الإثنين 29-04-2024 18:40:04 م : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المكاسب والثارات.. لماذا تخشى مليشيا الحوثيين من السلام وتفضل استمرار الحرب؟(تحليل)

الأربعاء 26 إبريل-نيسان 2023 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص
 

 

بعد المساعي الأخيرة لوقف الحرب في اليمن وتسوية الأزمة سياسيا، قابلت مليشيا الحوثيين الإرهابية تلك المساعي من خلال مسارين: الأول، المناورة والتقية السياسية من خلال إظهارها التجاوب مع تلك المساعي والحديث عن استعدادها للسلام. والثاني، التصعيد العسكري في جبهات مأرب وشبوة وتعز، وبنفس الوقت تهدد المليشيا باستئناف هجماتها على الأراضي السعودية في حال فشلت مساعي السلام والتسوية السياسية.

هذا التعاطي الحوثي مع جميع مبادرات السلام منذ بداية الانقلاب وإلى الآن، يعكس عدم رغبة المليشيا في السلام، وأنها متمسكة بخيار الحرب مهما كلفها ذلك، وأما تعاملها مع مبادرات ومساعي السلام فهو مجرد وسيلة للمناورة والمراوغة واستهلاك الوقت لتحقيق مكاسب عدة ومضاعفة أرباحها من تجارة الحرب، كما أن مراوغاتها لإطالة أمد الحرب تمنحها الفرصة الكافية لملشنة المجتمع وتطييفه ونشر ثقافة العنف والإرهاب والقتل وحشد المزيد من المقاتلين في صفوفها والدفع بهم إلى مختلف جبهات القتال.

- الحرب كخيار إستراتيجي

عند الحديث عن إحلال السلام في اليمن لا يمكن إغفال حمولات العنف والقتل والإرهاب كسلوك يعكس النشأة القتالية لمليشيا الحوثيين، وهو سلوك من المستحيل أن تتخلى عنه تلك المليشيا، ويعد خيار الحرب بالنسبة لها خيارا إستراتيجيا لا يمكنها التراجع عنه، لإدراكها بأنه لا مكان لها في المجال العام في البلاد بواسطة الأدوات السياسية، لأن تكوينها مناقض للسياسة تماما، فهي ليست حزبا سياسيا ولا منظمة مجتمع مدني ولا تنتمي بأي شكل من الأشكال إلى التنظيمات السياسية، وإنما هي مجرد مليشيا سلالية عنصرية طائفية إرهابية، وترى أن السلطة حق مقدس بالنسبة لها، وهذا الحق المقدس لا يقبل التفاوض أو المشاركة مع الآخرين، وترى أن القتال لأجل السلطة جهاد يثاب فاعله بالجنة.

أما السلام بالنسبة للمليشيا الحوثية، فهي تراه وسيلة من وسائل الحرب، أي أنها تريد السلام الذي يعزز مكاسبها على الأرض، ويمنحها الوقت الكافي لتهريب الأسلحة وحشد المزيد من المقاتلين وتدريبهم وتفخيخ المجتمع بثقافة العنف والإرهاب، بمعنى أنها تريد السلام المؤقت الذي يضمن إطالة أمد الحرب، ويكون مجرد استراحة محارب، أي السلام الذي ستتبعه جولات عنف وقتل وسفك دماء أسوأ من سابقاتها، وليس السلام الذي يفضي إلى تسوية سياسية دائمة وتحقيق الأمن والاستقرار.

كما تتعامل المليشيا الحوثية مع مساعي السلام بأسلوب الابتزاز، فهي دائمة التهديد باستئناف العمل العسكري ما لم يتحقق السلام الذي تريده وفق رغباتها، ووصل بها الأمر مؤخرا إلى فرض مطالب تعجيزية، حسب تسريبات إعلامية، فهي تريد السلام الذي يرفع عنها الحصار، ويمكنها من السيطرة على معظم موارد البلاد، والاعتراف بها كطرف شرعي في معادلة الصراع وليس كطرف مليشياوي انقلابي، ولا تريد تقديم تنازلات من جانبها في مقابل تنازلات السلطة الشرعية، وكلما حصلت على تنازلات فإن ذلك يغريها برفع مطالب جديدة وتعجيزية، ليس باستطاعتها الحصول عليها بواسطة العمل العسكري.

