الإثنين 29-04-2024 08:20:48 ص : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تجريف الأرض والإنسان.. المليشيا الحوثية تسطو على أراضي اليمنيين بحجة الأوقاف(بحث تاريخي)

الأحد 16 إبريل-نيسان 2023 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت-خاص- توفيق السامعي

 

قبل أيام عديدة ظهر أحد ما يسمى أحد علماء المليشيا الحوثية، واسمه عبدالفتاح الكبسي، من الجامع الكبير بصنعاء، في تسجيل مصور يقول إن أراضي منطقة عصر أرض وقف لأحد الأئمة السابقين في القرن السادس الهجري، مما يشرعن للمليشيا الحوثية الإرهابية السطو على أراضي المواطنين هناك ومصادرتها.
وقال الكبسي في بداية ذلك التسجيل إن مُوقف أرض عصر هو الأمير الحسن بن حمزة بن داود في القرن السادس للهجرة، موقفها لصالح أخيه المتوفى الإمام المنصور علي بن حمزة.
قمنا برصد الأسماء التي ذكرها الكبسي في التسجيل وتتبعناها تاريخياً سواء في تاريخ زبارة المذكور في التسجيل على أن ذلك الوقف مدون فيه، أو في كتبهم التاريخية الأخرى، فلم نجد ما ذكر، وخرجنا بالحصيلة التالية:

- لم أجد لهذا المذكور الحسن بن حمزة بن داوود أي ذكر في تاريخ زبارة، ولم نجد له اسماً في البدر الطالع ولا أي مصدر من المصادر التاريخية، فضلاً عن ذكر الوقفية المذكورة. فالإماميون ضليعون في تزوير الأحداث والوثائق والأنساب وغيرها ليحتكروا الأوقاف وينهبوا الأموال والأملاك.
- أسماء الإماميين من أئمة وأمراء وقادة جند أو مقربين منهم لهم ذكر في كل مصادرهم التاريخية فكيف لم نجد ذكراً لهذا الأمير رغم أنهم قالوا إنه أمير لأخيه الإمام المنصور على منطقة الجوف؟!
- كيف يكون الأمير الحسن بن حمزة بن داوود أميراً على الجوف ويوقف في صنعاء رغم أنهم لم يدخلوها مطلقاً إلا في عهد الإمام شرف الدين المتحالف مع المماليك؟!
- اختلاف أسماء المُوقِفين في الوثيقة؛ الأول يذكر الحسن بن داود بن حمزة، ثم في آخر المقطع يتحدث عن الواقف باسم آخر وهو الأمير عبدالله بن علي بن داوود بن عبدالله بن الحسين بن يحيى بن الحسن!
- يقول إنه عامل لأخيه المنصور بالله علي بن حمزة، ولم يعرف بهذا اللقب والاسم الا عبدالله بن حمزة السفاح المعروف، والواقف يرد اسمه مرة الحسن بن حمزة بن داوود، ومرة عبدالله بن علي بن داوود بن عبدالله بن الحسين...هنا يتبين اللعب بهذا الأمر ويستطيع الجاهل دحضه، فضلاً عن محامٍ متمكن. وأما علي بن حمزة فقد كان جد عبدالله بن حمزة وهو ليس المذكور هنا في (الوقفية) التي قال عنها الكبسي. فهو عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن الإمام النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، واسم المذكور أنه الموقف، كما قال الكبسي في الوثيقة المدعاة هو: عبدالله بن علي بن داوود بن عبدالله بن الحسين، ولا نجد تقارباً أو تشابهاً بين الأسماء.

- لنفترض جدلاً أن الموقف أخ عبدالله بن حمزة، فقد ولد عبدالله بن حمزة سنة 561ه، وتوفي سنة 614ه، وكانت دعوته سنة 593ه (قرة العيون: صـ341)..والوصية تقول إن علي بن حمزة توفي سنة 600ه، والمنصور توفي 614ه، بينما تاريخ تدوين الوثيقة بحسب الكبسي كان سنة 766ه، وهو أمر في غاية الغرابة والتلفيق!
- أي إن الوقفية دونت في القرن الثامن الهجري، بينما الاسم الآخر المذكور أنه الموقف أخو علي بن حمزة معاصراً للمنصور يعني في القرن السادس الهجري..وهنا يبدو اضطراب كلي دليل على التلفيق والتزوير.
- إذا كان الواقف أميراً للجوف، كما زعم الكبسي في تسجيله، فينبغي أن يكون معروفاً مشهوراً لا نكرة لم نجد له مصدراً ولا تدوينا، وهذا يدل على التلفيق القائم من قبل الحوثة لاستباحة أراضي الناس.
- راجعت كثيراً من التراجم سواء في كتب الأئمة أو عند غيرهم وخاصة تاريخ زبارة المسمى "الأئمة الهادويون في اليمن" الذي ذكره الكبسي ولم أجد ما ذكره الكبسي من أمر الوقفية، كما لم أجد اسم هذا الواقف ولا اسم الإمام علي بن حمزة..

