الإثنين 29-04-2024 03:53:52 ص : 20 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثوار 11 فبراير بمحافظة إب.. مسيرة نضال جديد ضد الكهنوت الحوثي

السبت 12 فبراير-شباط 2022 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد الرحمن أمين

 

لم تكن ثورة الحادي عشر من فبراير 2011 إلا واحدة من سلسلة الثورات اليمنية، وفسيفساء ثوري شكلته طبيعة الشعب اليمني الحر المتسمة بالعزة والكرامة والإباء المتمردة على الظلم والقهر والتسلط والاستبداد، ولم تكن سوى امتداد لثورة الـ26 من سبتمبر 1962 واستلهاما لمعانيها الخالدة واستئنافا لنفسها الثوري.

  

ومع كل المحاولات المتكررة من قوى عدة لإعادة الاستبداد بنسخته العصرية، وإعادة الملكية الإمامية بثوب الجمهورية، ومحاولة تمريرها وتهيئة المناخ لذلك وفرض واقع جديد يصعب الخروج منه، إلا أن وعي الشعب اليمني كان بمثابة الصخرة التي تكسرت عليها كل الأطماع والمشاريع الصغيرة.

أتت ثورة 11 فبراير 2011 كحل أخير لتحقيق أمل منشود ظل يراود الشعب اليمني منذ الثورة الأولى التي اندلعت شرارتها في 26 سبتمبر 1962 ضد سلطة كهنوتية مشبعة بالظلم والاستبداد والفساد بحق أبناء الشعب اليمني طيلة قرون من الزمن طغت على كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، سلطة كهنوتية مارست القمع والتنكيل ومصادرة الحقوق والحريات بأبشع صورها.

وعلى الرغم من عنفوان الثورة واتسامها بالطابع الشعبوي واتساع نطاقها لتشمل كامل تراب الوطن، إلا أنها لم تكن تحمل بين أهدافها الانتقام من شخص أو حزب بعينه، بقدر ما رفعت شعارا تحرريا عاما وسعيا لترسيخ الديمقراطية وحق الشعب في اختيار حكامه، وإعادة الاعتبار لدولة النظام والقانون وتفعيل الدستور، وإرساء مداميك الدولة المدنية الحديثة، ووطن يتسع للجميع، يتضح ذلك جليا من خلال ما أفرزته الثورة من نتائج إيجابية حافظت على اللحمة الشعبية والنسيج الاجتماعي متجسدا بالترحيب بالمبادرة الخليجية، والقبول برئيس توافقي من الحزب الحاكم نفسه، والبدء بـ"مؤتمر الحوار الوطني" الذي ضم كافة القوى السياسية والمكونات المجتمعية.

ولم تكن محافظة إب استثناء من المشهد الثوري المتصاعد الذي ضم كل محافظات الجمهورية، بل كانت في طليعة المحافظات التي كان لها زخم ثوري فريد، إذ شهدت المحافظة عشرات المسيرات السلمية التي انطلقت بمختلف شوارعها ومدنها، إذ تعتبر أول محافظة خرجت بمسيرة مليونية، كما ضمت المحافظة اعتصامات ومخيمات عدة توزعت على مدن مختلفة، فقد كانت محافظة إب واحدة من كبرى المحافظات التي احتضنت الثورة ونسجت تفاصيلها بأحرف من نور، وسطرت لليمنيين وللأجيال القادمة دروسا بليغة في التحضر والمدنية، وعكست صورة أكثر ألقا وجمالا بسلميتها وتحضرها ورقي أبنائها.

فقد هبت نخبة من شبابها بمختلف مستوياتهم في وقت مبكر من عمر الثورة لمناصرتها، وتداعى معهم مئات الآلاف من أبناء المحافظة من كافة مديرياتها وأطرافها المترامية، متحدين الصعاب ومتخطين العراقيل والحواجز، غير آبهين بالعواقب منطلقين بروح المسؤولية ومبادئ التضحية.

ويعتبر أبناء محافظة إب من أوائل الذين ارتقوا شهداء في الثورة عموما، إذ لم يكتف أبناؤها برفد مخيمات المحافظة الثلاثة وتعزيز المسيرات المليونية، بل غصت بهم مخيمات الاعتصام في مختلف المحافظات وأبرزها ساحة التغيير في العاصمة صنعاء.

يقول الناشط في الثورة الشبابية السلمية وأحد أبرز قياداتها الدكتور "أمين الشفق": "البداية كانت في يوم الجمعة 18 فبراير بعد أن تم الاتفاق مع الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى موقع فيسبوك تحديدا أن نخرج مظاهرات بعد صلاة الجمعة ونلتقي في بوابة المحافظة وهناك آخرون خرجوا من مساجد متعددة وانطلقوا إلى أماكن أخرى".

ويضيف الشفق: "بعدها بيوم تم الاتفاق على ساحة خليج الحرية وكانت أول ليلة لنا يوم الأحد 20 فبراير، وأذكر أن ذلك اليوم لم ننم فيه نهائيا، وكانت جلسات متواصلة مع الشباب داخل المكان الذي سيكون ساحة للحرية والثورة وأعلن عنه في وسائل التواصل الاجتماعي".

