السبت 27-04-2024 16:29:51 م : 18 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح والسلطة.. تنازلات متتالية لإرساء ثقافة الشراكة

الإثنين 28 ديسمبر-كانون الأول 2020 الساعة 06 مساءً / إلاصلاح نت-خاص- عبدالسلام الغضباني
 

 

يدور جدل واسع في الأوساط السياسية والإعلامية حول حجم مشاركة التجمع اليمني للإصلاح في السلطة، بين طرف يرى أن تمثيل الحزب في السلطة لا يتناسب مع حجمه وتضحياته، وطرف إقصائي تتجاوز أهدافه ليس الإقصاء من الشراكة في السلطة ولكن الإقصاء من الحياة برمتها، باستخدام وسائل العنف والإرهاب التي طالت عددا كبيرا من قيادات وكوادر الإصلاح.

وكالعادة، يكون لافتا أن نصيب الإصلاح من الحقائب الوزارية يتراوح بين ثلاث إلى أربع حقائب فقط، منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني عام 2012 وحتى تشكيل الحكومة الجديدة قبل أيام بموجب اتفاق الرياض الذي وقعت عليه السلطة الشرعية وما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، بهدف إنهاء التوتر في بعض المحافظات المحررة وتوحيد الجهود في الحرب على الانقلاب الحوثي والنفوذ الإيراني في اليمن.

- تنازلات للحفاظ على العملية السياسية

رغم أن مشاركة حزب الإصلاح في السلطة لا تتناسب مع اتساع قاعدته الجماهيرية وحضوره السياسي وتمثيله في البرلمان، فضلا عن دوره في الحرب على الانقلاب الحوثي والنفوذ الإيراني في اليمن، وما يتعرض له منتسبوه وقياداته من إرهاب واغتيالات وإخفاء وتعذيب في السجون بسبب تحالفه مع السلطة الشرعية ضد الانقلاب، لكن الأطراف الإقصائية لا تحتمل أن يكون للإصلاح أي حضور في السلطة.

وعادة يتم تحميل الإصلاح كل إخفاقات السلطة وإعفاء بقية الأطراف من الإخفاقات، مع أن مشاركته المحدودة لا تمكنه من التأثير على أداء الحكومة بشكل عام، لكنه يحرص على أن تتعاون مختلف الأطراف المشاركة في الحكومة على العمل بروح الفريق الواحد لخدمة المواطنين والتخفيف من معاناتهم وتنسيق الجهود في الحرب على الانقلاب الحوثي.

يتسم التاريخ السياسي للتجمع اليمني للإصلاح، منذ تأسيسه عام 1990، بالتضحية لأجل الوطن والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات وطنية بفضل المناضلين الأوائل، وأهم تلك المكتسبات النظام الجمهوري والهامش الديمقراطي الذي من الممكن أن يتطور في حال انتهت الحرب وتم الحسم لصالح المشروع الوطني، ولذا فإن الإصلاح لا يبدي أي حرص ليكون حضوره في السلطة الشرعية يتناسب مع شعبيته وحجم تضحياته، ويتعامل مع السلطة من زاوية الحرص على مصلحة الشعب وتوحيد مختلف المكونات السياسية والاجتماعية الوطنية ضد المشاريع الانقلابية السلالية والعائلية والمناطقية، ويقدم التنازلات تلو التنازلات حرصا على وحدة الصف وتعزيز العمل الوطني وحفاظا على الهامش الديمقراطي وإرساء ثقافة الشراكة في السلطة.

كما أن التنازلات التي يقدمها الإصلاح تأتي بدافع الحرص على تعزيز وتطوير العملية السياسية، وفي نفس الوقت فإنه لا يقف مكتوف الأيدي إزاء أي محاولات لوأد التحول الديمقراطي في البلاد لصالح مشاريع سلالية أو عائلية أو مناطقية ضيقة، ويقف مع مختلف شركاء العمل الوطني للدفاع والتضحية حفاظا على المكتسبات الوطنية، وفي مقدمتها النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي.

كما أن التنازلات التي يقدمها الإصلاح لأجل الحفاظ على الهامش الديمقراطي وتطوير العملية السياسية بدأت منذ وقت مبكر بعد تأسيسه، ومن نماذج ذلك، أنه بعد انتخابات عام 1993 تراجع عمدا من المركز الثاني إلى المركز الثالث، وهو ما انعكس على حجم مقاعده الوزارية، مقارنة بحجمه في البرلمان، وذلك للحيلولة دون تعثر العملية السياسية، بعد تفاقم الخلافات التي برزت إلى السطح بقوة.