- لنفترض أن الفقيه بن يعيش النحوي قد كان أصدر حكمه بهذه الوقفية في سنة 766ه، لكن لم نجد الأسماء المذكورة رغم أن الكبسي أورد لها تواريخ معينة تتبعناها فلم نجد لها أثراً.
- كما إننا نفترض جدلاً أن الموقف المذكور أخو عبدالله بن حمزة وعاصره، وهو كان عاملاً له على الجوف، وفي الجوف بدأت دعوة عبدالله بن حمزة أساساً، فهذا يعني أن أخاه لم يعرف صنعاء ولم يأت إليها فكيف يوقف أرضاً ليست له؟!
- من المعلوم أن عبدالله بن حمزة لم يدخل صنعاء إلا سنة وكان الإمام عبدالله بن حمزة أول من أدخل صيغة "حي على خير العمل" في الأذان إلى صنعاء وذلك سنة 599هـ حين دخلها إبان اضطراب الدولة الأيوبية في اليمن وتعاونه مع أمير صنعاء من المماليك للدولة الأيوبية الذي خانهم واسمه ورد سار؛ إذ أنه لما دخل صنعاء "أقيمت الجُمَع وأُذِّن بحي على خير العمل مع كراهة الجند لذلك"( )( السيرة المنصورية: لابن دعثم – صـ86.). وكان أول من أذن في صنعاء ب"حي على خير العمل" مع عبدالله بن حمزة هو الشريف غانم بن علي العباسي. قال الشريف غانم: "ولقد رأيت قاضيهم [يعني قاضي الأيوبيين على صنعاء] حين رفعت صوتي بحي على خير العمل يجعل إصبعيه في أذنيه ويستغفر الله"( )( غاية الأماني في تاريخ القطر اليماني: يحيى بن الحسين بن القاسم صـ360).
لكن ابن حمزة لم يمكث كثيراً فيها لا تصل إلى أشهر معدودة؛ إذ عمل وزير الدولة سيف الدين سنقر (وزير ووصي الناصر بن طغتكين بن أيوب) على المصالحة مع ورد سار وجمع المماليك حوله مجدداً واستعاد صنعاء من يد عبدالله بن حمزة. فهذه المدة لم تمكنه من بسط سيطرته ووضع يده على الأراضي وغيرها، ولم يرد في أي من المصادر التاريخية، بما في ذلك سيرة الإمام المنصور لكاتبها بن دعثم أنه تملك أراضي صنعاء وحازها لنفسه كما فعل الأئمة اللاحقون بعد القرن العاشر الهجري.

- لم يستقر للإمامة بعدها قرار في صنعاء أو حواليها إلا بعد أن صارت الدولة خالصة للإمامة منذ عهد شرف الدين بعد إسقاط الدولة الطاهرية عام 923 هج بالتعاون مع دولة المماليك في مصر، إلا ما كان من أمر الملك المظفر أو أبيه الملك المنصور حينما كانا يقطعان بعض الولايات القريبة من صنعاء كثلاء وشبام وكوكبان أو الحيمة أو بني مطر كبيت حمبص أو بيت بوس أو خولان – كولايات- وليس كأراضٍ مملوكة للأئمة أحمد بن الحسين، أو المطهر بن يحيى، أو تاج الدين الشريف بالقرب من صنعاء ليصالحوهم حتى لا يخرجوا على الدولة، لكنهم كانوا يغدرون ويخرجون على الدولة، فيقوم الملوك بملاحقتهم وتأديبهم.
- قد يدخل بعض الأئمة صنعاء، كما فعل الرسي في بداية عهده، أو السفاح عبدالله بن حمزة، أو المهدي محمد بن المطهر بن يحيى، لكن دخولهم يكون مؤقتاً لا يستمر أشهراً معدودة، ما يلبثون أن يُخرجون منها، وتعود صنعاء للدول الحاكمة (يعفرية، أيوبية، ورسولية).
ومن تلك الوقائع مثلاً أن تم قتل الإمام أحمد بن الحسين قتله الحمزات بالتعاون مع الملك المظفر سنة 656هـ بأمر الخليفة العباسي المستعصم الذي وعد الملك المظفر بولاية مصر وأفريقيا إن هو أعطاه رأس أحمد بن الحسين، ومن عجائب الأقدار أن الخليفة العباسي قتل في نفس المدة، وبعض المؤرخين قال في نفس اليوم، وذلك أثناء غزو التتار عاصمة الدولة العباسية بغداد.

