الخميس 21-11-2024 12:24:35 م : 20 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
مكة في عقيدتهم
بقلم/ د. ثابت الأحمدي
نشر منذ: سنتين و 11 شهراً
الثلاثاء 21 ديسمبر-كانون الأول 2021 04:26 م
  

هل علمتم أن إمامًا من أئمة الهادوية حج البيت الحرام؟؟!

أقول: لم يحج إمامٌ واحد من أئمة اليمن الهادويين بيت الله الحرام، بمن في ذلك الإمام أحمد الذي ذكرت المصادر أنه اعتمر، وزار "روضة جده" الشريفة بالمدينة فقط. مع وجود تصريح للأستاذ نعمان ــ إن لم تخنّ الذاكرة ــ عن اعتزام الإمام أحمد الحج ذات مرة؛ لكنه لم يفعل؛ علما أن الحج واجب على من استطاع، ولا أظن إمامًا ما غير مستطيع لأداء فريضة الحج. علما أن سلاطين وخلفاء الدولة الرسولية كانوا يحجون بيت الله سنويا من تعز، ويحملون إليها الكسوة، بينما أئمة الزيدية لم يفعلوا وهم بصعدة أو حجة التي تكاد تكون على ربع المسافة بين تعز من جهة ومكة والمدينة من جهة أخرى.

هذا مدخل لمعلومة تاريخية قد تخفى عن البعض، وهي أن الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني 376ــ 404هـ، قد أبطل الحج إلى مكة، وحوّله إلى منطقة "عيّان"، وعيان جبل في حجة غرب اليمن، وإليه اليوم تُنسب عزلة جبل عيان. ووفقا للإمام أحمد بن سليمان الذي أثبت الواقعة، ثم أراد نفيها بعد ذلك، يقول ما نصه في سياق الحديث عن الإمام الحسين بن القاسم العياني: ".. وحَدّثني مَن أثِقُ به أنه قال ل‍ه: هل رأيتَ المهدي أنت؟ قال: نعم. قال: كان معي في بيتٍ، ثم قام وتهيَّأ للخروج، فانفلق ل‍ه جدارُ البيت فخرج منه، ولم يخرج من الباب. وقال: إنه أمره بالحج إلى عيّان، فأقام يحجّ سنينَ كثيرةً، وفتح شريعة الحجّ من مكة إلى عيان، فأقام يحجّ سنين كثيرةً هو وقومٌ من أصحابه قدر مئة رجل ويزيدون. وكانوا يفعلون ذلك في أيام عيد عرفة، حتى قال فيهم شاعرٌ ممن أنكر عليهم:

حَجَّ الأنامُ إلى المحصّب من مِنًى ... وإلى مَدَقّة حَجَّ آلُ القاسم

وقد ظلت هذه الفرقة مستمرة حتى القرن التاسع الهجري.

ومدقة هي البقعة التي حج إليها هؤلاء في جبل عيان نفسه، وترد أحيانا بلفظ "المدقة". انظر: صورة لمخطوط "الحكمة الدرية والدلالة النورية، أحمد بن سليمان، ص: 202.

وقد أثبت هذه الحالة الشيخ محمد عبدالعظيم الحوثي في تسجيل، على الرابط: https://twitter.com/asas12367/status/1323017741444546560?s=21

والإمام الحسين بن القاسم هذا نفسه ادعى أنه المهدي أولا، ثم ادعى أنه رسول من الله، ثم ادعى أنه أفضل من الرسول نفسه، ثم ادعى أن كلامه أبهر من كلام الله عز وجل. وحين طلق زوجته، تزوجها رجل آخر بعد وفاة عدتها، فلما علم هذا الإمام بذلك أخرجها من زوجها، وتشبه برسول الله، مستشهدا بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ). سورة الأحزاب. انظر حقائق المعرفة في علم الكلام، الإمام المتوكل أحمد بن سليمان، مراجعة وتصحيح: حسن بن يحيى اليوسفي، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، ط:1، 2003م، ص: 491. وننوه مرة أخرى هنا إلى أن محاولة نفي أحمد بن سليمان لها، بعد أن أورد تفاصيلها في كتابه تأكيد على صحتها. ولدرء الحرج من قبل شيوخ الهادوية المعاصرين يُقال أن مجدالدين المؤيدي قال: غُرر على الإمام أحمد بن سليمان. "لم أجد لكلامه هذا مصدرا معتبرًا". وللقارئ أن يعتبره في حكم العدم.

