السبت 27-04-2024 18:02:10 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثورة 11 فبراير.. دوافع، أهداف، ملهمات .. الحلقة (2): أخلاقيات الثورة واغتيالها

السبت 13 فبراير-شباط 2021 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي
 

 


أولاً، خلاصة الحلقة الأولى أن الهدف من قيام ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية هو:

1- إسقاط نظام فاسد منتهي الصلاحية وتحرير الشعب من الاستبداد. 
2- تمكين الشعب من القيام ببناء منظومة القيم السياسية الكفيلة بحماية النظام الجمهوري والدستور والقانون ومؤسسات الدولة، وذلك من خلال النخبة الممثلة للشعب، والمتمثلة في لجنة الحوار الوطني وغير ذلك.
   
ثانيا، أخلاقيات الثورة:

1- نقول جازمين إن ثورة 11 فبراير كانت انطلاقتها أخلاقية منذ اللحظة الأولى، ذلك أن الشعب انطلق يمارس في ثورته حقا أخلاقيا مسؤولا، انطلاقا من قيم الشعب وهويته، والتي تجسدت سلوكيا في العمل الثوري السلمي الأخلاقي، فكانت القيم والأخلاق تحدوه من الأعماق نحو مقاومة الفساد والإفساد في الأرض، فانطلقت الثورة منضبطة في تصرفاتها.

ولا غرابة فتلك هي عقيدة الشعب اليمني وهويته الضاربة في أغوار ومسارب الوعي واللاوعي والوجدان والسلوك المستندة إلى قيم الوحي المعصوم وتشريعات الإسلام الحنيف.

2- تحلى شباب الثورة بضبط النفس أمام جرائم النظام الذي مارس القتل، وقد بدأت كبريات مذابح رأس الفساد يوم جمعة الكرامة ولحقتها مذابح أكبر وأسوأ.

3- واجه شباب الثورة مذابح رأس النظام بسلوك أكثر أخلاقا وأكثر انضباطا، مقدمين عشرات الضحايا ومئات الجرحى، فلم تلن له قناة حتى فشلت منظومة الفساد تماما إذ لم تتمكن من زحزحة شباب الثورة عن أخلاقياته وجرجرته نحو العنف.
 
 4- حصانة غير مسبوقة:
 
أثبتت ثورة 11 فبراير دلالة قاطعة على سلميتها وأنها غير إقصائية ولا استئصالية وذلك من خلال ما يلي: 

أ- منح رأس النظام حصانة هو وأسرته بعد المحاكمة رغم جرائمه طيلة فترة حكمه وجرائمه تجاه الثورة السلمية. 

ب- وسّعت الحصانة لكل من كان ضمن منظومة الفساد من الحاشية.

ج- عدم إقصاء الحزب الحاكم (المؤتمر) بل اعتبرته أحد المكونات الوطنية الأمر الذي يعني بقاء الحزب في منظومة الحكم. 

د- تقبلت الثورة أن يكون للحزب الحاكم نسبة 50% في لجنة الحوار الوطني وفي حكومة الوفاق. 

هـ- نقل السلطة إلى نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب المؤتمر الحاكم. باختصار، برهنت الثورة عمليا على قيمها وأخلاقياتها أنها تسعى لإصلاح النظام وبناء الوطن وقيام دولة المؤسسات وصولا إلى خدمة الشعب والحفاظ على النظام الجمهوري ومقدراته وممتلكاته. 

إذن، ما كانت ولم تكن ولن تكون ثورة فبراير انقلابا انتقاميا ولا إقصائيا، رغم الطاحونة الإعلامية والطابور المخابراتي الواسع الذي يكيل الشتائم ويصطنع التهم بل وصل إلى قذف أعراض الثوار من الجنسين جهارا نهارا وبكل وقاحة.

ثالثا، اغتيالات الثورة: 

لم يكتف رأس الفساد بجرائمه، ولم يقدّر سماحة الثورة تجاهه وأسرته، وإنما كشف عن لؤم وحقد ناجم عن سقوط قيمي، معلنا بوضوح، في موقفين، الموقف الأول قال: "أهم شيء حسن النوايا"، وفي الموقف الثاني قال: "سنعلمهم المعارضة". 

كان شباب الثورة يدركون بوعي تام ذلك الحقد، أي انهم في مرمى أحقاد الصغار، انتفاشة الجبناء ممتلؤون غرورا بقوة السلاح ولسان حالهم ومقالهم: أحكمك أو أقتلك. 

هكذا تفجرت أحقاد رأس الفساد وهو يرى حكومة الوفاق الوطني تقدم نموذجا متفانيا في العطاء دون زعيق إعلامي، فكم أعادت حقوقا مسلوبة وغائبة للجيش والأمن منذ عقود (علاوات، رتب، مواد غذائية)، وأعادت أكثر من ثلاثة مليارات ريال لقوات الأمن بما فيها الأمن المركزي والتي كانت منهوبة باسم يحيى عفاش تحت شعار تمكين جنود الأمن أراضي وشقق.