جاء بعد أحمد بن الحسين، الإمام تاج الدين الشريف، وفي نفس زمن وعهد الملك المظفر، وكانت أقرب نقطة وصل إليها الإماميون، تاج الدين الشريف، ومطهر بن يحيى، وأحمد بن الحسين هي بيت حنبص وقريباً من بيت بوس، وكان الملك المظفر يحاول الصلح معهم ويقطعهم الإقطاعات المختلفة إلا أنهم كانوا يغدروا بالاتفاقات، حتى قرر الإمام تاج الدين الشريف الخروج عليه وجيش الجيوش ضد الدولة الرسولية، ودارت معركة بين الطرفين في بيت حنبص سنة 672ه هزم فيها الإمام تاج الدين الشريف، وانتصر جيش المظفر الرسولي، ووجدوا جراراً من الخمر في بيت حنبص كانت للإمام، فقال الشاعر الرسولي غازي بن المعمار: ولما فتحنا بيت حنبص عنوة وجدنا بها الأدواح ملأى من الخمر
فإن تكن الأشراف تشرب خفيةً وتظهر للناس التنسكَ في الجهر
وتأخذ من خلع العذارى نصيبها فإني أمير المؤمنين ولا أدري
(العقود اللؤلؤية: ج1/186مطبعة الهلال بالفجالة مصر سنة 1329ه-1911م )

وأما الإمام المتوكل المطهر بن يحيى (الذي تكنيه الإمامية بالمظلل بالغمام) في عهد المظفر من الدولة الرسولية لم يستطع الدخول إلى صنعاء رغم تحالفه -في بعض الأوقات مع والي صنعاء للدولة الرسولية- أسد الدين الرسولي ضد عمه الملك المؤسس عمر بن علي رسول، وكان يتردد فقط على خولان وضواحي صنعاء كبيت حنبص وقريباً من بيت بوس، وكذلك براش في نقم، أثناء ضعف وصراع البيت الرسولي، وأدنى مكان وصل إليه من صنعاء حصن براش في جبل نقم متسللاً على خفية خوفاً من الملك المظفر الذي كان يطلبه في كل مكان، ومع ذلك تم طرده وملاحقته حتى جبال اللوز في خولان حتى هزمه الملك المؤيد بن الملك المظفر الرسولي شر هزيمة وهرب هائماً على وجهه، متخفياً في الجبال، وحتى لا تبقى تلك الهزيمة والهرب معرة للإمامية اختلقوا له قصة أن الغمام جاءته فظللته وحجبته عن الملك المؤيد حتى نجا بنفسه، مع أن أمر الغمام شيء طبيعي لكل الناس خاصة في المناطق الجبلية التي تحجب الرؤيا على بعد مترين فقط، لكن الإماميين أرادوا أن يفعلوا هالة خرافية حول إمامهم فكان هذا التلفيق والتزوير.
ويذكر الخزرجي أن "المطهر فر هارباً من المؤيد في جبال اللوز، وحصلت له مشقة عظيمة، وحصلت بذلك مساجلات شعرية بينه وبين الملك داوود المؤيد"( )( العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية: ج1/ صـ267).
فقد بعث الإمام المطهر بن يحيى قصيدة للملك المظفر يطالبه فيها بالتخلي عن ملك اليمن، على اعتبار أن أي حاكم في اليمن من غير الإمامية يعتبر مغتصباً للحكم ولا يجوز لغيرهم تولي هذا الحكم، فهو حق إلهي لهم، فقال وهو في جبل اللوز بخولان:
تَنَحَّ عن الدَّست الذي أنت صدرُه وعُد عن المُلك الذي حُزته غَصْبا
رويداً إن الله قد شاء حربكمُ وصيَّرني الرحمنُ في مُلكِه حربا
سأجلبها شًعثا إليك شوازِبا مًضْمَرَّةً جُرداً مُطْهَمَّةً قِبّا
عليها لُيوثٌ من لؤي بن غالبٍ بهاليلُ بسامون قد مارسوا الحربا
فما في جبال اللوز عار لسيد غدت واكفات السحب من دونه دربا
...
فرد عليه الملك المؤيد بن السلطان المظفر، وكان شاعراً مفوهاً، بالقول:
رُويدَك لا تعجل فما أنت بعلُها سيأتيك فتاكٌ يعلمك الضربا
فإن تك ذا عزم فلا تك هارباً كعادةِ من قد صِرتَ من بعده عَقْبا
وسائل جبال اللوز عنا وعنكم فأفضلكم ولى وخلفكم نَهْبا
فعاملتُكم بالصفحِ إذ هو شِيمتي وما أنتم تعفونَ عن واقعٍ ذَنْبا
(العقود اللؤلؤية: ج1/267)

سردنا بعضاً من الشواهد التاريخية للإماميين حتى يتسنى للمتابع وللقارئ الكريم أن يدرك أن ما يقوم به الإماميون عبر التاريخ هو التزوير والتلفيق في كل الأحداث والوقائع ونهب الأراضي، ولنثبت أنهم لم يدخلوا صنعاء ولم يستقروا بها قبل القرن العاشر الهجري، والذي بدأت معه اليمن بالمعاناة والتدمير الممنهج لكل شيء، وبشكل لم يسبق له مثيل.