لكن ما الذي يجعل المليشيا الحوثية تتعامل بتلك المهزلة مع مساعي السلام والتسوية السياسية للأزمة؟ لعل السبب الوحيد لذلك هو اعتقاد تلك المليشيا أن مساعي السلام وتقديم التنازلات يعكس ضعف الطرف الآخر، وأن مساعي السلام ليست سوى الإذعان لشروط الاستسلام التي يجب أن تمليها المليشيا الحوثية، والتي تفسر طول مدة الحرب واستمرار سيطرتها على العاصمة صنعاء ومحافظات عدة بأنه تمكين إلهي لها لا يمكن أن تفرط به، مع أن للأمر أسبابا موضوعية لكنها آنية وغير دائمة وليست من قوانين حركة التاريخ أو من سنن التدافع، ذلك أن المصير الحتمي لتلك المليشيا هو الزوال، وعندما تحين لحظة الزوال بتوفر أسبابها الموضوعية، ستتمنى المليشيا السلام الذي يضمن لها قليلا من المكاسب بدلا من خسارة كل شيء دفعة واحدة، لكن ذلك سيكون مجرد أماني تجاوزتها الأحداث.

- لماذا الخشية من السلام؟

هناك الكثير من الأسباب التي تجعل من السلام أو التسوية السياسية للأزمة بمنزلة نكبة كبيرة للمليشيا الحوثية الإرهابية بل ومقبرة لها إذا كان هناك سلام حقيقي وتسوية دائمة للصراع، ولذا فالمليشيا تخشى من السلام أكثر من خشيتها من الحرب، لأن السلام الشامل والتسوية الدائمة سيترتب عليهما الكثير من الالتزامات والتنازلات وإعادة الحقوق إلى أصحابها وتعويض الضحايا، والأهم من ذلك هو الثارات الشخصية للمتضررين من انتهاكات القيادات الحوثية والتي تشمل نهب الحقوق والممتلكات والاختطافات والتغييب في السجون والتعذيب فيها، وغير ذلك من المظالم، والتي وصلت لدرجة مصادرة حارات بأكملها في العاصمة صنعاء بذريعة ملكيتها لأجداد السلالة العنصرية الدخيلة على اليمن.

ولذلك فإظهار مليشيا الحوثيين ترحيبها بالسلام لا يعكس رغبة فعلية بالسلام وإنهاء الحرب، وإنما يعكس حاجة المليشيا لهدنة مؤقتة تمكنها من استعادة أنفاسها ومحاولة تعويض خسائرها المادية والبشرية بعد كل معركة فاشلة تخوضها.

وفيما يلي أبرز أسباب خشية مليشيا الحوثيين الإرهابية من السلام وحرصها على استمرار الحرب:

• للمليشيا الحوثية أهداف طائفية وسلالية عنصرية، تتمثل في احتكار السلطة والثروة ومصادرة سبل العيش لمصلحتها واحتكار الاقتصاد والاستثمارات وكل ما أمكن نهبه، وهذه الأهداف لا يمكن تحقيقها في ظل تسوية سياسية وشراكة في السلطة والتوزيع العادل للثروة.

• أي تسوية سياسية للصراع ووقف الحرب ستمضي وفقا للدستور والقانون وسيتبعها انتخابات رئاسية وبرلمانية، وسيكون من متطلباتها إنهاء الوضع المليشياوي في البلاد من خلال تسليم المليشيا سلاحها للدولة، وهذه إجراءات من المستحيل أن تقبل بها مليشيا الحوثيين، فهي تستمد وجودها من قوة السلاح، وليست مؤهلة للتحول إلى حزب سياسي، وحتى إذا فعلت ذلك فإنها لن تحصل على الأصوات الكافية من الناخبين التي تمكنها من البقاء طرفا فاعلا في المشهد السياسي، وبما أنها غير مؤهلة للانخراط في العمل السياسي وليست مستعدة لإعادة السلاح الذي نهبته للدولة، فإنه لا يمكنها الانخراط في تسوية سياسية شاملة وحقيقية والتخلي عن العنف والإرهاب.

• تشابك الصراعات في الإقليم وارتهان مليشيا الحوثيين للمشروع الإيراني التخريبي في الإقليم، جعل المليشيا الحوثية مجرد وكيل لإيران في المنطقة، وبالتالي فالحوثيون سيظلون رهن إشارة إيران، وتحديد مدى السلام المؤقت أو الهدنة التي ستكون استراحة محارب، لا سيما أن مشروع إيران لا يتناقض مع المشروع الحوثي، فكلا المشروعين يصبان من مشكاة واحدة، والسلام المؤقت الذي تحرص عليه إيران والمليشيا الحوثية هو السلام الذي يمكنهما من الاستعداد مجددا للصراع إثر عوامل منهكة، فإيران أرهقها وضعها الداخلي وأزمتها مع المجتمع الدولي بسبب برنامجها النووي، ومليشيا الحوثيين استنزفتها معركة مأرب طوال العام 2021، وكلا الطرفين بحاجة لمزيد من الوقت تحت شعارات السلام والتسويات السياسية، للاستعداد لجولات مقبلة من الصراع.

