخل الدستور لحماية مصلحتها توخيا لصور العدل المتجددة زمانا ومكانا.

ثامنا- من حق الأمة أن تختار النظام الإداري للدولة بما تراه يخدم مصلحتها.

تاسعا- وليس أخيرا.. فإنه من خلال أسس الفكر السياسي الإسلامي الآنفة: نجد أن مكانة وشخصية الحاكم أو السلطة أو الحكومة أو الرئيس أو الأمير، لا قدسية لها، وإنما هو واحد من الأمة اختارته الأمة لينوب عنها في خدمة وحماية مصالحها داخليا وخارجيا.

 

مصدر هذه الأسس:

- هذه الأسس ورد أساسها الأول في القرآن المكي والقرآن المدني، والبقية وردت في مقاصد تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في "وثيقة المدينة".

- تشبعت الروح المؤمنة بهذه الثقافة من وقت مبكر في مكة، خاصة بعد نزول سورة الشورى بمكة في السنة السادسة أو مطلع السنة السابعة للبعثة النبوية، وتواصلت في العهد المدني نظريا وممارسة تطبيقا نبويا عمليا إعمالا للنص القرآني: "وشاورهم في الأمر".

بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدخل المدينة إلا ببيعة من رجالاتها بل ونسائها كما هو معلوم في بيعة العقبة الثانية.

- استمرت الممارسة العملية للثقافة السياسية طيلة العهد الراشدي، وكانت حرية البيعة مفتوحة، ذلك أن القرآن ينص أنه "لا إكراه في الدين". فمن باب أولى أنه لا إكراه في السياسة وغيرها.

تلكم هي أسس الفكر السياسي في المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.

 

المحور الثاني- الثقافة المزورة:

اقتضت سنة الله وحكمته أن تكون فترة الخلافة الراشدة قصيرة جدا، مورست فيها أربع صور للشورى، وكل صورة اعتبرها ذلكم الرعيل أنها صور صحيحة لا غبش فيها ولا لبس ولا مصادرة لإرادة الأمة.

وهنا يحق لنا أن نتساءل: ماذا لو أن فترة الخلافة الراشدة امتدت 100 عام؟

قطعا كانت التجارب العملية للشورى ستتعدد صورها،

وسيكون لدينا مخزون تراكمي غير قليل.. سيمكننا من ابتكار ورسم أفضل طرق اختيار الحكومات... إلخ.

بعد ذهاب الخلافة الراشدة برزت عوامل عدة على الساحة سياسيا وفكريا واجتماعيا ساعدت على انحراف وتوجيه مسار الحياة السياسية بدرجة أولية كانت لها خطورتها لاحقا وكانت النتيجة:

 - تحويل عملية الشورى إلى جانب شكلي.

- الأخطر هو إزاحة الشورى من بين السنن الحاكمة للاجتماع إلى جوار الأحكام الفقهية التعبدية الجزئية البحتة كالمضمضة والاستنشاق.

- أخطر من ذلك إهمال الشورى التنفيذية، وهذا مثّل أول ضربة قاصمة للشرعية السياسية.. كان هذا في تنازل الحسن بن علي لمعاوية.. فلم يشاور أحدا في صفقته مع معاوية.

لسنا هنا متجاهلين حساسية الظرف الذي أدى إلى هذا التنازل الهادف إلى حقن دماء المسلمين، لكن ما نريد تقريره هنا هو أن تصرف الحسن أصبح أحد مصادر الشرعية السياسية.. تشريعا أبديا وملزما.. والنتيجة تجاهل الشورى التي هي أساس الشرعية السياسية أولا، والشورى التنفيذية ثانيا.

 

الثقافة المزورة:

بعد عقود كثيرة عجز الطغاة أن يحرفوا القرآن.. وأصبح كبار الفرس أركانا للدولة العباسية وطغت ثقافة الفرس.. هنا لجأ الفجور والاستبداد السياسي والطغيان والإفساد المهلك للحرث والنسل إلى صناعة دجالين في بلاطه ليقوموا بدس الثقافة الفارسية الكسروية داخل متون الأحاديث النبوية الصحيحة.

 

انتبه أخي القارئ: داخل الأحاديث الصحيحة.. كما سنوضح لاحقا.

 

مكونات الاختراق ومنطلقاته:

انطلق الفجور السياسي وكهان بلاطه نحو إيجاد تشريع موازٍ هو إضافة ألفاظٍ وجُملٍ تامةٍ داخل السنة الصحيحة، وإنتاج ثقافة سياسية دينية مزورة.