 

نهب حوثي منظم والأخطر تاريخياً

أما المليشيا الحوثية الإرهابية، فمنذ لحظاتها الأولى للانقلاب الحوثي على الدولة في 21 سبتمبر 2014 وضعت المليشيا الحوثية أراضي صنعاء وعقاراتها نصب أعينها، نظراً لما تشكله تلك العقارات من قيمة مادية ومعنوية كبيرة، وتعد الأغلى في اليمن.
لم تجد المليشيا الحوثية من حجج لنهب تلك الأراضي، والتي كانت تتهم النظام السابق بنهب ومصادرات الأراضي وتوزيعها عل المواطنين، واستغلت تلك المظلمة وشنعت في كل وسائل الإعلام والميادين والمقايل وغيرها بتلك الإجراءات لتثوير المواطنين واستقطابهم لاستغلالهم في الانقلاب على الدولة، ولما تمكنت من الأمر مارست المليشيا الحوثية الإرهابية أبشع أنواع النهب والسطو دون رقيب أو حسيب أو تشنيع واحتجاج شعبي أو منظماتي بسبب الإرهاب والعنف الذي تمارسه ضد كل من يرفع صوته بالاحتجاج، كان آخرها قتل الشهيد حمدي المكحل في مبنى إدارة الأمن في محافظة إب، لم يسلم من ذلك السطو بقوة السلاح حتى مقابر الأموات في محافظة إب.

لقد بلغ من هذا السطو والنهب لأراضي المواطنين والدولة من قبل المليشيا الحوثية الإرهابية حد أن تقارير لجنة خبراء الأمم المتحدة أوردت تلك العمليات من مصادرة الحوثيين لأراضي المواطنين في تقاريرها المختلفة. حيث ذكر التقرير قيام المليشيا الحوثية بمصادرة مساحة تقدر بقرابة 13 مليون متر مربع من أراضي السكان في مديرية بيت الفقيه لوحدها من محافظة الحديدة، ناهيك عن أراضي المواطنين في عمران وهمدان والرحبة وبني مطر وجدر وبيت حنبص وشملان والخمسين وبني حشيش وسعوان، وليس آخرها أراضي عَصِر.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن بعض قيادات المليشيا الحوثية تدعي أن أراضي الحديدة كلها وقف، وكذا معظم محافظة إب التي صارت أعين الحوثيين عليها بحجة أنها ملك للأئمة السابقين.

ما إن استقر مقام المليشيا الحوثية في العاصمة صنعاء والمناطق التي تسيطر عليها حتى أنشأت أجهزة ومؤسسات ومناصب للقيام بذلك النهب المنظم لكي يبدو ظاهره قانونياً، أما باطنه فيذهب لصالح قيادات ومشرفي تلك المليشيا.
كانت أولى المؤسسات إنشاءً ما تسمى بـ"اللجنة العسكرية"، التي وضعت يديها على كل المناطق الحيوية والاستراتيجية في العاصمة صنعاء وحواليها وغيرها من الأماكن بحجة أنها مناطق حرب، وهجرت أهاليها منها وصادرتها وتحولت ملكاً خاصاً لصالح قيادات المليشيا ومتنفذيها.
كان أكبر مؤسستين أنشئتا لمثل هذا النهب المنظم هو ما يسمى بالحارس القضائي، والهيئة العامة للأوقاف؛ فمؤسسة "الحارس القضائي" الذي يرأسها صالح مسفر الشاعر لم تترك حتى بيوت وأراضي المواطنين المشردين من مسؤولي الدولة السابقين أو ممن هربوا من سطوتها وإرهابها إلا وقامت بنهبها ووضع اليد عليها وتملكها، وعمل على اقتحام وحصر ونهب منازل وممتلكات وأموال القيادات السياسية المناهضة للمليشيا الحوثية، ونهب من خلاله مليارات الدولارات تخص أكثر من 100 شركة في القطاع الخاص فقط، وعقارات تعود لأكثر من 1250 مواطناً مناوئاً للمليشيا الحوثية.