قامت حكومة الوفاق بتوظيف قرابة 63 ألف حالة، واستعادت ميناء عدن بدبلوماسية عالية دون ضجيج، وأعادت النظر في جريمة صفقة الغاز، والتي مثلت عارا وشنارا لا يمحوه الدهر، وصولا إلى رفع تسعيرة الغاز (الطن اللتري من دولار ونصف إلى 6 دولارات قابلة للزيادة في كل عام).

كانت حكومة الوفاق الوطني تشق طريقها وسط ألوان الحقد المسلح في كل ميدان والهدف إعاقتها عن تقديم أي إنجاز.

ومن المفاجآت اللافتة للنظر أن كاتب هذه السطور التقى بشخصية كانت محط أنظار المجتمع، كان اللقاء في بيت هذه الشخصية بتاريخ 13 أكتوبر 2013، كنا ستة أشخاص واستمر اللقاء قرابة ساعتين ونصف، ومما قالته هذه الشخصية: ما كان ينبغي أن تكون حكومة الوفاق حكومة خدمية وإنجازات، إذ الصواب تكون حكومة تصريف أعمال فقط. 

طغيان الإعجاب بهذه الشخصية جعلنا نصدّق أن كلامه هذا صادر عن شخصية سياسية مخضرمة ومحيطة بالواقع والبعد الخارجي، وأنه من الخطأ محاسبة حكومة الوفاق وهي في هكذا واقع.

غير أن مواقف وتصريحات وتغريدات لاحقة توالت لهذه الشخصية فأدركت أنها كانت لا تقل حقدا عن رأس الفساد ومنظومته الحاقدة على الوطن بدليل ممارسات التخريب، وهذه نماذج سريعة: 

1- تفجير أنابيب النفط.
2- نسف أبراج الكهرباء.
3- اغتيالات بلغت 305 محاولة اغتيال لم يفشل منها سوى 22 حالة تقريبا.
4- اقتحام وزارة الداخلية في رمضان من قبل عناصر الحرس والأمن ولكن بلباس مدني، حيث تم نهب حتى حنفيات دورات المياه.

رابعا، اغتيالات من نوع آخر: 

اتجهت أحقاد الفساد وفق خطط إلى صور مختلفة من اغتيال واختلاس وسرقة الثورة أبرزها: 

1- صراع إرادات: في ثورة مضادة مدعومة ماديا وإعلاميا وتكتيكيا، ينفذها جهاز أمني فاسد طالما إلتهم الموازنة 35 عاما.

2- حملات تزييف الوعي المجتمعي وتم الركيز على رأس حكومة الوفاق وإلصاق الفشل بها.

الحقيقة أن تلك الحملة الإجرامية استهدفت دفن النجاحات الأولى لحكومة الوفاق من خلال إثارة عشرات الزوابع الإعلامية والاغتيالات وتفجيرات أبراج الكهرباء وأنابيب النفط، وللأسف وجدنا شخصيات انساقت إلى جانب جوقة المرتزقة، فتصاعدت زوبعة الشغب وتناغمت مع الحملة الظالمة كما رسم لها مطالبة بإقالة رئيس الحكومة. 

ومن ذلك توقيع رئيس حكومة الوفاق على الحصانة، فظهرت شخصيات من كل الأحزاب بل ومؤتمرية تتباكى على دماء الشهداء التي استلمت ثمنها حكومة الوفاق. 

3- شخصنة الثورة وأنها بين علي محسن ورأس النظام.

4- تشويه سمعة الثورة وصورتها من خلال انبعاث خطاب ديني متهافت، تؤازره منظومة الفساد (خطابا يقول إن الثورة هي صنيعة غربية)، وإن عفاش لا زال هو ولي الأمر ولا عبرة بتنازله، بل ولا اعتبار للأمة التي هي مصدر الشرعية السياسية. 

هذا الخطاب لا زال حتى اللحظة يصرخ داعيا أتباعه ألا ينجرّوا مع شرعية مأرب، إنه باختصار ينكر الشرعية السياسية القائمة ويعترف بالانقلاب المليشاوي المتغلب بأنه الشرعية البديلة لشرعية القتيل عفاش، وأسوأ من هذا هو القول إن هذا هو تشريع الإسلام.

مفهوم هذا الخطاب الفج يعني أن الثورة مجرمة لأنها لم تقتل الزعيم السابق ولم تتغلب بالسلاح، وإنما عبر الصندوق، وهذا دليل أن الثورة صناعة غربية 100%.

السلام والسلمية جريمة وبدعة وضلالة، والقتل عين الإسلام، أرأيتم مخزون عفاش؟

5- المعركة الكبرى: هي السعي اللاغب إلى سرقة الثورة، والحقيقة أن هذا الاغتيال ظهر مبكرا مترافقا مع ظهور الحراك السلمي الجنوبي وذلك من خلال صناعة شخصيات تتبعها أعداد من المخزون الفاسد يقومون بدور التصفيق لتلك الشخصيات ذات الخطاب النقدي اللاذع، بل والذي يغلب عليه الإسفاف شتما وقدحا في رأس النظام وأسرته.