ويردف بالقول: "تواصل توافد الشباب يوما بعد يوم وكانت أكبر مسيرة عرفتها إب يوم الثلاثاء 3 مارس 2011 أي قبل جمعة الكرامة وسميت تلك المسيرة بمسيرة الغضب".

وقد عكست المسيرات المليونية التي كان ينظمها شباب الثورة ويدعون لها، تأييدا واسعا وقبولا مجتمعيا للثورة السلمية، فكانت تحظى تلك الدعوات باستجابة كبيرة واهتمام بالغ لتشكل تلك الجماهير المتدفقة سيولا بشرية هادرة وبصورة لافتة خطفت الأضواء وجذبت عدسات المراسلين وأقلام الصحفيين.

سلمية هذه المسيرات ومستوى التنظيم ورقي الشباب المشاركين فيها كان هو العنوان الأبرز لتلك المسيرات، حيث كانت إب أكثر محافظة يحتشد فيها الثوار في كل مسيرة تنطلق، حيث كانت شوارع المدينة تكتظ بالحشود التي مثلت نموذجا فاق جميع المحافظات، وبالرغم من هذه الحشود الهائلة التي كانت تجوب شوارع المحافظة المكتظة بالأسواق والمحال التجارية والبسطات فقد حرص الشباب على سلمية تحركاتهم وحافظوا على الممتلكات الخاصة والعامة، ليخلدوا نموذجا حضاريا للسلوك السلمي والتعامل الراقي الذي أضفى على هذه المسيرات المزيد من الجمال.

وقد كان للمشايخ والوجاهات الاجتماعية الذين يمثلون البوصلة السياسية في أغلب المجتمع مواقف مشرفة تجاه الثورة الشبابية السلمية، إذ كانوا أكثر تفاعلا وأكثر نضجا وإيجابية، وكانت تمثل الانضمامات شبه اليومية المعلنة على منصة خليج الحرية لهؤلاء المشايخ والوجاهات وأمام كاميرات وسائل الإعلام إعلانا صريحا وتأييدا واضحا ومساندة حقيقية للمعتصمين السلميين المطالبين بالعدالة والديمقراطية والحرية والكرامة.

الفوارق والطبقات والامتيازات كانت الأكثر تلاشيا والأكثر غيابا عن المشهد الثوري لتصبح ساحة "خليج الحرية" الساحة التي احتضنت الثوار بيتا تنتمي إليه كل شرائح المجتمع وكل أبناء المحافظة بمختلف ألوانهم وانتماءاتهم الحزبية والسياسية والأسرية ليشكلوا نسيجا واحدا أكثر ترابطا وأكثر تماسكا.

فقد شهدت ساحة "خليج الحرية" في مدينة إب انضمام العديد من الجمعيات والفئات، حيث انضمت جمعيات تابعة لمن يسمون بـ"المهمشين" إلى ساحة "خليج الحرية" في المدينة حيث يعتصم الآلاف بشكل يومي رافعين شعارات الثورة والتغيير السلمي.

وقد أشار مسؤول جمعية "الكف الأسمر" في كلمة ألقاها على المعتصمين إلى أن انضمامهم للثورة يأتي سعيا لتحقيق أهدافهم ومطالبهم، والسعي إلى إزالة ما تكرس من الفوارق العنصرية والتي كان المهمشون الطرف الأكثر تضررا منها طيلة العقود الماضية، وحرمتهم تلك العنصرية من التعليم والصحة والوظيفة وكافة الحقوق والامتيازات.

تفاصيل الثورة في محافظة إب ومسيرتها التحررية عكست الوجه الأنصع والجانب المشرق للثورات العربية المشتعلة في تلك الفترة.

فبالرغم من كثرة الاعتداءات التي كان يتعرض لها شباب الثورة والاستفزازات المتكررة والاستهداف والقنص المتعمد من قبل من كانوا يسمون بـ"البلاطجة"، والمحاولات المتكررة لاستدراج ثوار المحافظة وجرهم إلى مربع العنف، إلا أنهم وبكل صبر واقتدار ونضج ووعي ثوري وحس أمني وإدراك لحجم المؤامرة وخطورتها استطاعوا أن يحافظوا على مسار الثورة ونهجها السلمي، رغم أن محافظة إب هي واحدة من المحافظات اليمنية التي ينتشر فيها السلاح بين المواطنين.

المرأة الإبية كانت حاضرة في المشهد بشكل لافت أيضا وبصورة لا تقل وعيا، فقد كان لها دور نضالي بارز لا يقل عن دور أخيها الرجل منذ بدايات الثورة وإرهاصاتها الأولى، وقد نظمت عدة احتجاجات مناصرة للقضايا الوطنية واعتصامات ومسيرات ووقفات احتجاجية ومهرجانات نسوية، حيث كان للمرأة في إب دور كبير ورئيسي في مسيرة الثورة، فقد كانت بجانب مشاركتها بنفسها وجهدها ومالها وصناعة الغذاء والتطبيب في الساحة تشحذ همم أبنائها للمشاركة في الثورة، كما سهلت أيضا لزوجها أن يستمر بالساحة وتحملت عنه شؤون البيت وأعباء الحياة.