أما هيئة الأوقاف فقد قامت بوضع يدها على الأراضي حول حزام صنعاء وداخل الأمانة من أراض وعقارات ومساكن وغيرها، وكذلك تمضي في محافظات عمران وذمار وإب، وبدأت بإظهار ما تقول عنها وثائق وقفية تاريخية للإمامة السابقة ولو حتى من حوالي سبعمائة عام، كما قال عبدالفتاح الكبسي أحد رواد الجامع الكبير، وظهر في تلك الوثائق بمغالطات وتزوير تاريخ كبير سنفنده بالأدلة القاطعة لإثبات ذلك التخبط والتزوير.
لم تكتف المليشيا الحوثية بتلك المؤسسات، فأجنحتها المتصارعة في تسابق محموم لنهب هذه الأراضي والعقارات، وكل جناح أو نافذ أو مقرب من زعيم المليشيا الحوثية يوكل عنه شخصاً آخر يقوم بالنهب مستخدماً لذلك النهب طرق ووسائل مختلفة، منها شراء أشخاص لتزوير وثائق للأراضي ووضع اليد عليها، ومنها استخدام القوة من قبل أجنحة مسلحة.
ويأتي على رأس تلك الأجنحة والزعامات المليشوية محمد علي الحوثي وعلي الحاكم، وعبدالخالق الحوثي، وعبدالمجيد الحوثي، وعبدالكريم الحوثي، ويحيى الحوثي.

 

الحوثيون يزورون الوثائق

قام المدعو "عبد الملك المتوكل" المقرب من القياديين في جماعة الحوثي "عبد المجيد الحوثي" و"محمد علي الحوثي" بتزوير وثائق وأصول بغرض السطو على منطقة "رهق ام سن" الواقعة في حي الأربعين والتي تقدر مساحتها بأربعمائة لبنة.
ويأتي إلى جانب " المتوكل" القيادي الحوثي "خالد العندولي" على رأس قائمة سماسرة الأراضي والذي قام بأوامر من "عبد الخالق الحوثي" بالسطو على 70% من أراضي شارع الخمسين بالعاصمة صنعاء والمملوكة لضباط وجنود الفرقة الاولى مدرع سابقاً". ويحتل القيادي الحوثي الشيخ "يحيى الحوثي" من أبناء مديرية " الحيمة الداخلية" مرتبة متقدمة في قائمة ناهبي الأراضي والممتلكات، ويستعين بأطقم من مديرية امن منطقة آزال في عمليات السطو، وآخر محاولات للسطو كانت على ارض بمساحة 15 لبنة في حي "ظهر حمير" بمديرية آزال بأمانة العاصمة، أسفرت عن اشتباكات وإطلاق نار تسببت في الحاق الضرر بالمنازل المجاورة وترويع السكان.

 

نموذج من التزوير الإمامي لكتابة التاريخ وأحداثه

قال زبارة في تاريخه واصفاً الإمام محمد بن المطهر بن يحيى: "هو الإمام الأوحد، الأعظم المجدد للدين في المائة السابعة بالبلاد اليمنية بسيفه وعلمه الجم المهدي لدين الله محمد بن الإمام المطهر بن يحيى (عليهم السلام)، مولده في سنة 660ه، ودعوته في سنة 701ه، ووفاته في ثاني وعشرين ذي الحجة سنة 729ه، وعمره سبعون سنة، ودفنه الآخر في عوسجة جامع صنعاء اليمن. وكان (عليه السلام) قد أحرز الفضائل بتمامها، وسما إلى أعلا أعلامها، وبلغ في العلم إلى درجة الاجتهاد، وحاز السبق في مضمار الإصدار والإيراد، وله المؤلفات العديدة المفيد منها "المنهاج الجلي شرح مجموع الإمام زيد بن علي"، واستفتح صنعاء وبندر عدن، وغير ذلك" تاريخ زبارة: صـ99..
قلت رداً عليه:
- كيف مجدد الدين في المائة السابعة مجتهداً حاز السبق ولا يوجد معه غير كتاب واحد عبارة عن شرح لكتاب سابق؟!
- ثم إنه لم يستول على صنعاء ولم يدخلها، فضلاً عن دخوله عدن التي كانت على الإمامة أبعد من عين الشمس حتى غزو المطهر بن شرف الدين بعد إسقاط الدولة الطاهرية.
- صنعاء كانت في ذلك الحين ضمن ملك الدولة الرسولية وملكها الملك المؤيد بن المظفر في عز قوة الدولة الرسولية، ومن بعده ابنه الملك المجاهد في ذلك التاريخ، وقد راجعنا الكتب التاريخية ولم يدخلها أبداً، فقد كان مثل أبيه مطارداً وملاحقاً من قرية إلى قرية ومن جبل إلى جبل في ريف صنعاء إلى صعدة.
- لم يدفن أي من الأئمة المتقدمين على القرن العاشر الهجري في صنعاء لأنهم لم يدخلوها ولم يتمكنوا منها أحياءً فكيف يدخلونها أمواتاً؟!
هكذا ذهب الأئمة يزورون التاريخ اليمني وأحداثه، ويزورون الوقف ووثائق الأراضي ليغتصبوها عن أهلها، وليحرفوا مجرى التاريخ، ويبنوا لهم مجداً مزوراً، ويشوهون غيرهم المناوئين لهم.