انظر موقع "منذر الزيدية" على تويتر، على الرابط: https://twitter.com/asas12367/status/1323017741444546560?s=21

 

إن يفعل فقد فعل إمام له من قبل

ما تجدرُ الإشارة إليه هنا أنه وفي ذات الفترة، وتحديدا سنة 390هـ، أقدم الحاكم بأمره الفاطمي في مصر في نقل الحج من مكة إلى مصر، ".. فقد شيّد في المنطقة الواقعة بين الفسطاط والقاهرة ثلاثة مشاهد، لينقل إليها رفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورفات أبي بكر وعمر من المدينة، وذلك بهدف تحويل المسلمين عنها إلى القاهرة لشد الرحال إليها، وجعلها في مقام المدينتين المقدستين، وهي محاولة كتب لها الفشل". انظر تاريخ الفاطميين في شمالي افريقيا ومصر وبلاد الشام، د. محمد سهيل طقوش، دار النفائس، بيروت، لبنان، ط:2، 2007م، ص: 280.

وفي عهد هذا الخليفة الفاطمي "كان الخطباء يلعنون الصحابة على كافة منابر مصر". نفس المصدر، ص:270؛ نقلا عن ابن خلكان. 293/5. فسبحان من جمع الفكرة الواحدة في مصر واليمن والديلم..! والحقيقة: (ذرية بعضها من بعض) أينما كانوا، وحيثما حلوا.

وعودة إلى الأئمة والحج. يعتقدون أن حكم المجبرة ــ وهم أهل السنة ــ حكم الحربيين، وأن مبرر وجود أرض للمجبرة "أهل السنة" بين ديار أهل البيت من جهة، والكعبة المشرفة من جهة أخرى عذرٌ كافٍ لسقوط الحج عنهم، فأرضهم أرض نجاسة، ولا يمكن لهم الاحتراز من رطوباتهم، حد تعبيره. انظر المجموع المنصوري، مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، تحقيق: عبدالسلام بن عباس الوجيه، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، ط:1، 1، 2002م، ص: 135/1.

وفي اعتقادهم أن مكة والمدينة هما دار حرب على الدوام ما دامتا خارجتَين عن سيطرتهم، فهو يقول: فأما نحن فعندنا أن كل أرض ظهرت فيها خصلة، أو خصال من الكفر المعلوم بالأدلة، ولا يفتقر مظهرها إلى ذمة من المسلمين ولا جوار، وسواء كانت أرض مكة منزل البعثة أو المدينة دار الهجرة..". نفس المصدر، ص: 93/1.

ولهذا فحين ظهر الإمام إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى الملقب بالسفاك، وهو من نسل الحسن بن علي، بالحجاز، وغلب على مكة أيام المستعين العباسي، غوّر العيون "هدم عيون الماء" وقتل من الحجاج كثيرا، ونهب أموالهم، وقام من بعده أخوه محمد بن يوسف، فأربى على فعله في السفك والنهب والفساد". انظر: عمدة الطالب لابن عنبة، تحقيق السيد مهدي الرجائي، ط:1، 2009م، ص 65.

وفيه يقول الأصفهاني: ".. فعاث وأفسد، وعرض للحجاج، وتبعه أمثال له، وقطع الميرة عن الحرم، وكرهت ذكره..". انظر: مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني، ط:2، ص: 524.

ويقول عنه ابن الأثير في تاريخه، ضمن حوادث سنة 251هـ: ".. وفيها ظهر إسماعيل بن يوسف... وقتل الجند وجماعة من أهل مكة، وأخذ ما كان حُمل لإصلاح القبر من المال، وما في الكعبة وحزائنها من الذهب والفضة وغير ذلك، وأخذ كسوة الكعبة، وأخذ من الناس نحوا من مئتي ألف دينار، وخرج منها بعد أن نهبها، وأحرق بعضها..". انظر: الكامل في التاريخ، عزالدين بن الأثير، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمير، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 2012م، ص: 231/6.