لقد كان الهدف هو أن تلك الشخصيات قادرة على اشتمام إمكان قيام ثورة، وبعد قيام الثورة استهدف المخزون جرجرة شباب الثورة خلفهم، والهدف هو سرقة ثمرة الثورة أو قطف ثمارها ومن ثم إعادتها إلى بيت الفساد مرة أخرى. 

6- ملشنة الجيش: فشلت فكرة السرقة بواسطة الشخصيات المنتعلة، فكان البديل ملشنة الجيش والأمن وإبدال الزي المدني مكان الزي العسكري، ويبدأ مشوار جديد اسمه حرب دماج وكتاف وعمران وهمدان وأرحب والجوف، علما بأن سقوط خمس محافظات كان قد بشر به رأس الفساد بأنه إذا حصلت ثورة ستسقط خمس محافظات بيد القاعدة. 

الشخصيات التي أعدّت للسرقة أعيد النظر في توظيفها مجددا لإطلاق التغريدات مبررة أعمال الملشنة، داعية إلى حيادية الجيش، وأن الموضوع هو عملية قيصرية.

وقد أجاد الشاعر هاتكا ذلك القناع الأيديولوجي المرحّب بالديمقراطية إذا كانت ستوصله للكرسي.. لقد صاغ الشاعر لافتة عرّت الزيف قائلا: 

كالمليشيات من لاذوا بصمتٍ
كرصاص الغدر تنظير الحيادِ

7- تمزيق النسيج المجتمعي: سلكت منظومة الفساد مسالك شتى في تمزيق النسيج الاجتماعي طائفيا وثقافيا وفكريا وسياسيا واجتماعيا.

الحقيقة أن منظومة الفساد وظّفت الشخصيات للقيام بهذا الإجرام كل بحسب حضورها السياسي وغيره، وقد تجلى ذلك في إعلان مغلّف بالنفاق بعنوان مفاده أنه في فندق سوفتيل بتعز سيقوم الدكتور فلان بإلقاء محاضرة بعنوان "الديمقراطية في مجتمع متخلف"، تقافزت الأسئلة وسط الحضور: ما هذا العنوان؟

أجاب البعض: الشخصية يسارية مخضرمة لن تغالط المجتمع الناظر إليها بأعجاب، ولا شك أنها ستقدم رؤية تحمل معالجات الوعي الثقافي تجاه الديمقراطية التي نحن قادمون عليها بعد نجاح الحوار.

آخرون: ثقتنا كبيرة بالشخصية، والصواب هو أن ننتظر الاستهلال الصادم.. كم كان الموقف صادما للحاضرين المهتمين بنجاح الحوار الوطني.. لقد بدأ د. المحاضر طاعنا في سياسة معاوية، تلفّت الكثير بين متسائل ومتعحب.

أفرغ المحاضر مجموعة من الجمل المستهلكة والتي توحي أنها تلقينٌ لحظيٌ محض، أو أنها ورقة دستها عناصر المليشيا، وبعد دقائق قليلة انتقل إلى الفصل الأخير من روايته التي كتبها عام 1967 في القاهرة ناقدا نظام ناصر الذي خاصم الماركسيين حينها، ونثرها بطريقته القديمة الأقرب إلى الهذيان فلم يعدّل فيها حرفا، وفور انتهائه استأذن المستمعين طالبا إعفاءه من الأسئلة أو التعليقات أوالمداخلات. 

لقد كانت المحاضرة بمثابة رفع غطاء المستنقع، حيث تتالت بعدها شعارات التمزيق المختلفة.

8- تطمينات عبر الأبواق القادمة من المخزون من جهة، واستعراض ثوري متحدي مقرونا بإطلاق التهم ضد رأس الفساد تمويها وضد الحكومة والشرعية الجديدة والمشترك ولجنة الحوار من جهة أخرى، والهدف هو تشتيت ذهن المواطن وصولا إلى فقدان الثقة بالجميع وأن الثورة تكذب.

9- سوء التسديد أو حرف المسار، وذلك بواسطة ضرب الثورة بيد الجيش المتملشن، هذه اللعنة الإجرامية التي لا يمكن أن ينساها التاريخ، كما أنها ليست آخر الجرائم.

نعم هي أكبر جرائم رأس الفساد على الإطلاق كونه أراد الانحراف بمسار الثورة والحيلولة دون الاقتراب من تحقيق هدف الثورة، ظنا أنه سيلتقط الثورة من خلال انقلاب ملشنة الجيش، وبعد سويعات سيلبس المتملشنون زي الجيش وستحقق أحلام المفسد وتعود الأمور إليه بعد إضافة طبخة بسيطة اسمها يا قيادة الكهف المليشياوي أنت مرجعيتي وأنا رئيسك، لكن الثورة أفشلت كل ذلك.

كلمات دالّة

#اليمن