 

نهب الأوقاف بشكل عام

في أيام المتوكل إسماعيل وبسبب نهب الأوقاف الموقوفة على المدارس ضعف الصرف عليها، "فأغلق كثير منها وخاصة في صنعاء وصعدة وغيرها لعدم الإقامة من الوقوفات عليها" ( بهجة الزمن: صـ231)
فقد ذكر الزبيري في كتابه "الإمامة وخطرها على وحدة اليمن صـ35"( )، بالقول: "تكاد تنحصر الأعباء الإمامية في استصفاء ثروة الشعب باسم الزكاة، وقمع الانتفاضات الشعبية باسم الجهاد وقتال البغاة ثم بناء مسجد باسم الإمام تضاف إلى جواره غالباً قبة الضريح لهذا الإمام تمد نفوذه الروح حتى وهو في القبر، ثم يخلف تركة ضخمة من الأرض لأولاده وأحفاده بعد أن يبتزها من الشعب".
وانتشرت الأوقاف في كل اليمن. وقد كانت الدولة الرسولية من أكثر الدول اليمنية عملاً بالأوقاف وإجلالاً لها؛ فقد كان ملوك بني رسول يوقفون ودياناً كاملة ليعود ريعها لكفالة المدارس الإسلامية التي أنشأوها لتعليم أيتام المسلمين اليمنيين.

كما كان الملوك الرسوليون يوقفون نفائس أموالهم من أراضي وغيرها لتكون وقفاً لمدارسهم ضماناً لاستمرار التدريس فيها إلى أبد الدهر، وجاء الأئمة وصادروا أوقاف تلك المدارس، فقد ذكر المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع أن المطهر بن شرف الدين صادر كل أوقاف المدارس العامرية والمنصورية والمجاهدية والمدارس الأخرى في جبن من رداع. وجاء بعد الرسوليين الطاهريون ومضوا على نفس المنهج لبني رسول وأوقفوا الأوقاف المتعددة لمدارسهم ومساجدهم( )(المدارس الإسلامية في اليمن لاسماعيل الأكوع، قرة العيون وبغية المستفيد: لابن الديبع).
كما عرف عن صنعاء أن جلها أراضٍ وقفية لمصالح عامة وخاصة أوقاف المساجد وأوقاف البيت الحرام، حتى وصل الحد إلى عمل وقف خاص لرعاية حمام المسجد الحرام، ووقف لإسراجه، ووو...إلخ.

