الأحد 01-12-2024 19:57:48 م : 30 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
قراءة في الخطاب السياسي للإصلاح في الذكرى ال 33 لتأسيسه
بقلم/ محمد يعقوب
نشر منذ: سنة و شهرين و 21 يوماً
الأحد 10 سبتمبر-أيلول 2023 03:30 م
 

يشدني اهتمام منتسبي الإصلاح وأنصاره ومحبيه بذكرى التأسيس الـ33 على المستويين الإعلامي والشعبي، ولا غرابة فالإصلاح حزب بحجم وطن، يتمتع بشعبية واسعة وامتداد عريق، فحين يقرر الاحتفال أو الاحتفاء ستحتفل اليمن بأكملها سهولها وجبالها.

وليس ذلك الاتساع مصطنعا أو متكلفا لكنه امتداد طبيعي للحيز الذي يشغله الإصلاح في الخارطة اليمنية.

وما يشدني أكثر اهتمام غير الإصلاحيين بتلك المناسبة سواء على المستوى المحلي أو الخارجي وما يبدونه من مواقف تجاه الإصلاح كحزب سياسي يمني وما يقولونه عن مواقفه السياسية وعلاقته بشركاء العمل السياسي وتعاطيه مع الأطراف المتعددة ذات الحضور المؤثر في الملف اليمني، وعن طريقة تعامله مع المتغيرات وإدارته للأزمات المتلاحقة في ظل وضع استثنائي مليء بالتجاذبات والاستقطابات وتقاطع المصالح على كافة المستويات والأصعدة.

ولمحاولة تقريب صورة الإصلاح لكل المتابعين والمهتمين في الداخل والخارج وتعريفهم بظاهرة الإصلاح الحزب السياسي اليمني وتجربته في العمل الحزبي نحاول تقديم قراءة للخطاب السياسي للإصلاح وكيف حدد مواقفه وصاغ توجهاته في مختلف المراحل وعلى كافة المستويات والأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، باعتبار الخطاب السياسي هو خلاصة توجهات الحزب السياسية والفكرية وعصارة تجربته الميدانية والعملية.

فعلى الصعيد المحلي انتهج الإصلاح منذ تأسيسه وإلى هذه اللحظة منهجية الخطاب المتزن الذي أكد على الشراكة والتعايش مع كافة الأحزاب والقوى المحلية، السياسي منها والقبلي والديني، ولم يدعي في يوم ما أنه صاخب الحق وغيره أهل الباطل، أو أنه الوطن وغيره العمالة، ولم يرفع الإصلاح في أي لحظة شعارات الاستحواذ أو العداء، ولا يعني هذا أنه تمكن من تصفير عداد الخصومات، بل كانت وما زالت.

لكن الأهم هو تعامله مع الخصوم وخطابه السياسي نحوهم والذي لم يتعد في أشد مراحله توصيفا منطقيا لتجاوزهم للثوابت الوطنية التي يؤمن بها أو عبث بعضهم بالمكتسبات الوطنية أو ما اضطر إليه من رد على تهمة رمى بها خصومه عليه، وإذا جمعت كل تلك البيانات ستجدها من أفضل ما قيل وكتب بين الخصوم السياسيين.

مارس الإصلاح العمل السياسي بكل جدارة وشارك في السلطة ثم تركها دون سفك قطرة دم واحدة ثم عاد إلى الشراكة وشارك في جميع العمليات الديمقراطية وقبل بنتائجها واحترم إرادة الجماهير.

لم أجد للإصلاح بيانا سياسيا تخوينيا أو خطابا عنصريا أو توجها مناطقيا أو تمييزا فئويا، وهذا لا يعني أنه ليس للإصلاح أخطاء أو مواقف غير صحيحة لفلان أو فلان من منتسبيه ولكنني أتحدث عن سياسات ومنهجية ومواقف رسمية شاملة.

ولعل الإصلاح هو الأقل من بين الأحزاب اليمنية في الخطاب الرسمي، وبياناته ومواقفه تدرس بعناية وهو ما جعل مواقفه أكثر نضوجا واعتدلا وموضوعية، ولذا فإن المتحاملين عليه وجدوا أنفسهم مضطرين لكتابة بيانات مزورة باسمه أو اختراق مواقعه لصياغة تصريحات وأخبار تخدم تحاملهم وتجير لصالح أجندتهم.