ونظرا لأن مهارة الاختراق كانت عالية الدقة مستعينة بسطوة سيف السياسة، فقد انطلى الأمر على غالبية الوسط الفقهي، باستثناء كبار المحدثين وفقهاء الأصول.

فاتجه علماء الحديث وفقهاء الأصول إلى إنقاذ الموقف وبطريقة ذكية تبرؤهم أمام الله أولا، وتجنبهم سيف السلطة ثانيا.

فقد وضعوا منهجا نقديا معياريا تشريعيا منبثقا من كليات الشرع ومقاصد القرآن ومبادئه، ومن مقاصد تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة فذة جمعت بين النقل والعقل، فجاء منهجا مشرقا متينا صالحا للبناء عليه.

ومن خلال المنهج تم غربلة وتنقية السنة من الروايات المكذوبة -سندا- والتي تجاوزت عشرات الآلاف، والحقيقة أنهم بذلوا جهدا جبارا لا يعرفه إلا من درسه.

وفي الخط الآخر اتجه فقهاء الأصول لتكوين منهج أصولي في غاية الرصانة، فكريا ومقاصديا ولغويا وعقليا، ومن أهدافه البارزة فهم ألفاظ الحديث الصحيح في ضوء كليات الشرع ومقاصده ومقاصد التصرفات النبوية.

ومن هنا تجلت مكانة المنهج العلمي الإسلامي دينيا وثقافيا وحضاريا... إلخ. بشهادة الخصوم.

هذا المنهج كشف حقائق وهتك أستار الدجل الكهنوتي السلطاني الرامي إلى تحصين الفجور السياسي والظلم والطغيان والفساد.

ونحن هنا سنقتصر على تعرية الاختراق الإجرامي في مثالين خطيرين جدا صنعا بعناية ومهارة فائقتين والهدف "تحصين الفجور والطغيان والفساد السياسي المهلك للحرث والنسل".

 

الاختراق الأول- حديث البخاري ومسلم:

عن عبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول الحق ولا نخاف لومة لائم".

إلى هنا الرواية صحيحة سندا ومعنى.. عند الشيخين وغيرهما من المحدثين المعتمدين عند أهل السنة.

 

الزيادة المدسوسة:

وردت عند البخاري في كتاب الفتن.. أضافوها بعد جملة وأن لا ننازع الأمر أهله.. فأضافوا بعدها "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان".

- اختلفت ألفاظ هذه الزيادة عند محدثين آخرين بطريقة عجيبة مثل: كفرا صُراحا.. كفرا بُراحا.. إلا أن تؤمر بمعصية.. وإن جلدوا ظهرك وأخذوا مالك. وهناك ألفاظ كثيرة مختلفة.. كل لفظ يناقض الآخر.. تركناها تجنبا للإطالة.

 

مناقشة الزيادة:

أولا- موقف أهل الحديث منها:

سأقتصر على أهم الأقوال التي اتفق حولها المحدثون وأولهم المحدث التابعي سفيان بن عيينة، أمير المؤمنين في مجال الحديث قال: زاد بعض الناس "إلا أن تروا كفرا بواحا".

وكفى به حجة لأن رفضه للزيادة جاء مفسَّرا بقوله: "زاد بعض الناس".

- هذه الزيادة مضبب عليها أي أنها بين قوسين هكذا (..) وهذا يعني أنها مدرجة أو أنها تفسير من الراوي وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

- أنكرها أحمد بن حنبل.

- أفضل الأقوال فيها: إنها من قول الصحابي عبادة، إنها من قول ولده الوليد بن عبادة.

إنها من قول عبادة بن الوليد بن عبادة.. إذن هي موقوفة أو مرسلة.. أي لم تصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

- لا يعني أن رواية البخاري لها في كتاب الفتن.. تعني قبولها وإن صح سندها، ذلك لأنها رواية تفرد بها واحد مخالفا للأكثر والذين هم أصح منه.. وعلى هذا فالتفرد يسمى شذوذا لأنه خالف من هم أوثق منه.

اتفق المحدثون والأصوليون على القاعدة التالية: "ليس كل ما صح سنده صح متنُهْ"، أي معناه.