في الفترة المتأخرة من حكم الأئمة لليمن والذين ورثوا الدولة الطاهرية والأتراك، صادروا كل أو معظم هذه الأوقاف استحلالاً لها لأنها أموال (النواصب)، ومن لا يصادرها الأئمة صادرتها وتصرفت بها الشخصيات النافذة في اليمن بعد طبقة الأئمة وهم كبار رجال دولتهم من قضاة وقادة جيوش وأقارب وغيرهم.
ومن ذلك مثلاً ما ذكره المؤرخ يحيى بن الحسين، يقول عن علي بن المتوكل: "إنه يحتاج إلى التنبيه في أمور في بلاده العليا، منها: خراب كثير من أوقاف مساجدها وإهمالها وتصرف غير مستقيم فيها وجمع بعض محصولها لغير مصرفها وتضييق سكك صنعاء بإدخال مفاسحها للوقف وهو لا يجوز وليس للوقف استحقاقها بالإجماع، كما ذكره السبكي في كتابه "معيد النعم ومبيد النقم" وافتقاد مكاييل صنعاء، فإنه صار صانعها يزيد فيها في كل وقت مما يمحق أسعارها ويغيرها ويؤدي إلى الحرام المجمع لمن اقترض بالمكيال الأول وقضاه بالثاني بعد الزيادة فيه مما هو ربا حرام فيها، وأنه يفتقد تقارير الناس وإمرارهم على عوائدهم وتنزيل الناس منازلهم ورفع المظالم"( )( بهجة الزمن:ج2- صـ383).
"ويرحم الله القاضي علي بن صالح أبي الرجال رأى المساجد في صنعاء قد أهملت إهمالاً شديداً حتى كادت تتداعى وحرمت من الفرش والإنارة والمياه وتهدمت وخربت مرافق المياه فيها مع كثرة أوقافها، ولكن الأوقاف عدا عليها السادة من بيت القاسم يأكلون خيرها ولا يجدون راعياً ولا داعياً يقول لهم:
قد قسوتم على الناس فرفقاً بالمساجد وسرقتم الأحياء فعفوا عن الأموات( )
(ابن الأمير وعصره: صـ205)
"رأى أبو الرجال هذا فأطلقها صرخة مدوية في قصة رمزية رائعة لا تصور حال المساجد في صنعاء وخارج صنعاء وما يفعله آكلو أوقافها بها فحسب ولكن القصة تناولت:
أ‌- نظار الأوقاف وكيف كانوا يعتدون على أوقاف المساجد.
ب‌- تهدم أكثر المساجد وعدم العناية بفرشها وإنارتها ومياهها.
ج- تحول كثير من المساجد إلى بساتين ومرافق للشعب.
د- كيف يشارك أرباب السلطان في سرقات اللصوص.
ه- أسلوب الأئمة في حل مشاكل الشعب وتعاليهم والرهبة التي أدخلوها في نفوس العامة.
و- سرقة أحجار المساجد وأبوابها ونوافذها لعمارة قصور الأئمة والسادة( )(ابن الأمير وعصره: صـ205).
وكذلك نجد أن زيد بن علي بن يحيى بن المؤيد حينما تغلب على حجة "استقر بظفير حجة أمر ونهى وأدب وتصرف في مخازين الوقف لمن شاء"( )( بهجة الزمن: ج2-صـ334).
لقد عرف عن المهدي عباس نهبه للأوقاف وتملكها له وخاصة أوقاف صنعاء وعلى رأسها غيلاها؛ غيل البرمكي، والغيل الأسود.
فقد عرف عنه "شراء الأموال من الأوقاف وإخراجها عن الوقفية إلى الملكية الخاصة له، ليس ذلك فحسب بل والمناقلة أو المعاوضة بين بعض ماله ومال الوقف في أراضي ضواحي صنعاء القريبة كشعوب شمالاً، والصافية جنوباً، وبئر العزب غرباً، وفي مناطق أخرى. و"مال الوقف كما هو معروف لا يحل بيعه أو المناقلة به" كما جاء في الكتاب الذي بعث به إلى المهدي العلامة ابن الأمير بتاريخ ذي الحجة سنة 1180هـ/1767م ناصحاً ومنبهاً ومحذراً"( )( مائة عام من تاريخ اليمن الحديث: للدكتور حسين العمري –صـ32،33 – ط1 – 1405-1984).

لم يكتف المهدي عباس بمصادرة الأوقاف والتلاعب بها وتملكها، بل إنه كان يستصفي أموال الناس ويصادرها له لمجرد انتقاده أو نصحه بعدم الاقتراب من الأوقاف وغيرها.
"ولم يكن يغفر [للمعارضين] لقضية التوسع في شراء الأراضي الزراعية وإخراج أراضي الأوقاف إلى ملكيته أو مناقلتها والاستبدال بها أراضي أقل فائدة منها أو أبعد. وكانت مصادرة الأملاك مع السجن تتكرر أسلوباً تأديبياً للمعارضين أو الناصحين للإمام في هذا الأمر أو في مختلف سياساته، وقد حدث هذا مع كبراء دولته ووزرائه كالعلامة الوزير القاضي يحيى بن صالح السحولي وغيره"( )( مائة عام من تاريخ اليمن الحديث: للدكتور حسين العمري –صـ33 – ط1 – 1405-1984).
في عام 2008م رفعت أسرة المتوكل قضية إلى المحكمة ضد قيادة الفرقة الأولى مدرع بحجة أن أراضي الفرقة هي أراضي تتبع الإمام المتوكل وبنيه من بعده، وأنها مراهق ومساقي لأراضيهم القريبة من مستشفى الكويت، حولت الفرقة القضية لدائرة الأشغال العسكرية بوزارة الدفاع، فكانت المعنية بالتقاضي مع أسرة المتوكل، ومع أن القضاء مصادر باسم الهاشميين المتولين عليه، فقد حكمت المحكمة على دائرة الأشغال العسكرية بالتعويض، وبالفعل سلمت دائرة الأشغال العسكرية تعويضاً لهذه الأرض ودفعت مبلغاً قدره 8 مليارات ريال لآل المتوكل!
لو أنه كانت هناك حكومة مهنية ودائرة تحترم نفسها وتبحث في أصل المسألة لما كلفها ذلك شيئاً.
فلو أنها استعانت بمؤرخين إلى جانب هيئة محاماة حصيفة لما حصل كل ذلك التعويض التي لم تقتصر كارثته فقط على الأموال، بل إن كارثته الحقيقية هي الاعتراف بالتسلط الإمامي، والاعتراف والإقرار بنهب أموال الناس، وهي في الأساس أراضٍ منهوبة إما من وقف وإما من أموال مواطنين مساكين. وهذا يعني أنهم فتحوا للإماميين الجدد ثغرة ينفذون منها للمطالبة بكل اليمن كأموال وعقار مملوك للأئمة الناهبين.