وبعد الأزمة السياسية بين شريكي الوحدة، حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي، وتفجر الأوضاع واندلاع حرب صيف 1994، طرح حزب الإصلاح في مؤتمره العام الأول، عام 1994، ضرورة حل القضية الجنوبية، سعيا منه لاحتواء الأزمة اليمنية ومنع تفاقمها بما قد يعطل تطور العملية السياسية مستقبلا، وهو ما حدث بالفعل، حيث تنامت مشكلة الجنوب وصولا إلى تفجر القضية الجنوبية وتدشين فعاليات الحراك الجنوبي التي بدأت شرارتها الأولى مع إعلان ملتقيات ما عرف حينها بالتصالح والتسامح مطلع العام 2006، ثم انطلاق الحراك الجنوبي عام 2007، وكان ذلك مؤشرا واضحا على تعطل الحياة السياسية وجنوحها صوب العمل الشعبي الجماهيري.

وفي عام 1997، كانت العملية السياسية مهددة، بسبب مقاطعة معظم الأحزاب للانتخابات البرلمانية في ذلك العام، وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي اليمني، حيث هدد رئيس البلاد حينها علي صالح بإلغاء التعددية السياسية، ولم يكن أمام الإصلاح من خيار سوى المشاركة في الانتخابات رغم علمه المسبق بأنها لن تكون نزيهة وأن صالح يريد تكريس شرعية حزبه كحاكم أوحد لليمن، لكن الإصلاح كان أمام خيارين أحلاهما مر، فإما المشاركة في الانتخابات المعروفة نتائجها سلفا وإما نسف العملية السياسية كما هدد صالح، بعد سبع سنوات فقط من إعلان الوحدة، فكان خيار المشاركة دعما لمسيرة الحياة السياسية التي ولدت مع الوحدة وللحفاظ على الهامش الديمقراطي الهش الذي جاءت به.

بعد ذلك، حاول الرئيس السابق علي صالح زرع العداوات بين أحزاب المعارضة، ليشغلها عن التفرغ للرقابة على أداء نظامه، لكن الإصلاح تنبه لذلك، وبدأ يسعى بجدية لإنعاش المعارضة السياسية، وتوحيد جهودها للرقابة على أداء الحزب الحاكم، وفضح فساده المالي والإداري أمام الشعب وبمختلف الوسائل المشروعة، وأثمرت تلك الجهود الاتفاق مع الأحزاب الأخرى على تأسيس تحالف سياسي فيما بينها أطلق عليه "اللقاء المشترك".

كانت تجربة اللقاء المشترك ثرية في مضمونها، فمن جانب، كانت تلك التجربة كسرا للتقاليد السياسية العربية، المتمثلة في العداء الفكري والأيديولوجي بين الأحزاب والتيارات المحافظة والأحزاب القومية واليسارية. ومن جانب آخر، فقد أنعشت تلك التجربة بعض الأحزاب اليمنية التي كادت تتلاشى وتنتهي بسبب تفكيك وتمزيق علي صالح لها.

وقد قدم حزب الإصلاح تنازلات ساعدت بعض الأحزاب على النهوض، حيث تنازل لها عن بعض دوائره الانتخابية التي كانت مضمونة له، في انتخابات عام 2003 البرلمانية، وانتخابات عام 2006 للمجالس المحلية التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية، وحشد أنصاره للتصويت لصالح مرشحي اللقاء المشترك من الأحزاب الأخرى، بالإضافة إلى الظهور الإعلامي البارز لقيادات تلك الأحزاب، من خلال رئاستها الدورية لتحالف اللقاء المشترك.

- تغليب المصلحة الوطنية

وهكذا ما زال حزب الإصلاح يقدم التنازلات كموقف مبدئي لتغليب المصلحة الوطنية وتعزيز العملية السياسية المتعثرة والتي تكاد توشك أحيانا على الانهيار، ويتجلى ذلك مؤخرا من خلال حرصه على عدم الاستئثار بنصيب من الحقائب الوزارية يتناسب مع اتساع شعبيته وتأثيره السياسي ودوره في الحرب على الانقلاب الحوثي والنفوذ الإيراني في اليمن، وتضحياته الكبيرة في سبيل ذلك، وتعرضه لإرهاب ممنهج راح ضحيته عدد كبير من قياداته وأعضائه ومنتسبيه.

ورغم المشاركة المحدودة والمتواضعة لحزب الإصلاح في السلطة، إلا أنه تُوضع في طريقه العراقيل، وتعمل بعض القوى الإقصائية على شيطنته بشكل يفتقد للياقة والأخلاق ويتنافى مع قواعد العمل السياسي، وتحميله كل إخفاقات السلطة الشرعية، وأحيانا ابتكار إخفاقات وهمية، بهدف شيطنته وتحريض الجماهير ضده، إلا أن حملات الشيطنة ترتد على أصحابها، حيث تظهرهم بمظهر الحقد وغلبة ثقافة الإقصاء والتهميش، وبالتالي انتفاء ثقافة القبول بالآخر والتداول السلمي للسلطة والشراكة فيها.

كلمات دالّة

#اليمن #حزب_الإصلاح