• من متطلبات تحقيق السلام أن ترفع مليشيا الحوثيين يدها عن المجتمع ومساعيها لتطييفه من خلال تغيير المناهج الدراسية والضخ الإعلامي المتواصل عبر وسائل إعلام الدولة التي سطت عليها والسيطرة على جميع المساجد في مناطق سيطرتها وتغيير الخطباء بآخرين من أتباع المليشيا وتحويل المساجد إلى أماكن لنشر الطائفية وثقافة العنف والقتل والكراهية، ويستحيل أن تتراجع المليشيا الحوثية عن مساعيها لتطييف المجتمع ومحاولات تطويعه ليكون رهن إرادتها، أي ملشنته وتحويله إلى قطيع من المقاتلين في صفوف المليشيا.

• سيطرت المليشيا الحوثية على المنشآت الاقتصادية الحكومية والخاصة، وصادرت كل إيرادات الدولة، واحتكرت تجارة المشتقات النفطية والغاز المنزلي، ونهبت الرواتب والمساعدات الأجنبية، كما نهبت ممتلكات المعارضين ومنازلهم ومؤسساتهم، ونهبت ممتلكات آخرين، وعملية النهب والسلب مستمرة وفي تزايد، فضلا عن الإتاوات الجائرة التي أرهقت صغار التجار والمزارعين، والإتاوات التي تفرض على الميسورين من المواطنين مثل المغتربين وغيرهم.

كل ذلك جعل من قيادات مليشيا الحوثيين في حالة من الغنى والثراء الفاحش، فازدادت شراهتهم للنهب، بعد أن كانوا فقراء معدمين بسبب عدم قدرتهم على الانخراط في سوق العمل جراء جهلهم وكونهم بلا مؤهلات ولا خبرات، وتحقيق السلام يعني عودة الممتلكات العامة والخاصة وعودة جميع الحقوق لأصحابها كالشركات والمؤسسات التجارية والأراضي والبيوت وغيرها، وتوقف النهب والسلب واللصوصية باسم المجهود الحربي وزكاة الخمس وغير ذلك، وبالتالي من المستحيل أن يوافق الحوثيون على تسوية سياسية ستعيد الحقوق المنهوبة لأصحابها وتجفف مصادر ثرائهم والعودة إلى حالة الفقر التي كانوا عليها، ولذلك فالخيار لاستمرار مصادر الثراء هو دوام الحرب حتى النهاية: إما هزيمة كاملة أو نصر شامل.

• والأهم من كل ما سبق أن مليشيا الحوثيين صار لها ثارات مع كل فئات المجتمع، والمتضررون منها ينتظرون عودة الدولة لإنصافهم، ما لم سيضطرون لاستعادة حقوقهم بأيديهم، ولذلك فالمليشيا تخشى من الثأر والانتقام عندما تعود الدولة وتتوقف الحرب، خصوصا أنها عادت الجميع، وخاصمت الجميع، ولها ثارات مع الجميع، والانتهاكات شملت الجميع، فهناك أشخاص قتلتهم المليشيا أمام أهاليهم، والبعض اختطفت أطفالهم ليكونوا وقودا لمعاركها وعادت بهم لأهاليهم جثثا هامدة أو قطعا متناثرة.

كما اختطفت عددا كبيرا من الرجال والنساء والأطفال ولفقت لهم التهم وعذبتهم في السجون والبعض أصدرت بحقهم أحكاما جائرة تصل إلى الإعدام، وضايقت كثيرين في مصادر رزقهم، وارتكبت انتهاكات وجرائم يندي لها الجبين، ولم تسلم من شرها أي مدينة أو قرية سيطرت عليها، والمجتمع بأكمله يشكو ويئن من فظاعة جرائمها واستمرار انتهاكاتها، وبالتالي يستحيل أن تقبل المليشيا الحوثية بتسوية سياسية وعملية سلام شاملة ستتفجر على إثرها الثارات والمظالم عندما ترخي قبضتها الحديدية، والخيار الأمثل بالنسبة لها الاستمرار في الحرب أفضل من السلام الذي سيتحول إلى وبال عليها، وعلى إثره ستحصد ما زرعته طوال السنوات الماضية.

وهكذا يتضح من خلال الشواهد السابقة أن مليشيا الحوثيين فرضت الحرب على اليمنيين، وأنها لا يمكن أن تقبل بتسوية سياسية حقيقية ووقف دائم لإطلاق النار، ولذلك نقضت كل الاتفاقيات التي وقعتها وأهدرت كل فرص السلام، ولا تتعاطى مع مساعي السلام والوقف المؤقت للقتال إلا باعتبار ذلك استراحة محارب والاستعداد مجددا لجولات أعنف من القتال، وفي المحصلة ستظل مليشيا الحوثيين ماضية في خيار الحرب حتى الهزيمة أو النصر، ولن تناور وتراوغ بشأن السلام إلا عندما تشعر بالضعف أو دنو هزيمتها، وستظل تفرض خيار الحرب حتى النهاية.

كلمات دالّة

#اليمن