 

ثانيا- منهج الأصوليين:

 المنهج الأصولي يتعامل مع ألفاظ الروايات فيقول عن هذه الزيادة:

- زيادة شاذة.. والشذوذ يعني أن الراوي الثقة يروي خلاف من هو أوثق منه.. وحكمها لا يجوز العمل بهذه الزيادة لأنها خالفت رواية الثقاة فهي شاذة المعنى، وهنا اتفق المحدثون والأصوليون على هذه القاعدة.

- الرواية مضطربة، أي ألفاظها مختلفة جدا وهذا يعني التوقف عن العمل بها، فالفقيه يتوقف أمام تضارب الألفاظ، وبالتالي لا يدري أي الصيغة أقرب إلى الصواب، وعليه، فالاضطراب في ألفاظ الحديث دليل على ضعفه.

- قال بعض الفقهاء المتأخرين: "الزيادة من الثقة مقبولة". والصواب أن الزيادة من الثقة عند المتقدمين ليست مقبولة مطلقا إلا بشروط منها: ألا تخالف كليات الشرع ومقاصدَه ومبادئه، وألا تخالف القرآن، وألا يكون فيها اضطراب، وألا تكون داعية إلى رذيلة تمس عزة المؤمن وكرامته.

- اتفق الأصوليون والمحدثون على القاعدة التالية: كل حديث خالف صحيح المنقول، أو صادم صريح المعقول، أو ناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع، أي مكذوب.

 

الزيادة مخالفة للقرآن:

- القرآن والسنة الصحيحة حملا إلينا عشرات النصوص المحرمة للظلم تحريما قاطعا، وهذه الزيادة الشاذة جاءت توطِّئ أكناف المجتمع للقبول بالظلم والفساد.

- القرآن والسنة زاخران بعشرات النصوص الآمرة برفض الظلم ووقوف المجتمع في وجه الظالمين أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، وهذه الزيادة جاءت مخالفة، بل تنبذ القرآن خلف الظهر.

 

مخالفة مقاصد الشريعة:

- العدل غاية الرسالات السماوية: كما في سورة الحديد، "ليقوم الناس بالقسط"، أي بالعدل.

وهذه الزيادة أعطت الحاكم حصانة منيعة ليفعل ما يشاء.. ظلما وإفسادا وإهلاكا للحرث والنسل.

- القرآن قال: "لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ". أي أن القرآن فتح الباب للمظلوم أن يقول السوء في الذي ظلمه، بل إن الله يحب هذا الجهر بالسوء.

فجاءت الزيادة الكهنوتية الفاجرة تقول: لا يجوز للمظلوم أن يقول لا.. معَلّلة في رواية أخرى وهي إذا كان الحاكم المفسد يصلي يجب انبطاح الأمة له.

وفي رواية أخرى أن الرافض للظلم والفساد سيموت ميتة جاهلية.

لماذا؟ لأن الظالم يصلي؟ فأي صلاة هذه التي لا تنهى صاحبها عن الفرعنة والإفساد وسحق الأمة؟

 - هذه الزياد وأمثالها المحصنة للفجور والطغيان.. مصادمة لشرع الله.. اختلقت تشريعا مناقضا لشرع الله بل وشرعت ما لم يأذن به الله؟ أليست هذه مشاقة لله والرسول صلى الله عليه وسلم؟

- القرآن قال: "لا إكراه في الدين...". أي أن الإنسان حر في اختيار العقيدة التي يريدها دون إكراه. وهذه الزيادة الخبيثة انتهكت حرية الإنسان وكرامته.. فهل الانبطاح للظالم المفسد أفضل عند الله من عقيدة التوحيد؟

 

زيادة كهنوتية أخرى:

اسمع وأطع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك.. هذه الزيادة وسابقتها هما من الشرع المبدل.. وقد قال ببطلانها الدارقطني.. وضعفها مقبل الوادعي والألباني قائلا راويها مجهول.

قال ابن حجر: لا تقبل الرواية لأن الراوي تفرد بها..

- قاعدة أصولية مقاصدية متفق عليها عند فقهاء الأصول وهي: "كل تصرف تقاصر عن أداء المقصود ففعله باطل".

ومعنى هذا أن كل قول أو فعل أو تصرف لم يخدم الهدف أي المقصد الشرعي فلا يجوز فعله.

وعليه، فما القول إذا كانت هذه الزيادة تصادم مقاصد التشريع وتهدمها؟

اقرؤوا معي: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى"... إلخ. (سورة النساء).

واقرؤوا قوله تعالى: "ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب"، "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا".