ولم يكن رجال المال والأعمال من أبناء المحافظة بمنأى عن الثورة الشبابية السلمية، بل كانوا في طليعتها، إذ شكل حضورهم الركيزة الأساسية والسبب الأهم في استمرارية الثورة وبقائها في أوجها وعنفوانها من خلال الدعم المتواصل واللامحدود للمعتصمين، وكانت لهم إسهامات في توفير المواد الغذائية وإعداد الطعام للكثير من المتظاهرين.

وقد تحول دعم المخيمات والمتظاهرين إلى ظاهرة في محافظة إب، إذ اتسع نطاقها لتشمل مختلف مناطق المحافظة، حيث كان لأبناء المديريات المجاورة إسهامات كبيرة في دعم إخوانهم المعتصمين من خلال تجهيز القوافل الغذائية وتسيير العديد منها بالرغم من الحالة المادية الصعبة للكثير من الأسر السباقة لإعداد وتجهيز تلك القوافل.

وعن أبرز المخاطر التي كانت تواجه الاعتصام يقول الناشط أمين الشفق: "كانت الاعتداءات المستمرة من البلاطجة الذين كانوا أيضا يتجمعون في مخيمات أمام استاد إب الرياضي هي أبرز التحديات وأخطرها على المعتصمين"،

موضحا أن "عدم وجود تمويل كاف لتغذية اللجان والمقيمين بشكل دائم في الساحة كان تحديا آخر، فكان معظم الشباب يعتصمون نهارا ويذهبون ليلا لبيوتهم ينامون ويأكلون ويشربون ويعودون صباحا، كان الهم الأكبر هو توفير الغذاء للقادمين من الأرياف والذين انضموا لمخيم الاعتصام".

ومن أبرز الإشكالات والتحديات التي رافقت عملية الاعتصام يذكر "الشفق" أنها كانت تتمثل پـ"المشاكل الداخلية المفتعلة بين المعتصمين وتدخلات بعض المنضمين للاعتصام بهدف تغذية تلك المشاكل وتوسيعها وهدم الاعتصام من الداخل، غير أن كل تلك الإشكالات تم تجاوزها بفضل الله وتوسيع لجنة الاعتصام واستيعاب الجميع داخل الساحة".

ورغم ما حملت الثورة ومسيراتها من طابع سلمي في محافظة إب إلا أن المتظاهرين والمعتصمين لم يسلموا من عنف وإرهاب المتربصين بالثورة السلمية، فقد تعرضت تلك المسيرات بل وحتى مخيم الاعتصام لإطلاق الرصاص الحي واستهداف مباشر للمعتصمين والمتظاهرين، لتسجل المحافظة قرابة 100 شهيد ومئات الجرحى خلف بعضها إعاقات دائمة.

ونتيجة للحماس والمشاركة الفاعلة من أبناء المحافظة وتدفق المعتصمين وعجز مخيم خليج الحرية عن استيعابهم، فقد تم إنشاء مخيمين آخرين في كل من مدينة يريم ومدينة القاعدة، والتي كانت تغص هي الأخرى بآلاف المعتصمين من كل الأطياف ومختلف الأعمار، ليصبح القاسم المشترك بين ساحات الاعتصام الثلاث هو سلمية ومدنية المعتصمين.

هكذا انتفض ثوار محافظة إب معلنين ثورتهم ومؤكدين على خيارهم الثوري لتحقيق أهداف ثورتهم المجيدة ومبايعين شهداء هذه المحافظة الذين رووا بدمائهم الزكية أرضهم المقدسة، وما زالت قوافل الشهداء تمضي تباعا، إذ قدمت المحافظة ما يربو على ألفي شهيد وآلاف الجرحى منذ انطلاقة الثورة في 11 فبراير وحتى هذه اللحظة (فبراير 2022)، إذ برزت مخلفات الاستبداد بوجه أكثر بشاعة وقبحا متمثلا بمليشيا كهنوتية حملت على عاتقها تدمير اليمن حاضره وماضيه.

فلا يزال التخلف والاستبداد بأشكاله الجديدة المتنوعة يقف حجر عثرة أمام مسيرة الثورة لنيل مطالبها وتحقيق أهدافها، وما زالت الثورة في ريعان شبابها لا تلوي على شيء مما يعيقها من مخلفات الكهنوت والاستبداد جاعلة نصب عينيها تحقيق أهداف الثورة ماضية نحو فجر الحرية.

ثورة نفضت الغبار عن ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وكشفت حجم التدمير الذي لحق بقيم الثورة اليمنية، وحجم الاستهانة والامتهان بقيم التغيير التي قدم لأجلها الأجيال الثائرة أرواحهم الطاهرة، وسكبوا على تراب الوطن للانتصار دماء زكية غزيرة، ورسخت بنهوضها أرضية الثورة اليمنية، وأصلت على أساسها مسارها الجديد، وصولاً إلى الدولة المدنية الحديثة، دولة النظام والقانون، دولة الحرية والمواطنة المتساوية

                                                                     

كلمات دالّة

#اليمن