وعلى الصعيد الإقليمي اتسم خطاب الإصلاح السياسي بمراعاة البعد الإستراتيجي للأمن القومي للمنطقة العربية عموما ولدول الجوار خصوصا، فمنذ تأسيس الإصلاح وإلى هذه اللحظة لم يصدر عنه موقف يسيء لأي دولة من دول المنطقة رغم المتغيرات الكثيرة التي عصفت بدولها مراعيا بذلك المصلحة الوطنية التي تقتضي أن تكون عليها علاقة اليمن بدول الجوار وعلى رأسها المملكة العربية السعودية في أعلى مستوياتها وفي أصح حالاتها، وهذا موقف ثابت للإصلاح لم يأت مع متغيرات الحرب التي شنتها مليشيات الحوثي الانقلابية على أبناء الشعب اليمني بل هي قناعة راسخة التزم بها الإصلاح على مدى ثلاثة وثلاثين عاما من العمل السياسي.

ولم يتمكن خصوم الإصلاح من إيجاد بيان واحد أو موقف سياسي خارج عن هذا الالتزام رغم استماتة خصومه في إظهاره كخصم ومهدد لدول الجوار والمنطقة كلها وعلى رأس هؤلاء مليشيات الحوثي الإرهابية التي ذهبت مطابخها نحو فبركة وتزوير خليط من الخطاب الإعلامي والتصريحات والشائعات التي حاولت فيها أن تشكك في موقف الإصلاح من التحالف العربي لدعم الشرعية وشراكته كمكون رئيسي ضمن منظومة الشرعية مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية بالذات، وحاولوا وضع الإصلاح في مربع الخصومة مع الأشقاء في المملكة، لكن تلك المحاولات والمغالطات اصطدمت بثبات مواقف الإصلاح ورسوخه وضبط خطابه السياسي، وبوعي وإدراك الأشقاء في المملكة بضحالة وخبث تلك الشائعات والمغالطات.

وعلى ذات الصعيد يتبنى الإصلاح الموقف الرسمي للشرعية اليمنية من مختلف القضايا الإقليمية كموقفه من الخلاف الخليجي ثم من المصالحة الخليجية وموقفه من إدانة أعمال إيران التخريبية في المنطقة وموقفه من ملكية الإمارات لجزرها المحتلة من إيران وغيرها من القضايا الإقليمية.

وعلى الصعيد الدولي فإن الإصلاح من خلال علاقاته بمختلف الأطراف الدولية يتبنى الخطاب الوطني المنسجم مع توجه مؤسسات الدولة المختلفة وله موقف واضح من الحرب على الإرهاب باعتبارها قضية ذات بعد دولي، وكان موقفه مطابقا للموقف الرسمي من القضية الفلسطينية والموقف من إيران والموقف من الحرب في أوكرانيا والموقف من الأوضاع في سوريا وليبيا والسودان ومن التنافس الامريكي الصيني والكثير من القضايا الدولية المختلفة.

ولكن رغم هذا الاتزان في الخطاب السياسي والانضباط والالتزام بموقف السلطات الرسمية للشرعية في مختلف القضايا الخارجية إلا أن ما يتعرض له الإصلاح من شركاء المعركة ورفقاء الميدان من تشويه وتخوين بحملات إعلامية ضخمة تجعلنا نؤكد أن هذه الحملات لا مبرر لها وأنها ناتجة عن كيد سياسي بأدوات استخباراتية لا تخضع مواده للتقييم المنصف ولا للتمحيص بل يسلم بها كما وردت، وهذا بحد ذاته بحاجة إلى مراجعة من كل شركاء المعركة وداعميها، وهذا يتطلب أن تتسم علاقة الشركاء المحليين والإقليميين مع بعضهم بالصراحة والوضوح وأن تعالج ملفاتهم الخلافية عبر الحوار السياسي البناء وليس عبر التراشق الإعلامي في وسائل الإعلام ومنصات التواصل، وذلك أجدى وأنفع من خوض معارك جانبية في معسكر الشرعية وتفويت الفرصة على إيران ومليشياتها الحوثية التي يطول عمرها ويتمدد أمد سيطرتها بالاستفادة من تلك المعارك.

ومما يجب التأكيد عليه أن الخطاب السياسي للإصلاح ينتقد من البعض لقلة مواقفه الرسمية المعبرة عن الحزب وتغاضيه عن حملات التشويه التي تستهدفه وعدم الرد عليها وضعف الخطاب الشعبوي الجماهيري وغيرها من المآخذ التي لا يخلو منها أي عمل بشري، ولعلها فرصة سانحة للقائمين على صياغة الخطاب السياسي للإصلاح للاستفادة من كل قلم ناقد والعمل على تحسين وتجويد هذا الخطاب.

مبارك لكل منتسبي ومنتسبات الإصلاح وكل أنصاره ومحبيه وكل يمني ويمنية في داخل اليمن وخارجه هذه الذكرى وكل عام واليمن وأهلها بخير.