بعد تلك القضية، قامت أسرة حميد الدين بمشارعة الحكومة على أراضي ومبنى مركز الأمومة والطفولة في حي قاع العلفي بادعاء أن تلك الأرض والمباني لبيت حميد الدين، وفعلاً حكمت المحكمة لصالح الإماميين، وهكذا اليوم يجري استغلال مثل تلك القضايا، والاعتراف للناهبين بالأراضي وتعويضهم.
تمضي المليشيا الحوثية اليوم على قدم وساق في مصادرة هذه الأراضي وتتبع مصادرها والادعاء بأنها ملك للأسر الإمامية من بيت حميد الدين إلى بيت المتوكل إلى بيت شرف الدين إلى بني حمزة، إلى بيت المنصور، وبيت المهدي، وبيت الهادي...إلخ، وبالتالي تنهب كافة المواطنين تحت هذا البند واللافتة، لم يكتفوا فقط في صنعاء بل تعدى الأمر إلى إب وتعز وذمار وغيرها، فقد مات حسن زيد وهو يطالب بأراضي أجداده في إب، كما تقول بعض المعلومات الشخصية، ولذلك أوقفوا عمليات البيع والشراء في الأراضي حتى يتم تأصيلها.

ومع أن الأمر في ظاهره إيجابي (تأصيل الأراضي)، لكن في باطنه العودة إلى الوراء بحثاً عن أراضي النهب الإمامي في كل مكان، وحيازتها من قبل الحوثية اليوم، وهو ما نتج عن ذلك النبش بالفعل.
ولو عدنا إلى جذور البيوت الثرية اليوم في صنعاء وما حولها وما كونته من امبراطوريات مالية وعقارية ضخمة وصلتها بدول الإمامة المتعددة ونفوذها في تلك الدول لعرفنا الأسباب الحقيقية لذلك الثراء.

 

أهداف المليشيا الحوثية من مصادرة الأراضي

تتعمد المليشيا الحوثية الإرهابية نهب الأراضي، وخاصة حول صنعاء، باسم الأوقاف، أو ميراث الإمامة السابقة لعدة أهداف واضحة، منها:
- التغيير الديموغرافي الذي تسابق به الحوثية الزمن، وتعمل عملية إحلال شاملة لعناصرها والموالين لها القادمين من صعدة ودعمهم بشتى الوسائل.
- عمل حزام أمني سلالي متكامل حول صنعاء، كطوق أشبه بالمناطق العسكرية التي تحمي العاصمة من الخارج حتى لا ينتفض الداخل وتحصل له مساندة من الخارج.
- الإبقاء على مصادر مالية مستدامة للإمامة تضمن بقاء الإماميين متفوقين مالياً وتحكماً عقارياً، وهو مضي على طريق الإمامة السابقة الذي أثبت هذا الأمر فاعليته اليوم؛ فأرضي العاصمة معظمها مصادرة إمامياً وهم البائعون والمشترون، فأسرة المتوكل مثل وأسرة شرف الدين، والمنصور، والمهدي، والهادي تكاد تكون هذه الأسر هي الأهم في تملك أراضي وعقارات صنعاء كمافيا عقارية لا تنتهي، وكل نقص في هذه العقارات يتم توفيته باسم الأوقاف.
- تجري عملية غسيل أموال طائلة ومبهرة لعناصر حوثية وإمامية موالية من صعدة، بنت الأبراج وتملكت العقارات لأموال مشبوهة غير معلومة المصدر، وبأسعار مضاعفة للغاية عما هي عليه، لم تكتف عند هذا الحد بل إن الحوثية زودت أقارب عناصرها بأموال رهيبة لاستثمارها خارجياً في دول الخليج، مما يعني مزيداً من التمويل الذاتي والمستمر.
- هذه الأموال هي المنهوبة من خزانة الدولة ومن التجار ومن الرسوم التي تفرضها المليشيا الإرهابية هي التي يتم تزويد بها عناصر قريبة منها جعلتها تتحكم في كل التجارة والمؤسسات التجارية في العاصمة صنعاء، وإنشاء أسر تجارية جديدة غير معهودة كتلك التي يعرفها اليمنيون.

كلمات دالّة

#اليمن