فالعقوبة ليست للكاهن الدجال فحسب وإنما أيضا للتابع المنبطح.

لقد نجح كهان البلاط في اختراق الفكر الإسلامي، وانطلى على جل الفقهاء هذا الكذب.. وبعضهم سكت خشية من سيف السلطة.

وجاء عصر التقليد فأصبح الآخر يقلد الأول على غير هدى.. وها نحن اليوم نعيش ثقافة مزورة اسمها الإجماع.

ونحن لا نعترف بغير مشرع واحد هو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم المبلغ عنه، "إلا بلاغا من الله ورسوله...".

نعم، يجب أن نعترف أن الثفافة الحَبرية الرهبانية الفارسية قد روضت فكرنا السياسي الإسلامي وجاءتنا بفكر سياسي مزور ورمتنا في هوة سحيقة نعبد فيها الفرعون والطغيان والفساد ونعيش وهما أننا نعبد الله.

 

فهل هناك تدين مغشوش وثقافة مزورة توازي هذا الإجرام؟

العدل غاية الرسالات السماوية وهو سنة اجتماعية في الاستقرار والنهوض والعمران والرفاه الاقتصادي.. وصولا إلى الاستخلاف الرباني.

لكن تشريع الكهنوتية في بلاط الحاكم المسلم عمل على تبديل التشريع وأصبح يحكم بثقافة فارسية وتشريع مزورين.

فلماذا نصطرع قرنا من الزمان مع أتباع اليسار والليبرالية لأنهم خالفوا التشريع، فهل تشريع الكهنوت خير من تشريع العلمانية؟ هاتوا برهانكم.. هل لأن ذقون كهان البلاط المسلم مخضبة بالعصفر والحناء أم أنها كثيفة الشعر؟ هناك يساريون وليبراليون لحاهم أكثف؟

الله تنزهت ذاته قال في الحديث القدسي: "حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".. فجاء الكهنوت الفارسي الدخيل على ديننا ليكرس مفاهيم ملعونة المنشأ والتربية والاحتضان.. مفاهيم غريبة عن دين العدل الرباني.. لقد غرسوا مفاهيم.. ها نحن نحصد آثارها اللعينة اليوم وسيستمر هذا الطغيان إذا لم تصحُ الأمة.

تأمل بربك أيها القارئ كيف أن سحق الأمة من قبل الساسة المفسدين يعتبر عملا هينا عند الله.. لكن سجدات يفعلها المفسد وإن كان يؤديها سكرانا فلها شأن.. سبحانك هذا بهتان عظيم؟

هكذا تكرست ثقافة الطغيان باسم الدين.. وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها؟

 

هيبة الأمة:

الله جعل الشرعية السياسية بيد الأمة.. يعني أن مقاصد القرآن ومقاصد الشريعة جعلت للأمة هيبة داخليا وخارجيا.. فجاء الكهنوت الفارسي بشرع مبدل كما يحلو للمفسدين في الأرض، تحصينا للعرابدة الطغاة ضد الأمة، فضاعت هيبة الأمة وذهب ريحها فاستبيحت الأمة ومقدراتها.

ألصقنا باليسار والليبرالية التفسيق والوصم بالزيغ والضلال والعلمنة وهم كذلك ولا ريب، وفي ذات الوقت نادينا أمة الإسلام أن تهرب إلى دينها.. والسؤال: ما العمل إذا وجدت الأمة أن دينها الإسلام يدعوها للانبطاح للظلم باسم الله والعياذ بالله، فإلى أين سيكون هروبها؟ الحل: إعادة عصر تأصيلي جديد.

تجلت الحقيقة أعلاه أن جدنا السياسي هو كسرى الفرس وليس محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كلام الدكتور الجابري رحمه الله.

وعليه، فلنتجه إلى دفن هذا الجد السياسي المزور، ولنبحث عن جدنا السياسي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بإعادة التأصيل للفكر السياسي الإسلامي، انطلاقا من مقاصد الشريعة ومقاصد تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، جلب مصلحة أو دفع مفسدة.

- الدعوة إلى إعادة التأصيل بدأتُ أنا بطرحها بحمد الله منذ عقدين من الزمن تماما، ولكن بصيغة مختلفة.. والحال توالت دعوات إعادة التأصيل المقاصدي لمفكرين كبار كالشنقيطي والريسوني ومحمد الطلابي وغيرهم.. وبالله التوفيق.

كلمات دالّة

#اليمن